أحمد حسان

يجب أولًا القضاء على الرؤى النمطية لمايو 68، الرؤى التي تُغذي بثقةٍ احتفالاتِ وكذلك إداناتِ، نوباتِ حنينِ وكذلك محاكماتِ، ذلك الشهرِ الرمزي في مناسبة إحياء ذكراه الخمسين.

ما يهم، هو ما كان ظاهرةَ استبصارٍ voyance، كأن مجتمعاً يستبصر فجأةً ما كان يحتويه مما لا يطاق ويستبصر أيضًا إمكانيةَ شيءٍ آخر. هذه ظاهرةٌ جماعية تأخذ شكل: «بعض الممكن، وإلاّ سأختنق». والممكن لا يوجد سلفًا، بل يخلقه الحدثُ.

كان 68 «ميتافيزيقيًا» أو «روحيًا» أكثر من كونه اجتماعيًا، أو سياسيًا، أو ثقافيًا، أو ما شئت.

في أعقاب سنوات 1960- 1970 حفرت ليبراليةُ العاداتِ مجراها، لكن ليس دائمًا بالعمق الذي يجري الحديثُ عنه.

من بين التيمات التي دخلت بطريقةٍ مختلفة في البلدان التي حملت علامة 68، ثمة موضوعان فُرضا بصورةٍ باقية: أولًا مشكلات الشخصية، الجنسانية، وثانيًا المشكلات الكولونيالية ـ السابقة، ما بعد ـ الكولونيالية، العالمية.

لما كنتُ عالقًا في مكانٍ آخر، لا أستطيع للأسف أن أكون شاهدًا على ما كانته لحظة الإخاء الرائعة تلك. لا يمكنني أن أتوقف سوى عند النتيجة. وهي تؤكد كلمة فاليري: «الناس يدخلون الى المستقبل مُتقَهقِرين».

عمِل تحوُّلُ «68» في المقام الأول على الثقافة التقليدية، والأخلاقيات السائدة، ومبدأ السلطة الرأسية. أثَّر في الحياة المجتمعية، في نمط الوجود، والتحدّث، والحب

أكثر من خمسين عامًا على مايو 68، يبدو الحدث كذكرى بعيدة يلفها الحنين حين تخطر بأذهان من يعانون ويلات الليبرالية الجديدة. كما تبدو الذكرى الأقربُ بكثيرٍ لثورات الربيع العربي الذي استحال خريفًا قاسيًا لا فكاك منه. لكن الأحداث الكبرى لا تموت

تابعنا على السوشيال ميديا

النشرة البريدية