هذه الرواية عمل أدبي بوليسي كلاسيكي، لكن روعته ترتكز في خصائصه الروائية.

حجر القمر لويلكي كولنز

مقال: روبرت مكروم

نُشر في الجارديان، يناير 2014

ترجمة: خديجة يوسف


ويلكي كولنز، عن thoughco

تعد حجر القمر أم الحكايات الكلاسيكية البوليسية الإنجليزية ونصها المؤسس. يزعم ت. س. إليوت بأن هذا الصنف الأدبي «قد ابتكره كولنز، وليس بو»، ورأى أن هذا العمل هو «الأول والأطول والأفضل بين الروايات البوليسية الإنجليزية الحديثة». تتفق دوروثي ل. سايرز، وهي من ملكات أدب الجريمة بين عامي 1930 و1940، مع إليوت، وتصرح بأن أعمال كولنز ربما تكون أفضل القصص البوليسية على الإطلاق. إن تأثير أعمال كولنز امتد ليشكل أعمال كتاب الجريمة الكبار مثل ب. د. جيمس.

من المؤكد أن كولنز اتبع بحرص قواعد الأعمال البوليسية؛ بيت ريفي إنجليزي تقع فيه جريمة غامضة، وأصابع الاتهام موجهة لعدد كبير من الأشخاص، وكل منهم لديه الدوافع الكافية والوسيلة والفرصة للقيام بتلك الجريمة، ثم رجل شرطة غير كفء يُستبدل أخيرًا بمحقق مشهور، يصل لاستنتاج يحل لغز القضية بعد جمع المعلومات والتحليل العبقري للأدلة. أخيرًا تُحل العقدة في لحظة حافلة بالدهشة والحماس، حلًا منطقيًا. كل هذا وأكثر موجود في حجر القمر، وببراعة شديدة.

تكمن عبقرية كولنز في اعتماده على قصة سرقة جوهرة سلطان التيبو (حجر القمر)، بعد سقوط مدينة سيرنجباتام، وكل تفصيلة في الحبكة ترتبط بالأحداث الدرامية لاستعمار الهند، إذ سرعان ما ستعلن الملكة فكتوريا نفسها إمبراطورة على هذه المنطقة. أسهم الحضور الهندي في إضفاء طابع الغموض الشيطاني المميز لصورة الشرق على الرواية. بعد إهداء حجر القمر إلى سيدة إنجليزية يافعة في منتصف القرن، هي ريتشل فيريندر، في عيد مولدها الثامن عشر، يختفي الحجر بصورة غامضة، وبعد جريمة قتل وزواج ومجهود كبير يعود أخيرًا لموطنه في الهند.

هذه الرواية عمل أدبي بوليسي كلاسيكي، لكن روعته ترتكز في خصائصه الروائية. يشير كولنز إلى ما يطمح له في هذا الكتاب في مقدمة الطبعة الأولى: «في بعض رواياتي السابقة كان عملي يأخذ مسار تتبع تأثير مجريات الأحداث على الشخصيات. أما في هذا العمل فلقد قمت بعكس العملية». التفاعل الآسر بين الشخصيات (ريتشل فيريندر والخادمة الحدباء روزانا سبيرمان والمحقق البارع الرقيب كاف وقريب ريتشل الذكي فرانكلن بليك) سيشد القراء. إن قصة حب روزانا المأساوية للمغامر فرانكلين بليك من أكثر قصص الحب الحزينة والفاشلة إيلامًا في الأدب الفيكتوري. وشخصية كاف المدهشة والغريبة والتي استوحاها كولنز من محقق البلاط الأسكتلندي ويتشر هي شخصية أساسية في كشف غموض الأحداث سيُغرم بها أكثرية القراء.

ثاني العوامل المحورية لشهرة حجر القمر واستمرارية نجاحها ليس الحبكة البوليسية، بل أسلوب السرد. هنا يكمن استثمار كولنز لموهبته من وجهة نظر الراوي. في هذه السلسلة سبق واستعرضنا أهمية الأدب الرسائلي (كلاريسا، رقم 4، وفرانكشتاين، رقم 8). يستخدم كولنز أولًا جبريال بيتيرايدج الثرثار، ثم الآنسة كلاك المتطفلة، والمحامي ماثيو براف، ومدمن الأفيون إزرا جيننجز. محصلة أدوار هؤلاء الرواة تمكن كولنز من استخدام أصوات متعددة لتنويع النبرة والوتيرة لحبكة معقدة، لكن غير مستحيلة.

القول الأخير في رائعة كولنز أنها الاتحاد الخلاق للحساسية الأدبية بالواقعية، أو هي عمل كلاسيكي باختصار.

ملاحظة على النص:

نُشرت حجر القمر أول مرة مسلسلة بتحرير تشارلز ديكنز، الذي كان صديقًا مقربًا لكولنز، في مجلته «All the Year Round»، في الفترة بين 4 يناير و8 أغسطس 1868. بعد ذلك نشرها الأخوان تنسلي في شارع كاثرين في حديقة كوفينت، في ثلاثة مجلدات بأغلفة سميكة في 16 يوليو 1868. نُشرت نسخة ثانية مدققة في عام 1871، وفي عام 1877 عُرضت الرواية على المسرح واستمر ذلك لشهرين كاملين.

لاحقًا أُنتج العديد من الأفلام والبرامج الإذاعية والتلفزيونية اعتمادًا على الرواية. في عام 1943 تحولت حجر القمر لفيلم أمريكي حاز رضا النقاد. في عام 1959 أنتجت البي بي سي سلسلة تلفزيونية اعتمادًا على الرواية، وفي عام 1972 أعيد إنتاجها لبريطانيا والولايات المتحدة. في عام 1996 أنتجتها البي بي سي مرة أخرى في المملكة المتحدة، وأدى جريج وايز دور فرانكلين بليك، فيما أدت كيلي هاوز دور ريتشل فيريندر. تستمر حجر القمر في اكتساب شهرتها باعتبارها النص المؤسس للقصة البوليسية الإنجليزية الكلاسيكية.


* الترجمة خاصة بـ Boring Books

** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها