مقالات الكاتب Ahmad Hassan
هكذا، فإن الدويندى قوةٌ وليس سلوكا، إنه نضالٌ وليس مفهوماً. وقد سمعت أستاذ جيتار عجوز يقول: “ان الدويندى ليس في الحنجرة؛ الدويندى يطفر من أخمص القدم”. وهذا يعني أنه ليس مسألة قدرة، بل مسألة شكلٍ حقيقي للحياة؛ أي شكلٍ حقيقي للدم، للثقافة الغابرة، للفعل الخلاّق.
صاغ ويليام بليك الأمر ببساطة، “كل شأن الإنسان هو الفنون وكل شيءٍ مشاع”، وابتهل مطالباً بذلك، “أعطنا خبزنا الذي هو نصيبنا وحقنا، بانتزاع المال، أو السعر، أو الضريبة عما هو مشاعٌ للجميع في مملكتك”. هكذا كانت “المشاعة” حاضرةً في الهواء، وكذلك كان نقيضها، التطويق.
المشاعة قديمة وفي كل مكان، ومن العراق إلى إنديانا، ومن أفغانستان إلى آريزونا، ترتبط بالسكان الأصليين ولها تعديلاتٌ حديثةٌ كثيرة. التاريخ ليس حكاية تقدُّمٍ بسيط على خطٍ مستقيم من مراحلٍ أو صعوداً لدرجات سُلَّمٍ. كان ثمة مراحل عديدة، تتراكب، وتعود، وتنطّ، إن لم تكن تختفي فعليا. تحت الرادار كان ثمة جماعاتٌ نوعيةٌ عديدة، تتمشيع جنبا إلى جنب. وعلاوة على ذلك، التقدّم لمن؟
المشيعة تاريخية. و”مشاعات القرى” في التراث الإنجليزي أو “الكوميونة الفرنسية” في الماضي الثوري هي بقايا من هذا التاريخ، تذكّرنا بأنه رغم مراحل التدمير قد بقيت أجزاءٌ، رغم أنها بصورةٍ مشوَّهةٍ عادةً مثلما في أنظمة الرفاه، أو حتى كنقيضٍ لها مثلما في المجتمع النوعي المُسَوَّر للوسيط العقاري أو مول بائعِ التجزئة.
الأسبابُ وراءَ الحبِ الجديد للعمل تكمنُ ليس فقط في الإفقارِ المادي المنبثِق عن انهيار الضماناتِ الاجتماعية، بل كذلك في إفقار الوجودِ والتواصل. إننا نجدِّدُ إعزازَنا للعمل لأن البقاءَ الاقتصادي [على قيد الحياة] يصبحُ أكثرَ صعوبةً وتصبحُ الحياةُ اليومية مُوحِشةً ومملّة: تصبح الحياةُ المتروبوليتانية [المدينية] حزينةً إلى حدِّ أننا يمكن أن نبيعَها مُقابلَ النقود.
حاضرُنا ليس العزلةَ التي يفرضُها علينا البقاءُ؛ إنه الانفتاحُ على كل الإمكانات. بسبب الهلع تُضْطَرُ الدولةُ الأوليجاركية إلى تبنّي إجراءاتٍ كانت بالأمسِ فقط قد قرّرت أنها مستحيلة.
لكن في النهاية يمكننا قول أننا دائما فوق صدعِ أسئلةٍ صعبة فتحها مايو 68.
سأتمسّكُ عن طيب خاطرٍ بأن الوحدة السياسية الكامنة في مايو 68، فيما وراء تناقضاته العنيفة، هي الرايةُ الحمراء.
من البديهي أنه قد وُجد، في وقتٍ واحد، ثلاثة «مايو 68» مختلفين.
ذات ليلة خريفية كان الجو حارًا رطبًا وكنت قد ذهبتُ الى مدينةٍ تكاد تكون مجهولةً بالنسبة لي؛ كان ضوء الشوارع الخافت كابيًا بفعل الرطوبة وبعض أوراق الشجر. دلفتُ الى مقهى قرب كنيسة، وجلستُ الى طاولةٍ في العمق وفكرتُ في حياتي.
النشرة البريدية