تحاور الرقاب: تحليل نفسي لأردية العنق

ريتشارد بوثبي

ترجمة: طارق عثمان

ريتشارد بوثبي: أستاذ الفلسفة والتحليل النفسي بجامعة لويولا Loyola بالولايات المتحدة.

هذا النص مُقتَبس من الفصل الأول من كتاب «Sex on the couch»، روتليدج 2005، لريتشارد بوثبي Richard Boothby، من صفحة رقم 3 إلى صفحة رقم 17. والعنوان من وضع المترجم.

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه


لوحة ابن الإنسان لرينيه ماجريت، عن mental floss

رغم أن الهجمات على فرويد وإرثه قد شُنَّتْ من اتجاهات عِدة، إلا أنه ليس ثمة شيء في التحليل النفسي قد أثار نقدًا أشد حِدة وأكثر استمرارية من النقد الذي أثاره تناول فرويد لمسألة الجندر. فهنا أكثر من أي موضع آخر، يقولون لنا، كان فرويد مُغمَّى بثقافة فيينا الفيكتورية المتحيزة جنسيّا. ولا يساورنا أدنى شك في أن محل النزاع، لو جاز لنا القول، قد كان دومًا هو القضيب (الفالوس).[1] فتشديد فرويد على مركزية القضيب في اللاوعي[2] كان على الدوام بمثابة فضيحة، ومدعاة للخزي. لقد أسفر عن خلافات مريرة إبان حياة فرويد، لكن حتى بعد موته، لم تُدفَن المسألة معه ببساطة ويطوى أمرها بهدوء. فحديثًا، أُضرِمتْ نارُ الخلاف مرة أخرى على يد أتباع جاك لاكان، الذي يعتبر الفالوس هو الدال ذا الحظوة، العنصر الأساسي في طريقة عمل اللاوعي. فمع لاكان، بدا أن السؤال الفرويدي القديم ــ «ماذا تريد المرأة بالضبط؟» ــ قد أضحى أكثر استفزازًا وإثارة للغضب من أي وقت مضى.[3]

وفي وسط كل هذا الغضب والاهتياج القضيبي، سيكون من المفيد، ومن الطريف والمسلي جدًا فوق ذلك، أن ننظر في المسألة، كرة أخرى، من خلال التركيز على مثالٍ جلي على نحو ملائم للغاية: ربطة العنق.[4] هل يمكن لهذا المكون شبه الإلزامي من اللباس الرسمي للرجل الحديث أن يكون قضيبًا؟ هل يمكن للدليل على وجود الرمزيَّة القضيبية أن يكون واضحًا على هذا النحو الساطع؟ أكان مُعلَّقًا أمام أنظارنا كل هذا الوقت دون أن نراه؟

قدر يسير من التدبر من شأنه أن يبين لنا أن ربطة العنق قضيبية دونما شك، لكن الواقع أن ثمة ما هو أكثر من ذلك فيها. فربطة العنق هي عنصر مركزي في نظام معقد من التواصل الصامت (بين الرجل والمرأة)، هي المفتاح إلى معجم غير لفظي مُحكم بشكل مذهل للتعبير عن الجندر وللإشارة إليه. ربطة العنق هي المحور الذي يدور حوله الكود (العُرْف) المعاصر لأردية العنق.[5] ولكي نرى كيف أن ذلك كذلك، سيتعين علينا أن نستعير بعض الأدوات من السميائيات.

مُد عنقك

إن ربطة العنق تحاكي بلغة الموضة ما يميز الذكر من حيث التكوين الجسدي

المفهوم السيميائي الأول الذي سيكون عونًا لنا هو مفهوم الأيقونيّة.[6] فعلى خلاف معظم العلامات اللفظية، التي ترتبط بما تدل عليه عن طريق المواضعة والاصطلاح فحسب، تشبه العلامات الأيقونية ما تدل عليه بشكل واضح للعيان. وبالتالي لو أن ربطة العنق هي رمز قضيبي، فإن ذلك يعود إلى أن هذه الشريطة الحريرية التي تتدلى من العنق تشبه القضيب في شكلها. وموضع ربطات العنق ــ معلقة على طول الخط الذي يشطر الجسد إلى شطرين ــ لا يفيد سوى إبراز محاكاتها الأيقونية هذه للعضو الذكري الموجود على نفس الخط، في منتصف الجسد.

هذه الأيقونية القضيبية لربطة العنق تفسر السمة الأكثر وضوحًا لكود أردية العنق: ربطة العنق لا يرتديها إلا الرجال على نحو يكاد يكون حصريًا. إن ربطة العنق تحاكي بلغة الموضة ما يميز الذكر من حيث التكوين الجسدي: القضيب. وأيضًا تمكننا هذه الأيقونية القضيبية من أن نتعرف على ربطة العنق بصفتها الوريث الثيابي لأيقونة قضيبية أخرى كان لها شأنها في عالم الموضة الغابر: السيف. فتقاليد اللباس كانت ولردح من الزمن تتطلب من الرجل ذي المكانة والمسؤولية أن يحمل معه عصا ضخمة. وفي الحقبة الحديثة المبكرة، حيث لم يعد يُستخدَم كسلاح، ظل السيف جزءًا هامًا من زي الرجل الأنيق. فبالنسبة لرجل في كامل حُلَّته يحضر مناسبةً رسمية، تقلُّد السيف يضفي عليه هذا الشيء المخصوص الذي يرفعه إلى مكانة أعلى من عوام الرعية. أما أولئك الذين يجدون في اعتبار السيف رمزًا قضيبيًا ضربًا من التكلُّف، فليس عليهم إلا أن يستحضروا المقابل اللاتيني لكلمة «قِراب» (غِمد) السيف: vagina، أي مِهبل.

لا تتشارك ربطة العنق مع السيف في الشكل القضيبي وحسب وإنما تشاركه أيضًا في وظيفة بعينها: الدلالة على السلطة والاقتدار. ففي سلسلة ممتدة من العالم القديم حتى وقتنا الحاضر، عُبّر عن المكانة والسلطة الذكورية بواسطة كل أشكال الأعمدة والقضبان والعِصيّ والصولجانات. فهومير يخبرنا بأن الحق في التحدث أمام مجلس الآخيين (أبطال حرب طروادة من الإغريق) كان يؤشر عليه بمرور عصا مخصوصة من متحدث إلى آخر. وكانت عصا نبي الله موسى تُظهر سلطته العالية (حتى من دون أن تتحول إلى حية تسعى). ومن عمود الإمبراطور الروماني تراجان بروما إلى نصب جورج واشنطن التذكاري بواشنطن العاصمة، عظماء الرجال قد كُرِّموا دومًا بواسطة قضبان عظيمة منتصبة على شرفهم. وربطة العنق بمثابة مواصلة لهذا التقليد، يؤشر على ذلك أن ارتداء ربطة العنق يغدو، وعلى نحو متزايد، أمرًا إلزاميًا كلما كان السياق أكثر عمومية، وكلما كان الدور الذي يُطلَب من المرء أن يلعبه فيه أكثر رسمية وسلطوية. فبالنسبة لرجل يود أن يقدم نفسه كلاعب مُكرَس ذي مكانة عالية في الساحة العمومية، ارتداء ربطة العنق مطلب لا مفر منه.

موسى مدعومًا من هارون وحور، لوحة لتوماس بريجستوك، عن Artuke

وإذا كانت ربطات العنق في الأساس رموزًا على السلطة، فإن الأمر الأكثر إدهاشًا هو وجود تراتبية في ما بين ربطات العنق بحد ذاتها، وبعضها حتى يُطلَق عليه وصف «ربطات السلطة».[7] ففي منتصف الثمانينيات، كان الأصفر هو لون ربطات السلطة، إلى أن أزاحه اللون الأحمر جانبًا قرب نهاية العقد. ويُقال، بحسب ما سمعتُ، أن ربطات عنق سام دونالدسون (مذيع محطة ABC ومراسلها في البيت الأبيض) هي التي مهدت لنا الطريقَ أول الأمر إلى اللون الأحمر. وسواء صح ذلك أم لم يصح، فإنها تظل إمكانية مثيرة للاهتمام، لأنها تشير إلى المقابل الذكوري للممارسة التي لا يزال معمولًا بها كمعيار من طرف مراسلي البيت الأبيض من الإناث وهي الظهور في المؤتمرات الصحفية بفستان قرمزي اللون. فأية طريقة لإظهار رغبة المرء المتقدة في طرح سؤال أفضل من أن يكون متشحًا بالحُمرة؟ وفي حقبة كلينتون، اهتمت ربطات عنق الرجل بالتصميم كعامل سلطة، مما فتح ربطات السلطة على مهرجان من الدوامات ونقشات البيزلي والنقط واللطخ التعبيرية ومن الأزهار حتى. ثم كم كان من اللائق أن يُعرض جورج بوش الابن، صادحًا بذلك بنواياه في أن يعيد للبيت الأبيض لياقته واحترامه، عن الربطات الحمراء المتقدة، مفضلًا عليها تلك الربطات الزرقاء الفاتحة التي تبعث على الاطمئنان.

لكن لكي نفهم ربطة العنق بصفتها أيقونة قضيبية بأحسن الفهم وأكمله، علينا أن نمضي إلى ما وراء التمثيلات القضيبية للسلطة السياسية، إلى التقليد الأكثر قِدمًا وماديّة الذي يعتبر القضيب رمزًا للخصوبة. ففي اليونان القديمة، كما في غيرها من الثقافات القديمة، كان العضو الذكري يُعبد بصفته تجسيدًا للقوة الخالقة واهبة الحياة، التي تُنشّط كل نمو وتكاثر طبيعي. فالقضبان الرمزية كانت ترافق الاحتفالات بموسم الزرع في الربيع، وهي المرافَقة التي تشكل أساس المجاز الشعري العتيق عن المحراث-القضيب الذي يفلق الخطوط الرطبة لأمنا الأرض. لقد كانت القضبان العملاقة تُحمَل في المواكب المقدسة وتُشهر في لحظات الذروة في الاحتفالات السرية المرافقة لإله الخمر والبعث والخصوبة الإغريقي، ديانيسيس،[8] ثم المرافقة بعد ذلك للإله الروماني، بريابيس.[9] والحال، أن أصداء هذه التمثيلات القضيبية للخصوبة قد ظلت موجودة حتى الحقبة الحديثة المبكرة، حيث نجدها في تقاليد من قبيل سارية مايو،[10] وهي سارية طويلة مزينة يُرقص حولها في عيد أول مايو (عيد العنصرة) في التقليد المسيحي، و«عمود العروس»،[11] الذي يرقص حوله المحتفلين بالزفاف. أيضًا قد تجلت القوة القضيبية على نحو جلي للغاية في شخص الساتير[12] الأسطوري. فمرتبطًا على نحو وثيق بديانيسيس وعصبته المخمورة، يجسد الساتير كل شيء صاخب وشهواني شبق. لقد اعتُبرت شخوص الساتير جوهر القوى الظلامية للطبيعة التي تتطلب رقابة صارمة من قبل قوى القانون والثقافة. ومستعرضًا لقضيب منتصب على نحو هائل، لكن مع قرني وحافري عنزة وذيل فرس، كان الساتير هو الشكل الذي ستتخذ منه المسيحية فيما بعد صورة للشيطان.

تصوير لساتير على فخار إغريقي، عن ويكيميديا

وعن طريق صلتها العتيقة بالخصوبة، أضحت أعضاء الذكر التناسلية مرتبطة بتمثيلات الحقيقة والأصالة والموثوقية. وهو ارتباط معقول للغاية. ففي ثقافة، حيث نسب المرء ومحتده هو العامل الأكثر أهمية لتحديد القيمة الاجتماعية والمكانة، لم تكن مسألة التيقن من النسب بالمسألة الهينة أو السخيفة. وبالتالي، فإن الإشارة إلى الأعضاء التناسلية قد وفرت نموذجًا جاهزًا لقول الحقيقة بوجه عام. ومن هنا نجد آباء العهد القديم يحلفون الأيمان بوضع اليد قرب العورة. فنبي الله إبراهيم، على سبيل المثال، قد أخذ العهد من كبير خدمه (على ألا يزوج ابنه اسحاق من بنات الكنعانيين) بأن قال له «ضع يدك تحت فخذي» واحلف.[13]

ولا تزال أصداء هذا التقليد تتردد في لغتنا، التي تتضمن ألفاظها الدالة على الشهادة بالحق ــ testament، testify، testimony (عهد، يشهد، شهادة، بالترتيب) ــ إحالة لا تخطئها العين إلى الـ testicles، الخصيتين. ولا يزال يُطلب منا عندما نقف للشهادة أن نضع يدنا على شيء ما، وإن كنا الآن نقسم على قول الحقيقة ويدنا فوق الكتاب المقدس عوضًا عن أن تكون تحت الفخذ. تأثيل مشابهه قد طُرح لكلمة genuine، أي حقيقي أو أصيل، التي يمكن تتبعها إلى لفظ genu، والتي تعني حرفيا «knee» أي ركبة، وفي الشرق الأوسط القديم كانت كلمة ركبة تستعمل من باب التعريض للإشارة إلى القضيب.[14] إن الـ genuine، هو الحقيقي، والحقيقي من الأشياء ومن الأشخاص، هو ما يمكن، على نحو موثوق، اقتفاء أثره وصولًا إلى أصله، إلى نسبه ومحتده. وبالمثل، في بلاد الرافدين كانت كلمة birku تعني ركبة وقضيب في آن. وفي اللغة اللاتينية، تحولت هذه الكلمة إلى virtu وصارت تعني الرجولة وعلو الشأن والامتياز عامة. من الناحية التأثيليّة، إذن، الـ virtuoso، أي الشخص الموهوب والمتقن حد البراعة لفن من الفنون (الموسيقى خاصة)، هو شخص يحتكم على قوة قضيبية هائلة.

رمزية الخصوبة الأكثر قدمًا هذه، متصلة على نحو مباشر بالتطوير اللاحق للرموز القضيبية الدالة على قوة الدولة وعلى القوة العسكرية. فالنسخ الرومانية من أعياد ديانيسيس كانت تُبرز فيها نسخة هائلة الحجم من القضيب المنتصب تُسمى بالـ fascinum، الفاسينم (وتعني القضيب الإلهي، والتعويذة السحرية التي تستجلب منه الحماية). ومن هذه الكلمة اشتُقَت كلمة fascinate، التي تعني فتن، أغوى، أسر (كأن ما يفتتنا ويأسرنا يمارس علينا سحره، باستعمال القوة المستمدة من الفاسينم، من القضيب). هذا القضيب الطقسي قد رُبِط بدوره، شكلًا واسمًا، بواحد من أول رموز القوة الإمبراطورية، الـ fasces، الفاسيز، وهي حزمة من العصيان المربوطة ببعضها بشدة والمتوجة بنصل فأس، كان يحملها الليكتور الروماني (حراس الشخصيات السياسية المرموقة)، كعلامة على سلطته. وبتركيبتها هذه، تجمع الفاسيز، بإحكام، بين ضربين من قوة القضيب: القوة الطبيعية، أي الخصوبة والقوة السياسية. فقد كانت رمزًا للحصاد، فحزمة العصيان تشبه حزمة من أعواد القمح المجموعة معًا، لكنها كانت أيضًا، بفضل نصل الفأس، رمزًا ملائمًا للقوة السياسية. في العالم القديم، كانت قوة الدول تحدد على أساس مدى هيمنتها على مساحات الأراضي المفلوحة. ومن ثمّ، فإن فأس القتال (القوة السياسية، الحرب) كانت مرتكزة، حرفيًا، على أساس متين من أعواد القمح (القوة الطبيعية، الحصاد). وبعد ذلك بقرون، اتخذ موسوليني من الفاسيز شعارًا لحزبه السياسي، ولا يزال اسمها يتردد كذلك في السياسات التي نسميها بالـ «فاشية» أو «فاشيستية». ومن هنا، فتحية اليد المشدودة النازية لا تبدو قضيبية بدرجة ما وحسب، وإنما هي، وفقًا لتقليد طويل من الرمزية، تحية قضيبية بالفعل.

والحال، أن الفاسيز لا تزال، في أغلب الأحيان، موجودة أينما نصّبت سلطة الدولة نفسها. فالزائر لمجلس النواب الأمريكي، سيرى فاسيز ضخمة على جانبي المنصة التي يقف عليها المتحدثون. ثمة فاسيز، أيضًا، تزين الجانب السفلي لدايم (عملة معدنية تساوي عشرة سنت) الحرية، وتظهر مرة أخرى في أيامنا هذه، وإن كان في شكل معدل بدرجة ما، حيث تتوجها شعلة عوضًا عن نصل فأس، على دايم روزفلت. ولو تقبلنا بعض التبديلات المشابهة لرأس الفاسيز، سيكون بمقدورنا أن نتعرف على خلفائها في العديد من الأماكن. فنصب الجندي التذكاري في وسط بالتيمور، يعرض فاسيز هائلة متوجه بمنحوتة لربة السلام عوضًا عن الفأس. وهنا، في جامعتي لويولا، يترأس الأستاذ المبرز في كل سنة موكب التخرج السنوي حاملًا في يده عصا لويولا، والتي ليست في الأساس سوى فاسيز، في طرفها مصباح عوضًا عن فأس. والواقع، أن هذا التبدل من الفأس إلى المصباح لا يُحدث سوى تغيير سطحي على الوظيفة الرمزية للفاسيز الأصلية. فالسلطة تظل هي المسألة الأساسية؛ فقط شكل هذه السلطة هو الذي تغير. ففي نظام قيمنا الثقافة، نور المعرفة والحقيقة، وليس القوة الغاشمة لفأس القتال، هو ما يتسنم المقام الأعلى في هذا النظام.

ربْط العقدة

إن ارتداء ربطة العنق يؤشر على الفرق بين ذكر محترم ومسؤول في المجتمع وساتير يرقص مخمورًا في أحد أعياد ديانيسيس

هذا الدرس التاريخي الصغير ضروري تمامًا لأغراضنا هنا لأنه يُبرز الطريقة التي وصلت بها الرمزية القضيبية إلينا عبر تيارين كبيرين، الأول على صلة بالخصوبة والثاني على صلة بالسلطة السياسية. ومثلها مثل الفاسيز، تشارك ربطة العنق في الاثنين. ولكي نرى ذلك ليس علينا إلا أن نلاحظ أن ربطة العنق هي أكثر من مجرد شريطة قضيبية من الحرير. إنها عُقدَة أيضًا. ففي نهاية المطاف، نحن لا نسمّيها «ربطة» عبثًا، وهذه الوظيفة المتمثلة في شد وثاق شيء ما، في حبس شيء ما وتقييده، هي المفتاح لفهم معنى ربطة العنق. لكن ما هو بالضبط هذا الشيء الذي تقيّده ربطة العنق وتشد وثاقه؟ إنها قوة القضيب التناسلية. إن الرسالة الأساسية لربطة العنق هي التالية: «أنا رجل فحل، قادر تمامًا على تأدية فعل جنسي تناسلي... لكن ليس الآن». فالتواجد ضمن رهط متحضر ومهذب من الناس يقتضي تنحية قوة الجنسانية الفظة جانبًا. وكلما احتاج المرء إلى أن «يركز انتباهه على العمل»، كلما احتاج إلى أن يُبدي هوية احترافية موضوعية ومحايدة، كلما كان هذا التعليق للجنسانية، هذه التنحية المؤقتة لها، مطلوبًا. فمن أجل تبليغ هذه الرسالة يرتدي الرجل المتأنق والراقي بحق ربطة عنق. إن ارتداء ربطة العنق يؤشر على الفرق بين ذكر محترم ومسؤول في المجتمع وساتير يرقص مخمورًا في أحد أعياد ديانيسيس.

بالطبع، ارتداء ربطة العنق لا يعني أن العلاقة الجنسية قد أضحت مستحيلة؛ وإنما هو يؤشر فقط على أن الجنس قد غدا خاضعًا لقواعد اشتباك أكثر صرامة. أما الكيفية التي تخلق بها ربطة العنق انطباع الكفّ والكبح هذا فليس من العسير تبينها. ففي المقام الأول، ربطة العنق تقفل ثياب الرجل، إنها تتمم «تزرير» لباسه. كذلك هي تفصل الرأس عن باقي الجسد. وبالتالي تضع حدًا للولوج إلى ما أسفل العنق من الجسد (إلى ما تحت البطن)، وهي تفعل ذلك عند نقطة حساسة للغاية، حيث قد تكون مجموعة من الوظائف الطبيعية ــ التنفس، البلع، الصياح ــ مهددة بالاختناق. وعليه فإن ربطة العنق تؤشر على الانتقال من أحد أشكال القوة القضيبية إلى شكل آخر: من الخاص إلى العام، من الجسدي إلى الروحي، من الطبيعي إلى الثقافي.

لكن مهلًا! لقد افتتحت كلامي بالنظر في ربطة العنق باعتبارها رمزًا قضيبيًا على الهوية الجنسية، لكني أقول الآن إن الوظيفة الأساسية لربطات العنق هي الإشارة إلى تعليق الجنسانية. أليس ثمة تناقض هنا؟ لكي نرى أنه ليس ثمة تناقض، أو بالأحرى لكي نرى أن التناقض هو جزء لا غنى عنه من معنى ربطة العنق، علينا أن نعود مرة أخرى إلى أحد مبادئ السيميائيات: فكرة أن العلامة هي، إلى حد ما، نفي[15] للشيء الذي تدل عليه. وهي الفكرة التي عبر عنها هيجل باقتضاب مدهش قائلًا: «الكلمة هي قتل الشيء». فهذه العلاقة السلبية بين العلامة والشيء الذي تدل عليه هي ما يهب العلامات قوتها التي تكاد تكون سحرية. فبوسع المرء أن يستعمل العلامات (الكلمات، في هذه الحالة) لوصف أي شيء على الإطلاق، بداية من أحداث طفولته (التي لم تعد موجودة) وصولًا إلى أحداث خراب العالم (التي لم تقع بعد)، تحديدًا لأنه يعرف، كما يعرف مستمعوه، أن الكلمات والأشياء التي تصفها هذه الكلمات ليست نفس الشيء. وربطة العنق نافعة للغاية كعلامة بفضل هذا السبب تحديدًا. فهي تمكن الرجل من أن يشير إلى أنه كائن جنسي مذكر (كما تؤشر ربطة عنقه القضيبية بوضوح) وفي نفس الوقت إلى أنه ليس بكائن جنسي مذكر، الآن على الأقل (فربطة عنقه ليست سوى رمز؛ فلو تكلمنا بشكل حرفي هي ليست قضيبًا على الإطلاق). ولأن ربطة العنق تُعدّ قضيبًا ولا تُعدّ قضيبًا في الوقت عينه، هي تمكّن الرجل من أن يُعبّر عن اتخاذه مسافه محسوبة بعيدًا عن جنسانيته. إنه يُظهر جنسه ويُخفيه في آن. والنتيجة هي أن جنسانيته تُدفع نحو المستقبل؛ أي تُرجأ.

وسنغدو أكثر  تأكدًا من أن تضييق ربطة العنق وشدها يعبّر عن النأي عن الجنسانية عندما نلاحظ الأثر الذي يخلفه فكها. فبالنسبة لأي منتمٍ لثقافتنا، أي بالنسبة لأي شخص على معرفة بلغة أردية العنق الحالية، ربطة العنق المفكوكة تخفف من جدية الدور العمومي المتحفظ، وتؤشر على انفتاح جديد على الملذات الخاصة. إنها المعادل الذكوري لقول المرأة «دعني أرتدي شيئًا أكثر راحة». إن التساهل المدلل عليه بواسطة ربطة عنق مفكوكة يؤشر على الإعراض عن آداب مكان العمل. ولتلاحظوا، نحن نقول الإعراض عن «آداب» مكان العمل وليس عن العمل نفسه. ففك ربطة العنق، وتشمير المرء عن أكمامه قد يكون إيماءة على «الانخراط التام في العمل». لكن حتى في هذ الحالة، تميل ربطة العنق المفكوكة للتعبير عن تعليق، تعطيل ما للقواعد غير المكتوبة التي تحكم عالم العمل. إنها تقول، «كل شيء مباح في سبيل إنجاز هذه المهمة». المهم هو أن ربطة العنق المفكوكة تدل على إرخاء القيود الاجتماعية ولهذا السبب هي تشير، على نحو لا تخطئه العين، إلى قدر أكبر من الانفتاح الجنسي.

والحال، أن أثر فك ربطة العنق متوقع للغاية لدرجة أنه من الممكن له أن يُستخدم كوسيلة إغواء. تدبر، مثلًا، في المشهد المتكرر في أفلام هوليوود الذي تفك فيه الـ femme fatale (المرأة الفتاكة، بطلة أفلام النوار)، بلا حشمة، ربطة عنق الرجل الغر عديم الخبرة. إنها تتلاعب بكود رداء العنق لعل الرسالة تصل إلى المرتدي نفسه. لا عجب إذن في أن فكها لربطة العنق إلى الحد الأقصى لدرجة نزعها بالكلية، وشفع ذلك ربما بفك بعض أزرار القميص، يخلق لدى الرجل انطباعًا بأنها سهلة المنال ومتاحة جنسيًا. إنه تأثير من اليسير علينا توقعه. فعندما يُنبذ الرمز القضيبي (ربطة العنق) وتُنبذ معه إلماعة النفي التي يحملها كرمز تجاه الشيء الذي يرمز إليه، فإن ما يحل محله هو وعد صريح بالشيء الحقيقي نفسه (القضيب).[16]

تجربة تعديل أخرى لربطة العنق من شأنها أن تصل بنا إلى استنتاج مماثل. هب أننا عدّلنا ربطة العنق، ليس بفكها هذة المرة، وإنما بشدها وتضيقها إلى الحد الأقصى عوضًا عن ذلك. وما هي ربطة العنق المشدودة ومضيقة تمامًا هكذا؟ إنها البابيون.[17] وإذا كان «شد الربطة» يدل على التقييد اللائق للجنسانية،[18] فسيكون من شأن عقدة البابيون الأكثر شدًا وجلاءً أن تعبر، وبشكل طبيعي ومتوقع تمامًا، عن منع أكثر حزمًا للجنسانية، عن الإعراض التام عنها والانصراف إلى غيرها من المشاغل. ليس من قبيل الصدفة، إذن، أن تستدعي البابيون صورة أستاذ الجامعة الأنيق، المحامي حسن الهندام، أمين التحف المدقق. فثمة ما يبعث على الاطمئنان في هذا المظهر، تحديدًا لأنه يلمح إلى الاحتواء التام للجنسانية الذكورية. اختيار لويس فرخان وجماعته أمة الاسلام لارتداء البابيون هو بالتالي اختيار ممتاز لأنه يقدم ترياقًا فعالًا، مُضَمَّنًا في أعراف اللباس، مضادًا لسُمّ الصورة النمطية العرقية المألوفة التي مفادها أن الرجل الأسود يتمتع بقوة جنسية مفرطة. لكن هذه الإستراتيجية يمكن أن ترتد بالطبع على صاحبها، تاركة للرجل الذي يرتدي بابيونًا قدرًا ضئيلًا من الرجولة. أليس ذلك هو ما حدث لبول سايمون (السياسي وليس المغني) عندما ترشح للرئاسة الأمريكية في عام 1988؟ فارتداءه الدائم للبابيون قد أضفى عليه مسحة استقامة وورع لم يستطع بول المسكين أن يتخلص منها أبدًا. ولم يستطع أحد من الناس أن يصدق أن هذا الموظف العمومي الذكي والمتفاني للغاية يتمتع بما تتطلبه الرئاسة من خصال.

وهنا مرة أخرى نفهم الفعل المتوازن الذي تؤديه ربطة العنق. إنها تقول، وبشكل ناجع للغاية، شيئان في الوقت عينه: «أنا رجل حقيقي» (فهذه الأيقونة القضيبية تخبرك بأن بحوزتي ما يلزم)، ولكنها تقول أيضًا: «أنا لا ألعب دورًا جنسيًا في الوقت الحالي» (فالآن، ثيابي عليَّ ومزرة بالكامل). ومشكلة البابيون أنها تبلّغ الرسالة الثانية أفضل وأبلغ مما تبلغ الأولى. بل في واقع الأمر، بإزالتها للإحالة الأيقونية على القضيب (ذيل الحرير)، يمكن للبابيون أن تشير إلى الخِصاء التام. خذ في اعتبارك، مثلًا، تلك البابيونات (البسيطة والصغيرة وغير الجذابة غالبًا) التي ترتديها طبقة من العمال منخفضي الأجور. فبالنسبة لعمال مطاعم الوجبات السريعة ــ البوابون، النُدل، سائسو السيارات، منظفو الطاولات ــ تشير البابيون إلى نقص حقيقي في القوة التناسلية. إنها تسم وتعين ذلك الذي هو مجرد خادم، خانع، تابع، تحت التصرف طول الوقت. إن بابيون الخضوع التي يرتديها موظفي الخدمة هي علامة الِخصيان في زمننا هذا.

ولأنها تزيل الجزء المحدِد للرجل الحقيقي، يمكن للبابيون أن تشير بسهولة إلى الحماقة أو الصبيانية. ومن هنا نجد بابيون سوبي ساليز (الكوميديان الأمريكي في برنامجه الكوميدي الذي يحمل اسمه) الكبيرة بشكل مثير للسخرية التي تعبر عن التصرف على نحو تهريجي وساخر، وبابيون بي وي هرمان (الشخصية الخيالية من البرنامج الذي يحمل نفس الاسم) الحمراء الصغيرة الجذابة التي تمنحه منظرًا طفوليًا واضحًا. وبإرفاق الربطة (العقدة) بذيل طويل من الحرير، تتفادى ربطة العنق ببراعة هذه الشِراك (التي علقت فيها البابيون). فبينما تعبر الربطة عن إلجام النفس، يشهد ذيل الحرير على وجود رجل متين تحت هذا كله. إن ربطة العنق تستدعي إلى أذهاننا ذلك المنظر الفاتن من الأزمان الخالية: رجل من الجلي أن بحوزته سيف لكنه لم يشأ أن يُشهره بعدُ. 

مشدود جدًا، مخفيٌّ جدًا

إن الجاذبية الجنسية للبابيون السوداء تكمن في إمكانية إقناع فارس ضبط النفس هذا بأن يخلع درعه

«على رِسلك!»، قد يقول الآن شخص ما معترضًا. «لقد قلتَ إن البابيون تُخصي، لكن إذا صح ذلك، فماذا عن جاذبية وإثارة البابيون السوداء؟ إن المرء لا يحتاج لأن يكون محللًا نفسيًا حتى يتمكن من إدراك جاذبية وفتنة بدْلة سهرة حسنة التفصيل متوجة ببايون رفيعة الذوق [كبدْلة السهرة التي أعطتها فيسبر (إيفا جرين) لجيمس بوند (دانيال كريج) في كازينو رويال، كمثال نموذجي]. كيف يمكن لذلك أن ينسجم مع رأيك سالف الذكر عن البابيون الخانع؟» الحال، أن الجواب على هذه المعضلة ليس عنا ببعيد. إن بابيون الخادم تُخصي لأنها، وبوضوح شديد، مُرتداة انصياعًا لأمر شخص آخر. فبالنسبة لمخصي البابيون ــ مُقلِب شرائح الهامبورجر عاثر الحظ في مطعم محلي للوجبات السريعة، حامل الحقائب في الفنادق الذي يثب منتفضًا كلما نادى موظف الاستقبال عليه ــ غياب الأيقونة القضيبية يقول ضمنيًا شيئًا واضحًا عمن هو السيد المسؤول حقًا هنا: يقينًا ليس هو هذا الشخص الذي يرتدي البابيون.

أما بابيون حُلّة السهرة السوداء فهي تفيد عكس ذلك تمامًا. فلأن رائحة المال تفوح منها، نحن نحكم على من يرتديها بأنه هو السيد المسؤول صاحب الشأن. فإذا كانت حُلته تشهد على قدر أقصى من ضبط النفس، على تحفظ يوشك أن يكون زهديًا، مناسبًا لحضور المناسبات الرسمية، والعروض الفنية الرفيعة، أو لتلقي تكريم ثقافي مرموق، فإنها تشهد أيضًا على أن الشخص الذي يرتديها هو من فرض على نفسه هذه الانضباط. إن الانطباع الذي تتركه هو أن هذا الشخص يفرض على نفسه قدرًا هائلًا من ضبط النفس وكبحها، تقول لنا البابيون المتحفظة ذلك ويدعم قولها كل من حزام خصر الحُلّة وأزرارها المعدنية. وبالإضافة إلى أن علامات الغنى والثروة هي بحد ذاتها مثيرة للشهوة، تعود إثارة وجاذبية هذا الطقم من الثياب، جزئيًا، إلى هذه الاحتمالية المثيرة: ما ارتداه هذا الرجل بمحض إرادته يمكن أن يخلعه عنه أيضًا بمحض إرادته. إن الجاذبية الجنسية للبابيون السوداء تكمن في إمكانية إقناع فارس ضبط النفس هذا بأن يخلع درعه. وبالنسبة للمرأة الطموحة، تنبني فتنة هذا الإغواء وسحره على الافتراض التالي: وحدها رغبة قوية للغاية تحتاج إلى مثل هذا الكبح المحكم والمعقد. ونجد المقابل المذَكر لهذه الفكرة في ذلك الاستيهام[19] الذكوري الشائع: النساء الشبقات والشرسات جنسيًا بحق يمكن العثور عليهن فيما بين أشدهن تزمتًا واستقامة ظاهريًا ــ معلمات المدرسة، الممرضات، أمينات المكتبات، والراهبات حتى [ومن هنا حضورهن الطاغي في البورنوجرافيا]. ويقتات هذا الاستيهام على تلك الفكرة التي مفادها، كما قال تولستوي في موضع ما، إن أوثق علامة على الاهتياج هي الظهور بمظهر صارم ومتزمت على نحو جلي.

عند هذا الحد، بوسعنا أن نرى بسهولة كيف أن لغة رداء عنق الرجل، مثلها في ذلك مثل معظم الأكواد الرمزية، تنتظم حول ثنائيات متناقضة: في هذه الحالة، حول ثنائية مشدود/مفكوك. كلما كانت الربطة مشدودة كلما دلت على الكبح الجنسي وكلما كانت مفكوكة كلما دلت على الإتاحة الجنسية. وتبدو هذه الفكرة مؤيَدة على نحو قوي بواسطة المهن التي تتطلب القدر الأقصى من ضبط النفس. فبالنسبة للقضاة والقساوسة، على سبيل المثال، حتى ربطة العنق المشدودة بإحكام لا تفي بالغرض. فالياقة العالية لروب القاضي الأسود تؤكد لنا على أنه سيتخلى عن رغبته أثناء إصدار أحكامه، تمامًا كما يؤشر لونها الكالح على خطورة هذه الأحكام وثقلها. وفيما يخص القِس، الذي يشبه القاضي نوعًا ما، فمطلوب منه أيضًا إنكار مماثل لرغبات الذات. وأي شيء يمكن أن يرمز إلى نبذ الجنسانية على نحو أكمل من تلك الياقة الإكليريكية التي تطوق عنق القس؟ إنها لا تُظهر أية أثر للأزرار لأنه لا توجد (أو ينبغي ألا توجد) أي إمكانية لفك هذه الأزرار يومًا ما. إن المربع الأبيض الموجود في وسطها، النقطة التي تبدو عندها أي إمكانية فتح مغلقة تمامًا، ليشهد، وبشكل ملائم جدًا، على أن جنسانية القس، المجموعة والمركزة بعناية، لا تبتغي نعيمًا سوى الاتحاد مع نور الرب الخالص.

والجندي، هو الآخر، يتعين عليه أن ينحي ملذات الجسد جانبًا، ولو فقط من أجل تجهيز نفسه لمواجهة الخطر. ففي مقابل المعطف الرياضي المدني المريح نسبيًا، جاكيت بدلة الرجل العسكري عادة ما تكون الأزرار الأمامية فيه مضاعفة، فقصته تكون غالبًا مزدوجة الصدر ذات صفين من الأزرار، ويكون ضيق من تحت الذقن، وربما حتى تُزيَن ياقته الجامدة بسيفين أو بندقيتين متقاطعين (كما لو كانا يؤمنونها ضد الفتح). وأثناء الحرب العالمية الثانية، عندما كان الموت محدقًا والخطر في ذروته، وكان توفير الزي العسكري الرسمي أمرًا شبه مستحيل، كان بعض الجنود يحاولون تحقيق تأثير مشابه لصرامة هذا الزي عن طريق دس طرف ربطة العنق بين أزرار القميص.

حتى فيما بين المدنيين الذين لا تنطبق عليهم القواعد الصارمة للمحاكم والكنائس وساحات العروض العسكرية، يظل الرجال متوترين حيال ربطات العنق. فكل شيء متعلق بها يبدو أنه يمثل مصدرًا للانشغال القلق بالنسبة لهم. فأولًا، ثمة المحنة اليومية المتمثلة في ربطها على النحو الصحيح، بحيث لا تكون أطول مما ينبغي ولا أقصر مما ينبغي. والقاعدة العامة هنا هي أن طرف ربطة العنق ينبغي أن يمس بالكاد الحزام، كما لو كانت تصر على التواصل مع مشبك الحزام تحتها، والذي يعد ابن عم لها في الوظيفة (إلجام القضيب). أيضًا لكي يكون شكل الربطة صائبًا تمامًا لا بد أن تكون النسبة مضبوطة بين طرفيها الخارجي (العريض والطويل) والداخلي (الرفيع والقصير). فلو كان الخارجي أطول مما ينبغي من الداخلي فستخلق انطباعًا بالحمق وانعدام اللباقة. ناهيك عن المسألة المزعجة المتعلقة بكيفية منع الطرف القصير من النتوء خارجًا في التوقيت الخاطئ. وسامح الله ذلك الذي يقوم بالعكس، تاركًا الطرف الداخلي الرفيع أطول من الخارجي العريض، فهنا نكون أمام رجل لا يعرف كيف يرتب «عُدته» (أعضائه التناسلية)!

وهناك أيضًا تحدي شراء ربطة العنق. إذ كيف لنا أن نفسر المشقة التي يتكبدها الرجال في سبيل العثور على الربطة ذات التصميم واللون والمقاس الصائب تمامًا بأي شيء آخر سوى بالقول بأن الربطة، أكثر من أية قطعة ثياب أخرى، تعبر عمن هم وعما هم عليه؟ وإذا كان الرجل لا يزال محكومًا في اختياره للون الحُلّة باللون الأسود والبني والرمادي بما أنها الألوان المعيارية في أعراف لباسنا الحالية، فإنه يتمتع بقدر كبير من الحرية في اختياره لربطة عنقه. إلا أن هذه الحرية تضعه في مشكلة؛ فهل سيكون لونًا زهريًا أنثويًا أكثر مما ينبغي؟ وهل سيكون لون زاهٍ وعصري طليعيًا أكثر مما ينبغي؟ وهل سيكون المقلم كئيبًا أكثر مما ينبغي؟ إن اختيار ربطة العنق هو مسألة حساسة لأن ربطة العنق تقول شيئًا ما عن قوة رغبات الرجل وعن نطاق الأشياء التي سيسمح لنفسه بها حتى يلبيها.

سؤال السيدات: إلى أي حد يمكنكِ أن تنزلي إلى الأسفل؟

من المهم أن نتذكر هنا أن الرسالة الرمزية التي تحملها الثياب لا تتطابق بالضرورة مع نيات مرتديها.

بما أننا قد وعدنا بأن نناقش أردية العنق عامة، فسيتعين علينا أن ننظر في أزياء النساء هي الأخرى. وبالطبع لا ينبغي لحقيقة أن أردية العنق الأنثوية ترسل رسالة ذات بال أن تدهشنا: فعند الرجال والنساء كليهما، يقدم العنق وأعلى الصدر نفسهما كمنطقتين ممتازتين لإظهار الهوية والنيات الشخصية. فممتدًا فيما بين الوجه والأعضاء التناسلية، يشكل أعلى الصدر «منطقة كاشفة» من الجسد. فبوسع الناظر أن يثبت نظرته على هذه المنطقة وهو مرتاح بينما تثبيت نظره على الوجه أو على الأعضاء التناسلية من شأنه أن يصيبه بالحرج والارتباك. لكن ابتدائنا بمناقشة ربطة العنق القضيبية قبل التحول إلى أردية عنق المرأة لم يكن أمرًا اعتباطيًا بأي حال من الأحوال. فأردية عنق المرأة المعاصرة يمكن فهمها، على نحو ناجع جدًا، باعتبارها حوار مع ربطة العنق. وفي لغة أردية العنق الحالية، تميل ربطة العنق لأن تكون العنصر المحدد للكود المُطاع من طرف الجنسين، ولذلك بدأنا بها.

وليس من شأن هذا الوضع أن يدهش طالب السميائيات، وذلك لأنه يعرض خاصيّة العلامات التي يسميها اللسانيون بـ «مُبرّزة"/"غير مُبرّزة».[20] فالأكواد الرمزية تنتظم، عادة، حول ثنائيات متضادة، ترتكز على وجود أو غياب بعض الخصائص. وهذا هو الحال، أيضًا، بالنسبة لكود أردية العنق: ربطة العنق موجودة عند الرجال وغائبة عند النساء. وعندما يُقسّم اللسانيون هذه المتقابلات إلى مُبرزة وغير مُبرزة، فإنهم يفعلون ذلك بغرض الإشارة إلى أن أحد الوضعين، وهو غير المُبرز، هو الوضع «الطبيعي». وعليه فإن ثنائية مُبرّز/غير مبرّز تعبّر، غالبًا، عن ثنائية ثقافة/طبيعة. وبناءً عليه، فإن زوجي الثنائية الذين ناقشناهما حتى الآن ــ مشدود/مفكوك، وجود ربطة عنق/غياب ربطة عنق ــ يشكلان نمطًا منتظمًا. فربطة العنق المشدودة تجسد مقيدات الثقافة، بينما الياقة المفكوكة دونما ربطة عنق أقرب للطبيعة الخام. وبهذه الطريقة، تردد ثنائية وجود ربطة عنق/غياب ربطة عنق صدى ذلك التحيز العتيق الذي يقرن بين الرجال وثبات الثقافة واستقرارها ويقرن بين النساء وتقلب الطبيعة وعرضتها للتغير.

بالطبع ترتدي النساء ربطة عنق في بعض الأحيان. وثياب ديان كيتون في فيلم Annie Hall، آني هول لوودي آلان مثال شهير على ذلك. والحال، أن معظم سحر شخصية كيتون في الفيلم نابع من جمعها بين سلوك أنثوي للغاية وعناصر لباس ذكورية على نحو جلي: صدرية من الصوف، قبعة مُجعدة، وربطة عنق. لكن إذا كان منظر آني هول يبين المرح الكامن في ارتداء بعض ثياب الجنس الآخر، إلا أنه يبين أيضًا أن المرأة التي ترتدي ربطة عنق تفعل ذلك على نحو يشير، على الدوام تقريبًا، إلى أنها مُستعارة من رجل. إذ تكون الربطة مفكوكة بشكل مفرط أو طويلة بشكل مفرط، أو قصيرة بشكل مفرط أو منحرفة. أو يُترك الطرف الرفيع، عمدًا، أطول من الطرف العريض. وفي تنويعة شيقة، تُرتدَى الربطة داخل ياقة القمص كما لو كانت عقدًا. وعليه، فإن الانطباع المراد خلقه هنا ليس هو: أنا أرتدي حقًا ربطة عنق بقدر ما هو: أنا ألعب بها. والأثر الفاتن الذي يتركه ذلك قريب من ذلك الذي يتركه ارتداء امرأة شابة لقميص رجل: والذي يكون أشد فتنة عندما يكون القميص كبيرًا عليها بشكل مفرط وواضح للغاية [وهو المشهد السينمائي الشهير الذي نراه دومًا في الصباحات التالية على أول جماع].

