إيكو.. أو الحجيزة بين الصوت والصمت

مقال لأسماء السكوتي

المقال خاص  بـ Boring Books

تحتفظ الكاتبة بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بمقالها دون إذن منها.


أتساءل كيف كان رد فعل أول إنسان حاول أن يتكلم في اللحظة التي سمع فيها صوته: هل انزعج؟ هل اندهش؟ هل استاء من نفسه لأنه لم يحاول من قبل؟ أم أنه ندم على فعلته حين أدرك أن حياته لن تعود لسابق بساطتها؟ هل كانت أول مرة يسمع فيها صوته سرًا أم جهرًا؟ ترى هل كانت لغته قبل أن يكتشف الصوت Voice صمتًا أم صدى يحاكي أصوات Sounds العالم؟[1]

أغلب الظن أنه ارتعب من صوته، وكما يظن الرضيع أن الماثل أمامه في المرآة هو شخص آخر، فكذلك سيظن صاحبنا أن هذا الصوت لآخر، ولكنه ليس آخر ماثلًا أمامه، بل آخر ماثلًا فيه وبداخله، ربما من هنا انطلقت حكايات البشر المسكونين بالجن والكائنات الخفية، ربما ليس الجني في نهاية الأمر سوى صوت يسكننا، ولكننا لم نعرف بعد أنه نحن. عمومًا، لم يكن أمام صاحبنا إلا التخلص من الجني (ربما كان هو من وضعه في الفانوس السحري) وتقديمه قربانًا للآلهة قبل أن تتخلى عنه بما أنه أضحى صوتًا.

الصوت.. قربان أم مقايضة

إيكو[2] المحتجزة على عتبة الصوت، ذاك أنها كانت تنطق ولكنها في الآن ذاته كانت لا تملك من صوتها إلا أن تكرر ما ينطق به الآخرون، ولكنها إذا كانت قد تقبلت لعنة هيرا وبدأت تتأقلم معها، لم تستطع أن تتحمل صمتها طويلًا بعد أن وقعت في حب نارسيس. هكذا، تعلمتْ أن تكرر من كلماته ما يطابق مشاعرها، لقد كانت صدى ذكيًّا، لا يكرر كل القول بل ما يناسبه فحسب، وأحيانًا بنبرة تُغيِّر من معناه، لقد سلبتها هيرا إمكانية إبداع كلمات، ولكنها لم تستطع أن تسلب منها إبداعية الصوت في تهدجه وهمسه وصراخه. وبذلك يكون الصدى رقصًا على حبلي الصمت (- كلمات) والصوت (+ نبر). والمثير أن الكلمات ثلاثتها تبدأ بحرف الصاد، صدفة؟ لا أظن، أليس في القرآن سورة «ص»، ربما كان فيها حل لفك شيفرة هذا البحث. عمومًا، ألسنا جميعا على غرار إيكو نكرر جزءًا من الخطاب المفروض علينا، والذي أُنشِئنا عليه مجبورين، علَّنا ذات يوم نجد صوتنا؟!

لماذا اختارت هيرا هذه اللعنة العجيبة، فلا هي أخرست إيكو تمامًا ولا هي تركتها تتكلم، هل يعقل أنها رغبت بأن يكون الجزاء من جنس العمل، فعاقبتها على الثرثرة التي شُغِلَتْ بها عن مراقبة زيوس، بثرثرة أبدية لا دور لها فيها إلا تكرار أقوال الآخرين دون أن تضيف عليها شيئًا، هل أخرستها بالضجيج عوضًا عن أن تخرسها بالصمت؟ هل كانت إيكو لتساعد زيوس في مكيدته لو علمت أنها ستتلقى هذا الجزاء؟ ربما كان عليها أن تدرك ذلك، بما أن كل علاقة مع الإله قائمة على المساومة على الصوت ولو جزئيًا، بدءًا من آدم الذي كان بوقًا في يد الإله ينطق بأسمائه التي علمه إياها، مرورًا بزكريا الذي صام عن الكلام ثلاث ليال حتى يحصل على الخلف الصالح، وصولًا إلى كليم الله الذي كان يعاني من عقدةٍ في لسانه، والذي تلقى النبوءة بعد حوار مع الإله: «قال موسى للرب: (استمع أيها السيد، لست أنا صاحب كلام منذ أمس، ولا من حين كلّمت عبدك، بل أنا ثقيل الفم واللسان). فقال الرب: (من صنع للإنسان فمًا؟ أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيرًا أو أعمى؟ أما هو أنا الرب؟ فالآن اذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به)»[3]. لم يقتنع موسى بكلام الإله، وأبى إلا أن يرفض الدعوة «فحمي غضب الرب على موسى وقال: (أليس هارون اللاوي أخاك؟ أنا أعلم أنه هو يتكلم.. فتكلمه وتضع الكلمات في فمه، وأنا أكون مع فمك ومع فمه، وأعلمكما ماذا تصنعان. وهو يكلم الشعب عنك. وهو يكون لك فمًا، وأنت تكون له إلهًا)»[4]. ترى لماذا لم يختر الإله هارون مباشرة نبيًّا، لماذا رضي لنفسه بأن يكون إلهًا بنبيٍ ثقيل اللسان؟ عناد، أم تواضع، أو ربما لأنه لا يمكن فهم صوت الإله دون أن يكون عيب أصلي في ألسنتنا (ألسنا جميعًا مفلوقي اللسان بعد خطيئة آدم) وعموما فلم يكن أحد ليتحمل صوته، حتى بنو إسرائيل رفضوا الإصغاء إليه، وقالوا لموسى: «تكلم أنت معنا فنسمع. ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت»، ومن ثمَّ فقد دفعوا بنبيهم الثقيل اللسان قربانًا للصوت الإلهي المخيف.

لقد كان الصوت في حكايات هؤلاء جميعًا قربانًا لا بُدَّ من تقديمه في سبيل الحصول على الرضا الإلهي. ولكن الآلهة لا تلحق العقاب فحسب بل هي كذلك تساعد، وإذا كانت هيرا قد لعنت إيكو فإن أفروديت قد انتقمت لها من نرسيس. كما أن الإله لا يأخذ فقط، بل إنه يعطي كذلك، وإلا من أنطق النملة وجعلها تكلم سليمان، ومن أنطق عيسى في المهد؟ كيف يأخذ من الأنبياء أصواتهم ويمنحها إلى حشرة أو صبي؟ هل من الممكن أن نتصور الإله صعلوكًا يسحب الصوت من الأنبياء ويعطيه للضعفاء؟ أيعقل أن يكون الإله أول من التفت إلى من لا صوت لهم؟ هل يقبض الإله الأصوات أم أن البشر هم من يتنازلون عن أصواتهم كما تنازل بنو إسرائيل عن نبيهم؟ هل كان يوحنا حين نادى «أنا صوت صارخ بالبرية» يطلب من ربه أن يخلصه من صوته؟ هل الصوت ثقيل إلى هذه الدرجة؟ وقبل يوحنا ألم ينادِ داوود في مزاميره «بصوتي إلى الله أصرخ [...] لكلماتي أصغِ يا رب. تأمل صراخي. استمع لصوت دعائي يا ملكي وإلهي، لأني إليك أصلي. يا رب، بالغداة تسمع صوتي. بالغداة أوجه صلاتي نحوك وأنتظر»؟[5] ترى ماذا كان ينتظر داوود من دعائه، وماذا بعد أن يسمع الإله صوته؟ لا دراية لي بالنهاية التي آلت إليها هذه الأصوات التي قُبِضتْ برضا أصحابها أو بدونه. ولكنني أعرف مصير الصوت في حكاية شبيهة، لم يكن بطلها إلهًا بل ساحرة، إذ تقع الحورية ذات الصوت الجميل في غرام أمير إنسي، فتعطي الساحرة صوتها حتى تحولها إلى بشرية (بعبارة أخرى تستبدل إيريل لسانها بساقين بشريين!)[6] شرط أن تسترجع الأميرة صوتها بعد ثلاثة أيام (مثل زكريا) إذا نجحت في إقناع الأمير بالزواج منها، وإلا أصبحت خادمة للساحرة الشريرة. بطبيعة الحال تفشل الحورية في مهمتها، إذ كيف يعقل أن تقنع الأمير بحبها له دون كلام، وبذلك يكون مصيرها أسوا من إيكو، لأن هذه الأخيرة كان بإمكانها على الأقل أن تكرر كلمات نرسيس حتى تخبره بحبها، وقد كانت من الذكاء بحيث لم تكرر كل الكلمات بل فقط تلك التي تخدم قضيتها، لقد حاكت Mimesis خطابه حتى حاكت texture صوتها. وما الصوت في نهاية الأمر إلا اللعب على نهايات الخطاب الرسمي المفروض علينا حتى ننطق به ومن خلاله بأصواتنا؟!

ليتضح من ثمَّ، أن البداية الأولى للصوت، تُختَزل في حكايتين: حكاية من تخلى عن صوته لأغراض شخصية (حب، ابن، نبوة) فذاب في الخطاب الرسمي وفقد ملكية صوته، وحكاية أخرى، عرفت كيف تلعب على ثغرات الخطاب وتحتفظ بشيء من صوتها. لكل هذا كان من الحتمي في البحث عن حكاية الصوت، أن نرجع إلى أقدم المراجع المتاحة لنا، أي المرجع الديني المقدس بشقيه الأسطوري والعقائدي. ذاك أن «الموضوع الأساسي للكلام الديني هو كائن يتكلم: إله، شيطان، مُبشِّر، رسول. والفكر الميثولوجي يجهل تمامًا الأشياء الفاقدة للحركة، الأشياء الخرساء.. إن جميع الأنساق الدينية، مهما كانت ساذجة، تتوفر على جهاز ضخم، خاص ومنهجي، ينقل ويؤول مظاهر الكلام الرباني (الهيرمونطيقا)»[7]. ولأن الفلسفة قد نشأت من رحم المقدس، أو من لحظة الفطام عن المقدس واتخاذ مسافة منه والتأمل فيه، فقد كان لزامًا أن تكون هي الجزء الثاني الذي يجب كشف حكايته.

الجمهورية المونوصوتية.. أسوار الكلمة والبكم

يذهب دريدا في كتابه «الكتابة والاختلاف» إلى أن الفلسفة الغربية متمركزة حول الصوت، باعتبار أن الصوت مرادف للحضور، ولكن الصوت ليس دائمًا حضورًا بل هو كذلك غياب، أو هو الحد الفاصل بين الحضور والغياب، ذاك أننا حتى لو كنا نصغي إلى متكلم ماثل أمام أعيننا ولنا أن نتدخل بأي لحظة ونسكته أو نستوضحه، إلا أن جزءًا من صوته يظل غائبًا عنا، ذاك أنه قد يكون كاذبًا أو مدعيًا، أو حتى بافتراض نيته الحسنة لا يعرف كيف يشرح فكرته، وإلا كيف يعقل أن ينشأ نوع كامل من المسرح القائم على سوء التفاهم  .Quiproquo مما يؤكد أننا حتى لو كنا نسمع الصوت مباشرة فنحن لا نطلع على كواليسه؛ لا نسمع الصوت الداخلي الغائب الصاخب في صمته والمختبئ في أعماق صاحبه. وربما أحيانًا لا تُكشف الحقيقة والصوت بالكامل إلا في لحظة الاحتضار والموت، على غرار ما يحدث في قصة فرانز كافكا «أمام القانون»، فبعد أن منع الحارس الرجل طوال سنوات من ولوج بوابة القانون، يقترب من الرجل في لحظة احتضاره ويكشف له أن هذا الباب منذ البداية لم يكن لأحد سواه. لقد كان الاثنان طوال القصة حاضرين معًا ووجهًا لوجه، ولكن كان من اللازم انتظار لحظة الاحتضار لتُكشَف الحقيقة، ربما لأن الحقائق لا تُكشَف إلا لحظة الموت، حتى تظل رهينة الغياب.[8]

إن الحضارة الغربية إذن، لم تكن متمركزة حول الصوت، بل حول الصوت المرافق للمعنى، أي للكلمات، وبذلك فالصوت لم يكن سوى أداة وحامل؛ مزهرية لا غاية لها ولا جمالية بدون الأزهار، ومن ثمة فإن تحريم سقراط لكتابة تعاليمه، وادعاء الفلسفة اليونانية أن «كتابة كلّ الأشياء في كتاب، هو بمثابة وضع سيف في يد طفل»[9]، لم يكن المقصود منها أن الصوت أفضل من الكتابة، ولكن المقصود بها أن الكتابة تثبيت وترسيخ لأداة الصوت التي من المفترض أن تتبخر وتنتهي بمجرد انتهاء الجلسة النخبوية، حتى لا تصل أنباؤها إلى جمهور قد لا يفهمها، ولأن العامة دائمًا ما يكونون أشبه بالهمج أو على الأقل بالطفل، فيجب أن يُحرَص على ألا ينفردوا بالصوت حتى لا يَشطْوا في الفهم، ويهيموا على وجههم على غرار الدون كيخوت، أول ضحايا القراءة الصامتة التي تُبعِد المتلقي الأرعن عن الكاتب العاقل الذي من شأنه أن يرده إلى صوابه.

وبذلك، يتضح أن كتابة أفلاطون لتعاليم أستاذه لا تعني أنه خانه أو تمرد عليه، بل تدل على أنه فهم ما ذهب إليه، من أنه إذا كان من الضروري أن نثبت صوتًا فلنثبت صوت الأستاذ الكامل، أي صوت أب الفلاسفة؛ الواحد الذي لم يُسبَق إلى علمه، وليمَّحي البقية وليتبخروا كما يتبخر الصوت بمجرد التلفظ به؛ ليمَّحي السفسطائيون الذين علمنا التاريخ أن نكرههم لأنهم يُتاجرون بعلمهم ويكتبون في القضية ونقيضها، بينما سبب نبذهم في الحقيقة هو سبب نبذ الصوت نفسه، إنها البوليفونية، أو التعدد الذي يمكنهم من التكلم بأصوات متعددة ومواجهة الجمهور بأقنعة تضر الصوت المتوحد الذي يرمي الخطاب الرسمي إلى إرسائه.

ألَّف أفلاطون جمهوريته الفاضلة إذن، في سبيل نبذ التعدد والتلوينات الصوتية، لقد كتبها بالضبط ليمارس رقابة على تعددية الصوت، في سعيٍ حثيث وراء الوحدة وإرساء الانسجام  والمونوفونية، في الشعر والموسيقى اللذين لم يبقيهما أفلاطون في جمهوريته إلا لدورهما التعليمي المحض: «وعلينا أن نرجو هوميروس وغيره من الشعراء ألا يغضبوا إذا استبعدنا تلك الأقوال وما شاكلها، لا لأنها تفتقر إلى الجمال الشعري، أو لأنها لا تلقى آذانًا صاغية، وإنما لأنها كلما ازدادت إيغالًا في الطابع الشعري قلَّت صلاحيتها لسماع الأطفال والرجال الذين نودهم أن يحيوا أحرارًا، يخشون الأسر أكثر مما يرهبون الموت».[10]

هكذا، يقبل أفلاطون الشعر الملحمي، الذي هو سرد خالص على عكس الدراما القائمة على حضور الممثلين المتزامن والحوار المباشر، مدعيًا أن سبب رفضه راجع إلى أن الدراما تفترض محاكاة الممثل لأصوات عدة، فيما السارد لا يواجه الناس إلا بلسان وصوت واحد. هكذا، يخلص أفلاطون إلى ضرورة طرد كل من يخطر بباله أن ينطق بغير صوته، من جمهوريته، يقول: «فإن ظهر في دولتنا رجل بارع في محاكاة كل شيء، وأراد أن يقدم عرضًا لأشعاره على الناس، فسوف ننحني تبجيلًا له، وكأنه كائن مقدس مُعجز رفيع، إذ أن القانون يحظر ذلك. وهكذا سنرحِّله بعد أن نسكب على وجهه العطر ونزين جبينه بالأكاليل، إلى دولة أخرى. إذ أننا نود أن يكون شعراؤنا أكثر خشونة وصرامة، لا يحاكون إلا أسلوب الفضلاء، ولا يسترشدون إلا بالقواعد التي فرضناها منذ البداية».[11] ليتبين من ثمَّ أن المحاكاة لا تجوز، إلا حين يكون موضوع المحاكاة نبيلًا، أي مُتبِعًا لقانون المدينة، ذاك أن التنظير لمدينة يوتوبية لا يمكن أن يتحمل تعددًا ولا خلافًا ولا جنونًا، وهو ما يتضح من قوله: «وينبغي ألا يعتادوا تقليد لغة المخبولين من الرجال أو النساء أو أفعالهم، إذ أن الجنون كالرذيلة، مما يجب معرفته، ولكن ينبغي عدم ممارسته أو محاكاته.. أم هل يحاكون صهيل الخيل أو خوار الثور أو خرير المياه أو هدير الأمواج أو قصف الرعد أو ما شاكلها من الأصوات؟ كلا، فما دام الجنون محرمًا، فكذلك تحرم محاكاة أفعال المجانين».[12]

إضافة إلى الدراما، تُرفض الموسيقى التي لا ترافقها كلمات، ذاك أن «اللحن والإيقاع، لا بد أن يخضعا للكلمات»[13]، كما مُنعت كل الآلات الموسيقية، خاصة المزمار: «وهل نفتح أبواب مدينتنا لصناع المزامير وعازفيها؟ أليس المزمار هو الآلة التي تعزف أكبر قدر ممكن من الأنغام، بل إن الآلات التي تؤدي كل الأنغام ليست في ذاتها إلا تقليدًا للمزمار... وإذن فلن نستعمل في مدينتنا سوى العود والقيثارة، ولن نترك للرعاة سوى مزمار ريفي بسيط».[14] إلا أنه وبالإضافة إلى تنويعات الأصوات التي يصدرها الناي هناك سبب آخر لمنعه، ويتلخص ببساطة في أن فم العازف مشغول بالناي ولا يستطيع أن يصاحب عزفه بكلمات تقيد الصوت وتمنعه من الهيام هكذا دون معنى[15]، لقد كانت الكلمات في الموسيقى أشبه بالحبل الذي يشد الجمل حتى لا يضيع في الصحراء. مشيًا على مثال أفلاطون، رفض الإسلام كل الآلات الموسيقية التي ربطها بالشيطان باستثناء الدف، كما حرَّم النحيب ورفع الصوت بالبكاء والندب، وهي أمور قد سبق أفلاطون إلى منعها في جمهوريته، بصيغ متعددة، لعل أبرزها: «وإذن فسنكون على حق لو جنبنا عظماء الرجال ذلك العويل، والنحيب، وتركناه للنساء –ولكن ليس للكريمات منهن أيضًا- ولجبناء الرجال، حتى يشب أولئك الذين نربيهم من أجل حراسة وطنهم على احتقار مثل هذا الضعف والخور... كما ينبغي ألا يغرق حراسنا في الضحك، إذ أن الإغراق في الضحك يؤدي عادة إلى رد فعل عنيف في النفس».  [16]

إن سكان المدينة الفاضلة إذن بالضرورة، سكان بُكم، يتبعون العبارة الذهبية التي نطقها ديوميده أحد شخوص هوميروس وحازت رضا أفلاطون: «فلتجلس في صمت أيها الصديق، ولتطع أوامري».[17] سكان لا يبكون ولا يضحكون، وطبعًا لا يصرخون ولا يولولون ولا يقهقهون ما دامت كل هذه الأصوات مجرد تنويعات على مستوى من الضحك والبكاء. إنهم بُكم في مدينة صامتة، وإن تكلمت، فإنها لا تتكلم خارج الكلمات والموضوعات التي سطرها أفلاطون، إنها بصيغة أخرى جمهورية لا تسكنها إلا إيكو، ولكنها في هذه المرة إيكو لم يعرف قلبها الحب، ما دامت الجمهورية جمهورية محاربين لا وقت لديهم للحب، وكل ما يشغلهم هو مضاجعة محاربات يستطعن إنجاب محاربين أقوياء، للحفاظ على نقاء جنس المحاربين، وطرد غيرهم –خاصة المرضى منهم- إلى خارج الأسوار؛ وفي هذا الخارج التم شمل كل المطرودين مجانين ومرضى وشعراء، وهكذا ظهر الكرنفال.

