تعتبرُ رواية "الرياح وأشجار الصفصاف" -القصةَ رهيفَة العواطف والأثيرة لدى البريطانيين- كتابًا مشوقًا أكثرَ مما قد يوحي به جمهوره العريض من اليافعين عادةً.

الرياح وأشجار الصفصاف لكينيث جرام (1908)

مقال: روبرت مكروم

ترجمة: مريم ناجي

عن كتاب "أفضل مئة رواية في اللغة الإنجليزية" الصادر عن كتب مملة بالتعاون مع دار هن للنشر والتوزيع


عن الجارديان

تنتمي رواية "الرياح وأشجار الصفصاف"، المعروفة لقُراءٍ كُثر خلال ما استُلهم منها مسرحيًا، مثلَ مسرحيةٍ "عُلجُوم قصر عُلجُوم" (Toad of Toad Hall)، إلى مصافِ ثُلةٍ مختارةٍ من الكلاسيكيات الإنجليزية، التي لا تحتاجُ شخصياتها (الفأر والخُلد والغرير والسيد عُلجُوم)، ولا عِباراتهم الشهيرة ("نتسكَّعُ على متن القوارب" و"تووت، تووت!") إلى أي مُقدماتٍ تعريفية. وبسبب إعادة إنتاج أفكار تُحفةَ كينيث جرام الفنية وصورها في إطاراتٍ عدَّة في الطباعة والرسوم المتحركة والسينما، فإننا قد نجدها مُستنسخةً في أمكنةٍ لا تُصدَّق؛ عنوان الفصلُ السابع: "زِمار مطلعِ الفجر"، هو كذلك اسم الألبوم الأول لفرقة "بينك فلويد" الصادر عام 1967.

تعتبرُ رواية "الرياح وأشجار الصفصاف" -القصةَ رهيفَة العواطف والأثيرة لدى البريطانيين- كتابًا مشوقًا أكثرَ مما قد يوحي به جمهوره العريض من اليافعين عادةً. أولًا، هو نِتاجُ كاتبٍ حققَ نجاحًا باهرًا في تسعينيات القرن التاسع عشر مع كونه كاتبًا شابًا معاصرًا للكاتب أوسكار وايلد، كذلكَ هو مساهمٌ قدير في الدورية الأدبية ربع السنوية المسماة بـ"الكتاب الأصفر". آنذاكَ، عيَّنَ بنكُ إنجلترا جرام، لكنه كان كذلك -وهو في عشرينياته- ينشر قِصصًا في مجلَّاتٍ أدبية، وهي أعمالُ جمِّعَت لاحقًا وصدرت في كتاب "أيامُ الأحلام" عام 1895، وأيضًا عملٌ آخر حققَ رواجًا أكثر بعنوان "العصر الذهبي" نُشر عام 1898.

تحكي سردية الرواية عن مأساةٍ عائلية لكن بطريقةٍ مشفَّرة؛ حدثَ في عام 1899 أن تزوجَ جرامَ ورُزِقً بطفلٍ وحيد، صبيٌ سمَّاه ألاستير، عانى ابنه من مشاكل صحيَّة وشخصيةٍ عصيبة تُوِجَت صعوباتها في النهاية بانتحار الفتى، فتسبب في فجيعة أبوية. حين تقاعد جرام من البنكِ (كان يعملُ سِكرتيرًا) عام 1908، تمكَّن من صبِّ تركيزه كله على الحكايات التي كان يَقُصُّها على ابنه، حكايات وقعتْ على ضفة نهر التيمز الذي نشأ عليها جرام نفسه. لذا فإن حكاية "الرياح وأشجار الصفصاف" هي حكايةٌ موغلةٌ في الحنين لما مضى وانقضى، ومستلهمةٌ من محبة هاجسية نابعةٍ من أبٍّ نحو ولده الوحيد.

يستكشفُ القارئ خلالَ النص حكايتين متداخلتين؛ مغامرات الخُلد والفأر (فأرون) والغرير والعُلجُوم مع المقطورة الملونة بألوان الكناري، وما سوف يليها من السيارات، بجانب معركةٍ طاحنةٍ حول "قصر العُلجُوم". وفي الوقتِ نفسه، يكتبُ جرام في فصول حكايته استكشافاته الغنائية عن حياة البيت (ما أحلى البيت!)، وعن نهر الحياة (كلنا عابرو سبيل)، وعن الطفولة ذاتها (زمار مطلع الفجر). لكن في أغلب الأعمال المسرحية المقتبسة عن كتاب جرام، تطوَّع كل عناصره الغنائية بقسوةٍ لتخضع إلى متطلبات الحبكة.

تمثِّلُ رواية "الرياح وأشجار الصفصاف" في المقام الأول إسهامًا جبَّارًا في مِيثُولوجيا العصر الإدواردي من تاريخ إنجلترا، ليسَ من خلال بعث الحياة في فصول الريف الإنجليزي المتقلِّبة فحسب، من ضفاف النهر في الصيف حتى الطريقِ السريع، لكن كذلك من إشاراتها إلى الصراعٍ الطبقي الذي على وشك الاندلاع بين سكَّان البراري (القاقم وابن عرس).

تستحقُ "الرياح وأشجار الصفصاف"، مثل بقية مختارات قصص الأطفال في هذه السلسلة -أليس في بلاد العجائب (رقم 18) وكيم (رقم 34)- اعترافًا بأنها روايةً سيجدُ فيها القرَّاء الكبار الحكمة والفُكاهة والمتعة والمعنى، فضلًا عن فقراتٍ كثيرةٍ ذاتَ حِسٍ أدبي عظيم، كل ذلك وأكثر بصحبة شخصياتٍ ما زلت تعيشُ في باطن الوعي الأدبي الإنجليزي.

ملحوظةٌ عن النص

بدأت "الرياح وأشجار الصفصاف" على أنها قصةٌ تُروى قُبيل النوم ورسائل تُكتب لابن جرام المضطرب، عن فتًى عليل اسمه ماوس، وهو غالبًا مَن ألهمَ شخصية السيد عُلجُوم العنيدة، والذي أودى بحياته منتحرًا في العشرين من عمره في أُكسفورد. وبالفعل كانت تلك الحكايات شخصيةً للغاية حدَّ أن جرام لم ينوِ أبدًا نشرها. وبُعِثَ بالمخطوطة بدايةً إلى ناشرٍ أمريكي رفضها. وبعدما نشرتها دار نشر "ميثيون" عام 1908، وقعَ حُبها في نفس شخصٍ عبر الأطلسي لم يَكن في الحسبان؛ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ثيودور روزفلت. كتبَ في عامِ 1909 إلى جرام يُخبره بأنه "قرأها وأعادَ قراءتها، وحتى غدت شخصياتها مثلَ أصدقاءٍ قُدامى لي". كان الاستقبال النقدي في أماكنَ أخرى أكثر تبايُنًا من هذا، لكن لم يحدث قبلَ أن يقتبسَ الكاتب المسرحي "آلان ألكسندر ميلن" أجزاءً من الكتاب ويُحوِّلها إلى المسرحية الشهيرة "عُلجُوم قصر عُلجُوم" في عام 1929، أن احتلَ هذا العملُ المكانةَ الراسخة الخالدة في أدب الطفل كما حاله اليوم.