كنت أعتقد أنه سيهتف إذا فهم أنه سيموت، ويلوح بذراعيه ويصرخ.
لكنه لم يفعل ذلك، بل جلس رقيقًا، نظيفًا، في ثوبه الأنيق، مثل رجل مقدس.

ترجمة: غادة مشرف

أبٌ سكير، ومشاجرات مستمرة بينه وبين والدتها، وكرهها الشديد له، وشعورها الدائم بالدونية، وانفصال والديها، ثم طرد والدها خارج حياتها؛ هذه نبذة مقتضبة عن طفولة الشاعرة الأمريكية شارون أولدز (1942). ومن خلال تلك الطفولة القاسية أطلت أولدز على العالم، فأصبحت تكتب عن طفولتها ووالديها وزواجها وأولادها وتجاربها الجنسية.

ففي كتابها الأول «الشيطان يقول» ركزت أولدز على حياتها الجنسية وحياة عائلتها. وفي كتابها «وثبة الظبي» حكت عن طلاقها بعد زواج استمر لثلاثين عامًا. وفي كتاب «الأب»، الذي ننشر منه هذه القصائد، تناولت رؤيتها كابنة لمرض والدها ووفاته عن طريق سرد متصل للأحداث بداية من مرضه إلى التغيرات التي طرأت على علاقتهما ثم السنوات التي تلت وفاته.


شارون أولدز، الصورة لـHillery Stone

ما وراء الأذى

فجأة، بعد وفاة والدي بأسبوع،

اكتشفتُ أن حبي آمن بداخله، ولا يمكن لشيء المساس به.

وسأعرفك كيف توصلت لذلك؛

خلال الأشهر الماضية التي سبقت وفاته، 

كان وجهه يضيء أحيانًا عندما أدخل غرفته. 

كما أن زوجته أخبرتني، أنه ابتسمَ ، ذات مرة،

 عندما قالت اسمي بجواره وهو نصف نائم.

وفي طفولتي، 

أتذكر جيدًا أنه احترم شجاعتي عندما ربطوني بالكرسي.

ففي ذلك الوقت كانوا يقيدون شخصًا يحترمه.

وعندما لم يتكلم لأسابيع،

 كنت واحدة من هؤلاء الذين لم يتحدث معهم، 

أي أن لي مكانة في حياته.

كما أنه في الأسبوع الأخير قبل وفاته،

أخطأ عندما دخلت غرفته وسألته: «كيف حالك؟»، فقال: «أنا أيضًا أحبك».

منذ ذلك الحين،

كانت لدي تلك الكلمة لأتشبث بها.

وحتى اللحظة الأخيرة، 

كان بإمكاني ارتكاب بعض الأخطاء، والإساءة إليه، 

وأعلم جيدًا أنه كان سيعيد علي كلماته القديمة المشمئزة فيشوه حياتي.

لكني لم أفكر كثيرًا في ذلك، بل انغمرت في العناية به،

بمسح وجهه، والإمساك بكوبه، ولمس كتفه.

لذلك، بعد فترة من وفاته،

فجأة فكرت، بدهشة، 

أنه الآن سيحبني للأبد،

 وضحكت،

فقد ماتَ، ماتَ.


صُموده

قالَ الطبيبُ لوالدي: «طلبت مني أن أخبرك عندما لا يمكن فعل أي شئ آخر، 

وهذا ما أخبرك به الآن».

كان والدي جالسًا ساكنًا تمامًا، كما كان دائمًا،

خاصةً دون تحريك عينيه.

كنت أعتقد أنه سيهتف إذا فهم أنه سيموت، ويلوح بذراعيه ويصرخ.

لكنه لم يفعل ذلك، بل جلس رقيقًا، نظيفًا، في ثوبه الأنيق، مثل رجل مقدس.

فقال له الطبيب مرة أخري: «قد يمكننا القيام بما  قد يمنحك بعض الوقت، 

لكن لا يمكننا علاجك».

قال والدي: «شكرًا لك».

وجلس بلا حراك، وحيدًا، بكرامة زعيم أجنبي.

جلستُ بجواره، 

وقلت لنفسي: «هذا هو والدي»، كان يعلم أنه سيموت،

خشيت أن يُضطروا إلى تقييده،

ونسيت أنه كان دائمًا ثابتًا وصامدًا يحتمل الصعاب،

فقد جعل من الخمور وسيلة للحفاظ على هدوئه. 

أعترف أنني لم أكن أعرفه من قبل، 

أما الآن، فوالدي كان لديه كرامة،

وفي نهاية حياته، بدأت روحه تستيقظ بداخلي.


الموت والأخلاق

موت والدي ليس شرًا

ليس شًرا وليس خيًرا،

إنه حدث قذفني خارج عالم الأخلاق.

وبمجرد خروجي من عالم الأخلاق،

يمكنني العيش بسهولة مثل أي حيوان،

خلق ليعيش في المساحة المقدرة له.

عندما تفرغ الممرضات كيس القسطرة الخاص به، 

ويتقيأ هو سائلًا شاحب اللون في كوب المقياس بالمستشفى، 

لا يعد هذا جيدًا ولا سيئًا، وإنما جميل فقط،

إنه فقط ما يحدث بداخل جسده.

حتى في ألمهِ، عندما ينقبض وجهه،

ويتراجع فكه، فهذا ليس شرًا،

ولا أحد يفعل ذلك به، 

فلا ذنب هناك ولا خزي،

فقط اللذة والألم.

هذا هو العالم الذي يعيش فيه الجنس، 

عالم الوصلات العصبية، عالم بلا دين،

عالم تقلب الفصول، وخلق الأرض،

هو نفس العالم الذي نُقبله فيه، 

ونهذب شعره الخشن، أنا وزوجته،

على كلا الجانبين،

ونمسح تدفق اللعاب الذي يشبه طين العاج من جانب فمه.

يشعر جسده باهتمامنا به خارج عالم الأخلاق 

كأننا نمارس معه الحب في الغابة

ونسمعُ الترانيم البعيدة لاجتماع قائم بخيمة، 

حيث أصغر من أصغر قطرات من الأخضر والأسود 

تنزل على جسده قطرات الندى

ونحن ننحني كي نلمسه.


الترجمة خاصة بـBoring Books.

تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها.