بعض مبادئ المشاعات

الفصل اﻷول من قسم "المشاعة" في كتاب "إمسك حرامي! المشاعة، والتطويقات، والمقاومة" (2014) لبيتر لينيبو*

ترجمة أحمد حسان

* مؤرخ ماركسي أمريكي متخصص في التاريخ البريطاني والتاريخ الأيرلندي وتاريخ العمل وتاريخ المحيط الأطلسي في حقبة الاستعمار

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.


المجتمع المشاعي كما تخيله شارل فورييه (تعديل Negative Graphics)

التضامن الإنساني كما يجري التعبير عنه في شعار "الجميع للواحد والواحد للجميع" هو أساس ممارسة المشاعة [المشيعة] commoning. في المجتمع الرأسمالي يجري السماح بهذا المبدأ في ألعاب الطفولة أو في المعركة العسكرية. وفيما عدا ذلك، حين لا يجري تمجيده نفاقًا، فإنه يظهر في النضال ضد الرأسمالية أو، كما تُبيِّن ريبيكا سولنيت Rebecca Solnit، في كوارث الحريق، أو الفيضان، أو الزلزال.

تتم ممارسة نشاط المشيعة من خلال العمل مع موارد أخرى؛ إذ أنه لا يقيم فصلًا بين "العمل" وبين "الموارد الطبيعية". على النقيض، فالعمل هو ما يخلق شيئًا باعتباره موردًا، ومن خلال الموارد يمر مجموع العمل. ومن ثم باعتباره عملًا فإنه يُفهم على أفضل نحو على أنه فعلٌ وليس على أنه "موردُ مشاعٍ مُجمَّع". وكانت كلٌ من "فرضية جايا" لجيمس لافلوك James Lovelock والنزعة البيئية لريتشل كارسون Rachel Carson محاولتين لاستعادة هذا المنظور.

المشيعة أوليةٌ للحياة الإنسانية. اعتاد الدارسون أن يكتبوا عن "الشيوعية البدائية". بينما "المشاعة الأولية" تجعل الخبرةَ أوضح. فنادرًا ما ظهر مجتمعٌ على وجه الأرض لم تكن في قلبه المشاعة؛ فالسلعة بنزعتها الفردية وخصخصتها كان يتم قصرُها بصرامةٍ على هوامش المجتمع المحلّي حيث تُعاقِبُ المُنتَهِكين ضوابطُ قاسية.

تبدأ المشيعة في العائلة. المطبخ هو المكان الذي يلتقي فيه الإنتاجُ وإعادة الإنتاج، ويتم فيه التفاوض حول طاقات النهار بين الجنسين وبين الأجيال. وتُتَّخَذُ فيه أولاً القرارات الخطيرة بشأن اقتسام المهام، وتوزيع الناتج، وخلق الرغبة، والحفاظ على الصحة.

المشيعة تاريخية. و"مشاعات القرى" في التراث الإنجليزي أو "الكوميونة الفرنسية" في الماضي الثوري هي بقايا من هذا التاريخ، تذكّرنا بأنه رغم مراحل التدمير قد بقيت أجزاءٌ، رغم أنها بصورةٍ مشوَّهةٍ عادةً مثلما في أنظمة الرفاه، أو حتى كنقيضٍ لها مثلما في المجتمع النوعي المُسَوَّر للوسيط العقاري أو مول بائعِ التجزئة.

كان للمشيعة دومًا دلالةٌ روحية تجد تعبيرها في تشارك وجبةٍ أو شراب، في الاستخدامات الغابرة المستمدّة من ممارسات الأديرة، في الإقرار بـالهابيتوس habitus المقدس. التجلِّي، أو ظهور المبدأ الإلهي، يجري إدراكه في العالم المادي ومخلوقاته. وفي أمريكا الشمالية ("جزيرة السلحفاة") يتم الحفاظ على هذا المبدأ بواسطة السكان الأصليين.

المشاعة نقيض رأس المال. والمشاعيون مُشاغبون (بلا شك)، إلاّ أن المشاعة ليس بها صراعٌ طبقي. بالتأكيد، يمكن لرأس المال أن ينشأ من المشاعة، بينما يُصادَرٌ جزءٌ ليُفصَل ويُستَخدَم ضد البقية. يبدأ هذا بعلاقاتٍ لامساواتيّة، بين من يملكون أقل ومن يملكون أكثر. تصبح وسائلُ الإنتاج هي طريق التدمير، ويؤدي نزعُ الملكية إلى الاستغلال، إلى من يملكون ومن لا يملكون. يسخر رأسُ المال من المشيعة باستخداماتٍ إيديولوجيةٍ للفلسفة، والمنطق، والاقتصاد تقولُ أن المشاعة مستحيلةٌ أو مأساوية. والصور البلاغية في هذه الحُجج تعتمد على فانتازيات الدمار ــ الصحراء، قارب النجاة، السجن. ودائمًا ما يعتبرون بديهيًا ذلك المفهوم المُعبِّر عن مطلب رأس المال في الأبدية، مفهوم "الطبيعة البشرية" اللاتاريخي.

القيم المشاعية يجب تعليمها، وتجديدها، باستمرار. كانت المحكمة الإقليمية العتيقة تحلّ نزاعات الاستخدام المفرط؛ وكانت البانشايات* panchayat في الهند تفعل الشيءَ ذاته، مثلما يُفترضُ أن تكون لجنةُ فض منازعاتٍ في مصنع؛ هيئة المحلفين الأنداد هي بقيةٌ أثريةٌ تُحدِّد ما هي الجريمة وكذلك من هو المجرم. يجب أن يُعادَ "الجارُ" داخل "قلنسوته"، كما يُقال في ديترويت، مثل المجالس الشعبية في واكساكا.

كانت المشيعة دائما محلّية. تعتمد على العُرف، والذاكرة، والنقل الشفاهي للحفاظ على معاييرها بدل القانون، والشرطة، ووسائل الإعلام [الميديا]. ويرتبط بذلك ارتباطًا وثيقًا استقلالُ المشاعة عن الحكومة أو سلطة الدولة. فالدولة المركزية بُنِيَت عليها. كانت، كما هي الحال، "الشرطَ المُسبَق". ومن هنا، فإن المشيعة ليست مماثلةً لشيوعية اتحاد الجمهوريات السوفييتة الاشتراكية.

المشاعة غيرُ مرئيةٍ حتى تضيع. الماء، الهواء، الأرض، النار ــ كانت هذه هي المواد التاريخية للكفاف. كانت الفيزياءَ العتيقة التي بُنيت عليها الميتافيزيقا. وحتى بعد أن بدأ تسليعُ الأرض خلال العصور الوسطى الإنجليزية كُتِب،

    لكن أن تشتري الماءَ أو الريح أو الفطنة أو النار الرابعة،

    هذه الأربعة شكّلها ربُّ السماء لهذه الأرض مشاعا؛

    إنها كنوزُ الحق لمساعدة البشر الحقيقيين

نحن نُميِّز "المشاع" عن "العام". نفهمُ العامَ في مقابل الخاص، ونفهمُ التضامن المشاع في مقابل الأنانية الفردية. كانت المشاعة دوما عنصرًا في الإنتاج البشري حتى حين استحوذت الرأسمالية على الزاد أو أرسَت القانون. قد "يريد" الرئيسُ إنجازَ "الأعمال" لكن لا يتم عملُ شيءٍ دون احترام. وإلاّ، فالتخريبُ والنتيجةُ الخرقاء.

المشيعة حصريةٌ بقدر ما تتطلّب المشاركة. لا بد من الدخول إليها. سواءٌ على المراعي المرتفعة من أجل القطيع أو على ضوء شاشة الحاسوب من أجل البيانات، فإن ثراءَ المعرفة، أو البراعةَ الحقيقية لليد والعقل، تتطلّب الوضعيةَ والتوجُّهَ للعمل جنبًا إلى جنب، كتفًا بكتف. لذا فإننا لا نتحدث لا عن الحقوق ولا الالتزامات بشكلٍ منفصل.

لا يستطيع الفكرُ البشري أن يزدهر دون تواشُجِ المشاعة. ومن هنا التعديلُ الأول الذي يربط حقوق التعبير، والاجتماع، والمطالبة. يكشف التفكيرُ للحظةٍ التفاعلَ بين هذه النشاطات الثلاثة التي تتقدّم من الغَمغَمة المنفردة إلى البلاغةِ الشعرية إلى تغيير العالم، أو

    تِن! تِن! مصباح فكرة

    بوم! بوم! مناقشتها مع الجيران أو زملاء العمل

    طاخ! طاخ! قول الحقيقة للسلطة.

آن آربور - يناير 2010


*البنشايات panchayat: هيئة للتقاضي في الطوائف الهندية، مكونة من خمسة من كبار أو حكماء الطائفة، تفصل في النزاعات بحضور مجمل أعضاء الطائفة في اجتماعات مفتوحة.