استفاد ستوكر بالتأكيد من أدب مصاصي الدماء المبكر، لكنه أيضًا كان أصيلًا بشدة، واعتمد على بحث دام أكثر من سبع سنوات من أجل استكمال قصته

دراكولا لبرام ستوكر

مقال: روبرت مكروم

ترجمة: محمود راضي

عن كتاب "أفضل مئة رواية في اللغة الإنجليزية" الصادر عن كتب مملة بالتعاون مع دار هن للنشر والتوزيع


من فيلم دراكولا 1992، عن bloody-disgusting

في الخاتمة التامة للقرن التاسع عشر، وفي عصر جاك السفاح[1]، وبعد 80 عامًا من فرانكنشتاين (الذي حل ثامنًا في هذه القائمة)، غدت رواية "دراكولا" عملًا كلاسيكيًا من الرعب القوطي، كتبه معاصر أيرلندي ﻷوسكار وايلد، والذي كتب أعمالًا من اﻷدب الشعبي لتحسين دخله. على غرار رواية ماري شيلي الخوارقية، ربما نبعت حكاية مصاص الدماء في "دراكولا" من كابوس في أثناء النوم، والرواية مشتقة جزئيًا من رواية "مصاص الدماء" لجون بوليدوري (1819) ورواية "كارميلا" لشيريدان لي فانو (1871) التي تحكي عن مصاصة دماء مثلية. ومثلما لاقت ماري التشجيع جزئيًا من بايرون وزوجها الشاعر شيلي، كذلك وجد برام ستوكر -مدير أعمال مسرح ليسيوم- اﻹلهام من خلال خدمته الدؤوبة للممثل الشكسبيري العظيم هنري إرفنج، حيث تنعكس فكرة ظهور مصاص الدماء بمظهر الارستقراطي عذب اللسان -على غرار الكونت دراكولا- في مرآة أسلوب إرفنج المسرحي، وافتتانه باﻷشرار المسرحيين.

كان ستوكر ابن زمانه، مارس الكتابة في ظل مشهد ثقافي أدبي مُتَّقد ومهووس بقصص الجرائم واﻷشباح والرعب خلال نهاية القرن، وجميعها مغرقة في اﻷحاسيس والأخطار غير الاعتيادية، بدءًا من "هي" لرايدر هاجريد (1886)، مرورًا برواية "الحالة الغريبة لدكتور جيكل ومستر هايد" لستيفنسون (صدرت هي اﻷخرى في عام 1886)، وصولًا إلى رواية "صورة دوريان جراي" لوايلد (حلت في المركز السابع والعشرين في هذه القائمة)، وربما تشتمل أيضًا على "الكتاب اﻷصفر" ﻷوبري برادسلي. برز الخوف من المستقبل ضمن منابع القلق المعاصرة في رواية ستوكر، وبينما احتفل الفيكتوريون باﻹمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس في يوبيلين متعاقبين (اليوبيل الذهبي في عام 1887، والماسي في عام 1897)، استشعر كثير من القراء قلقًا حيال التهديدات اﻷجنبية -واﻷلمانية بدرجة متزايدة- لتناغم الحياة اﻹنجليزية. بعد عدة سنوات، تطور هذا القلق إلى رواج روايات اﻹثارة المتمحورة حول خطر الغزو، نذكر منها رواية "حرب العوالم" لهربرت جورج ويلز (1897)، ورواية إرسكين تشايلدرز الكلاسيكية "لغز الرمال" (1903)، واللتان اضطررت لاستبعادهما من هذه السلسلة بعد تفكير عميق.

يزاوج دراكولا بين ضروب أدبية عديدة، حيث حذا ستوكر حذو رواية "فرانكنشتاين" (وكذلك أعمال ويلكي كولينز) كي يروي قصته عبر فقرات مُجَمَّعة من اليوميات والرسائل وقصاصات الجرائد.. إلخ. بل إنه أيضًا وضع قصة زيارة جوناثان هاركر -أحد أبطال الرواية- إلى ترانسلفانيا في الحاضر (1893)، وسرعان ما يُنسى انتقال المِلكية الذي كان من المفترض أن يتفاوض هاركر بخصوصه بمجرد أن يتخذه الكونت سجينًا لديه، وحين يقع هاركر تحت تأثير سحر الشقيقات (عرائس دراكولا)، يبدو من المستحيل عليه النجاة بحياته، فيتساءل القارئ، ماذا سيحدث اﻵن؟

في الواقع، هذه الافتتاحية القوية هي مجرد مقدمة لمجموعة من التواءات الحبكة التي تزداد غرابة: وصول دراكولا إلى بريطانيا داخل تابوت، سعيه الشرير وراء مينا خطيبة هاركر وصديقتها لوسي، تدخُّل إبراهام فان هلسنج البروفيسور المُحتَفى به في مجال صيد مصاصي الدماء، ومعركة الذروة مع الكونت خارج قلعة دراكولا، مما يؤدي إلى اللحظة التي يتحول فيها الكونت النبيل إلى رماد. الحبكة عتيقة، وأسلوب ستوكر النثري متوهج -وفي الغالب ينطوي على إيروتيكا مثلية- ولكن تبقى دراكولا عملًا كلاسيكيًا في الثقافة الشعبية.

استفاد ستوكر بالتأكيد من أدب مصاصي الدماء المبكر، لكنه أيضًا كان أصيلًا بشدة، واعتمد على بحث دام أكثر من سبع سنوات من أجل استكمال قصته، وعلى أثر ذلك، تحولت ترانسلفانيا والبلقان إلى وجهتين يقصدهما كُتَّاب روايات التشويق اﻹنجليز من آمبلر إلى فلمنج. في هذه اﻷثناء، ما زالت "دراكولا" محتفظة بتأثيرها، والفضل يرجع في ذلك إلى السينما، رغم أن الكثيرين سخروا منها، إذ وصفها الناقد موريس ريتشاردسون بأنها عبارة عن «ضرب من مباريات الملاكمة التي يجتمع فيها جنس المحارم ومضاجعة الجثث والممارسات السادية الفموية-الشرجية». ما الذي لا يحبه في كل هذا؟

ملحوظة عن النص

ظهرت الطبعة اﻷولى من "دراكولا" في متاجر الكتب يوم 26 مايو 1897، بسعر ستة شلنات، بعدد نسخ بلغ ثلاثة آلاف نسخة، مغلفة بمجلد أصفر صرف، مع عنوان من كلمة واحدة بحروف حمراء بسيطة، وهذا في الحقيقة تعديل أُجري في اللحظات اﻷخيرة، إذ كان العنوان المبدئي الذي وضعه ستوكر لهذه الرواية حتى قبيل أسابيع قليلة من النشر هو "غير الميت".

كانت المراجعات النقدية اﻷولى لـ"دراكولا" جيدة في العموم، رغم بضعة تلميحات إلى السمعة السيئة اللاحقة التي طالت الرواية. أعلنت مجلة "ذا آثينيم" أن الرواية "تُقرأ في بعض اﻷحيان بوصفها سلسلة خالصة من اﻷحداث غير الاعتيادية التي تخالف التوقعات"، وفي "ديلي ميل" جرى تقييم برام ستوكر بما يفوق كل من ماري شيلي وإدجار آلن بو (في الترتيب العاشر في هذه القائمة). كتب آرثر كونان دويل إلى ستوكر كي يخبره: «استمتعت متعةً جَمَّة بقراءة دراكولا، وأظنها أفضل قصة قرأتها على مدار سنوات عديدة عن العوالم السفلية». تتصدر "دراكولا" اﻵن مرجعيات تشغل نطاقًا واسعًا، وتُصنَّف فيها الرواية تحت تصنيفات عديدة: أدب مصاصي الدماء، أدب الرعب القوطي، الجنسانية الفكتورية، الكتابات الكولونيالية، اﻹيروتيكا المثلية. غدت رائعة برام ستوكر مرآة اكتشف من خلالها قراء اﻷجيال التالية عددًا مهولًا من الخيالات الكامنة.

ربما أكثر تعليق يثلج الصدر ورد إلى أذنيّ ستوكر كان من والدته "شارلوت" في أيرلندا، إذ أخبرته أنه "لا يوجد كتاب يقترب من كتابك في أصالته أو رعبه منذ رواية فرانكنشتاين لماري شيلي، في الحقيقة لا يقترب منه أي كتاب على الإطلاق". لم يطل الوقت حتى تحولت رواية مصاص الدماء هذه إلى مادة خام ﻷعمال سينمائية هوليوودية متعاقبة (أبرزهم الفيلم المنتج في عام 1931 من بطولة بيلا لوجوسي) إذا اكتسبت سمعتها بوصفها المثال اﻷسمى في أدب الرعب.


[1] جاك السفاح ‏ هو الاسم الأشهر الذي أُطلق على قاتل متسلسل مجهول الهوية كان نشطًا في المناطق الفقيرة جدًا في منطقة وايت تشابل وحولها في لندن عام 1888، وقد نشأ هذا الاسم من رسالة كتبها شخص يَدَّعي أنه القاتل، ونُشرت الرسالة في وسائل الإعلام، ولكن يُعتقد بقوة أن هذه الرسالة كانت مجرد خدعة.