اختار الصحفي والناقد الإنجليزي روبرت مَكروم قائمتين لأفضل مائة عمل سردي وأفضل مائة عمل غير سردي باللغة الإنجليزية، وكتب مقالًا يخص كل عمل منهم. نترجم في هذه السلسلة بعض هذه المقالات.

في انتظار جودو لصمويل بيكيت (1952-1953)

مقال لروبرت مكروم

نُشر بموقع الجارديان 15 أغسطس 2016

ترجمة: أمير زكي

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه


«في انتظار جودو» ليست مجرد مسرحية من فصلين، «لا يحدث فيها شيء مرتين» كما قال أحدهم عنها، بل كانت ثورة مسرحية، كانت بداية مسرح العبث. لم تكتفِ هذه الدراما المميزة بتحقيق تأثير عميق على مخيلة ما بعد الحرب، إلى جانب بعض الأعمال الشعرية الأساسية الأخرى (انظر رسائل عيد الميلاد لتيد هيوز وآرييل لسيلفيا بلاث)، ولكنها قدمت استعارة للوجود. يمكن الجدل بأن الأعمال المسرحية والشعرية العظيمة المذكورة في هذه السلسلة تتجاوز نوعيهما الأدبيين للإسهام بشكل ملموس في تحديد معنى «ما نحن عليه»، وهو المبدأ الذي يقود هذه القائمة. (سوف أعود إلى هذا السؤال المثير للخلاف عما يعنيه حقًا اللانوع في الأعمال غير القصصية. لأن هنا بالطبع تبدأ المشكلات. الأعمال القصصية نوع أدبي، أما الأعمال غير القصصية فهي توافُق مكتبي، إنها ذات تعريف مشوش، ومع اكتمال هذه السلسلة سنحظى بفكرة أفضل عن العناصر المكونة لها).

هكذا، منذ اللحظة التي يعتلي فيه فلاديمير وإستراجون خشبة المسرح الفارغة، الخالية من أي شيء سوى شجرة جرداء، وينطقان الجملة الافتتاحية الشهيرة: «لا شيء يمكن فعله»، ينغمس الجمهور في عالم تصبح فيه فكرة الضجر استعارة ممتدة عن طبيعة الوجود، في «مأساة كوميدية» (بحسب وصف المؤلف) ممتعة بشكل غريب ومثيرة في النهاية، يدعمها صعلوكان يرتديان ملابس الفودفيل، بالإضافة إلى «السيد جودو» الغائب دائمًا.

بالتأكيد كان مؤلف «في انتظار جودو» عضوًا في الحركة الطليعية الأوروبية، ولكن لم يكن من المرجح أن يكون مبتكرًا مسرحيًا. لم يكتب بيكيت للمسرح من قبل. ولد في يوم الجمعة العظيمة عام 1906، وانتقل إلى باريس شابًا ليجلس تحت قدمي جيمس جويس، وصار سكرتيره وكاتبه لوقت قصير.

في فترة ما بين الحربين، طوَّر بيكيت عبقريته الأدبية في ظل الحداثة، وكان قريبًا من موطنه الأدبي، أي أعمال «يوليسيس» و«يقظة فينيجان». رُفضت روايته الأولى «مورفي» في العديد من المرات، قبل أن تُنشر في النهاية في عام 1938، وللمصادفة كان العام نفسه الذي نُشرت فيه رواية «سبق صحفي» لإيفيلين ووه، و«أخلاق آل ووستر» لبي جي وودهاوس. تبدأ بجملة مغتربة رائعة – «أشرقت الشمس، لا يوجد لديها بديل آخر، على لا شيء جديد» – أربكت الرواية العديد من النقاد، ولكن امتدحها ديلان توماس، وكانت مبيعاتها ضعيفة للغاية.

ثم اندلعت الحرب، واجتاحت دبابات البانزر النازية شوارع باريس. هرب بيكيت جنوبًا وعاش في فترة من الحرب أشبه بمتشرد بالقرب من مقاطعة روسيون ومن حولها، ومن الممكن أن يكون قد شارك في القتال إلى جانب المقاومة. بالعودة إلى باريس بعد التحرير في عام 1944، نشر ثلاثية رائعة (مولوي، ومالون يموت، واللامسمى) التي أضفت عليه سمعة متواضعة على أنه كاتب مثير للإعجاب بين الكُتاب، ينتمي للمدرسة الطليعية مع بديهة ملتوية.

كتب «في انتظار جودو» بالفرنسية، وعُرضت لأول مرة في باريس في مسرح دي بابيلون في 5 يناير عام 1953 (انظر الملاحظات التاريخية نهاية المقال). يوجد في التاريخ المسجل ما يعارض وجهة النظر الشائعة التي تقول بأنها فشلت. تؤكد السيرتان الذاتيتان اللتان كتبهما جيمس نولسون ودييدره بير «ملعون بالشهرة» (1996) و«صمويل بيكيت: سيرة» (1978)، بأن المسرحية حققت نجاحًا لا بأس به، وحظت ببعض المراجعات النقدية الإيجابية، رغم أنها أنتُجت بميزانية محدودة واختير الممثلون سريعًا.

عَبَر نص المسرحية، الذي ترجمه بيكيت بنفسه إلى الإنجليزية في هذا التوقيت، القناة (الإنجليزية)، ووُضع على مكتب المخرج الشاب بيتر هول، الذي اعترف أنه لم تكن لديه «أدنى فكرة» عما تعنيه المسرحية، وعرضها على مسرح الفنون في لندن في أغسطس عام 1955. بعدها مباشرة، امتدح المسرحية أكثر ناقدين مؤثرين في لندن كينيث تينان (الأوبزرفر) وهارولد هوبسون (سانداي تايمز) واعتبراها عملًا بارزًا.

 في خلال عقد واحد، رسخ بيكيت نفسه كأكثر الكتاب المسرحيين راديكالية وأهمية في اللغة الإنجليزية في القرن العشرين، صار أحد الآباء المؤسسين لمسرح العبث. في النهاية، سوف يؤثر عمله بعمق في أعمال هارولد بنتر، وتوم ستوبارد، وديفيد ماميت، وسام شيبارد، والعديد من الآخرين.

أحداث «في انتظار جودو» كئيبة ووجودية، ولكن الشخصيتين الرئيسيتين «ديدي» و«جوجو» تعبِّران عن طاقة مهووسة وتنطقان بحوار يتسم بالتناغم المرح، ملتصق بلحظات من الصمت العميق والمفعم بالأصداء، بحيث يمكن أن يختبر الجمهور حس التفاؤل، بل والبهجة عادة. التقط البعض أن الحوار أقرب لحس لوريل وهاردي من حس كافكا:

«فلاديمير: لا أفهم.

إستراجون: استعن بذكائك، ألا يمكنك ذلك؟

فلاديمير يستعين بذكائه.

فلاديمير: (في النهاية) ما زلت لا أفهم».

بشكل موحِ، تُقر شخصياته بكونهم جزءًا من وهم الفعل الذي يتكشف أمامنا:

«إستراجون: نحن دومًا نجد شيئًا يعطينا انطباعًا بأننا موجودان، أليس كذلك يا ديدي؟

فلاديمير: بلى، بلى، نحن ساحران».

يبهج الصعلوكان بعضهما، والجمهور أيضًا، مستغلين مأزقهما:

«إستراجون: لا يمكنني الاستمرار بهذه الطريقة.

فلاديمير: هذا ما تعتقده».

يمر الزمن المتباطئ خفيفًا وثقيلًا. في بعض الأحيان يصير الانتظار طويلًا جدًا. يوتسو، الذي يصاب بالعمى وسط ما يحدث، لا يتمكن من احتمال الأمر أكثر من ذلك:

«بوتسو: (ينفجر غضبًا فجأة). ألا تكتفي بتعذيبي بزمنك اللعين! هذا مقرف! متى! متى! يومًا ما، أليس هذا كافيًا بالنسبة لك، يومًا ما صار أخرس، يومًا ما صرت أعمى، يومًا ما سنصاب بالصمم، ولدنا يومًا ما، وسنموت يومًا ما، اليوم نفسه، والثانية نفسه، ألا يكفيك هذا؟ (أهدأ) إنهن يلدوننا على حافة المقبرة، يومض الضوء للحظة، ثم يحل الليل مجددًا».

لاحقًا، وعند نهاية الفصل الثاني، يلتقط فلاديمير، المتأمل الأكبر بين الصعلوكين، هذا الخطاب، ثم يلعب بفقرة أخرى تحمل الحس الجمالي العظيم الموجود لدى بيكيت:

«على حافة المقبرة، وولادة صعبة. داخل الحفرة، يمسك حافر القبور، متباطئًا، ملقط الولادة. لدينا الوقت لنتقدم في العمر. الهواء مفعم بصرخاتنا. (ينصت) ولكن العادة هي المُميت العظيم».

لدى بيكيت، الحياة المختبرة هي بداية التجربة البشرية ونهايتها:

«فلاديمير: ما الذي يقولونه؟

إستراجون: يتحدثون عن حياتهم

فلاديمير: كونهم عاشوا لم يكن كافيًا بالنسبة لهم

إستراجون: عليهم أن يتحدثوا عن ذلك».

خضعت «في انتظار جودو» للجدل لأكثر من 60 عامًا. كان جودو المخادع نفسه، تحديدًا، موضوع تخمينات مكثفة، وكثيرًا ما كانت جنونية. لم يعدّ بيكيت نفسه للحديث عن «المعنى». في السيرة المثيرة للجدل المكتوبة عنه والتي كتبتها دييدره بير، اقتبست عنه أنه قال إنه سيكون «من الحمق أن أتظاهر بأنني غير واع بالمعاني المرتبطة بكلمة (جودو)»، وكان رأي العديد من الناس أنها تعني (الإله). ولكنه كان مصرًا على «أنني كتبت المسرحية بالفرنسية، وإذا كان يوجد معنى في ذهني، فقد كان في مكان ما في لا وعيي لم أكن على دراية به بشكل واضح».

ومن أجل هذا التخمين، كانت لدى بيكيت إجابة، في واحدة من خطابات فلاديمير:

«فلاديمير: دعنا لا نضيع الوقت في الخطاب الكسول! (صمت. بحماس) دعنا نفعل شيئًا، طالما نحظى بالفرصة! لا يحتاجنا الناس في كل يوم. ليس في الحقيقة أن الناس يحتاجوننا شخصيًا. يمكن للآخرين أن يتعاملوا مع الموقف بالقدر نفسه من الكفاءة، إن لم يكن أفضل. إنهما يخاطبان البشرية كلها، تلك الصرخات الملتمسة المساعدة ما زالت تتردد في آذاننا! ولكن في هذا المكان، في هذه اللحظة من الزمن، البشرية كلها هي نحن، سواء أحببنا ذلك أو لا. دعنا نستغل ذلك أفضل استغلال، قبل أن يتأخر الوقت! دعنا نمثل باستحقاق، لمرة واحدة، النسل الخاطئ الذي نسبنا إليه القدر القاسي! ما رأيك؟ (لم يقل إستراجون شيئًا). من الصحيح أنه حين نحسب الإيجابيات والسلبيات بيدين معقودتين، لسنا نضيف بأي شكل إلى خليقتنا. يثب النمر لمساعدة بني جنسه بدون أقل تفكير، خلاف ذلك كان ليتسلل خارجًا إلى أعماق الغابة. ولكن هذا ليس السؤال. ما نفعله هنا، هذا هو السؤال، نحن مباركان بسبب هذا، أي أنه صودف أننا نعرف الإجابة. نعم، شيء واحد واضح وسط هذا الارتباك الهائل. نحن ننتظر مجيء جودو...».

وبالطبع لم يحدث شيء من هذا مع نهاية الفصل الثاني، مع عدم وجود أي أثر لجودو.

«فلاديمير: حسنًا؟ هل ينبغي علينا أن نغادر؟

إستراجون: نعم، لنغادر.

لا يتحركان»

جملة أساسية

«متى! يومًا ما، أليس هذا كافيًا بالنسبة لك، يومًا ما صار أخرس، يومًا ما صرت أعمى، يومًا ما سنصاب بالصمم، ولدنا يومًا ما، وسنموت يومًا ما، اليوم نفسه، والثانية نفسها، ألا يكفيك هذا؟»

ثلاثة نصوص للمقارنة

صمويل بيكيت: لعبة النهاية (1957)

هارولد بنتر: حارس العقار (1960)

توم ستوبارد: مات روزنكرانتس وجولدنسترن (1966)

ملاحظات تاريخية

ألف بيكيت النص الأصلي بين أكتوبر عام 1948 ويناير عام 1949. في 17 فبراير عام 1952، أُديَت نسخة مختصرة من المسرحية في ستوديو تسجيل بباريس وأذيعت في الراديو الفرنسي. أرسل بيكيت مقدمة قصيرة اعترف فيها قائلًا: «لا أعرف من هو جودو»، ولكنه لم يظهر لمتابعة العرض. صدرت النسخة الفرنسية (عن دار نشر مينوي) في 17 أكتوبر عام 1952 قبل العرض المسرحي الكامل الأول. عُرضت نسخة بيكيت الفرنسية لأول مرة في 5 يناير عام 1952 في مسرح بابيلون بباريس. نشرت دار نشر جروف (الولايات المتحدة) ترجمة بيكيت الإنجليزية لمسرحيته في عام 1954. عُرضت «في انتظار جودو» باللغة الإنجليزية لأول مرة في لندن عام 1955 بمسرح الفنون، بعدها نشرتها دار نشر فيبر آند فيبر في بريطانيا عام 1956.