أكثر من خمسين عامًا على مايو 68، يبدو الحدث كذكرى بعيدة يلفها الحنين حين تخطر بأذهان من يعانون ويلات الليبرالية الجديدة. كما تبدو الذكرى الأقربُ بكثيرٍ لثورات الربيع العربي الذي استحال خريفًا قاسيًا لا فكاك منه. لكن الأحداث الكبرى لا تموت ببساطة. إنها ترسم واقعًا جديدًا إما أن يفرض تغيراته ببطءٍ أو تبقى بذرته في انتظار ظروفٍ مواتية لتنبت من جديد. لم يكن مايو حدثًا منفردًا أطل برأسه من العدم. بل ظل جسدُ العالم يختلج في مواقع كثيرة على مدى سنوات ليعلن عن خللٍ هائل تقودنا إليه الرأسمالية المنتصرة في حربٍ عالمية ثانية. انتشرت التمردات من الولايات المتحدة إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. لكن مايو 68، الفرنسي، يرمز إلى ذروة هذا التطور وإلى تبلور المطالب التي طبعت المستقبل بطابعها. إلا أن إحياء الذكرى لم يكن أبدا محايدًا، بل يخضع لمتطلبات الحاضر، ومن هنا يمتدح البعض مايو لأنه فتح أفقًا لتحرر المجتمعات، بينما يشجبه آخرون كأنه المسؤول عن انتصار الليبرالية المطلقة العنان. هنا نطرح تعريفًا أوليًا بـ 68 للمبتدئين، ونعيد الإنصات إلى أصدائه من خلال تعليقات المفكرين الذين شاركوا فيه، في الأغلب، وشكَّل نقطة تحولٍ في مسارهم، بعيدًا عن جدالات السياسيين وخلافاتهم، باستثناء دانييل كوهن ـ بنديت، لأن موقفه يُعدّ نمطيًا لقسم كبير من نجوم الأحداث.

 وبعد فترة طويلة من شح المواد الحديثة المتعلقة بهذا الحدث، يسعدني الاعتراف بأن كلَّ كلمةٍ في هذا الملف، بل وفي كل ما عرفتُه عن مايو 68، تدين بوجودها لفيض المواد التي أتاحها بجهدُ ودأب، ومحبة وأريحية، الصديق العزيز مصطفي عطية نور الدين، نور الأقربين والأبعدين، وشرنقة الدفء والأخوية في وحشة العاصمة الفرنسية.

أحمد حسان


أحلام مايو 68

ماريلين داجوا وجاك بووب
عن مجلة الإكسبريس 25/03/1993

ترجمة: أحمد حسان

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجمة بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.

***

عن Literary Hub

كانت فرنسا تنامُ تحت الظلِّ الكاسح للرجل العظيم. كان المجتمعُ الديجولي يمضي في طريقه، غير عابئ بهزّات العالم ولا بتحوّلاته هو ذاته. بعد إخفاءِ ندوبِ الاحتلال، وحلِّ الدراما الجزائرية، ربط الجنرالُ البلادَ بمسار تحديث الاقتصاد القومي، واثقًا من نفسه، لا يلين. لم يكن ربُّ الأسرة يُنصتُ إلى شيءٍ أو إلى أحد. كان ديجول المحرِّرُ على حقٍ دائما. كان يبعثُ على السخط. ومع ذلك، كان الكوكبُ يغلي حوله في كل مكان. في فيتنام، يغوص الأمريكيون في المستنقع. وتتحدّى تشيكوسلوفاكيا دوبتشيك الديكتاتوريةَ الشيوعية. ويطلقُ ماو حرسَه الأحمر في الثورة الثقافية. وتُزعزعُ الكاستروية استقرارَ أمريكا اللاتينية. وتبلغُ الحربُ الباردة نقطةَ قطيعةٍ. أما فرنسا، فتظل متعاليةً وبلا حراك، على صورة رئيسها..

يوم 14 مارس 1968، ينشر ﭘيير فيانسون ـ ﭘونتيه Pierre Viansson-Ponté  في الصفحة الأولى لصحيفة «لوموند» مقالًا، أصبح شهيرًا بعدها، بعنوان «حين تنزعج فرنسا». لا يهتمّ الفرنسيون بأي شيء، كما يكتب كاتب الافتتاحيات المُحبَط.  وماذا يفعل شبابنا؟ ينشغلون «بمعرفة ما إذا كانت فتيات نانتير وأنطوني يستطعن الوصول بحرية إلى حجرات الفتيان»!

هذه المرة، لم يفهم فيانسون ـ بونتيه شيئًا. لأن تلك المطالب التي أحزنَته، والبالغة الطفولية في مظهرها، تحدِّد بداية تمرُّدٍ (ثورة؟) سيُزلزل السلطة الديجولية، ويوجّه، في المقام الأول، التحوُّلَ العميق في العادات، وفي الثقافة، وفي الفكر الفرنسيين. من خمسةِ عشرَ يومًا فحسب من الجنون ستنبثق قيمٌ هي في قلب السجال الراهن: السخاء، ما هو إنساني، تحرير المرأة، علاقات الآباء بالأطفال، البيئة، الإقليمية...

نانتير، 1968. تمتد المدينة إلى غرب باريس، إلى ملتقى الأحياء الفاخرة ــ نوييي Neuilly، وباسي Passy، والحي السادس عشر ــ مع آخر مدن الصفيح. الكلية مزروعةٌ في قلب الخواء. وللوصول إليها، يجب أن يستقلّ الطلبة الأوتوبيس أو القطار، من محطة انطلاق سان ـ لازار. والكلية قريةٌ صغيرة. ترتدي الفتيات تنورات ميني ـ جوب وأحذية برقبة من الكاوتشوك لعبور برك المياه. أما الفتيان فشعورهم قصيرة ويرتدون سترات رزينة. كان التشى جيفارا قد لقي مصرعه في أكتوبر 1967، في جبال بوليفيا.

كانت التربية القومية، دون أن تدري، قد أتاحت مولد بطةٍ صغيرةٍ مزعجة. الخرسانة في مواجهة الأحجار العتيقة للسوربون. هنا سيولد الردُّ الشامل على المجتمع. والمهم هو وجودُ أساتذةٍ لامعين: آلان تورين Alain Touraine، وجان بودريّار Jean Baudrillard، وهنرى لوفيفر Henri Lefebvre.. لكن، إذا كانوا قد قبلوا تلويث أطراف سراويلهم في طين ورش الإنشاءات، فذلك لأنهم، في أغلبهم، اختاروا تعيينهم بهدف تدريس موادٍ جديدة بطرقٍ مختلفة. فالسوسيولوجيا، السائدة في نانتير، تحمل، في مجتمع تلك الحقبة، ظلالًا تخريبية. والطلبة المناضلون لا يحملون على ظهورهم لا مراتبيةً سياسية ولا كوادرَ نقابية، مما يمنحهم استقلاليةَ فعلٍ مُنعشة. أبناءُ البورجوازية يجاورون لأول مرة الفقرَ المدقع. لا يوجد، في الجوار، لا حانات ولا سينما. هنا يخبرُ المرءُ حياةَ الحرم الجامعي. إنه مكانٌ جديد. الوجه الآخر لباريس. لكنه، في تلك اللحظة، هو الفوضى.

في يوم 21 مارس 1968، قامت عصبةٌ commando من التلاميذ والطلبة بتحطيم واجهات الأمريكان إكسبريس American Express، في الأوبرا، رمز «الإمبريالية الأمريكية في فيتنام». سُجن أربعةٌ منهم، بينهم تروتسكيٌ من نانتير. حادثة، ليست شيئًا ذا شأن، لكنها ستُحدِّد انطلاق أحداث مايو. وفي الغداة، يوم 22 مارس، «للرد على القمع»، يخترق نحو مائة من الطلبة قاعةَ مجلس الجامعة، في الدور الثامن من البرج الإداري لنانتير، يستقرّون في فوضى، يخرجون الساندوتشات، ويعثرون على شامبانيا. يكتبون بيانا. «يجب أن نقطعَ مع تقنياتِ الردّ التي لم تعد تستطيع شيئًا». ترتفع نحو 142 يدٍ لتبنّي البيان. وفي الساعة الواحدة وخمس وأربعين دقيقة، تذهب حركة 142 للنوم. بعدها بقليل، بإلهام من 26 يوليو فيديل كاسترو، يُعاد تعميدها باسم حركة 22 مارس. هذا مُدهش. فليس هناك، حول شخصٍ أصهب يدعى دانييل كوهن ـ بنديت، أيّ واحدٍ من النجوم الإعلاميين المستقبليين لـ68. المؤسسون هم بالاسم جان ـ بيير دوتيّ Jean-Pierre Duteuil (وهو اليوم ناشر ليبرتاري[1])، و إيف فليش Yves Fleisch  (الذي أصبح ناشرًا لصحف مصوّرة)، والكثير من المجهولين الآخرين، التروتسكيين، والماويين، و«الإيطاليين»، والكاثوليك التقدميين، و«القمصان المذهَّبة»، والإمّعَات، وجمهور جوني هاليداي، وكلهم متأثرون قليلًا أو كثيرًا بالمواقفيين situationnistes، الذين سيصبحون هم أيضًا مُلهِمي روح مايو. وفي الأيام التالية، سيجري الكثير من الصخب حول المُحطِّمين، «الساخطين» enrages.

الأمرُ أنه، بعد زمنٍ طويل، أصبحت نانتير في حالة غليان. جرت أولًا مسألة المدينة الجامعية. لم يعد الطلبةُ يتحمّلون أن يُعاملوا كصبيةٍ، مثلما في داخلية الآباء [الرهبان] الطيبين. احتلُّوا غرفَ الفتيات، فقام العميد جراﭘان Grappin، وهو رجلٌ شريف، لكنه من جنس الطغاةِ المنزليين، باستدعاء تعزيزاتٍ من الشرطة، وليس هذا بالأمر الخبيث. وفاصلُ حمّام السباحة، في المقام الأول، هو فاصلٌ نموذجي. فحين ساءل دانييل كوهن ـ بنديت وزيرَ الشباب والرياضة، فرنسوا ميسوف François Missoffe، بشأن موضوع جنسانية الشباب، نصحه الوزير بأن «يغطس» ليهدئ من اضطرامه. مما جعله يستحق أن يُعامل كـ«نازي». استوعبت نانتير سردية هذه الحادثة، وضخَّمتها. فهي تؤشر، كما يقول هامون Hamon  وروتمان Rotman  في كتاب «جيل»Génération (سويّ Seuil)، على مولد أسطورة «داني».

عمره 23 عامًا، مرحٌ، ووقح.  يتعامل مع التهكم كقنبلةٍ يدوية. يتكلم طوال الوقت. يمتصّ كل شيء. يحب كرة القدم، وموسيقى الروك، والسياسة. بنفس الترتيب. هو يهودي ألماني، مولود في مونتوبانMontauban. أبوه، المحامي، المدافع عن الشيوعيين، توفي عام 1959. داني، اليتيم، واقعٌ تحت تأثير جابرييل، شقيقه الأكبر، الأناركي والمعلم في سان ـ نازير Saint-Nazaire. بعد المرور بالاتحاد العام لطلاب فرنسا Unef، يناضل في جماعة ليبرتارية، هي الأحمر والأسود Rouge et Noir. لكنه ليس إيديولوجيًا. «انتبهتُ، يشرح، أنه كان لدي الشباب احتياجٌ هائل للسخاء لم يكن موجودًا في فرنسا ديجول. لم يكن مايو 68 حركةً ثوريةً بل مناهضةً للسلطوية. كنا نريد إصلاح المجتمع. تعرَّفت الشبيبةُ بكاملها على نفسِها في هذا التوقِ إلى المغامرة المشتركة. إننا ننسى ما كانته فرنسا في تلك الحقبة. لم يكن للنساء بعد الحقُ في الذهاب للعمل بالسراويل... كان المرء حرًا، ورغم ذلك، كان ثمة ممنوعاتٌ في كل مكان. لكن، لم تفهم الأحزابُ ولا الشراذمُ السياسية شيئًا عن ذلك». واعترف ﭼان ـ ﭘول ريب Jean-Paul Ribes، الماوي ـ السابق، بالأمر: «كانت كلُّ القِطع موجودةٌ. ولم يكن أحدٌ قد جمَّعها. لكنه هو، بغريزته، حل اللغز». ستحقق حركة 22 مارس مزيج الأجناس، من الثقافي إلى السياسي. بالمطالبة بـ«كل شيء، في الحال»، فإنه يرسِّخ، كما يقول عالم الاجتماع آلان تورين، «قطيعةً»، ومصيرَ جيلٍ مُفعمٍ بالعاطفة، وأخويٍ، وخلاصي.

البطالة البازغة

ما زال التساؤل يدور لماذا انفجر مايو 68 في قلب فترة رخاء، في نشوة الاستهلاك. شهدت فرنسا معدلات نمو لم تتحقق أبدًا. إذن؟ حسنًا، كانت البطالة تبزغ. بالفعل، كان حَمَلةُ الشهادات المستقبليون يقلقون إزاء المنافِذ. وكانت حقبة الروبوتات تعلن عن نفسها. افتتح جورج بيريكGeorges Perec، بكتاب «الأشياء» Les Choses، وجى ديبور Guy Debord، في كتاب «مجتمع الاستعراض» La Société du spectacle، نقدًا للمجتمع الذي ترتسم ملامحه: تكنوقراطي، ولا إنساني، وحزين. ولاحظت الإكسبريس أن أطفال ماركس والكوكا كولا «أقل قلقًا من فيتنام ممّا هم من وصول الحاسوب». سيكون مايو 68 إذن تحذيرًا مسبقًا، توقُّعًا بتغيراتٍ عميقة تتحقق اليوم. يؤكد آلان تورين: «بدءًا من هذا التاريخ، تتردّد فرنسا، تتشقّق، تنزلق. لم تستَعِد معنوياتها».

وبدءًا من 23 مارس، تحدث ظواهرُ غريبةٌ على نانتير. «شرع طلابٌ عاديون في الكتابة على الجدران»، كما يتذكر أنطوان لوفيبورAntoine Lefébure، الذي كان هناك. تُقطِّب هيئة الأساتذة حاجبيها وهي تقرأ: «مارسوا الحب وابدأوا من جديد»، «كونوا واقعيين، اطلبوا المستحيل». لكن تحِلُّ إجازة الفصح. يُعتَقَد أن كل هذا سيهدأُ بسرعة. خطأ. إذ سيأتي الأسوأ. أُعلن أن يوم 3 مايو هو «يوم مناهضة الإمبريالية». فقام العميد جراﭘان، الذي يخشى من مواجهاتٍ دامية مع جماعات اليمين المتطرف، بإغلاق الكلية. لا يهم! إذ قررت السوربون استضافة حركة 22 مارس داخل أسوارها. في ذلك اليوم، تدخل نانتير إلى باريس.

في الحي اللاتيني، يُنظرُ إلى حمقى الضواحي أولئك بتعالٍ، إن لم يكن بقرف. «الحديث عن الجنس، هل هذا جادّ؟ هل هذا بروليتاري؟» هنا، السياسةُ خطيرةٌ. يسير موريس ناﭼمان Maurice Najman، من لجنةِ عملِ ليسيه جاك ـ دوكور، في بولفار سان ميشيل بصحبة جيرار ميللر Gérard Miller، راعيه، الذي أصبح محلِّلًا نفسيًا شهيرًا. ولما استدار لينظر إلى ميني جوب، وبّخه ميللر: «سيقان الفتيات، مثل سيقان الرجال. صُنعت للعمل!» ما زلنا بعيدين جدًا عن الحالة الطلابية. بالنسبة لشراذم اليسار، فإن العالم هو ذاته موضعُ الرهان، لا أقل. والطبقة العاملة. كانت الزهرةُ الرقيقة للشبيبة المسيّسة قد أدَّت دروسها في الاتحاد العام لطلبة فرنسا Unef، النقابة الرئيسية، وفي اتحاد الطلبة الشيوعيين (UEC). ومنذ عام 1956، تاريخ الغزو السوفيتي للمجر، طوَّرت خطًا مناهضًا للستالينية، فهي أمميّة، ومناهضة للفاشية. لقد ارتحلت. إلى كوبا، وإلى الجزائر، وإلى ألبانيا. وقام البعض بالرحلة إلى بكين.

ولنختصر، نقول إن هناك، من جهة، أنصار الخط التروتسكي، حول آلان كريفين Alain Krivine  وهنرى ويبر Henri Weber، ومن الجهة الأخرى، المؤيدون للصين، الماويون تقريبًا، المتجمّعون في كلية المعلمين العليا، في ظل حلقة بحث لوي ألتوسير Louis Althusser. الجميع يحلمون بالثورة. وقد قرأوا كلاسيكياتهم. وفي فبراير، ذهبوا إلى برلين، في وفدٍ، للمشاركة في تجمعٍ ضخم ضد حرب فيتنام. «هناك تعلّمنا الأساليب الجديدة للتظاهر، يحكي ناجمان. الخوذة، والكوفية حول الأنف. والشعارات. وتكتيك اللقاءات الثانوية الصغيرة، قبل الالتحام صوب اللقاء الأساسي». يغيِّر التحريضُ الطلابي من طبيعته. ليصبح جاهزًا للمشاجرة. على صيحة «هو ـ هو ـ هو ـ شي ـ منه! تشى ـ تشى ـ جيفارا!»

يوم 3 مايو، تستقبل باحة السوربون إذن نخبة الردّ. وبخطوةٍ مجنونة. يثور القلق. «كنا مثيرين للسخرية! يسخر قائدٌ تروتسكي سابق لخدمة النظام، ممسكين بأغطية صناديق القمامة على هيئة دروع». في انتظار أوكسيدان Occident، جماعة اليمين المتطرف التي يناضل فيها آلان مادلانAlain Madelin  وجيرار لونجيهGérard Longuet، الذين كانوا هم أيضا قد شقوا طريقهم. لكن من وصلوا كانوا الشرطة. يطوِّقون كل هذا العالم الجميل. «CRS, SS...»[2] [شرطة مكافحة الشغب = الحرس النازي]

ثم ينبثق ما لا يخطر على البال. ففي اللحظة التي يتجمع فيها القادة، تأتي الضجةُ الخلفيةُ لمظاهرةٍ: «أطلقوا سراح رفاقنا!» وفي عربات السجن، يتبادل القُصَّر النظر، والتلفُّت، والتحقُّق من أعلام الردّ. «لكن من ينظم هذا؟ جميعنا هنا...» لا أحد، يا رفيق. الشارع! الفتية. مشاة مايو، غير المُنّظَّمين، المُجهَدون من الديجولية. ثورةٌ دون وجه، كما يصفها إدجار موران. ها هو أحد ألغاز مايو. «كان طبقًا طائرا مجهولًا، كما يقول الفيلسوف ﭼان ـ ﭘول دوليه Jean-Paul Dollé. لم نجد كلماتٍ لوصفه». قدامى الاتحاد العام لطلاب فرنسا، و«اليسار النقابي». وحملة حقائب جبهة التحرير الجزائريةFLN [3]، ورفاق التشى، والكاثوليكيون اليساريون، يجدون أنفسهم كتفًا بكتف مع جهلةٍ بالسياسة. مثل فرنسوا، 21 سنة. عند بداية مايو، كان يشق طريقًا داخل المظاهرات ليذهب لمشاهدة أفلامٍ تشيكية في السينما. «وبعد بضعة أيام، كنت أصنع ساندوتشات في فناء السوربون وأنام في الأوديون».

شعر ولغة خشبية

هنا يكمن سحر 68، في المياه المختلطة للشعر واللغة الخشبية. للاحتفالي والدوجمائي. للنضالية الضيقة واللَغو المعمَّم. مولد حركةٍ. عفوية وهائلة. دون مراتبية، شاسعةٌ، طافرة، يستحيل تصريفها في قنوات. تقرص الطليعةُ نفسَها: في جرائدها الفوارة، كتبت دون اقتناعٍ أن الثورة يجب أن تصل. «بناءً على مقدّمات زائفة، يقول هنري ويبر Henri Weber، رأينا الصواب». ليكن. ما زال حالمو مايو يتنازعون على أبوَّة الحدث. يدّعي ويبر، مستشار فابيوس اليوم: «22 مارس، نحن الذين صنعناها! كوهن ـ بنديت، كانت أفكاره قاصرة. إنه لعبة لطيفة، لكنه غبي، لا سقف له. أنا متأكد أنه لم يقرأ ماركس أبدًا...» هذا لا يمنع، إذ يتبعه التروتسكيون مثل الآخرين. «كنا نتظاهر أننا في المقدمة، يشرح أحدهم. لكن الجميع يعاملوننا على أننا شرطيون صغار. ولم يكن هذا زائفًا...».

خلال خمسة عشر يومًا، ظل الماويون في المؤخرة. ومن جهةٍ أخرى، فإنهم في المصنع «مستقرون» établis [4] أقرب ما يكون من الجماهير. وزعيمهم، روبير لينار Robert Linhart، يحتقر هذا التمرد البورجوازي ـ الصغير. سيجرفه السيل. أما رولان كاسترو Roland Castro، مدير [صحيفة] «قضية الشعب»، فيقوم بنقده الذاتي، بعد أن هزمه الشارع: «فهمتُ أن التنظيمات لم يعد لها مكانٌ، وكنت على وفاق مع الحركة العفوية». باختصار، إنها الوحدة. الاندماج. ويواصل إدجار موران Edgar Morin، تحليله لظاهرة شباب اليى ـ يىyé-yé [5]، فيري في ذلك انبثاق حزب الشبيبة. تمردٌ ليبرتاري، وجودي، مناهض للسلطوية، يلتقي بإيديولوجيا عمّالية، وماركسية، وعفا عليها الزمن. يحتدم كلُّ شيءٍ بسرعة بالغة، في نشوةٍ لا تُصدق من العنف والكلام. في يوم 6 مايو، استجابةً لنداء الاتحاد العام لطلبة فرنسا، يلتقي عدة عشرات الآلآف من الأشخاص في ميدان دنفير ـ روشرو Denfert-Rochereau. يصيحون: «نحن شرذمة! نحن جميعا يهودٌ ألمان!» ليس هذا زحامًا، بل جحفلٌ، كما يكتب جاك بايناك Jacques Baynac  في «مايو المُستعاد» Mai retrouvé. أولُ صدامٍ بوليسي، 805 جرحى. هاجت الصحافة، وبحثت السلطة عن متحدّثين صلبين. كان آلان جيسمارAlain Geismar ، 29 عامًا، أستاذًا، سكرتير النقابة القومية للتعليم العالي SNESup ، نقابة المعلمين، وجاك سوفاﭼوهJacques Sauvageot، زعيم الاتحاد القومي لطلبة فرنسا، هما الوحيدان اللذان لهما صفةٌ رسمية. ولم يتنكَّر لهما المتظاهرون، إذ يجب وجود ممثلين جيدين.

سيسيرون إلى الإيتوال، والعلم الأحمر يخفق في الريح. ومارّين قرب الجمعية الوطنية، يؤكدون حقيقتهم: «السلطةُ في الشارع». يتساءل البالغون: «لكن ماذا يريدون؟» يحتلون [مسرح] الأوديون. لا يعودون ينامون: بل يتكلمون. الهدية الأشد إدهاشًا، دون شك، هي هذه الكلمة المُحرَّرة، المُقتَسَمة. خبرة الديموقراطية المباشرة.

من 68 تحفظ المخيِّلةُ صوراً صادمة، شرطةٌ تنهال ضربًا. أحجار رصف. ومع ذلك، ذكرى العطايا، فقد كان مايو بالدرجة الأولى عيدًا، وسيلةً للحبِ والحوارِ ذات كثافةٍ هائلة. للشجار، لا للعنف. وللابتهاج. ومع ذلك، كان أطفال مايو يحدقون وجهًا لوجهٍ فيما هو تراجيدي. ثمة في تلك الأيام رابطةٌ بالموت الممكن. توقٌ لما هو ملحمي. وينذهل المرء: لماذا لا ينحط مايو إلى مجزرة؟ ثمة فاصلٌ غير معروف على نطاقٍ واسع: هو دور الماسونيين. فقد اتصلوا بالمتظاهرين وبالشرطة، بوساطة أشقائهم، لتهدئة اللعب. ومنحوا نقودًا للجرحى. ويقدم تيينوه جرومباش Tiennot Grumbach، أحد المؤسسين الماويين، مفتاحًا آخر: «لم نقطع أبدًا روابطنا مع المجتمع الديموقراطي، فقد كانت لنا قيمٌ مشتركة مع جيسكار أو ميتران». ولا يمكن نسيان دور قائد الشرطة موريس جريموه Maurice Grimaud، الذي حافظ في هذه الدوامة على دقة التحليل وعلى سيكولوجيا صائبة للأحداث. وعرف كيف يُهدئ قوات مكافحة الشغب CRS، التي لم تشارك في الاحتفال، إذ توجّه لها الشتائم وتُرجم بالأحجار على الدوام. كما فهم أن داني الأحمر كان في الحقيقة الأكثرَ حكمةً بين «الساخطين»enragés .[6]

كان الأناركي الألماني موضوعًا لإساءات الفهم. فقد اعتُبر متطرفًا وملتهبًا. وكان مسالمًا ولِعَبيًا. ولتجنب أعنف المواجهات، كان يتخيل إستراتيجيات. اعتصامٌ في البول ميش Boul' Mich'  [بولفار سان ميشيل]، يوم 9 مايو. وفي الغداة، يستشعر في الحشد رغبةً حقيقية في مهاجمة السوربون، الذي تدافع عنه قوات مكافحة الشغبCRS . فيرتجل:

«لن نرجع طالما لم يتم إطلاق سراح رفاقنا. شكّلوا حلقات نقاش!» أوف.  ثم يخطر له إلهامٌ صاعق. «طوِّقوا الشرطة». ستكون تلك ليلةَ المتاريس، التي ستغطي الحي اللاتيني. كوهن ـ بنديت هو كبش فداءٍ عُثِر عليه أخيرًا. من يريد الاستماع إليه؟ ومع ذلك فلديه خطته لإنهاء الأمر. «أردتُ أن أقول لهم هذا. أولًا، تسحبون الشرطة. تتركون لنا السوربون لثلاثة أيام. نقيم احتفالًا ضخمًا بفرق الروك. ثم ننسحب. ونناقش بعدها الإصلاحَ الجامعي ويكون الجميع راضين». لكن يتم منعه من التفاوض. وتستمر المتاريس.

«التهكم، كما يقول كوهن ـ بنديت، ينزع فتيل الكراهية». وذات مساءٍ، أثناء نزع أحجار رصف الشارع، اكتشف شخصٌ غيرُ معروفٍ الرملَ. «تحت أحجار الرصف، الشاطئ!» رومانسيةٌ ثورية، مُعدِيَةٌ بالضرورة. في الساعة الخامسة صباحًا، يضيق الخناقُ على فرنسوا، أحد مشاة مايو الذي رأيناه، في شارع فويانتين Feuillantines. «ندلف داخل عمارةٍ سكنية. تجعلنا سيدتان عجوزان ندخلُ بسرعةٍ إلى شقتهما. يكون هناك بالفعل ثلاثون شخصًا بالداخل، صامتون. تقدّمان لنا الشاي. وفي الساعة الثامنة، نخرج. الجو صحوٌ».

الفرنسيون، وقد لحقهم هم أيضا الشر الديجولي («عشرة أعوام، كفى!»)، سيحمون الشباب.

"المسخرة، هي هو!"

ديجول حائرٌ. مضطرب. إنه عاجزٌ عن فهم أولئك الشباب الذين يقذفون أحجار الرصف ليعالجوا قلقَهم الوجودي. لم يكفِه، هذه المرة، أن يظهر حتى تنتهي المسخرة. بل ارتدت إليه مثل بوميرانج Boomerang. «المسخرة، هي هو!». La chienlit, c'est lui  واليسار ــ منديس فرانس، ميتران ــ بين المشاركين الغائبين. الحزب الشيوعي (له نسبة 22% عام 1977) يخشى أن يجرفه سعار العداء للستالينية لدى الشباب. أما والديك روشيهWaldeck Rochet ، وليس هذا مفاجأةً، فسوف يلعب في تلك الأيام لعبةَ حزبِ النظام. سيتيح له الإضراب العام أن يعيد الإمساك بالأشياء في يده. ويوم 20 مايو، يشارك 6 مليون في الإضراب. لغزٌ آخر، هذه العدوى التي تنتشر في الأقاليم، والشبيبة العمالية، والموظَّفين، وتقنيي التلفزيون... «المصانع للعمال». «كرة القدم للاعبي كرة القدم». «أطلقوا سراح السجناء». هذا كثير. الميثولوجيا الثورية تكسب. ها هي السلطوية المذهبية تعود.  والشراذم، التي تتمزق، تغرق في اليسارية. يبدأ مايو في الاحتضار. يطرح الإضراب كميةً من المشكلات تعجز الحركة الطلابية عن حلّها. يُغادر المزاحُ المشهد. حان وقت أفول زعيم 22 مارس. يرحل. إلى سان ـ نازير، عند أخيه الأكبر جابي. يعود إلى ألمانيا مع صحفيين من [مجلة] «باري ماتش». هروب، حاجةٌ إلى الإفلات من الإخفاق الذي يضغط عليه. ممنوعًا من الإقامة في فرنسا، تخفَّف من عبئه. لا يتبقى له من الطاقة إلاّ ما يكفي لوضع قدمه مرةً أخيرة على أنف الشرطة. لإمضاءٍ على طريقة آرسين لوبين.

يصبغ شعرَه أسودَ، ويعبر الحدود متخفيا. يحطّ رحاله في السوربون. يرتدي نظارةً سوداء. يمتصُّ الميكروفونَ خطباءٌ مزعجون. يخاطب هو أحد المنظِّمين.

«أود أن آخذ الكلمة، يا رفيق.
ــ من أنت؟
ــ مندوبٌ إسباني.
ــ مستحيل»، يردّ الآخر الذي يسخرُ مما يجرى عند فرانكو.

ينزع كوهن ـ بنديت نظّارته ويغرس عينيه الزرقاوين في نظرة مُحدِّثه. يتوقف الاجتماع، ويُحيّي التصفيق عودة زعيم 22 مارس. وخلال بضع دقائق، يتدافع آلآف الطلاب، وقد نبّهتهم الشائعة، ليهللوا له. «عندها، كما يقول، اجتاحتني موجةٌ من النشوة. لكنني أدركت أنه يجب وقفُ كلِّ شيءٍ». وفي شارليتي Charléty، يوم 27 مايو، سيحاول اليسار المتحد حول منديس فرانس حصد عوائد مايو. طعمٌ مُرٌ... أما عن اتفاقات جرينيل Grenelle، المبرمة بين السلطة وبين النقابات، فإنها تدفن، تحت زيادات المرتبات، الروح التجديدية لـ68. انتهى الأمر: ففي 30 مايو، يوحّدهم الخوف، يجتاح مئات الآلاف من الفرنسيين [جادة] الشانزيليزيه منشدين نشيد «المارسييز».

وسوف تدوم 22 مارس بضعة أسابيع أخرى بدون الأصهب، لكنها تحولت إلى نُزُل إسباني. وسيتم حلُّها في يونيو، في نانتير. يبدأ الاحتفال بخطبٍ. جيسمار حاضرٌ، هو وآخرون. ثم يغير الأناركيون لهجتهم مُطلقين ألعابًا لفظيةً، ومُدلِّلين بعضَهم بعضًا في جهدٍ أخير للسخرية من الذات. ينتهي الأمر بحدث happening، عند منبعه.

ستار. انقضى الزمن. خلال السنوات العشر التالية، عَبَر الثمانية ـ والستينيون صحراءهم. بأحداثٍ درامية، وانتحاراتٍ، أيضًا. لعجزهم عن أن يحيوا من جديد كل تلك الكثافة في مكانٍ آخر. وللخروج من ذلك، توجَّب دون شكٍ العثورٌ على حكاية حبٍ أخرى. وقع كوهن ـ بنديت في الحب، في فرنكفورت. وخلق سيرج جولي Serge July  مغامرة صحيفة «ليبراسيون». وحاول الكثيرون إدراج أحلامهم في مايو في مهنتهم. أراد رولان كاسترو تشييد ضواحٍ سعيدة، ويدافع تيينوه جرومباش، المحامي، عن العمال. «كوكب 68، هو سلوكٌ يربط هذا الجيل بقوة»، كما يقول هو. ليكن. ماذا يتبقى من تلك المشاعر؟ الميراث، هو أيضًا، موضوع اختلاف. لنعبر ذلك. يظل الجيل الثمانية ـ والستيني، على اليمين مثلما على اليسار، في عام 1993، مُوَرِّدًا خصبًا للأفكار، التي أحبطتها سنوات ميتران. بحثا عن ترجمةٍ سياسيةٍ ليوتوبيا 68. «يعود الطلاق بين السياسة وبين المجتمع إلى ذلك التاريخ»، كما يُعلِّق آلآن تورين. هل ستظل أحلام مايو 68 راهنةً دومًا؟ بصورةٍ تخطيطية، يمكن القول، مع السوسيولوجي، إن كل ما خرج من نانتير كان خصبًا، وكل ما خرج من السوربون كان عقيما.

عند وصول ميتران إلى السلطة، اعتقد البعضُ أن باستطاعتهم أن يستثمروا الأرض من جديد، أن يُطبِّقوا، إلى جانب الحزب الشيوعي، الشعارَ الذي أزهر ستارَ الأوديون: «العبورُ من القولِ إلى الفعل». وكان هذا يعني نسيانَ أن اليسار المؤسّسي قد كبتَ ربيع مايو ذاك. "«حَّادو الأوهام»، يقول اليوم كاسترو، الذي كان مقرّبا من الرئيس. ولَّد السخاءُ تحديد الحد الأدنى للدخل، وأنتجت العدالة الاجتماعيةُ البطالةَ... غرقت الراديكاليةُ في الإجماعِ الرخو. ما زالت بطاقة التصنيف الثمانية ـ والستينية سلبيةً. فترةٌ بين قوسين. لم يستخلص أحدٌ منها أبدًا عملًا، أو فيلمًا، أو روايةً. لكن أيُّ تاريخٍ نقُصُّ؟

كيف نُقَارِبُ الأسطورة، التي تُعدُّ رغم ذلك موضوعًا لمئاتٍ من الأعمال التاريخية والفاصلة؟ كيف ننقل ذلك إلى الأجيال الشابة، بعدها بربع قرن؟ حسنا، الكلمة لكوهن ـ بنديت: «كل ما قيل لا يشبه في شيءٍ ما جرى الشعور به».


[1]  ليبرتاري، نسبة إلى الليبرتارية: تشير، على المستوى السياسي، إلى المذهب الأناركي المؤمن بحرية الإرادة، والداعي إلى الحرية، خصوصا في الفكر والسلوك.

 [2]  CRS: الفرق الجمهورية للأمن، شرطة مكافحة الشغب الفرنسية. وSS: هي وحدات الحماية النازية، التي شكلها هتلر وكان قائدها وتشكل حرسه الخاص. اشتهرت بقسوتها ونفوذها الواسع.

[3]  حملة حقائب جبهة التحرير الجزائرية: متطوعون يساريون فرنسيون مؤيدون لاستقلال الجزائر خلال الحرب الجزائرية، كانوا يقدمون الدعم للجبهة بتوصيل البيانات والأوراق التي تصدرها داخل فرنسا.

[4]  établis: الماويون الذين التحقوا بالمصانع ليلتحموا بالطبقة العاملة ويمارسوا السياسة في صفوفها.

 [5]  شباب اليى ـ يى: تعبير مأخوذ من مطلع أغنية بالإنجليزية. اسم أطلق في فرنسا منذ بداية الستينات على الشباب من هواة أسلوب موسيقي قادم من الولايات المتحدة.

 [6]  تميل أغلب التقارير إلى التقليل من العنف خلال المواجهات،  ويمتد هذا هنا إلى امتداح قائد الشرطة موريس جريموه وإيراد تدخل الماسونيين. الأمر البديهي أن القمع ضروري لإعادة المضربين إلى العمل، ربما أكثر من إغواءات المجتمع الاستهلاكي. وطبيعي أن تميل التقارير الرسمية إلى التقليل من الخسائر أو إخفائها تملصَا من مسئولية الدولة. لكن في يوم واحد، هو 6 مايو، أسفرت المواجهات عن جرح 805 واعتقال نحو ثمانين. وخلال ليلة 10-11 مايو [ليلة المتاريس] في الحي اللاتيني، هاجمت الشرطة المتاريس، وأسفرت معارك الشوارع التالية عن جرح 274 رجل شرطة و116 متظاهر. كما تم تدمير 128 عربة وحرق 60 أخرى.
ويوم 7 يونيو، عند مصنع فلان، بدأت الاشتباكات بين العمال وبين ألف من قوات مكافحة الشغب. وتم اعتقال أكثر من 300 متظاهر ومتفرج.
ويوم 10 يونيو تواصلت المناوشات مع الطلبة والعمال، مما أدي إلى غرق تلميذ الليسيه جيل توتان، الذي كان ينتمي إلى منظمة ماوية.
وفي نفس اليوم، عند مصنع بيجو في سوشوه، أطلقت الشرطة النار على مُضرِب في الرابعة والعشرين.
وفي ليلة 11-12 يونيو اشتبكت الشرطة من متظاهرين غالبيتهم من العمال، وتم تدمير 75 سيارة، ونهب 10 سيارات شرطة، ومهاجمة خمس نقاط للشرطة. وجرح 72 ضابطَا واعتقال 1500 متظاهر.
ويوم 10 يونيو، حظر وزير الداخلية ريمون مارسلان كل المظاهرات وحل الجماعات اليسارية، وأطلق سراح ضباط الجيش السري الذي كان يعمل في الجزائر، وتساهل مع عنف شراذم اليمين المتطرف وطرد كل الأجانب الذين قُبض عليهم أثناء المظاهرات.
ولم نتطرق هنا إلى الخسائر في الأقاليم ، في ليون مثلا، وفي غيرها.
وكل الأرقام عاليه مأخوذة من:
Michael Seidman, Workers in a Repressive Society of Seductions: Paris Metallurgists in May-June 1968.