كرنفال بوليفوني؟!

خارج الأسوار، وعلى الضفة الأخرى من دولة العقل والعدالة، و«الكذبات الضرورية» التي أكد أفلاطون أهمية وجودها حتى يعيش أهل الجمهورية في وئام وسلام، وقف كل المطرودين من الجمهورية الفاضلة، ولأن الوقوف طال بهم، قرروا أن يستمتعوا بأصواتهم، بما أنها كانت سبب طردهم. هكذا، بدأت جلسات السمر الاحتفالية لتصدر مزيجًا من المخلوقات الهجينة التي ما كانت لتكتشف جمال أصواتها لولا طردها خارج السور. نتج عن الصخب السديمي الكامن خارج الأسوار و«في الأسفل، فوق مصطبات الأكواخ والمعارض الشعبية، صدى التعدد اللساني على لسان المهرج الذي يسخر من جميع (اللغات) واللهجات، وكان هناك أدب الحكايات المنظومة والدرامات المضحكة، وأغاني الشارع، والأمثال والطرائف. ولم يكن هناك، في هذا المستوى، أي مركز لساني، وإنما كان هناك اللعب الحي بين الشعراء والعلماء والرهبان والفرسان. وجميع (اللغات) كانت بمثابة أقنعة في تلك اللعبة، ولم يكن أي واحد من مظاهرها حقيقيًّا وغير قابل للنقاش».[18]

ولكن هل فعلًا كانوا سعداء في ذلك الأسفل، هل يعقل ألا يكونوا قد اشتاقوا لما بين الأسوار، أليست بيوتهم هناك؟ هل يعقل ذات يوم أن يغدو المنفى وطنًا؟ والسؤال الأهم: هل كانت الحرية والتعدد فعلًا على الضفة الأخرى من السور، أم أن المهرج بدوره ما يلبث أن يندمج في الدور ويظن أنه فعلًا سلطان؟ والسؤال الأهم: هل كان فعلًا هناك تعدد وبوليفونية خارج الأسوار أم أنها لم تكن سوى تنويعات على بنية ظلت في جوهرها مونوفونية متمركزة بل ومهووسة بخطاب الآخر ولغته؟!

إذا كان هناك شيء من البوليفونية عند باختين، فقد كان في ذهنه وحده؛ في انتقاله في نفس النص من التنصيص على كرنفالية الصوت، إلى التأكيد بعدها على أن هذا الصوت لا يملك أي دفاعية أو إرادة داخلية، وعلى إنه محض صدى تراكمي لأقوال الآخر وتأثيراته، وبذلك يكون التطور الإيديولوجي للذات «صيرورة اختيار كلمات الآخرين وصيرورة تمثُّلها.. إن تمثُّل كلمات الآخرين يأخذ معنى أكثر أهمية وعمقًا عندما يتعلق الأمر بصيرورة الإنسان الإيديولوجية في المعنى الحقيقي للكلمة. هنا لا يعود كلام الآخر مجرد نبأ، توضيح، قاعدة.. بل إنه يسعى إلى أن يحدد الأسس نفسها لسلوكنا ولموقفنا من العالم».[19]

يميز باختين في أقوال الآخر بين قوليْن: قول آَمِر ذو سلطة ولكن الذات تنفر منه، وقول آخر مُقنع تميل إليه الذات رغم أنه لا يملك سلطة وغالبًا لا يعترف به اجتماعيًّا، تتفاعل الذات مع صوتيْن، وبغض النظر عن مدى تقبلها لهما، تقع تحت تأثيرهما معًا، وتبدأ في تكرارهما والتماهي معهما. ويبدو أن باختين نفسه لم يستطع أن يتحرر من الصوت الآمر، ذاك أنه أفاض في الحديث عنه بينما اكتفى بالإشارة إلى القول الآخر المحروم من المشروعية. ربما كان يهدف من وراء تبئير الصوت الأول أن يكشف تسلُّطه، أو ربما إلى تقريره كأمر واقع بما أن لا مفر منه. وعمومًا تكالبت كل العناصر في الخطاب الروائي، لتؤكد حقيقة واحدة: ألا مناص للصوت من خطاب الآخر الآمر، ذاك أنه «يفرض نفسه علينا بغض النظر عن درجة إقناعه الداخلية لنا. إننا نجده وكأنه متحد من قبل بما يُكوِّن السلطة. والكلام المتسلِّط، داخل منطقة بعيدة، مرتبط عضويًّا بالماضي التراتبي. إنه، على هذا النحو كلام الآباء. إنه معترف به مسبقًا في الماضي! [...] إن الكلام الآمر يلج إلى وعينا اللفظي مثل كتلة متماسكة غير قابلة للقسمة؛ ويتحتم أن نقبله كلية أو نرفضه بتمامه. لقد التحم التحامًا وثيقًا بالسلطة (السلطة السياسية، المؤسسة الشخصية): معها يستمر، ومعها يسقط. إنه لا يمكن أن نقسمه، فنقبل جزءًا، ونسمح بالآخر، وندحض الجزء الثالث.. أيضًا، فإن المسافة بالنسبة إلى الكلام الآمر تظل ثابتة من نقطة البدء حتى النهاية: فلعبة المسافات- الاتفاق والاختلاف، الاقتراب والابتعاد- تكون مستحيلة معه».[20]

ليتضح من ثمَّ أن تعددية الأصوات التي نظَّر لها باختين، كانت تعني أن جوقة من الأصوات الخارجية كانت تعزف داخل الذات لدرجة تمنعها من سماع صوتها. ومع هذا، فقد أشار في إحدى لحظات فصامه إلى أنه «عاجلًا أم آجلًا سيبدأ (كلامنا) (صوتنا) المتولدان عن أقوال وأصوات الآخرين، أو المستحثان حواريًّا بواسطتهما، في التحرر من سلطة كلام الآخرين».[21] قبل هذا، وفي نفس النص، أكد باختين أنه لا فكاك من الآخر وأقواله، إذ «وحده آدم الأسطوري، وهو يقارب، بكلامه الأول، عالمًا بكرًا، لم يوضع بعد موضع تساؤل؛ وحده آدم ذاك – المتوحد كان يستطيع أن يتجنب تمامًا هذا التوجه الحواري نحو الموضوع مع كلام الآخرين».[22]

ولكننا، وحتى إذا قاومنا الآخر الكامن في ماضينا، لا نستطيع فكاكًا من الآخر الواقف لنا بالمرصاد في المستقبل، ذاك أن الصوت لا ينطق حسب باختين إلا ليتوجه إلى آخر، هكذا يبدأ المتكلم في السعي «إلى توجيه خطابه بوجهة نظره المحددة، نحو منظور الشخص الذي يريد أن يفهم، ويحاول الدخول في علائق حوارية مع بعض مظاهره. إنه يتسلل إلى المنظور الأجنبي لمُحاوِره، ويشيد ملفوظه فوق أرض أجنبية ومن خلال الخلفية الإدراكية لمحاوره».[23] ليتأكد بذلك، أن الصوت يعيش دائمًا رهين معادلة صعبة، إذ يساوم في حواره مع الآخر على ما لا يملكه، ذاك أنه أمام هذا الآخر لا يتخلى عن شيء من صوته ليفهمه الآخر، بل هو أصلًا لا يملك حتى شيئًا من صوته. إنه مسخ (نسج من أشلاء خطابات سابقة) عليه لا فقط أن يكررها كصدى أمين لأصله (لا خيار له ليكون أمينًا، إنها لعنة، لعنة هيرا التي وقعت على المسكينة إيكو لتَدَخلها بين إلهين) بل وفي تكراره، عليه أن يقص شيئًا من نفسه حتى يتناسب مع الصورة التي ينتظرها منه مُخاطبه، لقد كان لإيكو على الأقل أن تختار في حديثها مع نرسيس الكلمات التي تريدها من كلماته، ولكن ماذا لو كان نرسيس قد نطق بغير تلك الكلمات، أنحن فعلًا من نختار أصواتنا أم أن مخاطبينا هم من يتولون مسؤولية ذلك؟!

مهما ابتعدنا في حكاية الصوت نعود في كل مرة إلى إيكو، وإلى لعنة الحرمان من الصوت الشخصي الذاتي، بمجرد الطمع في محاورة الآخر، ليغدو الحوار من ثمَّة لعنة تستلبنا من صوتنا الداخلي الذي بدوره لا نملك منه شيئًا، ما دام هو بدوره ليس سوى نسيج من أقوال لآخرين استبطنها الفرد وحاورها، حتى نسي أنها ليست له، بل هي محض جنِّي يسكنه. وبذلك، يحل لنا السؤال في هذه النقطة من البحث، هل وُجِدتْ فعلًا كتابات نظَّرت للصوت؟ ذاك أن الفلسفة الغربية التي ادعى دريدا أنها كانت متمركزة حوله، قد قمعته ولم تهتم به إلا في جانبه المرتبط بالحضور والمعنى، وباختين الذي نظَّر للبوليفونية كان قد نظَّر في الحقيقة للصوت الصدى الذي يكرر ما سبقه دون أن يضيف إليه، ذاك أنه في النهاية لم يكن سوى بوق ينطق الآخر من خلاله، أو بتعبير باختين «مرجلًا تُمزج فيه خلطة من الأصوات»[24]. وحتى جيرار جينيت الذي خصص فصلًا كاملًا بعنوان «الصوت» في كتابه «خطاب الحكاية»،[25] لم يتطرق ولم يشر للفظة الصوت ولو لمرة واحدة على طول الفصل، ولو حتى لتعريفه، لينشغل بموقع السارد في علاقته بما يحكيه، أي هل هو جزء من الحكاية أو خارجها، وبذلك يغيب الصوت في جري وراء الحدث والعيون التي تنقله.

إن التنظير للصوت، إلى حد الساعة، ينتهي في كل مرة بالطرد، وإذا كان الطرد الأول الذي مارسه أفلاطون، إلى خارج السور طردًا من مكان خارجي «فاضل» لا يُفتَرض أن تنطق فيه الأصوات المدنسة، فإن الطرد الثاني الذي نظّر له باختين، طرد الصوت من آخر مخابئه، أي من فضاءه الداخلي/ أو من تلك الأنا الذي تشكل الصوت وتحتويه إذا ما ضاق بها الخارج وقيوده. هكذا وفي اهتمام باختين بالآخر والمجتمع واللغة، حُرِمَ الصوت من آخر مأوى له.

الصمت..

ولكن حكاية باختين مع الصوت لا تنتهي هنا، بل في نص آخر، كان آخر نصوصه، حيث جاء: «إن رحلة البحث عن كلمتي، في حقيقتها رحلة للبحث عن كلمة ليست لي، كلمة أكبر من شخصي؛ إنها مكابدة لمغادرة الكلمة الخاصة التي لا يمكن أن نقول بواسطتها أي شيء. أنا نفسي لا أستطيع سوى أن أصبح شخصية ولن أكون أبدًا الكاتب الأول[26]. إن رحلة الكاتب للبحث عن كلمته الخاصة، هي في حقيقتها بحث عن جنس وأسلوب؛ بحث عن موضع كتابي/سلطوي  Authorial position. إن هذه الآن أهم إشكالية نقدية تشغل الآداب المعاصرة، حذت بالبعض إلى درجة إلغاء جنس الرواية برمته، واستبداله بضم الوثائق Montage of documents، وصف الأشياء.. بل وحتى لأدب العبث. بمعنى ما، كل هذا يمكن أن يعرف كأشكال مختلفة من الصمت».[27]

إن البحث عن الكلمة وعن طرق التعبير عنها، هو ما أدى إلى الاستعانة بأجناس وأساليب مختلفة، بقصد التعبير عن صوت لا يمكن أبدًا التعبير عنه أو القبض عليه، وفي استحالة التعبير عن هذا الصوت، ينتصر الصمت، وتصبح كل الأشكال التعبيرية مجرد تنويعات وتشكيلات لصوت لن ينطق، لصوت أبكم. هكذا ينتصر الصمت في نهاية الحكاية، ويختبئ الصوت كما كانت تختبئ إيكو من وراء الأشجار حتى لا يراها نرسيس. وبذلك، يحتفظ الصوت بصمته، ما دامت اللغة غير قادرة على كشفه، وما دام هناك في الضفة الأخرى، آخر يمكن أن يلحظه في أي لحظة فيكشف أمره. كل هذا الوضع كان سيتغير، لو أدركت إيكو أن نرسيس لم يكن ليراها حتى لو لم تختبئ، لأنه ببساطة كان منشغلًا بالنظر إلى صورته!

إننا في الانتقال من الواو إلى الميم (من صـوت إلى صـمـت)، ننتقل من خصوصية وفعل إلى حالة، دليل ذلك أن الصوت يُجمَع على أصوات، في حين أن الصمت لا جمع له لأنه دائمًا واحد كالموت، أو ربما هو يبدو كذلك، لأن أحدًا لم يقترب منه بعد كفاية. ورغم أن هناك كتابات كثير ذكرته، إلا أنها كانت لا تدركه إلا في علاقته مع عنصر آخر، أو من خلال الوظيفة التي يؤديها. هكذا، خصص الجاحظ في «البيان والتبين» بابًا للصمت، أو للحديث عن سمات الصمت المقترنة بالعقل والحكمة والرزانة. وبعدها بقرون، في بداية عصر التنوير أصدر أحد رجال الكنيسة كتابًا بعنوان L’art de se taire; principalement en matiere de religion أو «فن البقاء ساكتًا؛ خاصة في شؤون الدين»، إذ يبدو أن فيروس الشك كان قد بدأ يصيب الجميع، مما اضْطُرَ الجهاز الديني تحت رعاية الملك (كما ينص الغلاف) إلى التدخل، وتأليف كتاب «يعود بالنفع على الناس، ما دام أغلبهم قد ضاعوا بسبب اللغة، أو القلم. الغضب الحاث على الكلام، وعلى الكتابة عن الدين والحكومة، غدا شبيهًا بوباء، سقطت ضحيته العديد من الرؤوس بيننا. حتى الجُهَّال والفلاسفة لم يسلموا منه وسقطوا في هذيان شديد»[28]. كان علينا أن ننتظر قرونًا أخرى، قبل أن يكتب أمبرتو إيكو مقاله [29]Censorship and silence، حيث بـيَّـن أن الإجبار على الصمت هو نوع فقط من ممارسة الرقابة، ذاك أن هناك رقابة من نوع آخر، رقابة تحيطنا بالضجيج حتى نتوقف عن سماع الأصوات التي تستحق السماع، ليخلص في النهاية إلى ضرورة البحث عن الصمت، ليس كآلية للضغط، بل كأرض عذراء مثقلة بالأصوات الممكنة التي تستحق السماع.

هل لمديح الصمت أن يغير شيئًا من قصة الربَّة إيكو، هل له أن يجعلها أقل تراجيدية؟ هل من الممكن أن يهوّن عدم قدرتها على الكلام بالذهاب إلى أنها بصَمتها كانت تقول أكثر مما تحتمله اللغة؟ ربما كان الذهاب في هذا الاتجاه محض هرطقة أكاديمية، تتناسى أن إيكو لم تكن ترغب في صمت يقول كل شيء، بل بكل بساطة، كانت ترغب في صوت يمكّنها من أن تقول لنرسيس كلمة واحدة، مفادها أنها تحبه.


[1] في اللغة العربية صوت تضم الأصوات البشرية وغير البشرية، في حين ان Voice بالانجليزية يرتبط بفعل الكلام وحده، في حين يحيل Sound على الأصوات الصادرة عن الأشياء والحيوانات وحتى على الأصوات البشرية كالصراخ والضحك.

[2]  إيكو: ربة الصدى بحسب الميثولوجيا الإغريقية القديمة، حورية جبلية تنتمي إلى جبل كيثايرون، وكانت تُلهي هيرا عن مراقبة زوجها بالحديث المتواصل معها، ليتمكن زيوس بذلك من ملاحقة النساء والحوريات بحرية تامة. وعند اكتشاف هيرا لهذا الأمر، عاقبت إيكو من خلال حرمانها من القدرة على التكلم. وبعد أن تتعود إيكو على أن تكون مجرد صدى لكلام الآخرين، تقع في حب نرسيس، ويصبح عليها أن تجد حيلة لتكلمه، وتكون هذه الحيلة هي في إعادة نهايات جمله حتى تخبره بحبها.

[3]  سفر الخروج 4، الكتاب المقدس، ترجمة فان دايك، الإصدار السابع، الطبعة الثانية (القاهرة: دار هليوبوليس، 2008)، ص67

[4]  سفر الخروج، الكتاب المقدس، ص67

[5]  المزامير، المزمورين 3 و5، الكتاب المقدس، ص622-623

[6] -“But if "you take my voice,' said the little mermaid, 'what have I left?'
- 'Your beautiful form,' said the witch, 'your gliding gait, and your speaking eyes; with these you ought surely to be able to bewitch a human heart"

[7] باختين، الخطاب الروائي، ترجمة محمد برادة (القاهرة: دار الفكر، 1987)، ص114

[8] "Everyone strives to reach the Law," says the man, "so how does it happen that for all these many years no one but myself has ever begged for admittance?" The doorkeeper recognizes that the man has reached his end, and, to let his failing senses catch the words, roars in his ear: "No one else could ever be admitted here, since this gate was made only for you. I am now going to shut it." Franz Kafka, “Before the law”, in: The complete stories, Trans. Willa and Edwin Muir (New York: Schocken Books Inc., 1971), p23

[9] J. L. Borges, The total library; nonfiction 1922-1986, translated by: E. Allen, S. J. Levine, E. Weinberger (London: Penguin books, 2001), p359

[10]  جمهورية أفلاطون، ترجمة: فؤاد زكريا (الإسكندرية: دار الوفاء، 2004)، ص 247

[11]  جمهورية أفلاطون، ص262

[12] نفسه، 259-260

[13] جمهورية أفلاطون، ص263

[14]  نفسه، ص264

[15] Dolar Mladen, A voice and nothing more (Cambridge: Massachusetts Institute of Technology, 2006), p45

[16] جمهورية أفلاطون، ص: 248- 249

[17]  نفسه، ص251

[18]  باختين، الخطاب الروائي، ترجمة محمد برادة، ص45

[19]  نفسه، ص108

[20]  باختين، الخطاب الروائي، ص109-110

[21]  نفسه، ص112

[22] نفسه، ص53

[23]  نفسه، ص56

[24]  «يقوم الملفوظ بدور المِرجَل في المزج». باختين، الخطاب الروائي، ص121

[25] Gérard Genette, Figures III: Discours du Récit; Essais de Method (Paris: Seuil, 1975)

[26] في شعرية دستيوفسكي، يشرح باختين مفهوم البوليفونية القريب من نظرية التناص، التي تقول بأن كل نص يحيل على نص غائب قبله، هذا الأخير بدوره يحيل على نص آخر. الكاتب الأول هنا، هو الصوت الأول الذي يأتي بكلمة لا قبل لا أحد بها. وهو يعلن هنا أن كل كلماته محض صدى لكلمات سابقة، وهو بذلك لا يملك سوى كلمات معادة، مما يجعله محض شخصية بين شخصيات أخرى يستحيل أن تمتلك صيغة أصلية Originality تجعله كاتبا أول.

[27] M.M. Bakhtin, Speech genres & other late essays, trans. Vern W. Mcgee (Austin: University of Texas, 2013), Page 149.

والاقتباس من ترجمة الكاتبة.

[28] M. l'abbé Dinouart, L'art de se taire; principalement en matière de religion (Paris: Desprez, imprimeur du Roi & du Clerge de France, 1771), p2-3 [my translation]

[29] Umberto Eco, “Censorship and silence”, in: Inventing the enemy, trans. Richard Dixon (New York: Houghton Mifflin Harcourt, 2012)