منذ كانت كاهو صغيرة لم تعبأ إلى هذا الحد بمظهرها. إن رؤية وجهها في المرآة لم تجعلها تفكر في أنه جميل أو قبيح بوجه خاص. لم يحبطها ولم يسعدها. وعدم اكتراثها بوجهها كان ينبع من حقيقة أنها لم تشعر بأن مظهرها يؤثر على حياتها بأي طريقة.

كاهو

قصة لهاروكي موراكامي

نُشرت في النيويوركر، يوليو 2024

ترجمة: أحمد طارق عبد الحميد


هاروكي موراكامي، عن النيويورك تايمز

"لقد واعدتُ كل أنواع النساء في حياتي، لكني مضطر لأن أقول إنني لم أرَ واحدة أقبح منك على الإطلاق".

قال الرجل هذا بعدما تناولا الحلوى، وهما ينتظران وصول القهوة.

استغرق الأمر وهلة لاستيعاب كلماته. ثلاث، ربما أربع ثوانٍ. فقد جاءت عبارته بلا مقدمات، ولم تتمكن كاهو على الفور من استقراء نواياه. فبينما كان الرجل ينطق بهذه الكلمات الصريحة المفزعة، ظل يبتسم طوال الوقت. ابتسامة من النوع الرقيق، الودود غالبًا. ولم يحمل قوله حتى أدنى بادرة مزاح. فهو لم يكن يلقي دعابة، بل كان جادًا تمامًا.

كانت طريقة الاستجابة الوحيدة التي فكرت فيها كاهو هي أن ترفع المنديل عن حجرها، تلقي به على الطاولة، تتناول حقيبتها من على الكرسي المجاور، تقف، وتغادر المطعم دون كلمة. كان ذلك، على الأرجح، سيصبح أفضل طريقة للتعامل مع الموقف.

لكنها إلى حد ما لم تستطع. أحد أسباب ذلك -والذي لم تفكر فيه إلا لاحقًا- كان المباغتة التامة التي تعرضت لها، ويوجد سببٌ آخر هو فضولها. كانت غاضبة، بكل تأكيد. وكيف لا تغضب؟ لكن ما طغى على غضبها، كان رغبتها في معرفة ما يحاول هذا الرجل إخبارها به على أي حال. هل كانت حقًا قبيحة إلى هذا الحد؟ وهل كان هناك شيء أكثر من مجرد هذه الملاحظة؟

أضاف الرجل بعد وهلة "لعل وصفك بالأقبح يتضمن شيئًا من المبالغة، لكنك أقل اللاتي رأيتهن جاذبية، لا شك في ذلك".

زمّت كاهو شفتيها، وتمعّنت بصمت في وجه الرجل وعيناها مثبتتان عليه.

لماذا شعر هذا الرجل بالحاجة إلى قول شيء كهذا؟ إذا كنت في مواعدة عشوائية (مثل هذه إلى حد ما)، ولم يعجبك الشخص الآخر إلى هذه الدرجة، فإنك تستطيع الامتناع عن التواصل معه بعد ذلك فحسب. ببساطة شديدة. لماذا تهينه بصفاقة؟

كان الرجل أكبر من كاهو ربما بعشر سنوات أو نحو ذلك، وسيمًا، وملابسه نظيفة لا غبار عليها. لم يكن النوع المفضل لكاهو بالتحديد، لكنه بدا كشخص من أسرة ميسورة. وله وجه جذاب للتصوير، لعل هذه أدق طريقة لوصفه. ولو أضفت إلى طوله بوصات قليلة، لكان بإمكانه أن يصبح ممثًلا. كان المطعم الذي اختاره، أيضًا، مريحًا وعصريًا وأطعمته شهية وراقية. ولم يكن هو من النوع الذي يمكنك وصفه بالثرثار، لكنه يتمتع بلباقة كافية للحفاظ على المحادثة مستمرة، ولم تكن في حديثهما فترات صمت محرجة. (لكن ما يدعو للغرابة أنها عندما راجعت اللقاء لاحقًا، لم تتمكن من تذكر ما كانا يتحدثان عنه). خلال العشاء وجدت في نفسها مشاعر دافئة تجاهه. كانت مضطرة للاعتراف بذلك. ثم، من دون مقدمات، هذا. ما الذي كان يحدث هنا؟

قال بصوت هادئ، بعدما وصل فنجانا إسبريسو إلى طاولتهما "لعلك تجدين هذا غريبًا". بدا الأمر كما لو كان باستطاعته قراءة أفكار كاهو. وضع مكعب سكر صغير في فنجانه وقلّب الإسبريسو برفق. "لماذا اضطررتُ إلى تناول العشاء حتى النهاية مع شخص أراه قبيحًا، أو ربما يجدر بي قول: وجهه لا يعجبني؟ فبعدما شربنا أول كأس نبيذ، كان بإمكاني اختصار الأمسية فحسب. أليس ذلك إهدارًا تامًا للوقت، قضاء ساعة ونصف وتناول عشاء من ثلاثة أصناف؟ ولماذا، في نهاية الأمسية بالتحديد، أضطر إلى قول شيء كهذا؟"

ظلت كاهو صامتة، تحدق بوجه الرجل على الجانب الآخر من الطاولة. ويداها تتشبثان بالمنديل في حجرها.

قال الرجل "أعتقد أن السبب هو عجزي عن مقاومة فضولي، ربما أردت معرفة ما كانت تفكر فيه امرأة فقيرة الجمال حقًا مثلك، وكيف يؤثّر افتقارك الشديد إلى الجمال على حياتك".

وهل أشبعت فضولك؟ تساءلت كاهو. لكنها بالتأكيد لم تجهر بسؤالها.

"وهل أشبعت فضولي؟" سأل الرجل، بعدما تناول رشفة من القهوة. لم يكن في الأمر شك: كان بإمكانه قراءة أفكارها. مثل آكل نمل يلعق جُحر نملٍ بلسانه النحيل الطويل.

هز الرجل رأسه هزًّا يسيرًا وأعاد فنجانه إلى الصحن. وأجاب على سؤاله "لا، لم أشبعه".

ورفع يده، نادى النادل، ودفع الحساب. التفت إلى كاهو، وانحنى انحناءة طفيفة، ومضى على الفور إلى خارج المطعم. بل ولم يعاود النظر إليها.

الحق يقال، منذ كانت كاهو صغيرة لم تعبأ إلى هذا الحد بمظهرها. إن رؤية وجهها في المرآة لم تجعلها تفكر في أنه جميل أو قبيح بوجه خاص. لم يحبطها ولم يسعدها. وعدم اكتراثها بوجهها كان ينبع من حقيقة أنها لم تشعر بأن مظهرها يؤثر على حياتها بأي طريقة. أو ربما كان من الأفضل القول إنها لم تجد فرصة على الإطلاق لمعرفة ذلك. فقد كانت طفلة وحيدة، يحمّمها أبواها دائمًا بحنان لا علاقة له غالبًا بمدى جمالها أو افتقارها إلى الجمال.

وخلال مراهقتها، ظلت كاهو غير عابئة بمظهرها. معظم صديقاتها كن منشغلات بمظهرهن، ويجرّبن كل حيلة من حيل مساحيق التجميل المعروفة لتحسينه، لكنها لم تكن تفهم هذه الرغبة الملحة. وكانت تقضي وقتًا قليلًا جدًا أمام المرآة. ولم يكن لها هدف غير الحفاظ على جسمها ووجهها نظيفَين ومرتبَين على نحو مناسب. ولم تكن تلك على الإطلاق مهمة صعبة بشكل خاص.

لقد ارتادت مدرسة ثانوية عامة مختلطة، وحظيت ببضعة أحباب. لو أن الأولاد في فصلها الدراسي قرروا انتخاب زميلة الفصل المُفضلة، لما فازت على الإطلاق، فهي لم تكن من ذلك النوع. لكنها، لسبب ما، كانت تحظى في كل فصل دخلته بولد أو اثنين ينجذبان إليها ويبديان ذلك. ولم يكن لدى كاهو أدنى علم بما يجذبهما فيها.

حتى بعد تخرجها من الثانوية وارتيادها مدرسة الفنون في طوكيو، لم تخلُ حياتها من أحباب إلا نادرًا. فلم تكن هناك حاجة تدعوها للقلق بشأن جاذبيتها أو عدم جاذبيتها إذن. وهكذا يمكنك القول إنها كانت محظوظة. فقد استغربت دائمًا بشدة من أن بعض الصديقات، الأجمل بكثير منها، كن معذبات بسبب مظهرهن، ويخضعن في بعض الأحيان لجراحات تجميلية باهظة. لم تتمكن كاهو أبدًا من فهم ذلك.

ولذلك، بعد أيام قليلة من عيد ميلادها السادس والعشرين، عندما أخبرها ذلك الرجل الذي لم تره من قبل قَط، بلا مراعاة، أنها كانت قبيحة، شعرت كاهو بالارتباك الشديد. وبدلًا من أن تصيبها كلماته بالصدمة، كان شعورها بكل بساطة هو القلق والحيرة.

كانت محررتها، واسمها ماتشيدا، هي التي عرّفتها على الرجل. كانت ماتشيدا تعمل في دار نشر صغيرة في كاندا، تنشر كتب أطفال بالأساس. وكانت أكبر من كاهو بأربع سنوات، ولديها طفلان، وقد حررت كتب أطفال من تأليف كاهو. ولم تكن كتب كاهو المُصوَّرة تباع كثيرًا، لكن بالإضافة إلى عملها الحر في الرسوم التوضيحية للمجلات، كانت تحصل على ما يكفي للعيش. وبحلول وقت الموعد، كانت كاهو قد انفصلت عن رجل في مثل سنها ظلت تواعده لما يزيد قليلًا عن عامين، وتشعر بكآبة غير معتادة. لقد كان للانفصال أثر سيئ في نفسها. وساهم هذا في أن عملها لم يكن يمضي على أحسن حال. ولما كانت ماتشيدا تدرك الوضع، رتّبت لها مواعدة عشوائية. لعله التغيير الذي تحتاجين إليه، ذلك ما أخبرتها به.

وبعد مرور ثلاثة أيام على لقائها مع ذلك الرجل، اتصلت بها ماتشيدا.

"كيف كان الموعد إذن؟" لم تضيّع وقتًا في سؤالها.

ردت كاهو بـ"ممم" غامضة، لتتجنب إجابة صريحة، ثم سألت هي سؤالًا. "أي نوع من الشخصيات هو على كل حال؟"

قالت ماتشيدا "بصراحة، لا أعرف الكثير عنه. إنه صديق بعض الأصدقاء. أعتقد أنه أربعيني، أعزب، ويعمل في نوع من الاستثمارات. من خلفية اجتماعية جيدة، وماهر في عمله. ليس له سجل إجرامي، على حد علمي. التقيت به مرة وتحدثنا دقائق معدودات، واعتقدت أنه وسيم وبدا لي دمثًا بما يكفي. إنه قصير إلى حد ما، أقر بذلك. لكن توم كروز ليس طويلًا أيضًا. ولا أعني أنني رأيت توم كروز شخصيًا".

سألتها كاهو "لكن لماذا يضطر رجل وسيم دمث ماهر في عمله إلى مواعدة عشوائية؟ ألا يعرف نساء كثيرات يمكنه الخروج معهن؟"

قالت ماتشيدا "أظن ذلك. إنه أنيق جدًا، وكفء في عمله، لكني سمعت أن شخصيته غريبة بعض الشيء. وقررت ألا أخبرك بذلك، لأجنّبك أي انطباع مُسبَق قبل لقائكما".

"شخصيته غريبة بعض الشيء" كررت كاهو كلماتها. وهزت رأسها. هل يمكنك حقًا تسمية ذلك غريبًا بعض الشيء؟

سألتها ماتشيدا "هل تبادلتما أرقام الهاتف؟"

سكتت كاهو برهة قبل الرد. نتبادل أرقام الهاتف؟ "لا، لم نفعل" أجابت أخيرًا.

وبعد ذلك بثلاثة أيام، اتصلت ماتشيدا مجددًا.

وقالت "أتصل بشأن السيد المهذب سَهَرا. هل يمكننا التحدث؟" سَهَرا كان اسم الرجل الذي خرجت معه في المواعدة العشوائية. نطقته كأنها تقول صَحَرا. وضعت كاهو قلم الرسم ونقلت السماعة من يدها اليسرى إلى اليمنى. "بالتأكيد. تحدثي".

قالت ماتشيدا "لقد اتصل بي أمس، وقال إنه يود أن يراك مجددًا، ويتساءل إن كان بإمكانكما أن تتحدثا. بدا طلبه جادًا".

شهقت كاهو رغمًا عنها، وظلت صامتة لوهلة. يود أن يراني مجددًا، ويتساءل إن كان بإمكاننا أن نتحدث؟ لم تصدق كاهو ما كانت تسمعه.

قالت ماتشيدا بصوت قلِق "كاهو يا عزيزتي، هل تسمعينني؟"

ردت كاهو "نعم، أسمعك".

"يبدو أنه معجب بك. فماذا أقول له؟"

العقل السليم يقتضي أن تقول لا. فقد وجّه لها على كل حال كلامًا فظيعًا دون مراعاة. لم قد تضطر على الإطلاق أن ترى شخصًا كهذا مجددًا؟ لكنها لم تتمكن من اتخاذ قرار في ذلك الوقت. تلاقت العديد من الشكوك في رأسها واختلطت.

فسألت ماتشيدا "هل يمكنني التفكير في الأمر؟ سأعيد الاتصال بك".

وانتهى الأمر بكاهو إلى لقاء سَهَرا مرة أخرى في مساء ذلك السبت. رتّبا لقاء خلال النهار، لوقت قصير، بلا وجبة أو كحوليات، في مكان يمكنهما التحدث فيه بهدوء، لكن يمكن أن يوجد بأرجائه أشخاص آخرين، كانت تلك شروط كاهو التي أبلغته بها ماتشيدا.

علّقت "شروط غريبة لموعد ثانٍ، إنك شديدة الحذر".

قالت كاهو "أظن ذلك".

فقالت ماتشيدا "ألا تخبئين مفتاحًا إنجليزيًا في حقيبتك أو ما شابه؟" وضحكت بسرور.

قد لا تكون فكرة سيئة، فكّرت كاهو بذلك.

في آخر لقاء بينهما، كان سَهَرا يبدو كما لو كان في طريقه إلى البيت عائدًا من عمله، ببدلة سوداء لطيفة ورابطة عنق، لكنه كان يرتدي في هذه المرة زي عطلة عادي، سترة جلدية بنّية سميكة، وجينز ضيّقًا، وحذاء برقبة أبلاه العمل. ونظارات شمسية مطوية في جيب صدره. هيئة أنيقة عصرية.

وصلت كاهو مبكرًا قليلًا عن الموعد المحدد، وعندما دخلت بهو الفندق وجدت سَهَرا هناك بالفعل، يراسل شخصًا. عندما رأى كاهو، أشرقت على شفتيه ابتسامة ضعيفة وطوى الدفّة الجلدية لجراب الهاتف المحمول. كانت هناك خوذة دراجة نارية على المقعد بجواره.

"إنني أقود BMW بمحرك 1800 سي سي" قال سَهَرا "إن لها أعلى إزاحة بين كل دراجات BMW ولمحركها ألطف صوت وأوضحه".

لم تقل كاهو شيئًا. ليس لدي أدنى اهتمام بما تركبه، دراجة نارية BMW أو دراجة بثلاث عجلات أو عربة ثيران، تمتمت في سرّها بذلك.

وأضاف سَهَرا "أراهن على أنك لا تهتمين على الإطلاق بالدراجات النارية، لكني سأتحدث عنها على أي حال، لعلمك فقط".

هذا الشخص يعرف كيف يقرأ مشاعري، فكّرت كاهو مجددًا.

أقبلت نادلة فطلبت منها قهوة. وطلب سَهَرا شاي بابونج.

وسألها سَهَرا "بالمناسبة، هل زرت أستراليا من قبل؟"

فهزّت كاهو رأسها. لم تذهب قَط إلى أستراليا.

"هل تحبين العناكب؟" سألها سَهَرا، فاردًا أصابع يديه في الهواء كالمروحة. "العنكبوتيات؟ النوع أبو ثمانية أرجل؟"

لم ترد كاهو. كانت أشد كرهًا للعناكب من أي شيء آخر، لكنها لم تكن لتُفصح عن ذلك.

قال سَهَرا "عندما ذهبت إلى أستراليا، رأيت عنكبوتًا في حجم قفاز بيسبول. بمجرد النظر إليه اقشعر جسمي. جعلني أرتعد. لكن السكان المحليين في الواقع يرحبون به في بيوتهم. أتعرفين السبب؟"

ظلت كاهو صامتة.

"لأن العناكب تنشط في الليل وتأكل الصراصير. يمكنك قول إنها مفيدة، حشرات نافعة. لكن رغم ذلك، تخيلي استضافة عناكب تأكل الصراصير. يدهشني دائمًا مدى الذكاء والجلال في ترتيب السلسلة الغذائية".

وصلت القهوة وشاي الأعشاب، وجلس كلاهما أمام المشروبَين لوهلة دون أن يتكلما.

ثم قال سَهَرا، بنبرة رسمية "أتصور أنك تجدين الأمر غريبًا نوعًا ما، أنني أردت رؤيتك مرة أخرى بهذه الطريقة".

مرة أخرى لم ترد كاهو. لم تجرؤ.

فتابع كلامه "وعليَّ أن أقول إنني مندهش حقًا لأنك وافقت على رؤيتي مجددًا. أشعر بالامتنان، لكن أذهلني أنك وافقت على ذلك بعد الكلام الوقح الذي قلته. لا، ما قلته يتجاوز الوقاحة. لقد كان إهانة لا تُغتفر، كلام يدوس على كرامة أي امرأة. عندما أقول ذلك للنساء، فإن معظمهن لا يوافقن على رؤيتي مرة أخرى أبدًا. وهو القرار الوحيد المُتوقع، حقًا".

