لم يُذكر أي شيء سياسي في هذه المحادثة، لكن صبي الحلاق هذا طور نظرية فائض القيمة والترشيد والبطالة بناء على تجربته الحياتية.
محادثة مع صبي حلاق
مقال فيلهلم رايش
ترجمة حسين الحاج
فيلهلم رايش محلل نفسي فرويدي ماركسي نمساوي وصاحب مؤلفات "الثورة الجنسية" و"علم النفس الجماهيري للفاشية" و"تحليل الشخصية" و"خطاب إلى الرجل الصغير".
نشر في مجلة علم النفس السياسي والاقتصاد الجنسي (المجلد الثاني، العدد الأول) 1935.

في ثلاثينيات القرن العشرين، طور المحلل النفسي النمساوي فيلهلم رايش نظرية أنه بالإمكان شرح المفاهيم الأساسية للاقتصاد الماركسي بدون استخدام مصطلحات أو حجج معقدة مثلما نرى هنا في المقال الذي كتبه رايش تحت اسم مستعار "إرنست باريل" ونشره في منفاه في الدنمارك.
*
صبي الحلاق: تسريحة شعر أم قصة شعر بسيطة؟
الزبون: قصة شعر من فضلك، لكن بشكل مربع وليس دائري.
(صمت)
صبي الحلاق: ما رأيك في الوقت الحاضر؟
الزبون: فظيعة. إلى أين ستنتهي بنا هذه الأوضاع؟
صبي الحلاق: سيذبح المشاغبون بعضهم بعضا وسيحكمنا الأسوأ أيا كان المنتصر، سواء الشيوعيون أو النازيون. إنهما سيئان بالقدر نفسه.
الزبون: ربما أنت محق. إنني لا أفهم السياسة.
صبي الحلاق: أنا سعيد لأنني حصلت على وظيفة وأستطيع تدبير نفقاتي. أما بالنسبة للباقي، فكل ما أريده هو العيش في سلام.
الزبون: هل لي أن أسأل كم تكسب فعليا؟
صبي الحلاق: 100 مارك شهريا.
الزبون: هل يمكنك العيش بهذا المبلغ؟
صبي الحلاق: تقريبا. أود الزواج، لكن الأمر سيستغرق وقتا طويلا حتى أدخر أنا وخطيبتي ما يكفي لاستئجار شقة. أعمل في هذا المكان منذ عشر سنوات، ولم أدخر ما يكفي بعد.
الزبون: كيف يبدو رئيسك في العمل؟
صبي الحلاق: إنه شخص لطيف للغاية. أحيانا يكون متقلب المزاج، لكن علاقتي به جيدة.
الزبون: كم عدد العملاء الذين تتعامل معهم يوميا؟
صبي الحلاق: من 10 إلى 15. وفي أيام السبت أكثر من ذلك.
الزبون: إذا هذا يعني أن 15 زبونا يدفعون 15 ماركا في العمل. حسنا، لكنك تحصل على 3.50 مارك فقط في اليوم. ماذا يحدث للباقي؟
صبي الحلاق: أنت لم تضع في الحسبان نفقات عملنا. الإضاءة، والهاتف، والتأمين، والأدوات، والإيجار، إنها تستهلك الكثير.
الزبون: أود معرفة المبلغ.
صبي الحلاق: (يفكر قليلا) حسنا، أفترض على الأقل 8 ماركات.
الزبون: حسنا، يتبقى حوالي 9-10 ماركات.
صبي الحلاق: نعم، لكن يجب أن يحقق العمل فائضا بما أن المدير يخاطر كثيرا. على سبيل المثال، في بعض الأيام يقلّ عدد الزبائن أو في الأوقات العصيبة.
الزبون: هل هذا يعني أنك تحصل على أجر أكبر عندما يكون العمل مزدهرا؟
صبي الحلاق: لا، لماذا؟ أنا أتقاضى دخلا منتظما.
الزبون: لا أفهم. عندما تعمل أكثر لا تحصل على أجر أكبر؟ ومن المبلغ الذي تكسبه في المتوسط يحتفظ المدير بصندوق للأوقات العصيبة؟
صبي الحلاق: أنت محق تماما.
الزبون: إذا فهمتك بشكل صحيح، فأنت تنتج له بعد خصم جميع التكاليف حوالي 10 إلى 12 ماركا في اليوم الواحد، وتحصل من هذا المبلغ على 3 إلى 3.50 مارك. وإذا ساءت الأحوال بشكل دائم، فسيطردك، وفي هذه الحالة لن يكون الاحتياطي مفيدا لك. إذن، فيما يستخدم هذا المال؟
صبي الحلاق: حسنا، على سبيل المثال يجب على المدير شراء أدوات حديثة. حاليا، نستبدل ماكينات قص الشعر اليدوية بأخرى كهربائية.
الزبون: ماذا يعني ذلك؟
صبي الحلاق: (مندهشا) ماذا، ألا تفهم ذلك؟ الأمر بسيط للغاية. إنني أتعامل مع 10 زبائن في اليوم، وبعد ذلك سأتمكن من التعامل مع 20 زبونا لأن القص سيكون أسرع بكثير.
الزبون: وكل واحد من هؤلاء العشرين سيدفع ماركا واحدا كما كان من قبل. وأنت، كم ستحصل حينها؟
صبي الحلاق: (مندهشا أكثر) بالطبع سأظل أتقاضى 100 مارك!
الزبون: اعذرني على فضولي الشديد، لقد بدأت أتوه قليلا وأنا مندهش إلى حد ما. مع الأدوات الجديدة ستكسب 20 مارك لكنك ستستمر في الحصول على 3.50 فقط. هذا يعني أن الفائض قد زاد من 8 إلى حوالي 18؟ أين يذهب الباقي؟
صبي الحلاق: (يحك رأسه) في الواقع، أنت محق. هذا سؤال جيد، لكن، كما تعلم، أشعر بالتعب الشديد من العمل حتى أصبح غير قادر على التفكير. سأكون سعيدا إذا استطعت الراحة والحفاظ على وظيفتي. أتعلم؟ سيتم تسريح اثنين من زملائي الخمسة في العمل الأسبوع المقبل، وعليّ التأكد من عدم فصلي أيضا.
الزبون: لا بد أنه أمر سيء للغاية أن تقف 10 ساعات يوميا في المحل، فماذا عن العطلات؟
صبي الحلاق: أوه، نعم. أحصل على إجازة لمدة أسبوعين كل عام، لكن الآخرين أيضا يذهبون في إجازة، وعندما يفعلون، عليّ العمل أكثر. والآن سيسافر المدير لمدة شهرين.
الزبون: من أين يحصل على المال ليبقى بعيدا كل هذه المدة الطويلة؟
صبي الحلاق: لديه فيلا في داهلين.
الزبون: أوه، كيف ذلك؟
صبي الحلاق: حسنا، إنه يمتلك هذا المحل منذ 30 عاما.
الزبون: فهمت. هل يعمل معكم؟
صبي الحلاق: أوه لا، أحيانا يساعد فقط. لكن العمل قائم علينا.
الزبون: اسمع. أنا لا أفهم شيئا عن هذه الأمور، لكن يبدو لي أن فيلته وعطلاته الصيفية تُدفع من خلال 8 أو 13 ماركا التي تكسبها بـ"فائض عملك".
صبي الحلاق: أوه، لا أعتقد ذلك. لكن ربما أنت على حق، إنه أمر غريب. أود أن أتحدث معك في وقت ما حول هذا الأمر. منطقك سليم.
لم يُذكر أي شيء سياسي في هذه المحادثة، لكن صبي الحلاق هذا طور نظرية فائض القيمة والترشيد والبطالة بناء على تجربته الحياتية. وفوق هذا وذاك فقد طور ثقته في ”الزبون“، ولست بحاجة إلى تعليمه ما هو الترشيد أو الاستغلال، لأنه وصفهما بنفسه. ما ينقصه هو فهم الصلة بين معرفته بعمله وفائض عمله وبين فيلا صاحب المحل. كما أنه لم يدرك إطلاقا تماهيه مع رئيسه، وهو عاجز تماما عن إدراك العلاقة بين السياسة، التي يعارضها ويخشاها، وحياته اليومية. في هذه المرحلة، سيكون من السهل إدراك ذلك لأنه متضمن فيما قاله وعاشه بنفسه؛ كل ما يجب عليه فعله هو تطويره.