نرى هولمز في كامل بهائه مع حقن الكوكايين وأسلوبه الاستقصائي المُحتفى به ("كم مرة علي أن أقول لك، أنه فور استبعاد المستحيل، ما يتبقى حتمًا هي الحقيقة مهما كان يصعب تصديقها")
علامة الأربعة لآرثر كونان دويل
مقال: روبرت مكروم
نُشر في الجارديان، مايو 2014
ترجمة: سهام شاهين
في صيف 1889، زار مدير تحرير المجلة اﻷمريكية (ليبنكوت) مدينة لندن لتكليف بعض الكُتّاب الواعدين بتقديم أعمال أدبية جديدة. وفي الثلاثين من أغسطس، أقيمت مأدبة عشاء في فندق لانجهام بحضور أوسكار وايلد وآرثر كونان دويل من ضمن آخرين. كان العائد من ذاك الاجتماع عملين أدبيين غير مسبوقين: "دوريان جراي" ورواية جديدة لشيرلوك هولمز، سُميت في اﻷصل: "علامة اﻷربعة".
لا يوجد شك في مدى تأثير رواية "حجر القمر" (رقم 19 في هذه السلسلة) منذ لحظة دخول ماري مورستان، عميلة هولمز، إلى شارع بيكر، حيث اختفى والدها النقيب في الفوج العسكري الهندي، وتضيف لغزًا ثانيًا حين تقر أنها على مدار السنوات الماضية، وفي السابع من يوليو من كل عام، تلقت ست لآلئ عبر البريد من مصدر غير معلوم. لم يكن في مقدور ماري مورستان تقديم أي مساعدة للمحقق إلا دليلًا واحدًا: خريطة حصن عثرت عليها في مكتب أبيها تحتوي على أسماء ثلاثة أشخاص من طائفة السيخ باﻹضافة إلى اسم جوناثان سمول. و كان هذا بالطبع كافيًا.
ستشتمل الحكاية التي يفككها هولمز بانسيابية على عناصر هندية قوية بكل ما تحمله من رومانسية وغموض: العصيان الهندي في عام 1857، مجوهرات أجرا المسروقة وحبكة عن السيخ. في ظهوره الثاني على الإطلاق في رواية طويلة، نرى هولمز في كامل بهائه مع حقن الكوكايين وأسلوبه الاستقصائي المُحتفى به ("كم مرة علي أن أقول لك، أنه فور استبعاد المستحيل، ما يتبقى حتمًا هي الحقيقة مهما كان يصعب تصديقها") وهنا نسمع صوت سيد هذا النوع الأدبي دون لبس..
عثر كونان دويل على فكرة المحقق الفذ ورفيقه بارد اﻷعصاب (وهي تنويعة على نفس التيمة المعروفة في الأدب، والتي تأتي في شكل ثنائيات على غرار دون كيخوته وسانشو بانزا) من خلال رواية "دراسة في اللون القرمزي" (1888). أما في "علامة الأربعة"، يوطد دويل أكثر علاقة هولمز بواطسون، ويقع الدكتور الطيب (والراوي في الوقت ذاته) في حب ماري مورستان، ويعلن قائلًا: "الحب، يا له من شيء مدهش و رقيق". وفي النهاية يتزوجان.
تعتبر علامة الأربعة -حين النظر إليها كرواية عن جريمة- أدنى منزلة عن رواية "حجر القمر" بالرغم من بنائها الرائع واﻵسر، مع اكتمالها بالأسهم السامة، والتنازع على الإرث والمطاردة المثيرة بمحاذاة نهر الثيمز. كما تسجل أيضًا عودة "صبية شارع بيكر" وإحراز خطوة مهمة في تطور هولمز وواطسون، الثنائي الأدبي الأكثر نجاحًا وشهرة في عالم اﻷدب المنشور في المجلات الفيكتورية.
كان دويل كاتبًا دؤوبًا اعتاد اللعب مع كُتّاب آخرين، من ضمنهم الكاتب اليافع بي جي وودهاوس. أصبحا صديقين وفي نهاية المطاف منح وودهاوس تحية لمعلمه حين خلق ثنائي الأدب الإنجليزي الأبرز في سلسلة قصص جيفز وووستر..
ملاحظة على النص
في مذكراته، يصف كونان دويل كيف كُلِف لكتابة تلك القصة في أثناء مأدبة عشاء في فندق لانجلهام مع رئيس تحرير مجلة (ليبنكوت) جوزيف إم ستودارت في الثلاثين من أغسطس عام 1889، كانت فكرة ستودارت الأولى هي إنتاج نسخة إنجليزية لمجلته مع مساهمين إنجليز محليين. وفي النهاية أنجز دويل وحده باحترافية وكفاءة معتادة منه نسخته في الوقت المحدد لإصدارها في بريطانيا في فبراير 1890. في ظهورها الأول في المجلة، عنونت الرواية بـ(علامة أولئك اﻷربعة)، تبعًا لوصف علامة القاتل المميتة في القصة. لكن فيما بعد، وخلال النشر المتسلسل الثاني للرواية في عدد من الصحف اﻹقليمية أصبحت (علامة اﻷربعة) فقط.
وفي النهاية نُشرت رواية شيرلوك هولمز الثانية لكونان دويل في كتاب في أكتوبر 1890 من قبل الناشر سبينسر بلاكيت، ومرة أخرى بعنوان علامة اﻷربعة. تنوعت اﻹصدارات التالية لاحقًا بين العنوانين، لكن كانت الجملة ذات الكلمتين أكثر تداولًا. الجملة الفعلية المستخدمة في النسخة اﻷصلية كانت "علامة أولئك اﻷربعة" (جملة من ثلاث كلمات) لوصف العلامة في القصة.. مثل سابقتها، رواية "دراسة في اللون القرمزي" التي نشرت في عام 1888، لم تحقق علامة الأربعة نجاحًا في ليلة وضحاها. كانت قصص شيرلوك هولمز التي نُشرت في مجلة ستراند بعد عام 1890 هي ما حولت شيرلوك هولمز إلى أيقونة أدبية خالدة..
* الترجمة خاصة بـ Boring Books
** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها