كيف أستطيع عمل أي شيء من تلك الأشياء. أغلق عيني، أو أذهب إلى النوم، أو أثق في زوجتي، أو حتى أكون سعيدًا مرة أخرى!

تعسيلة ومائة ألف زهرة

قصتان لبوب ثوربر

ترجمة: محمد عبد الحليم غنيم

بوب ثوربر (Bob Thurber) كاتب أمريكي ولد عام 1955، درس وتمرس بالقص وكتابة القصة الومضة قبل أن ينشر أول عمل له من خمس سنوات، له أربع مجموعات من القصص القصيرة، أشهرها لا شيء سوى المتاعب، ورواية واحدة بعنوان صبي الصحف، يقيم بوب ثوربر في ولاية ماساتشوستس.


تعسيلة

الضوء الأصفر فوق الموقد صبغ الهواء باللون بالبرتقالي. وضعت دونا قلبي فوق المائدة وسكين اللحم في يدها. وفي سرعة أنزلت السكين وغطت كل شيء بمنشفة الأطباق. لكنني أعرف قلبي عندما أراه، أعرف قلبي حتى في الضوء المعتم. قالت: أنت سهران. 

- وكذلك أنت. ماذا نحن من اليوم؟

سحبت ساعة يدها من جيب روبها. 

- الرابعة من صباح الخميس، كنت سهرانة مع الطفلة. 

قلت: أوه.. لم أسمع.

خطوت إلى أحد جوانب المائدة وتحركت دونا معي. 

 قالت:  أعرف. كانت مبتلة، بل غارقة تمامًا في البلل، لذلك غيرت ملابسها وأطعمتها، ثم كرعتها، تناولت نصف زجاجة من اللبن. وها هي غارقة في النوم الآن، الحمد لله. يجب عليك العودة مرة أخرى إلى أرض الأحلام. 

- لماذا؟

- ما زال الوقت مبكرًا على الاستيقاظ. 

- أنت متيقظة. 

- فقط لأنني استيقظت، وليس ذلك باختياري. 

خطوت إلى الجانب الآخر من المائدة وانتقلت دونا معي، وضعت ساعة يدها في جيبها. 

- هيا اخطف لك تعسيلة، أنت تبدو مروعًا. 

- أنا؟

أومأت برأسها في حماس شديد. تساءلت إذا ما كانت قد تناولت قهوة. فكرت في صنع بعض القهوة، وبدء يومي. 

- ما الذي لديك هناك؟

لعبت حاجبيها، وقالت: أين؟

- على المائدة. 

قالت: أعد لك طعام الغداء.

- غدائي أنا؟

- ليس لأنك فقط تعمل في مطعم يعني أن عليك أن تتناول طعامك هناك. الآن هيا اذهب. 

 ثم أضافت: سأعود لك حالًا بمجرد الانتهاء من التنظيف هنا. 

لم أتحرك ولم تتحرك هي أيضًا.. في الغرفة المجاورة أثارت الطفلة ضجيجًا، سعلة قوية مثل نعيق بومة آتيا من بعيد. تطلعت إلى المائدة، إلى الكتلة التي شكلها قلبي في المنشفة. 

- سأقوم بإعداد القهوة، هل تريدين قليلًا؟

- أوه! أنت لا تريد أن تفعل ذلك. ثق بي. 

 ثم أضافت: ستكون أكثر الرجال سعادة بدون قهوة، مع بضع ساعات من النوم. 

لكنني لم أفهم إذا ما كان ذلك ممكنًا، كيف أستطيع عمل أي شيء من تلك الأشياء. أغلق عيني، أو أذهب إلى النوم، أو أثق في زوجتي، أو حتى أكون سعيدًا مرة أخرى!


مائة ألف زهرة

بدا الطائر أو ما تبقى منه مثل قيق أزرق أو ربما غراب صغير، كانت الجثة تعج بالذباب، جزء من الصدر قد أكل بعيدًا من قبل قطة وحشية في ظني؛ كان الريش في كل مكان، وكان الجرح في صدر الطائر يسيل باليرقات. حملت حفيدتي وقلت: انظري إلى كل هذه الزهور الجميلة. 

ثم تحركنا نحو قطعة من الأعشاب. 

كانت في الرابعة وتزحف نحو الخامسة، أمسكت بركبتني وهي تنظر إلى الخلف.

- هل رأيت الطائر يا بوبا؟ 

نادتني بـ بوبا بدلًا من الجد، فلطالما كانت تناديني دائًما بوبا، قلت: نعم، رأيته. 

رفعتها إلى أعلى حتى أصبح رأسها فوق رأسي، فردت ذراعيها كجناحى طائر، وارتطم صدرها بأذني ونحن نسير.

- هل ستموت يا بوبا؟ 

قلت: نعم، سأموت، لكن ليس اليوم على ما أعتقد. 

أردت أن أجعلها تطير، كما كنت أفعل، من خلال الإمساك بها أفقيًا والدوران بها، لكنها ثقيلة الوزن الآن، وفي السادسة والخمسين لم أعد قوي الظهر والذراعين، قلت وأنا أمرجحها إلى أعلى وإلى أسفل: ومع ذلك آمل ألا يكون ذلك بعد وقت طويل.

قالت وقدماها تلامسان الأرض: متى؟ 

قلت وأنا أشير إلى رقعة من شجيرات الخردل المزهرة: انظري إلى هذه، ينبغي أن نقطف بعضًا منها. 

قالت: متى؟ 

قلت: الآن. ينبغي أن نختار مائة منها. 

وأضفت وأنا أمسك بركبتي وأنحني آخذًا نفسي: لا. مائة ألف. ويمكن أن نعود إلى المنزل. 

قالت: بوبا، متى ستموت؟ 

قبضت على قاعدة الساق وقطفت مجموعة من الزهور.

- لا أعرف. أنت لا تعرفين أبدًا متى يحدث مثل هذا الشيء. 

قلت هذا وأنا أتظاهر بالتهام الزهور.

صرخت: لا.. ستمرض.

- أوه.. حسنًا.

- لا يمكن أن نأكل الزهور يا بوبا. 

أظهرت وجهًا حزينًا شديد العبوس في سعادة مضطربة، فقالت وهي تميل للأمام: لكن لا بأس أن نشم عبيرها.

استقمت، ووقفت بجانبها، كان ثمة نحل طنان يتردد في المكان وعائلة من القطط الوحشية ينبغي الحذر منها. كانت الشمس وراءنا، وظلانا طويلان، كان ظلها يقارب ظل امرأة ناضجة، وظلي.. حسنًا، ظلي وصل إلى ما لا نهاية.


* الترجمة خاصة بـ Boring Books

** يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه