الاستقالة من عملي لكي أصبح كاتبًا أحدثت ثلاثة تغييرات كبيرة في حياتي.

أصبحتُ مشهورًا.

وثريًا.

وبدينًا.

أنا روائي

قصة: ريو موراكامي

من مجموعة قصص "اركض يا تاكاهاشي!"

الترجمة للإنجليزية: رالف مكارثي

ترجمة: باسم عبد الحليم

ريــو موراكامي: روائي وقاص وصانع أفلام ياباني، وُلِد في ناجازاكي عام 1952. أسس في شبابه عدة فرق لموسيقى الروك كعازف درامز، تأثرًا بثقافة الهيبي والروك آند رول والمخدرات في السبعينيات، وأصدر أولى رواياته في 1976 بعنوان "زُرْقَة شفافة تقريبًا" عن تلك التجربة، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عن الكتابة والنشر وصنع الأفلام، برصيد نحو 36 رواية، و15 مجموعة قصصية، و6 أفلام من إخراجه، بخلاف أفلامه كمؤلف مع مخرجين آخرين. حصل على عدة جوائز أدبية منها: جائزة "أكوتاجاوا" 1976، جائزة "نوما" للوجه الأدبي الجديد 1981، جائزة "تانيزاكي" للأدب 2000، كما تُرجِمت أعماله لعدة لغات. وهذه القصة من مجموعة للكاتب بعنوان "اركض يا تاكاهاشي!"، يجمع بين قصصها الظهورُ العابر للاعب البيسبول الياباني تاكاهاشي يوشيهيكو ضمن الأحداث.


ريو موراكامي، عن litreactor

أنا روائي.

عمري خمسة وثلاثون عامًا، وأنا روائي منذ سبع سنوات. باعت رواية "حرب عصابات إلكترونية"، التي كتبتُها في الثامنة والعشرين، أكثر من ستمئة ألف نسخة. واحتلت كل الروايات التي نشرتها منذ ذلك الحين – "حب الألياف البصرية"، "عديم الملامح وعاطفي"، "مباراة كمبيوتر طوكيو المميتة"، "كوزموبوليتان موجي"- صدارة قوائم الأكثر مبيعًا. رغم أن لا أحد، بمن فيهم أنا نفسي، فهم ما تدور حوله هذه الروايات. حين كتبتُ روايتي الأولى، كنتُ ما أزال موظفًا في إدارة العلاقات العامة بشركة "كراي ريسيرش"، وهي شركة كمبيوتر أمريكية.

الاستقالة من عملي لكي أصبح كاتبًا أحدثت ثلاثة تغييرات كبيرة في حياتي.

أصبحتُ مشهورًا.

وثريًا.

وبدينًا.

"مرحبًا؟ هل أتحدث إلى السيد أوكوتيجاوا؟"

المكالمة قادمة على مكتبي. صوت رجل، لكنه ليس لأحدٍ أعرفه. أجبتُ "أنت تتكلم معه"، وأكملتُ جملة كنت أكتبها على الكيبورد.

"أعلم أن هذا مفاجئ نوعًا، ولكن.. هل لي أن أسألك ما إذا كنتَ على دراية بمنطقة كاناي في يوكوهاما؟"

"أعتذر؛ لا أُجري مقابلات صحفية عبر التليفون. لقد أُسِيء فهم كلامي كثيرًا من قبل".

كانت ثمَّة فترة صمت طويلة. لا يبدو أنه من الإعلام. "هل.. هل أنت على دراية بمنطقة كاناي؟"

"ذهبتُ إليها من قبل. ما الأمر؟"

"أنا مدير ملهى في كاناي اسمه (ﭼوليا)"

"ثم؟"

"هل تعرفه؟"

"أعرف ماذا؟"

"ملهانا؟"

"المكان الوحيد الذي زرته في كاناي هو ملهى (ذا دور)".

"(ذا دور)؟ هل تذهب إلى هناك عادةً؟"

"ذهبتُ مرة واحدة فقط. ومن فترة طويلة".

"هل كنتَ هناك الأسبوع الماضي؟"

"لا، لا، كانت تلك المرة عندما كنتُ ما أزال أعمل في الشركات – بالتأكيد قبل ثمان سنوات، ربما أكثر. اصطحبني عميلٌ إلى هناك. مكان غالٍ بشكلٍ صادم، على ما أتذكر".

وضع يده على السماعة، وكان صمت آخر. أمكنني سماعه يتحدَّث إلى شخص آخر، لكني لم أستطع تمييز ما يقوله. ثم عاد إلى الخط.

"الحقيقة أن.. هذا مُحرِج للغاية، أخشى، لكن.. على مدار الشهرين الماضيين، كان رجل محترم اسمه السيد أوكوتيجاوا، الكاتب المعروف، زبونًا منتظمًا لدينا". ابتسمت. إنه نصَّاب. "حسنًا، لم يكن أنا".

"المؤسف أن.. لا أحب أن أقول ذلك، لكن هذا السيد المحترم يديـن لنا الآن بمليون وستمئة وثمانية وثلاثين يـن".

"لحظة واحدة. لا علاقة لي بهذا".

"لا، طبعًا لا. ندرك أن اللوم يقع بالكامل علينا نحن".

"أوه. هذا صعب الفهم قليلًا. أظن لو أن شخصًا انتحل صفتي سيكون من السهل كشفه".

"نعم، ولكن، حسنًا، سيبدو ما أقوله غرورًا، لكن قائمة زبائننا في (ﭼوليا) تضم سياسيين ورجال أعمال وفنانين – والكثير من الشخصيات البارزة. وليس مُستغربًا أن تنفق الشركات الكبيرة ما يصل إلى مليوني ين شهريًا كنفقات للترفيه في ملهانا. ليس هناك ما يبرر الشك في أحد الزبائن، و...".

"هل كان يشبهني؟"

"لقد كان.. حسنًا.. سامحني يا سيدي، هل صحيح أن وزنك زاد بعض الشيء مؤخرًا؟"

كنت اكتسبت ثمانية عشر كيلوجرامًا زيادةً عن وزني حين بدأت مشواري في الكتابة. "إن الصورة في روايتك الأولى (حرب عصابات إلكتون)..".

"حرب عصابات إلكترونية!"

"نعم، بالطبع، آسف جدًا. ابنتي تتلقى دروسًا على بيانو ياماها إلكتون، و..".

"كنتَ تقول؟ هناك صورة لي في هذا الكتاب، نعم".

"وهل تغيَّـر شكلك كثيرًا منذ التقاط الصورة؟"

تغيَّـرتُ كثيرًا. ماذا كنتَ تتوقع؟ لكنه ليس التغيير الذي يجعلك لا تُميِّـزني.

"السيد أوكوتيجاوا الذي جاء إلى ملهانا أحضر معه عددًا من نسخ كتبه، أو بالأدق كتبك، ووقَّعها لنا. أنا نفسي حصلت على نسخة، وكذلك الفتيات..".

"أنا لم آخذ كتبي معي إلى البار في حياتي. يا لهذا الوقح الـ..".

"إحدى فتياتنا حامل في طفله".

لم أُفاجأ. بالنسبة لوغدٍ لا يتوانى عن توزيع توقيعات مزيفة، فمضاجعة فتاة أو اثنتين من البار أمر بسيط.

"إنها معي هنا الآن، في الواقع. وهي مقتنعة أن الرجل صادق، ولن يقنعها أي كلام أقوله بغير ذلك. نحن جالسين في كافيه قريب من بيتك. هل نستسمحك في مقابلتنا لبضع دقائق؟"

بمجرد أن رأتني الفتاة، انتحبت، "ليس هو"، ووضعت رأسها على الطاولة وبكت. كانت -ماذا أقول؟!- فاتنة الجمال. ترتدي فستانًا أبيض، وجوارب دانتيل بيضاء على حذاء أزرق لامع. كاحلاها أنيقان، بشرتها ناعمة ومِسمرّة، وجهها بيضاوي ولها عينان كبيرتان، و... حسنًا، إنها مثالية للغاية.

كان المدير في نحو الستين. وكان يحاول مواساتها. "لقد غَـرَّرَ بكِ، هذا ما في الأمر"، قال لها، "عليكِ فقط مواجهة هذه الحقيقة".

أخرجتُ لها مِندِيلًا قماشيًا. نظرت إليَّ بعينين دامعتين. مَدَّت ذراعًا جميلة مثل الشُعُب المرجانية في بحر الجنوب، وأخذتْ المنديل. كان اسمها موتسومي.

دعوتُ موتسومي على أفخم مطعم أعرفه. أتت مُرتديةً حُلةً خضراء زمردية وقلادة من الصدف. وفي ضوء الشموع الناعم، بدت لي نسخةً من الممثلة الإيطالية التي كنتُ مُغرَمًا بها في صباي أيام المدرسة الثانوية. ذكرتُ هذا لأحد الجرسونات الذين أعرفهم، وحين أخبرني أن لا تشابه على الإطلاق، أدركتُ أنني ضعت. كلما وقعتُ في غرام امرأة، بدت لي مثل تلك الممثلة الإيطالية.

للمقبلات، اخترنا طبقًا من سلمون الكوكاني المُتبَل.

"ربما تفضلين عدم الكلام في الموضوع، ولكن هل كان هذا النصَّاب يشبهني؟"

تمعَّنَتْ موتسومي فيَّ. عضَّت شفتيها، كما لو كانت تتذكر أمرًا مؤلمًا، وتمعنت فيَّ. أخيرًا، قالت: "عن قربٍ هكذا، أنت لا تشبهه إطلاقًا".

وجدتُ هذا محزنًا قليلًا. كنتُ غيـرانًا، غيـرانًا من مُنْتحِل شخصيتي.

بدأتُ في ارتشاف سلطانية من شوربة السلاحف البحرية بالكاري.

"حسنًا، هنالك أمر واحد مشترك بيني وبينه"، قلتُ لها، مدركًا أن كلامي سيبدو ساذجًا على نحوٍ يائس جدًا، "ذوقنا في النساء".

رفعت رأسها بحدة وأمرتني بالكف عن مضايقتها. من المحبط أن تظن أنني أحاول إزعاجها بقولي لمجاملة لطيفة. ولكن، مجددًا، هذه امرأة وقعتْ في غرام رجل يمنح توقيعات مزيفة في البارات. بالتأكيد هناك أمل.

فرغم كل شيء، أنا الشخص الحقيقي.

"أنا لا أضايقك، أنا معجب بكِ حقًا".

كنا نشرب نبيذ "فلوري". وضعت موتسومي الكأس جانبًا بحرص. "هو لم يقل لي مثل هذا الكلام أبدًا".

"أي كلام؟"

"أنا معجب بكِ، أحبكِ؛ هذا الكلام".

"لكنكما كنتما عشيقين، أليس كذلك؟"

"أحيانًا كثيرة كان يأتي للملهى ويدعو أُخريات إلى طاولته".

"غريب".

"ربما فعلها مع ثلاث أو أربع منهن أيضًا".

"فعلها؟ تقصدين..؟"

"ناكهن. النيك مجرد نيك".

نظر الناس في الطاولة المجاورة نحونا. لم يرف لموتسومي رمش.

"لم يفعلها معي إلا قبيل اختفائه مباشرة".

"فعلًا؟ جيد".

"جيد؟"

"أقصد، عدم فعل ذلك. سيكون صعبًا ألا يفعل الواحد ذلك، على ما أعتقد".

"هو فقط لم يكن يريد".

"لكنك في النهاية فعلتِها، أليس كذلك؟"

"ما الذي تريده من "فعلتِها" و"لم تفعليها"؟ هذا لا يعجبني"، قالت ذلك، ووضعت قطعة من البط المشوي بالشوكة في فمها.

"هل قرأتِ أي كتاب من كتبي؟"

"قرأتها كلها".

"كلها؟"

"حسنًا، أنا من المعجبات بكتاباتك".

"كنتِ من معجباتي؟" لم أستطع منع نفسي من الابتسامة البلهاء. "اسمعي يا موتسومي-تشان، هناك أمر آخر لا أفهمه في علاقتك بهذا الرجل...".

"نادني مو-تشان. هذا هو الاسم الذي أستعمله في الملهى".

"مو-تشان".

"على أي حال، كان يعجبني، هذا كل ما في الأمر".

"أي نوع من الأشخاص هو؟"

انفجرت ضاحكة.

"ما المضحك؟"

"أنتَ! ألا تظن أن من الغريب أن يكون الشخص الحقيقي فضوليًا للغاية هكذا بخصوص الشخص المُنتحِل؟"

"فقط أسأل لكي أعرف أي نوع من الرجال يعجبك".

"انظر، لقد كنتُ أعتقد أنه أنت، مضبوط؟"

"مضبوط. إذن أي رجل سيكون مناسبًا إذا كان كاتبًا؟"

"لقد أخبرتك أنني معجبة".

"حسنًا، إذن... انتظري لحظة... الحقيقة هي، الحقيقة التي لا جدال فيها هي، أنني أنا من كتب هذه الكتب".

ضحكت موتسومي مجددًا، "أعرف".

"إذن.. من الممكن أن تقعي في حبي؟"

توقفت عن الضحك. أحنت رأسها، وأخرجت سيجارة أمريكية رفيعة من علبة عاجية، وولعتها. ثم نظرت إلى أعلى وقالت لي إنها مسألة مشاعر.

"كان يجب أن أقع في حبك"، تقول، "لكن ليس هذا ما حدث".

"ماذا ستفعلين بخصوص الجنين؟"

"سأتخلص منه. الأسبوع المقبل".

أحزنني أن أسمع ذلك. كما لو كان الأمر كله خطأي.

استدعتني موتسومي للقدوم إلى منطقتها، فذهبت حاملًا باقة زهور ونسخة موقَّعة من كتابي الأخير "رسائليات نادي الاندماج واسع النطاق". كانت ترتدي بيـﭽـاما وعباءة، ولم تكن تضع أي ماكياﭺ، لكنها بدت فاتنة كعادتها.

قدَّمَتْ لي فنجان قهوة.

"هل مناسب لكِ أن تظلي مستيقظة لهذه الساعة؟"

ربما أتخيل، لكن خدَّيها كانا مُجوَّفين قليلًا.

"سأكون بخير. شكرًا لاتصالاتك اليومية بي. لقد ساعدتني ألا أقع في الاكتئاب. مع كل هذه المكالمات، يعني، بدأت أشعر كما لو كان طفلك حقًا!"

فقط لو كنتُ أنا الأب!

"هل فكرتِ بتمعن؟ بخصوص ما تحدثنا فيه على التليفون؟!"

"كنتَ فقط تحاول أن تُخفِّف عني، أليس كذلك؟ كل هذا الكلام السخيف عن الزواج مني".

"أنا جاد جدًا".

منذ طلاقي، واعدتُ ثلاث صديقات. المشكلة أنني، منذ لقائي بموتسومي، فقدتُ تمامًا رغبتي في النوم معهن.

حجرة موتسومي عبارة عن ستوديو. لديها حامل لوحات وألوان زيتية.

تحاول أن تصبح فنانة تشكيلية. يبدو أنها اعتقدت أن العمل مضيفة في ملهى سيوفر لها الكثير من الوقت للرسم، لكنها اكتشفت خطأ ذلك.

قلت "انظري إليَّ".

"ماذا؟"

"هل تلاحظين شيئًا مختلفًا؟"

"هذه فقط ثالث مرة أقابلكَ فيها".

"لقد خسرتُ ثمانمئة جرامًا من وزني".

كانت تتصفح "رسائليات نادي الاندماج واسع النطاق"، لكنها أغلقته الآن ورمقتني بنظرة متعاطفة. كنتُ قد قلَّلتُ من الخمور، وانتظمتُ في الذهاب لنادي السباحة، ولففتُ حزامَ تخسيس بلاستيكيًا حول بطني كل ليلة قبل النوم.

"هل تحاول إنقاص وزنك؟"

"نعم".

"لماذا؟"

"أريد أن أبدو كالصورة في كتابي الأول مرة أخرى".

كنتُ جالسًا على حافة سريرها. اقتربتْ مني وأمسكت يدي.

"لماذا لم تكن أنت مَن جاء للملهى بدلًا منه؟"

"تعرفين، لقد فكرتُ في ذلك أنا أيضًا. الأمر معقد نوعًا، ولكن.. كيف أُعبِّـر عنه؟ أعتقد أنه كان مُقدَّرًا لنا أن نقع في الحب، ولكن حصل جليتش".

"جليتش؟"

"ابتعدنا عن بعض".

"ولكن لماذا أنتَ مُصَمِّم عليَّ؟!"

"مو-تشان، ما يقف بيننا مجرد شبح، طيف".

"آه.. هو، متظاهرًا أنه أنتَ؟"

"ما كان الأمر ليصبح بهذا السوء لو أنه شخص لا علاقة لي به. لو فقط كان من خدعك شخص لم أسمع عنه من قبل".

"أفهم ما تقصده".

"بالطبع تفهمين، أنتِ من محبي كتبي! التيمة المشتركة بين كل أعمالي أن الزمن التناظري يعتمد على تحفيز الزمن الرقمي، وأن العكس لا يمكن أن يحدث أبدًا".

"هلا ذكرتني بمعنى ذلك مرة أخرى؟"

"ذلك يشبه الكيفية التي قد يؤثِّـر بها ألم الأسنان على شخصية أحدهم، على سبيل المثال".

"هل تقول إن علاقتنا هكذا؟"

"دعيني أسألك: بم كنتِ تنادي هذا الرجل؟"

"حسنًا، في البداية كنتُ أدعوه سينسي، لكن لم يعجبني وقع الاسم فغيَّـرته إلى أوكوتيجاوا-سان. طلب مني أن أدعوه ﭼون، لكنه كان كاتبًا أقدره وبدا الأمر حميميًا جدًا، لذا تمسكتُ بأوكاوتيجاوا-سان. سهل النطق، ولكن...".

"إنكِ لا تناديني باسمي مطلقًا، وأنا أوكوتيجاوا ﭼون الحقيقي".

"أعرف".

"أنا في موقف ضعيف هنا. هل كان الأمر معه جيدًا؟"

"ماذا؟"

"الجنس".

"كيف تسأل عن شيء كهذا؟"

"الأمر مهم. كان هذا ما أدى لفشل زواجي".

"لم يكن الجنس جيدًا مع زوجتك؟"

"هذا موضوع آخر. هل كنتما أنتِ والنصَّاب تصلان معًا؟"

"تقصد الوصول للأورجازم معًا؟"

كانت موتسومي محرجة. تحول لونها إلى الوردي حتى شحمة أذنها، ولكن ابتسامة صغيرة ظهرت في زاوية فمها. ذكرى الأورجازم لا يمكن كبتها، لا يمكن للشخص مداراة شيء كهذا.

"كم عمرك؟"

"اثنان وعشرون".

"في مثل عمرك، حجم القضيب ليس مهمًا، أليس كذلك؟ المهم هو الحب".

"استمع لنفسك".

"إذا كنتَ تحب شريكك، فإن ذلك يؤدي للأورجازم".

"عظيم، محاضرة.. هذا ما قد تريد امرأة سماعه بعد عملية إجهاض".

"آسف، لكن اسمعيني، لقد كنتِ واقعة في حب رجل ينتحل شخصيتي. أتعرفين معنى ذلك؟ معناه أنني، بالنسبة لك، أنا المزيف".

طلبت موتسومي مني المغادرة. كانت الدموع تنهمر من عينيها وتسيل على خديها، وتتساقط على الأوردة الزرقاء في ظاهر يدها. بخلاف كونها في أسوأ حالاتها جسديًا ومعنويًا، عليها أيضًا أن تتعامل مع ذلك. في البداية كانت من محبي روايات أوكوتيجاوا ﭼون، ثم وقعت في غرام ذلك "الأوكوتيجاوا ﭼون" الذي سقط بصورةٍ غير متوقعة في عالمها. كان الاسم مجرد قطعة من الملابس في البداية، ثم سقطت الملابس، ولم تعد الأسماء مهمة في الطريق إلى الأورجازم.

"هل كان النصاب من الجامحين في الجنس؟"

"لقد جعلني أفعل الكثير من الأشياء"، اعترفت. كانت ما تزال تبكي. لقد تم التخلي عنها مرتين: من أوكوتيجاوا ﭼون الاسم، ومن المجهول الذي خلع ملابسه.

وأين يتركني ذلك؟ من وجهة نظر موتسومي، ربما لم أكن سوى تقليدًا باهتًا.

ذهبتُ إلى "كراي ريسيرش" للقاء صديق قديم. كان أحد أفضل أربعة أو خمسة تقنيِّي كومبيوتر في اليابان. استمع إلى اقتراحي، ثم هز رأسه وقال: "انسَ".

"بعد إذنك؟ جرِّب فقط. الأمر أكبر من قدرة العقل البشري. ما الخطأ في طلب بعض المساعدة من الذكاء الاصطناعي؟"

جعلتُ موتسومي تجيب على استبيان مكون من خمسين بندًا. ثم طلبتُ منها الإجابة على نفس البنود الخمسين بالنسبة للنصاب، قدر استطاعتها. وفي النهاية، أجبتُ على الأسئلة بنفسي، مما ترك لديَّ ثلاث مجموعات من البيانات المتقابلة. الطول والوزن، مهنة الوالدين، الأكلة المُفضَّلة، الفيلم المُفضَّل، نوع الموسيقى المُفضَّل، فريق البيسبول المُفضَّل، تفضيلات الموضة، السجائر، رائحة الجسم، الحالة الجسمانية العامة، عدد تجاويف الأسنان، الكحوليات المُفضَّلة – وإذا كانت الويسكي، فهل البوربون، أم السكوتش، أم الويسكي الكندي، أم الأيرلندي –، والكوكتيل المُفضَّل، أول ما تطلبه في مطعم سوشي، الألعاب الرياضية، الوضع المُفضَّل في المضاجعة، مناطق الاستثارة في الجسم، الصفحة الأولى التي تُقرَأ في الجريدة، الموقف من الماركسيةـ وهكذا. أعلم أن الأمر سخيف، وأنه ليس أكثر من نسخة مُحسَّنة من تطبيقات المواعدة على الكمبيوتر، لكني كنتُ أتعلق بأي قشة. كنتُ مَهْووسًا بمشكلة موتسومي لدرجة منعتني من إنجاز أي عمل.

"أنت حقًا مُخَدَّر، أليس كذلك؟ ظننتُك كذلك عندما أتيتَ إليَّ متذمرًا بخصوص مغادرة زوجتك، لكن هذه المرة أسوأ. لطالما افترضتُ أن الروائيين أذكياء. ولكن، أظن أنك الاستثناء الذي يُثبِت القاعدة".

بدأ في إدخال البيانات، رغم استمراره في التأفف.

قال وهو يعبث بالكيبورد: "لكني أشعر بالأسف على المسكين بورخيس".

"بورخيس مَن؟"

"الكمبيوتر العملاق الجديد الذي حصلنا عليه قبل شهر تقريبًا. إنني أستغله".

"لماذا تشعر بالأسف عليه؟"

"بورخيس يستطيع إجراء مليار وستمئة مليون عملية عشرية في الثانية الواحدة، ونحن نعطيه هذه المشكلة الغبية. إذا كان المطلوب شيئًا غبيًا، فسيرفض أن تكون له علاقة به، كما تعلم".

نظر إليَّ وابتسم.

قال: "إذن فالناس الآن ينتحلون شخصيتك، هذا يعني أنكَ أصبحتَ مشهورًا".

"كنتُ أستهزئ بالأمر مثلك أيضًا، حتى قابلتُ تلك المرأة فعلًا".

"انظر. بورخيس وافق على إجراء المحاكاة".

"بورخيس.. إنك تتكلم عنه كأنه شخص حقيقي".

"حسنًا، إنه بالفعل شخصية محبوبة".

"لطالما اعتدتَ قول ذلك عن أجهزة بعينها - إنها محبوبة".

"بعضها هكذا فعلًا، وأكثر بكثير من الناس. الناس دائمًا عليهم إثبات أنفسهم والحفاظ على كرامتهم وما إلى ذلك. إنه حِمل ثقيل. لكن بورخيس مُبرمَج على احترامه ذاته منذ ولادته".

"هل يمكن لأجهزة الكمبيوتر أن تتمتع باحترام الذات؟"

"طبعًا".

"أعتقد أنها لا تملك مشاعر".

"احترام الذات ليس شعورًا. أي روائي أنتَ على أي حال؟ احترام الذات هو بالضبط معرفة الذات، وتفهُّم راسخ لحدودك. إنه الحياة وفق معاييرك الخاصة، ألستُ محقًا أم ماذا؟"

ملأت حزمةٌ كبيرة من العلامات والحروف الرموز شاشة الكمبيوتر، سطرًا بعد سطر، ثم كانت تختفي مرة أخرى. ابتسم صديقي متفاخرًا في وجهي.

قال: "جامد جدًا، ها؟"

"ماذا؟"

"ألا ترى كم هذا مدهش؟ وأنت مَن يبيع كل تلك الكتب ذات العناوين التكنولوﭼية الفائقة - يا لك من دجال. لقد قام بورخيس على محاكاة كل التنويعات الممكنة لكل بند من بنودك الخمسين. إننا نتحدث عن ثلاث مجموعات من البيانات يحتوي كلٌ منها على خمسين بندًا، كان سيستغرق ذلك ألف سنة لإنجاز الأمر! بالمناسبة، كيف حال زوجتك السابقة؟"

"بخير. أعرف أخبارها من ابني بين الحين والآخر. يقول إنها تتلقى دروس سباحة ودروس يوجا ودروسًا في خبز الكعك، وتواعد مدرب كرة سلة في الجامعة. وزوجتك؟"