معظمهن، كررت كاهو هذه الكلمات في ذهنها. صدمها ذلك.

"معظمهن؟" قالت، ناطقة لأول مرة. "تعني أنك كنت تقول الشيء نفسه لكل النساء اللاتي التقيت بهن؟ تقول...".

أقرّ سَهَرا على الفور "بالضبط. أخبر كل النساء اللاتي ألتقي بهن ما قلته لك بالضبط: 'إنني لم أر واحدة أقبح منك على الإطلاق.' أقولها عادة عندما نكون مستمتعين بعشائنا وتوضع أمامنا الحلوى. ففي مثل هذه الأمور، يكون التوقيت أهم شيء".

"لكن لماذا؟" سألت كاهو بصوت مبحوح. "ما الذي يجعلك تفعل شيئًا كهذا؟ لا أفهم. هل تؤذي الناس دون سبب؟ هل تقضي وقتك وتنفق مالك لمجرد الإساءة إليهن؟"

مال سَهَرا برأسه قليلًا وقال "السبب، هذا هو السؤال المهم. إنه أعقد من أن يُشرح. بدلًا من ذلك، لم لا نتحدث عن تأثيرات عبارة كهذه. ما يدهشني دائمًا هو رد فعل النساء اللاتي أقول لهن ذلك. ربما تفكرين أن معظمهن، عندما تُقال لهن هذه الكلمات الكريهة بشكل مباشر، سيشتعلن غضبًا، أو سيضجنّ بالضحك بدلًا من ذلك. وهناك أشخاص يفعلن ذلك. لكن عددهن ليس كبيرًا في الواقع. الغالبية العظمى من النساء... يُؤذَين ببساطة. بشكل عميق، ولوقت طويل. وفي بعض الأوقات يتفوّهن بشيء غريب. شيء يصعب فهمه".

حلّ الصمتُ من جديد لوهلة. وبعد فترة، قطعته كاهو. "وما تقوله هو أنك تستمتع برؤية ردود أفعالهن؟"

"لا، لا أستمتع بها. أجدها غريبة فحسب. كيف يحدث أن امرأة جميلة بشكل واضح، أو فوق المتوسطة على أقل تقدير، عندما يُقال لها بشكل مباشر إنها قبيحة، يصيبها الاضطراب أو الأذى لدرجة مدهشة".

القهوة التي لم تلمسها، ويتصاعد بخارها، كانت تبرد باطراد.

قالت كاهو بحزم "أعتقد أنك مختل".

أومأ سَهَرا. "أظن ذلك. ربما معك حق. لعلي مختل. ولا أقدم عذرًا لنفسي أو ما شابه، ولكن من وجهة نظر شخص مختل، يبدو العالم نفسه أشد اختلالًا. صحيح؟ اسمعيني، إن الناس في أيامنا هذه يهاجمون بضراوة التمييز على حسب المظهر. ويستهجن معظمهم مسابقات الجمال بأعلى صوته. قولي كلمتي 'امرأة قبيحة' على الملأ وسيبرحونك ضربًا. لكن شاهدي التلفزيون. والمجلات. إنها ملآنة بإعلانات مستحضرات التجميل وجراحات التجميل وعلاج المنتجعات. بغض النظر عن الطريقة التي تنظرين بها للأمر، فإنه يظل نفاقًا سخيفًا بلا معنى. مهزلة، حقًا".

احتجت كاهو "لكن هذا لا يبرر إيذاء الآخرين دون سبب، أليس كذلك؟"

قال سَهَرا "بلى، معك حق. أنا مختل. هذه حقيقة لا جدال فيها. لكن، على حسب الطريقة التي تنظرين بها إلى الأمر، يمكن للمرء الاستمتاع بكونه مختلًا. فللمختلين مكانهم المميز الذي لا يستمتع به غير المختلين. كأنه ديزني لاند المضطربين. ومن حسن حظي أن لدي الوقت والمال للاستمتاع بذلك المكان".

وقفت كاهو بلا كلمة. حان وضع حد لهذا. لم تكن تستطيع الكلام معه أكثر من ذلك.

قال لها سَهَرا عندما وقفت "انتظري لحظة. هل يمكنك منحي وقتًا قليلًا إضافيًا؟ لن أطيل عليك. خمس دقائق تكفيني. أود منك البقاء والاستماع إليّ".

ترددت كاهو لثوانٍ، ثم جلست في مكانها مجددًا. لم تكن تريد ذلك، لكنها وجدت شيئًا في صوت الرجل يستعصي على المقاومة.

قال سَهَرا "ما أردت قوله لك هو أن رد فعلك كان مختلفًا عن أي شخص آخر. عندما هوجمتِ بتلك الكلمات الكريهة لم تفزعي، ولم تردّي بغضب، ولم تضجّي بالضحك، ولم يبدُ عليك التأذي الشديد منها. لم تتركي أيًا من هذه الانفعالات المبتذلة تتحكم بك، بل حدّقت نحوي فحسب. كما لو أنك كنت تدرسين بكتيريا تحت مجهر. أنت الوحيدة التي كان رد فعلها هكذا. لقد أثرت إعجابي. ورحت أفكر، لماذا لم تشعر هذه المرأة بالأذى؟ إذا كان هناك شيء ما قد يجرحها جرحًا عميقًا، فماذا يكون إذن؟"

قالت كاهو "إنك تفعل هذا إذن، تُعِدُّ هذه اللقاءات المدروسة، مرارًا وتكرارًا، حتى ترى ردود فعل النساء فحسب؟ هل هذا كل ما بالأمر؟"

أومأ الرجل برأسه. "هذا لم يحدث كثيرًا كما تظنين. فقط عندما كانت الفرصة تأتيني. لم أستخدم تطبيق مواعدة أو ما شابه. فالأمور شديدة البساطة مملة. الذين أعرفهم يقدمونني، ولا ألتقي إلا بالنساء اللاتي أعرف معلومات عن خلفيتهن. اللقاءات قديمة الطراز، من نوع خطوبة الصالونات، هي الأفضل. على الطريقة التقليدية. إنني أجد ذلك مثيرًا".

قالت كاهو "ثم تهين المرأة؟"

ولم يرد سَهَرا. بالكاد رسم ابتسامة سرعان ما انحسرت. ورفع يديه أمام صدره، يتأملهما لوهلة. كما لو كان يتأكد من أن خطوط راحتيه لم تتغير.

"كنت أتساءل لو أنك قد ترغبين في الركوب معي على دراجتي النارية" قال وهو يتطلع إليها. "لقد أحضرت لك خوذة إضافية معي. الطقس جيد اليوم، ويمكننا الاستمتاع بنزهة. لقد تجاوزت خمسة كيلومترات على عداد المسافات، والمحرك المعكوس أفقيًا، فخر BMW، مُحكم الضبط".

كانت دماء كاهو تغلي بغضب لا شك فيه. مر وقت طويل منذ شعرت بمثل هذا القدر من الغضب. أو لعلها المرة الأولى التي تشعر به على الإطلاق. يمكننا الاستمتاع بنزهة؟ في أي شيء لعين كان يفكر؟

"سأمتنع" قالت كاهو، وهي مستمرة في كتمان مشاعرها، بصوت هادئ قدر المستطاع. "هل تعرف أول شيء أرغب في فعله الآن؟"

هز سَهَرا رأسه. "ماذا قد يكون؟"

"أن أبتعد عنك، ولو بمسافة قليلة. وأكشط هذه القذارة عنّي".

قال سَهَرا "فهمت. حقًا. طيب. أظن أنني للأسف سأتنازل هذه المرة عن الذهاب في نزهة. لكن ما رأيك؟ هل تعتقدين أن رغبتك في الابتعاد عني ستنجح؟"

"ما معنى ذلك؟"

بكى طفل في مكان ما. تطلع الرجل تجاهه، ثم نظر مباشرة إلى كاهو.

قال لها "لن يمر وقت طويل فيما أظن حتى تفهمين. بمجرد أن أهتم بالناس، لا أتركهم يذهبون بسهولة هكذا. ولعلك ستجدين ذلك مدهشًا، لكن فيما يتعلق بالمسافات، لسنا بعيدين إلى هذه الدرجة عن بعضنا، أنت وأنا. فكما ترين، لا يستطيع الناس الهروب من ترتيب السلسلة. مهما بلغ عزوفهم عن رؤية الأمر، وحتى لو أرادوا عدم الانخراط فيه. أن تبلعي شيئًا وأن تتعرضي للابتلاع، هما وجهان لعملة واحدة. بطن وظهر، دائن ومدين. إنها طبيعة العالم. لعلنا، فيما أحسب، سنلتقي مجددًا في مكان ما".

ينبغي ألا أرى هذا الرجل مرة أخرى، فكّرت كاهو بذلك. كانت واثقة من هذا وهي تحث الخُطى إلى المَخرَج. عندما اتصلت بي ماتشيدا تلك المرة، كان يجدر بي توضيح ذلك. كان يجب أن أقول "لا، شكرا. لا أرغب في رؤية ذلك الشخص مجددًا أبدًا".

إنه الفضول. الفضول الذي ساقني إلى هنا. أعتقد أنني أردت اكتشاف ما كان يرمي إليه ذلك الرجل، ما كان يريده. أعتقد أنني أردت معرفة ذلك. لكن ذلك كان خطأ. لقد استغل الفضول وجعل منه طُعمًا يغريني ببراعة إليه، بالضبط كما لعنكبوت أن يفعل. سَرَت قشعريرة على عمودها الفقري. أريد الذهاب إلى مكان دافئ، فَكَّرَت. كانت الرغبة أشد ما تكون. في جزيرة جنوبية، شاطئها أبيض. أستلقي هناك، بعينين مغلقتين، أريح ذهني، وأترك أشعة الشمس تغمرني.

مرّت عدة أسابيع. وأرادت كاهو بالتأكيد أن تطرد من ذهنها بأسرع ما يمكن أي أفكار عن ذلك الرجل سَهَرا. وأن تلقي بهذه الواقعة التافهة، التي لا أهمية لها في حياتها، بعيدًا في مكان لن تراه مجددًا. ولكن، بينما كانت تعمل على مكتبها ليلًا، كان وجه الرجل يقفز فجأة دون توقع إلى ذهنها. ويحدّق بابتسامته الضعيفة، دون سبب محدد، إلى أصابعه الرقيقة الطويلة.

وصارت تستغرق وقتًا أطول أمام المرآة، وقتًا أطول مما كانت تستغرقه من قبل على الإطلاق. فكانت تقف أمام مرآة الحمام، تتفحص كل تفصيل من تفاصيل وجهها بعناية، كما لو كانت تتأكد من نفسها. وخطر لها أنها لم تكن مهتمة بأي من هذه التفاصيل. فقد كان هذا دون شك وجهها، لكنها رغم ذلك لم تجد فيه شيئًا يشير إلى أنه يجب أن يكون وجهها هي بالأخص. بل إنها بدأت تحسد صديقاتها اللاتي خضعن لجراحات تجميلية. فقد عرفن -أو على الأقل اعتقدن أنهن يعرفن- أي جزء من وجوههن، إذا خضع لتعديل جراحي، سيجعلهن أجمل، وأرضى عن مظهرهن.

لعل حياتي الخاصة تنتقم انتقامًا ذكيًا مني: لم تملك لهذه الفكرة دفعًا. وعندما يأتي الوقت المناسب، لعل حياتي ستنتزع مني ببساطة ما أدين به. دائن ومدين. فهمت كاهو ذلك، ولو أنها لم تلتق قَط بذلك الشخص، سَهَرا، لما كانت ستفكر بهذه الطريقة. لعله ظل ينتظر بصبر، لأطول وقت، حتى أظهر أمامه، فكّرت في ذلك. مثل عنكبوت هائل ينتظر فريسته في الظلام.

أحيانًا كانت دراجة نارية تمرق في الشارع أمام شقتها ليلًا، والجميع نيام. فكانت متى سمعت ضربات المحرك النابضة الجافة المنخفضة، يرتعد جسدها بدرجة طفيفة جدًا. ويغدو تنفسها أثقل، وينز العرق البارد من إبطها.

قال لها الرجل "لقد أحضرت لك خوذة إضافية معي".

تخيّلت نفسها تركب الدراجة النارية BMW خلفه. وتخيّلت إلى أين ستحملها تلك الآلة القوية. ما نوع المكان الذي ستحملني إليه؟

قال لها الرجل "فيما يتعلق بالمسافات، لسنا بعيدين إلى هذه الدرجة عن بعضنا، أنت وأنا".

بعد ذلك بستة أسابيع من تلك المواعدة العشوائية، كتبت كاهو كتاب أطفال جديدًا. ذات ليلة، كانت تحلم بأنها في قرار بحر عميق، وعندما استيقظت شعرت بأنها انتتَرَت فجأة إلى السطح، طافية على الماء بعدما كانت في قاعه. فذهبت مباشرة إلى مكتبها وكتبت القصة. ولم تستغرق في إتمامها وقتًا طويلًا.

كانت القصة تحكي عن بنت تذهب للبحث عن وجهها. كان ياما كان، أن ضاع من البنت وجهها، سرقه منها أحد وهي نائمة. وأصبح لزامًا عليها فعل شيء لاسترداده.

لكنها لم تستطع تذكر كيف كان يبدو وجهها على الإطلاق. بل ولم تكن تعرف إن كان وجها جميلًا أم قبيحًا، مستديرًا أم مستطيلًا. فسألت أبويها وأشقائها، لكن أحدًا منهم لم يستطع لسبب ما أن يتذكر ماذا كان نوع وجهها. أو أنهم لم رغبوا في إخبارها.

لذا قررت البنت أن تنطلق بمفردها في رحلة للبحث عن وجهها. ووجدت لنفسها مؤقتًا وجهًا ربما يناسبها، فألصقته مكان وجهها. ومن دون وجه محدد، كان الذين يلتقون بها على الطريق يستغربونها.

طافت البنت بالعالم كله. تسلقت الجبال العالية، وعبرت الأنهار العميقة، وقطعت الصحاري الشاسعة، وتمكنت من شق طريقها خلال الأدغال الموحِشة. وكانت واثقة من أنها إذا عثرت على وجهها فسوف تميّزه على الفور. بما أنه جزء شديد الأهمية من وجودها، قالت ذلك لنفسها. وفي سفرها صادفت أناسًا كثيرين، وخاضت مختلف أنواع التجارب الغريبة. كاد قطيع أفيال أن يدوسها، وهاجمها عنكبوت أسود ضخم، وأوشكت الخيول البرية أن تطيح بها.

ومر وقت طويل وهي تسير في شتى البقاع، تفحص الوجوه التي لا تُحصى في طريقها، ولكنها لم تجد وجهها على الإطلاق. ما رأته دائمًا كان وجوه الآخرين. ولم تكن تعرف كيف تتصرف. وانتبهت فجأة إلى أن الوقت مضى وأنها لم تعد بنتًا، بل صارت امرأة ناضجة. ألن تتمكن أبدًا من العثور على وجهها الخاص مجددًا؟ وغرقت في اليأس.

وبينما كانت جالسة على طرف لسان بحري في أرض شمالية، تبكي في إحباط تام، ظهر شاب طويل يرتدي معطفًا من الفراء وجلس بجانبها. خفق شعرها الطويل برقّة في الريح التي تهب من البحر. وحدّق الشاب في وجهها وهو يبتسم ابتسامة عريضة وقال هذا "إنني لم أر امرأة على الإطلاق لها مثل وجهك الذي يأسر القلب".

عندئذ صار الوجه الذي ألصقته لنفسها وجهها الحقيقي. وقد اشتركت كل أنواع التجارب، وكل أنواع العواطف والأفكار، في تشكيله. كان هذا وجهها، وجهها وحدها. وتزوجا، هي والشاب، وعاشا في سعادة بهذه الأرض الشمالية.

لسبب ما، ولم تكن كاهو نفسها متأكدة منه على الإطلاق، حرّك هذا الكتاب شيئًا في قلوب الصغار على ما يبدو، وعلى الأخص البنات اللاتي كن في سنوات مراهقتهن المبكرة. تابع هؤلاء القراء اليافعون بحماس مغامرات البنت والمتاعب التي تعرضت لها وهي تقتحم العالم الواسع بحثًا عن وجهها. وعندما وجدت البنت في النهاية وجهها، واكتشفت سلامها الداخلي، تنفّس القراء الصعداء. كانت الكتابة بسيطة، وتصاوير كاهو رمزية، ورسومها الخطية بلون واحد.

إن تلك الحكاية -بالعمل على كتابتها ورسمها- قد قدّمت لكاهو نوعًا من التعافي العاطفي. إنني أستطيع الحياة في هذا العالم كما أنا، كما أنا بالضبط، لقد أدركت ذلك. لا داعي للخوف. فالحلم الذي رأته في قاع البحر علّمها ذلك. وراح القلق الذي شعرت به في منتصف الليل يضعف. وإن لم يكن باستطاعتها قول إنه اختفى تمامًا.

بِيعَ الكتاب على نحو مُطّرد، من خلال الدعاية الشفهية، وقدّمت له إحدى الصحف مراجعة جيدة. كانت ماتشيدا منبهرة.

قالت "أعتقد أن كتاب الأطفال هذا قد يصبح من أكثر الكتب رواجًا لمدة طويلة. هذا ما أشعر به. إن أسلوبه مختلف تمامًا عن كتبك الأخرى، وهو ما فاجأني في البداية. لكني أتساءل، من أين أتتك فكرته؟"

أجابتها كاهو بعدما فكّرت للحظة. قالت "في مكان شديد العتمة، بعيد القرار".