تُعَدّ سوق الغرور، بسبب واقعيتها المتدفقة أداءً شجاعًا لكاتب وجد ثيمته الحقة.
سوق الغرور لوليام م. ثاكري
روبرت مكروم
نُشر في الجارديان، ديسمبر 2013
ترجمة: أسماء السكوتي
تتميز سوق الغرور وسط روايات هذه القائمة بكونها رواية فيكتورية عظيمة؛ كُتبت ونُشرت في منتصف عهد مجيد في تاريخ الرواية الانجليزية. لقد كان ثاكري يتمتع حقًا بالجدارة والقوة في كتابة هذا العمل (يقول البعض إنه لم يفلح في الكتابة بهذه الجودة والدقة أبدًا بعدها)، لدرجة أن شارلوت برونتي أهدته روايتها «جين إير» (رقم 12 في هذه اللائحة) لكونه مؤلف «سوق الغرور».
هكذا، وبعد مائة سنة من صدور رواية كلاريسا (رقم 4 في هذه القائمة)، لم يكتف ثاكري باللعب ضمن ممكنات الرواية، بل أضاف إليها رسومًا اتُفِق على إسفافها. لقد نشرت سوق الغرور مُسلسلة (اختُتمت بعض الأجزاء بلحظات تشويقية لا تنسى؛ من قبيل: كشف بيكي شارب عن خبر زواجها لراودون كراولي) ما بين يناير 1847 ويونيو 1848. هكذا، تمكن ثاكري في ذروة إبداعيته من استثمار تقليد جياش بشغف وحيوية؛ ليتجاوز، من ثم، كل محاولاته الروائية السابقة (من قبيل روايته حظ باري ليندون) في العام 1844.
تغيبت في المسوادات الأولى للرواية -التي عُنونت في البداية بـ «رواية دون بطل»- شخصية وليام دوبين المحورية التي اتسمت بطيبة وجاذبية يدين بهما لشخص الكاتب نفسه. أما العنوان «سوق الغرور» فقد خطر للكاتب في لحظة كشف مفاجئة بينما كان راقدًا في سريره ليلًا؛ إذ استلهمه من رحلة الحاج (رقم 1 في القائمة) في إحالة على السوق التي يوحي بها الشيطانان بعلزبوب وأبوليون في بلدة ڤانتي (أو الغرور). على عكس بونيان [صاحب رواية رحلة الحاج] لم يكن ثاكري مسيحيًا متشددًا، بل بالأحرى رجلًا ذوّاقًا لحلاوة الحياة ولذتها، أما مراسلاته، فقد دلت على أنه لم يكن يرى في الإنجيل إلا مادة سخيفة أو مقيتة. ولكن اختيار سوق الغرور عنوانًا للنص ما لبث أن حدد نبرته وكرّسه للنقد المجتمعي، على غرار ما فعل عنوان «محرقة الغرور» بنص توم وولف (الذي رسم صور نصه بنفسه) سنة 1987.
جمعت نوايا ثاكري بين السخرية والواقعية، إذ جعل من عهد الوصاية على العرش البريطاني، وتحديدًا خلال الحروب النابليونية، زمنًا لأحداث روايته حتى يبث عِبرًا تناسب عصره الراهن بدوره. الأمر أشبه في عصرنا الحاضر، باتخاذ كاتب روائي من الحرب العالمية الثانية أو قصف لندن زمنًا حكائيًا لنصه.
تبلغ الأحداث ذروتها في معركة واترلو، هنا، وعلى عكس تولستوي الذي تأثر بـ «سوق الغرور» في كتابته لرواية «الحرب والسلام»، يتحسس ثاكري من ذكر الأمور العسكرية، ويترك كل تفاصيل الحرب خارج المشهد السردي. مما يعزز لحظات العنف في النص ويجعلها أكثر ترويعًا وإفزاعًا، ومثال ذلك، مشهد موت جورج أوزبورن: «ملقىً على وجهه، ميتًا، برصاصة اخترقت قلبه» في ساحة معركة واترلو التي جرت أحداثها تقريبًا في منتصف الرواية.
كان ثاكري شديد الوعي بجمهوره، وكثيرًا ما يكسر تدفق الحكاية ليلتفت إلى قارئه ويأخذ بتلابيبه حينًا ويثير حفيظته حينًا آخر «إن هذا الفصل (الثامن) هين وخفيف، أما الفصول التالية -مهلًا! لن نحرق تلك قبل آوانها». وعمومًا، فإن الحكاية لا تُرجأ طويلًا، إذ سرعان ما يُدفع بها قُدمًا من خلال تتبع رحلتي بيكي شارب وصديقتها المخلصة إيميليا سيدلي من جهة، وقصة الوضيع الفاسق جورج أوزبورن مع الأخرق المحترم ويليام دوبين من جهة ثانية. هكذا، يتألف المسار الاجتماعي لكل ثنائي كي يبثّ في السرد نفسًا تناظريًا متكاملًا.
يكمن مفتاح سحر الرواية -بالإضافة إلى البهجة التي تستوحيها من بهرجة عهد الوصاية على العرش البريطاني- في التناقض القائم بين بيكي الداهية (إحدى أعظم الشخصيات النسوية في فن الرواية) وويليام المرتبك والمثقل بولائه وعشقه الشديد لإيميليا؛ هذا العشق الذي يعكس شغف ثاكري نفسه بامرأة رجل آخر.
أخيرًا، تعد سوق الغرور، بسبب واقعيتها المتدفقة أداءً شجاعًا لكاتب وجد ثيمته الحقة. هكذا، وباقتراب الرواية من نهايتها التي ستغير سمعة الكاتب إلى الأبد، يختم الأخير نصه بنفسه مومئًا إلى الطابع الصارخ الذي يسكن حكايته، قائلًا: «تعالوا يا أطفال، دعونا نقفل صندوق العرائس هذا، وذلك لأن مسرحيتنا قد عُرضت وانتهت».
تعليق على النص
نُشرت «سوق الغرور: رواية بلا بطل» لأول مرة مسلسلة في [المجلة الساخرة] بانش، لتنشر بعدها (بالتنضيد نفسه) في برادبوري أند إيفانز أوف بوفيري ستريت في يوليو 1848. ستظهر نسخة ثالثة؛ أدق وأكمل سنة 1853، بدون صور أو رسوم. ستكون سوق الغرور كذلك أول رواية لثاكري تحمل اسمه. من ثم، كعلامة على ثقته بنفسه، سيضيف الكاتب في مقدمة طبعة 1848، بتاريخ 28 يونيو امتنانه «للطف الذي استُقبلَت به الرواية في كل المدن الكبرى بإنجلترا... حيث حباها بانتباه قادة الصحافة العامة والنبلاء والنخبة. إنه لفخور بعرائسه التي أمتعت أكبر رؤوس الإمبراطورية».
* الترجمة خاصة بـ Boring Books
** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها