كلاريسا بطلة تراجيدية، أجبرتها أسرتها المستغلة من محدثي النعمة على الزواج من رجل غني تكرهه، ولكنها سرعان ما تُعرّض نفسها لمصير أسوأ حين تقع في أحابيل روبرت لافليس

كلاريسا لصامويل ريتشاردسون

مقال: روبرت مكروم

ترجمة: أسماء السكوتي

نُشر في الجارديان، أكتوبر 2013


كلاريسا، عن الجارديان

إن العلامة الأدبية التالية، بعد روايتي «رحلة الحاج» و«روبنسون كروزو»، هي الأثر العملاق الذي يتجاوز التسعمائة وسبعين ألف كلمة: كلاريسا، أطول كلاسيكيات اللغة الانجليزية. من حين لآخر، تطرأ محاولات لتجاوز طولها القياسي، وآخر هؤلاء رواية فيكرام سيث «فتًى مناسب»، ورواية ديفيد فوستر والاس «دعابة لا نهائية»، ومع ذلك، تظل رواية ريتشاردسون عن تاريخ الفتاة الشابة إنجازًا مدهشًا.

في نظر صامويل جونسون، كلاريسا بكل بساطة هو «الكتاب الأول في العالم من حيث المعرفة التي يظهرها بشؤون القلب الإنساني». ويتفق معظم النقاد على أنها واحدة من أعظم الروايات الأوروبية التي يمتد أثرها طويلًا. قرأت كلاريسا أول مرة حين كنت في فرنسا؛ في نسخة مذهبة من عدة أجزاء، وجدتها في المنزل الذي نزلت فيه، حيث لم يوجد أي كتاب بالإنجليزية سواها. هكذا بدأت قراءتها وأنا جاهل تمامًا بقدرها وأهميتها. ربما كانت تلك أحسن طريقة للاقتراب من نص كلاسيكي، بجهل. فسرعان ما انجرفت في مجرى الرواية الدرامي والمندفع متابعًا قدر كلاريسا هارلو. إنها حكاية في بساطة الأساطير.

كلاريسا بطلة تراجيدية، أجبرتها أسرتها المستغلة من محدثي النعمة على الزواج من رجل غني تكرهه، ولكنها سرعان ما تُعرّض نفسها لمصير أسوأ حين تقع في أحابيل روبرت لافليس، الوسيم المحتال الذي يقنعها بالهرب من مخططات أسرتها، لتجعل نفسها تحت رحمة واحد من أكثر أشرار الأدب الإنجليزي جاذبية. ومن ثمَّ، تكمن سحرية الرواية في الكيفية التي يثير بها العشاق خيال القارئ على غرار الكثير من نصوص أدبنا؛ ومثال ذلك «روميو وجولييت». من هنا قد نفهم حكم د. جونسون الشهير الذي  يقتبسه بوزويل: «لو أنك يا سيدي قرأت رواية ريتشاردسون بحثًا عن الحكاية وحدها.. فلن تنتهي إلا بشنق نفسك.. يجب أن تقرأها بحثًا عن المشاعر».

لا تتجلى عبقرية ريتشاردسون السردية فقط في توظيفه المبتكر لآلية التراسل التخييلية، ذلك أن الرواية تُحكى من خلال شبكة معقدة من الرسائل، لكن كذلك في الدقة التي يعرّي بها انجذاب كلاريسا المأساوي والسوداوي للافليس، وقدرتها العجيبة على تمويه ذاتها فيما يخص مسائل الجنس، وانجذابها إلى حبيبها دون أدنى مقاومة. وبذلك تتكثف سحرية النص في تصويره لدفاع البطلة عن طهارتها بعنف تلوثه رغبتها المشتعلة التي تصر على إنكارها.

تمثل كلاريسا هارلو معيارًا ذهبيًا لبطلات الرواية الانجليزية؛ فهي جميلة وذكية وذات مبادئ عالية وحازمة وفخورة وذات حس إنساني عميق. ولو أتيح لناقد ماركسي أن يقرأها لوصفها بأنها من صميم الطبقة الوسطى. تتمثل مأساتها في كونها ضحية لرجل سجنها، ثم خدرها، وانتهى باغتصابها. إلا أن لافليس لا يقل عنها ازدواجًا، ذلك أن رسائله «المشدودة إلى اللحظة»، حسب وصفه، مدهشة، ولكن سلوكياته مفرطة في شرها. قد يعتبر  القراء المحدثون أن معاملته لكلاريسا شديدة الوحشية، ومع ذلك، وبقدر من المبالغة، ربما كانت شخصيته مع لمسة من اللطف والإنسانية هي ما ألهم شخصية مثل السيد دارسي في «كبرياء وتحامل».

ظهرت الأجزاء الأولى من الرواية بين عامي 1747 و1748، وما لبثت أن تحولت بسرعة إلى طقس قرائي بين صفوف القراء الجدد في إنجلترا. وبالصدفة وحدها، تبع «تاريخ فتاة شابة» في السنة التالية «تاريخ.. لقيط»، لمنافس ريتشاردسون هنري فيلدينج، وهي الرواية التي ستشتهر أكثر فيما بعد بعنوان «توم جونز». في مدة سنة واحدة كانت الرواية الإنجليزية قد بلغت نضجها التام. هكذا، ولقرون تالية، سيحاول الكتاب الإنجليز اكتشاف المساحات الخيالية التي خططها ريتشاردسون وفيلدينج؛ مؤسسا الرواية الحديثة.

ملحوظة على النص

كان ريتشاردسون مشهورًا في منتصف القرن الثامن عشر في لندن كصاحب مطبعة محترف وناجح في ميدان «سالزبوري»، غير بعيد عن شارع «فليت». بدأ ينشر مخطوط روايته الجديدة بين أصدقائه منذ 1744 و1745، ولم ينشر نسختها الأولى رسميًا إلا في بداية ديسمبر 1747، حيث جاءت في جزئين وطُبعت في متجره الخاص. ويخبرنا الغلاف أن محرر باميلا هو نفسه من نشر كلاريسا، من دون اي إحالة إلى ريتشاردسون، وهو ما جرت العادة عليه وقتئذ. استمر ريتشاردسون في تهذيب نصه، كمراجع عتيد لكن «مختصِر أقل جودة»، إلى أن ظهرت نسخة ثانية سنة 1749، وبعدها نسخة مراجعة بالكامل سنة 1751، وأخيرًا نسخة رابعة سنة 1759 اعتمدت عليها النسخ الحديثة.


* الترجمة خاصة بـ Boring Books

** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها