كان عهد الوصاية على العرش نقطة تحول في القصص اﻹنجليزي، فلم يكن اﻷمير الوصي وحده المثقف الذي يعشق أعمال جين أوستن، لكن ظهر أيضًا سوق جديد كليًا للروايات يضم قراء من الطبقة الوسطى لديهم نقود وحماسة وذائقة أدبية.

قصر الكوابيس لتوماس لوف بيكوك (1818)

مقال: روبرت مكروم

ترجمة: حسين الحاج

بمناسبة صدور كتاب أفضل مئة رواية في اللغة الإنجليزية للناقد اﻹنجليزي روبرت مكروم - ثالث إنتاج كتب مملة الورقي، بالتعاون مع دار هن للنشر والتوزيع.


توماس لوف بيكوك، عن britannica

صدرت رواية "قصر الكوابيس" في عام 1818، مثل رواية "فرانكنشتاين" (الثامنة في هذه السلسلة)، والغريب أن بيرسي شيلي الذي كان صديقًا لبيكوك هو مُلهم هذه الرواية. لكن سخرية الأخير كانت مرحة وغريبة اﻷطوار وشبيهة بالنكات الضمنية. ما من طريقة لمعرفة إذا ما كان بيكوك قد قرأ رواية ماري شيلي بالفعل، لكن "قصر الكوابيس" تمثل نظيرًا لطيفًا لها، وتتحدث عن أهمية وجود جمهور جديد.

كان عهد الوصاية على العرش نقطة تحول في القصص اﻹنجليزي، فلم يكن اﻷمير الوصي وحده المثقف الذي يعشق أعمال جين أوستن، لكن ظهر أيضًا سوق جديد كليًا للروايات يضم قراء من الطبقة الوسطى لديهم نقود وحماسة وذائقة أدبية.

بعد مخاض طويل، دَبَّت حياة أدبية في إنجلترا. وبعد أكثر من 100 عام من تقييد دانيال ديفو باﻷصفاد وتأليف جون بونيان لـ "رحلة الحاج" في سجن بيدفورد، أصبح الروائيون اﻹنجليز راسخين في قلب الحياة الثقافية. فيما مضى، كان الكتاب مجهولين أو نشروا كتبهم خلف أسماء مستعارة خوفًا من العار أو ما هو أسوأ. اﻵن أصبحوا معروفين ويجري الحديث عنهم، بل تُدفع لهم أجور مجزية أحيانًا.

في البدء، كانت عملية المراجعة متفاوتة وخاضعة لعنف فعلي. ثم ظهرت بعض المجلات المؤثرة على المسرح، وأصبح النقد اﻷدبي بشكل قابل للتمييز وظيفة كما نعرفها اليوم. وأصبح بائعو الكتب في شارع جراب -مثل جون موراي- ناشرين، واكتسبت هذه التجارة احترامًا. 

وفي الوقت نفسه، بدأ محبو اﻷدب، خصوصًا في لندن، حوارًا غير رسمي من خلال كتبهم التي نسجت المجتمع حول مناقشة مستمرة للأدب. 

وهي ممارسة مستمرة إلى يومنا هذا، مستمرة إلى حد أنه يمكننا تتبعها خلال هذا المصنف عن المئة رواية. على سبيل المثال، ستسخر جين أوستن من رواية السيدة آن رادكليف الشهيرة "أسرار أودولفو" في "دير نورثانجر". يشرح الالتزام المماثل للفنان بالموضوع طبيعة أعمال ذلك العبقري شبه المنسي، توماس لوف بيكوك. 

ولد بيكوك في عائلة تمتهن اﻷشغال البحرية في مدينة ويماوث في عام 1785. ورث معاشًا سنويًا بسيطًا، وبدأ كتابة الشعر وخرج للتنزه في أسكتلندا كرومانسي حقيقي وشاب ابن عصره، فقد كان ذكيًا لكنه كسول. وبالنسبة ﻷصدقائه، فمن المؤكد أنه بدا لهم هاويًا، حيث تصرف طوال حياته وكأن ثمة أشياء أخرى يمكن عملها إلى جانب الكتابة.

لكنه نَشَر قصيدة طويلة وصعبة في عام 1812 تدعى فلسفة الحزن والكآبة. وبسببها التقى بيرسي شيلي ووقع تحت سحر الشاعر العظيم وأصبح صديقه، وبدأ يجد صوته الخاص ككاتب متحولاً نحو كتابة النثر الساخر. يستمد بيكوك مكانته من فترة قصيرة جدًا بين عامي 1813 و1818، عندما أصبح جزءًا من روتين شيلي العشوائي حتى أنه قَبِل نوعًا من المعاش مقابل ممارسة اﻷعمال المنزلية. وفي 1814، هاجم شعراء البحيرة[1] في قصيدة أسماها "سير بروتس: موال ساخر"، ثم تبعها، بعدها بسنة، بأولى رواياته الساخرة "قاعة هيدلونج".

يُعتَبَر أدب بيكوك أصيلًا وقليل من قلدوه. يحتل أدبه -قصر الكوابيس هي واحدة من بين أربع روايات ساخرة تتخذ المنازل الريفية مسرحًا لها، من بينها "قاعة هيدلونج" و"قلعة كروتشت"- مكانة خاصة في هذه القائمة، ويستحق تذكره بوصفه البدايات الممتعة لخط في اﻷدب المؤسس الذي ربما يتضمن رواية ألدوس هكسلي "رقصة صاخبة" وستيلا جابونز "مزرعة الراحة الباردة".

من المبكر معرفة إذا كانت تلك العناوين ستدخل في قائمة المئة النهائية، لكن ثمة صلة حقيقية مع قائمة الأفضل. أعتقد أن هناك شيئًا من الحالة الإبداعية المزاجية لبيكوك موجودة لدى لويس كارول، لكن هذا مجرد ظن. ليس لديَّ فكرة إذا كان مدرس الرياضيات المتلعثم هذا قد قرأ أيًا من أعمال بيكوك اﻷدبية.

على أية حال، بيكوك ليس فريدًا تمامًا، فقد تأثر بجوناثان سويفت وفولتير ورابيليه (الذي أثر أيضًا في ستيرن). تعد رواية قصر الكوابيس رمزية بصورة مذهلة، بإحالات إلى شكسبير وألكسندر بوب وبلينيوس وجوته من بين العديد من الكتاب، لكن تأثيرات بيكوك المسرحية وحتى الاستعراضية تجد صداها في اﻷعمال الهزلية اللاحقة لكُتَّاب مثل جيروم ك. جيروم، ومونرو (ساكي) وبي جي وودهاوس من بين آخرين. سنجد وودهاوس ينتحل بيئة المنزل الريفي من بيكوك بالكامل حقًا. 

من المثير أن نعرف إلى أي مدى كان بيكوك مألوفًا للكتاب المعاصرين الذين يكتبون القص الخفيف، وهو يستحق بالتأكيد أن يكون معروفًا، لذا أفسح له مساحة هنا، فهو مفضل لي شخصيًا.

الحبكة في رواية "قصر الكوابيس" في خفة الورقة وتدور حول الارتباكات العاطفية لسكيثروب جلوري بين عاشقين "ماريونيتا وستيلا". تسخر الحبكة من صعوبات علاقة بيرسي شيلي مع هاريت ويستبروك وماري جودوين، لكن المتعة الحقيقية للرواية تكمن في أسلوب بيكوك الفذ والحوار المفرط في البلاغة واﻷغاني المسلية واللذة التي يجدها في السخرية من الحركة الرومانسية. وقد كان شيلي كريمًا في رده عليه، "ما من كلمات تكفي لمدح خفة اللغة ونزاهتها وقوتها في العمل بأكمله. إنه ربما يتجاوز كل أعمالك اﻷخرى".

شيلي، الذي يمثله سكيثروب في الرواية، كان عالمًا باﻷمر منذ البداية. كتب له بيكوك في 30 مايو 1818 كي يخبره، "لقد أنهيت رواية قصر الكوابيس تقريبًا"، ويشتكي له من أن النشيد الرابع من أسفار شيلد هارولد سيء للغاية". لقد اهتم بيكوك بحالة اﻷدب اﻹنجليزي وكان بطريقته الهادئة بطلًا مدافعًا عن أعلى المعايير. في رسالة أخرى لشيلي، أخبره أنه يريد "أن يدخل قليلًا من ضوء النهار" على "الطبيعة القاتمة" للأدب المعاصر، وهي رغبة تمثل وصفة بيكوك النموذجية. فقد كان يهتم طوال مسيرته برعاية التقليد اﻷدبي اﻹنجليزي. وما نهاية الحضارة كما نعرفها إلا نقطة أخرى مألوفة للأدب الساخر الخفيف، بدءًا من مسرحية "كل شيء مقبول" لبي جي وودهاوس حتى رواية "الكروم اﻷصفر" ﻷلدوس هكسلي.

ملحوظة عن النص

ثمة نص واحد من رواية "قصر الكوابيس"، نُشِر في نوفمبر 1818، ثم أعيد نشره في بنتليز ستاندرد نوفلز، عدد رقم سبعة وخمسون، في عام 1837، لذا اتفق الفيكتوريون على نص بيكوك ثم أعاد النقاد اﻹدوارديون وما بعد اﻹدوارديون اكتشافه لاحقًا.


[1] شعراء البحيرة هو اسم يطلق على مجموعة من الشعراء الإنجليز الذين عاشوا في منطقة البحيرات في إنجلترا في مطلع القرن التاسع عشر. لم يتبعوا أي من المدارس الفكرية أو الأدبية المعروفة آنذاك لكنهم شكلوا جزءًا من الحركة الرومانتيكية.