"تزوجت مرة أخرى من مسؤول تنفيذي في شركة لاستيراد القهوة، لا يزال في ثلاثينياته على ما يبدو. وأول زواج له أيضًا. الأمر مدهش، لو سألتني. أقصد، أنا منبهر فعلًا أن زوجتي استطاعت فعلَ شيء كهذا. أما أنا، فالشخص الوحيد الذي أثق به هو بورخيس. آه، ها هي النتيجة ظهرت. ما هذا؟ سمكة الشبوط؟ ماذا يقصد بهذا، (الشبوط)؟"

"يقصد فريق (شبوط هيروشيما) للبيسبول. أنا ومُنتحِل شخصيتي وموتسومي من مشجعي شبوط هيروشيما.. هذه ليست إجابة. ماذا يحاول أن يقول هذا الجهاز؟"

"أنت عديم المفهومية حقًا، ألستَ كذلك؟ قصده أن تأخذ الفتاة إلى مباريات البيسبول. الرياضة أمر بريء، بسيط، ولكن هذا هو الجيد بخصوصها – ليس فيها ما يريب، فقط رمي الكرة والضرب والركض. والنصَّاب من مشجعي نفس الفريق، لذا أيًّا ما كانت ذكرياتها السعيدة عنه وعن البيسبول فستنتقل إليك بالتالي. الأمر مثالي".

نحن في ملعب يوكوهاما من أجل مباراة الموسم العادي الثامنة بين فريق "الحيتان" وفريق "الشبوط". صرخت موتسومي من السعادة حين دعوتُـها. أنا مشجع لفريق الشبوط منذ أربع سنوات تقريبًا، بعد أن شاركتُ في حلقة نقاش مع مدير الفريق.

كانت المباراة تتحول إلى مبارزة رماية بين إندو لاعب الحيتان وكيتابيبو لاعب الشبوط. في النصف التبادلي الآخر من الشوط الثالث، يتلقى كاتو ضربة كرة من كيتابيبو، ثم يُعيده ليون لي إلى الخط بتسديدة مباشرة عبر الفجوة في الوسط الأيمن.

الرياح باردة قليلًا، لكن مذاق البيرة رائع. كان مذاقها هكذا لأنني كنتُ مع موتسومي، التي ارتدت بنطلونًا جلديًا ضيقًا وصندلًا فضيًا وتيشيرتًا من الساتان، وكانت تملأ فمها بالفشار.

"مو-تشان، لماذا تشجع الشبوط؟ أنتَ لم تولَد في هيروشيما، أليس كذلك؟"

"لا. لكن الكثير من شباب الفريق وسيمون، صحيح؟ ياماني شكله رائع، وتاكاهاشي يوشيهيكو طبعًا. كوباياكاوا، كاواجوتشي، موريواكي.. كلهم وسيمون جدًا". "الشكل مهم بالنسبة لك، أليس كذلك؟"

"يقولون لا يمكن الحكم على الكتاب من غلافه، ولكن هذا ليس صحيحًا. الغلاف هو كل ما تحصل عليه".

"ولكن المظاهر قد تكون خادعة بالتأكيد".

"فقط لو سمحت لنفسك بأن تتأثر بما يظنه الآخرون. إذا كنتَ تثق بإحساسك الخاص، يمكنك الحكم على أي شخص من مظهره ولن تخطئ مطلقًا".

ما معنى هذا، في المسألة التي تتعلق بحالتي أنا والمحتال على وجه الخصوص؟ إنني أتساءل كيف كان شكله. ربما لم تدرك موتسومي أبدًا ما كان عليه حقًا من الداخل. أتساءل ما إذا كان شكله أفضل مني بكثير.

الانفراد الجامح لكينوجاسا في النصف التبادلي الآخر من الشوط الخامس، عرقل قطار أفكاري عن مساره. أمسكنا بأيدي بعضنا، وتقافزنا في مقعدينا ونحن نهتف بجنون.

في النصف التبادلي الأول من الشوط السابع،  اقتنص تاكاهاشي يوشيهيكو القاعدة الأولى نتيجة لقيام الرامي برمي أربع كرات.

كان تاكاهاشي يحتل المركز الثالث منذ يوليو، لذا فإن التالي هو ياماموتو كوجي. لا نقاط للخروج، كان الراكض في المقدمة.

صرخ أحد الحمقى خلفنا في خط الأساس الثالث: "اركض يا تاكاهاشي!"

"هذا ليس وقتًا مناسبًا للمماطلة"، تمتمتُ لموتسومي. "ولم لا؟"

كانت تفضل تاكاهاشي على بقية اللاعبين.

قلت لها: "عليهم ترك كوجي يركز على الضرب. كيف يفعل ذلك إذا كان تاكاهاشي يلعب لعبة قط وفأر مع الرامي ويشتت انتباهه؟ كوجي هو الضارب الأقوى، فقط دعوه يؤدي عمله".

"لكنه يوشيهيكو. أريده أن يركض. أحب مشاهدته وهو يركض".

تقدم تاكاهاشي بشكل كبير، وتوقف إندو، راميًا للأول أي عددٍ من المرات. انتظر ياماموتو، وخرج من المربع، وانتظر أكثر. مر أكثر من دقيقة قبل أن يرمي إندو الرمية الثانية، ونفد صبر ياماموتو في تلك اللحظة لدرجة أنه تورط في رمية سيئة وتوقف عن اللعب المزدوج.

"رأيتِ؟! أهدر تاكاهاشي فرصة جيدة جدًا بالعبث هناك في البداية. إندو مذهل اليوم – لن نحصل على مثل هذا العدد الكبير من الركضات".

قام إندو وكيتابيبو بالرمي ببراعة، وامتدت المباراة لأشواط إضافية.

كنا في النصف التبادلي الأول من الشوط العاشر. وصل تاكاهاشي أولًا، وسدد ضربة كبيرة في الرمية الأولى، وضرب كرة، ثم أخطأ. وبعد ذلك، في الرمية الثانية، سدد ضربة رائعة على خط القاعدة الثالث.

لم يخرج أحد، والرجل كان في المقدمة مجددًا. هذه المرة لم يتقدم تاكاهاشي كثيرًا، لكن ياماموتو سقط وهو يتأرجح في ضربة الكرة الخاصة بإندو. حصل ناجاشيما فقط على فرصة في الكرة السريعة وأخطأ في المنطقة الثالثة.

التالي كان كوباياكاوا، لاعبي المفضل. ولكنه بمجرد أن خطا داخل منطقة الضرب، بدأ تاكاهاشي في التقدم مرة أخرى.

"انظري إلى هذا الأبله! الآن هو يصعِّب على كوباياكاوا أن يُسجِّل".

حدث الأمر بينما أنا أتذمر من المباراة. صوتٌ أعلى من كل الأصوات الأخرى بدأ يصيح:

"اركض يا تاكاهاشي!"

كان صوت رجل. عندما سمعته موتسومي، اختلج وجهها. كان الصارخ يقف فوق مقعده خلفنا بعدة صفوف. استدارت موتسومي نحوه، فبدا مذعورًا. تصلَّبتْ ودمعت قليلًا.

لو كنتُ أنا شريحة هامبورجر في مطعم "دينيز"، فإن النصَّاب كان قطعة من فيليه ستيك العجل في مطعم "ماكسيم" الراقي. كلانا لحم من نفس النوع، ولكن من ناحية التقديم والمذاق ليست ثمَّة أدنى مقارنة. وكما لو كانت تمشي في أثناء نومها، نهضت موتسومي وسارت مسحورة نحو قطعة الفيليه.

اتصلت بي بعد ثلاثة أيام.

"أنا آسفة لما حدث. لكن، كما ترى، اتضح أنه يحبني، وكان دائمًا كذلك، لذا عندما عرف أنني معجبة برواياتك ادعى أنه أنتَ، فقط ليحاول جذب انتباهي، وقال إن سبب دعوته للفتيات الأُخريات إلى طاولته أنه كان مُحرَجًا من مدى إعجابه بي، لذلك حاول التظاهر بعدم الاهتمام، بالطبع لم يضاجعهن أبدًا ولا أي شيء من هذا، ولكنه، بعد أن اتصل بك المدير، أصبح في مشكلة حقيقية، وبما أن الإيصالات كانت باسمك، لم يستطع وضعها في حساب مصروفاته، لكنه دفعها الآن بالكامل. يقول إنه يعتذر حقًا لتسبُبه لك في كثير من المتاعب، وطلب مني أن أسألك ما إذا كنتَ ترغب في الخروج معنا للعشاء في وقتٍ ما، لكي يتمكن من الاعتذار بنفسه. ما رأيك؟"

__________