ديان كيتون في فيلم آني هول، عن mylifetime

ويتعين علينا أيضًا أن نُقرّ بأن للنساء ربطات عنقهن الخاصة بهن، إذا كان لأي قطعة قماش تُربط حول العنق أن تُعدّ ضمن ربطات العنق. لكن هذه الربطات الأنثوية ــ ومن ضمنها كل أشكال الأوشحة، والمناديل (الباندانا)، والشالات، وما إلى ذلك ــ مرتبطة أيقونيًا بأعضاء المرأة التناسلية بنفس درجة الوضوح تقريبًا التي ترتبط بها ربطات العنق بالقضيب. فـ«ربطات عنق» النساء تميل لأن تكون ناعمة، إنها ثنيات وطيات منسابة تخلب النظر عند أسفل العنق. بينما أردية عنق الرجال نادرًا ما تكون ممتلئة ومزهرة هكذا، لو استثنينا الأسكوت (الكرفتة)،[21] الذي ــ وهو الأمر الذي لا ينبغي أن يدهشنا الآن ــ يخلق انطباعا أنثويًا صريحًا.

وتستدعي كلمة مزهر إلى أذهاننا على الفور رداء عنق ليس من النادر أن ترتديه المرأة: الزهرة. فمن أجل مناسبة تقتضي التأنق، يمكن لياقة (تقويرة رقبة)[22] فستان أنيق أن تُزين بنجاح بواسطة زهرة. وهنا مرة أخرى، الصلة الأيقونية بأعضاء الأنثى الجنسية لا تخطئها العين. فليس من قبيل الصدفة أن نشير إلى فقدان العذرية بكلمة «deflowering» (فض البكارة، وتعني حرفيًا قطف الزهرة). هذا، ويرتدي الرجال أيضًا، في بعض الأحيان، زهرة، لكنهم يضعونها، إذا ما فعلوا ذلك، دومًا على ناحية. إذ تخيلوا التأثير الناشز للغاية، والمقلق تقريبًا، الذي قد يحدثه رجل يرتدي زهرة، ولو صغيرة حتى، عند منتصف ثيابه بالضبط.

وعلى الرغم من هذه الخيارات والاستثناءات التي يمكن للمرأة أن ترتدي فيها ربطة عنق أو شيء ما يشبهها على نحو غائم، إلا أن التوجه الكلاسيكي والمحدد لموضة أردية عنق المرأة المعاصرة هو، يقينًا، الياقة المفتوحة، وخاصة الياقة على شكل حرف v.[23] في المستوى الأول من مستويات تأويلها، لا تطرح علينا هذه الموضة إشكالات كبيرة، وذلك بقدر ما تتواصل مع ربطة العنق الذكورية. فياقة المرأة المفتوحة، وكما هو واضح بما فيه الكفاية، تعرض نقصًا ما: إنها تشهد على غياب القضيب. لكن الياقة الأنثوية لا تحصر نفسها في الإدلاء بهذا التصريح البسيط (ليس لديَّ قضيب، نقطة) وإنما هي تقدم تنويعة من الردود ضمن حوار مستمر. فإذا كان السؤال الأساسي التي تجيب عليه ربطة عنق الرجل متعلقًا بامتلاك القضيب، فإن الرسالة الأساسية لياقة المرأة تتعلق بمدى استعدادها لتلقيه (أي القضيب) من الرجل. وتُنقل هذه الرسالة على نحو صريح ومباشر للغاية: كلما كانت الياقة مفتوحة أكثر كان الاستعداد أكبر. فياقة مرتفعة ومقفلة تمامًا تمنح المرأة منظرًا باردًا، بل وربما منظرًا متزمتًا مفرط الحشمة حتى، فهي تدل على انخفاض شديد في درجة الحرارة الجنسية. أما الياقة المنخفضة، فتدل، على نحو لا مناص منه تقريبًا، على ارتفاع درجة الحرارة الجنسية. وفي الحالة القصوى، الياقة المفتوحة والمنخفضة للغاية تخاطر باستدعاء صورة المرأة الفاسقة أو المرأة الغرة سهلة المنال.

ومن المهم أن نتذكر هنا أن الرسالة الرمزية التي تحملها الثياب لا تتطابق بالضرورة مع نيات مرتديها. فسخونة الياقة المنخفضة للغاية وإثارتها قد يكون لها صلة ضعيفة بمزاج المرأة التي ترتديها أو قد لا يكون لها أية صلة به على الإطلاق. أيضًا يلعب السياق دورًا هامًا. فالفستان الكاشف بشكل مثير الذي يُعدّ رفيع الذوق على نحو مدهش في حفلة من حفلات الطبقة العليا، قد يبدو رخيصًا ومبهرجًا على امرأة تجلس فوق كرسي بار في حانة. لكن الثياب تتحدث عن أنفسها لا محالة، وغياب الاتفاق بين ما تنويه المرأة وبين ما تقوله عنها ثيابها يمكن له أن يكون مسألة خطرة غير مأمونة العاقبة. فعندما ترتدي امرأة ثيابًا مثيرة بقدر زائد، فهي عادة ما تقصد بها مخاطبة دائرة محدودة من الرجال تود أن تكون على صِلة بهم. لكن لغة الثياب تخاطب الجميع بشكل عشوائي، ويسمعها، لا محالة، كل عابر سبيل.

ملاقاة الجمال عند الرقبة

تبدو اليد المغناج أنها تنكر، باحتشام، وجود متعة نحن نعلم جيدًا، كما تعلم صاحبتها جيدًا، أنها موجودة هناك

الياقة الأنثوية على شكل حرف v بمثابة فرصة سانحة للسميائي لكي يمارس مهنته. فإلى جانب سماحها باختلاس النظر إلى مفرق ثديي المرأة، تحاكي v الرقبة v الرجلين، أو حتى v مثلث العانة. ولعل هذا جزء من السبب الذي جعل قصة الياقة على شكل v تُعتبر مشينة وغير محتشمة عندما ظهرت لأول مرة في مشهد أزياء العشرينيات. وتدفعنا الرقبة الـv، أيضًا، إلى أن نضيف إلى ثنائية مشدود/مفكوك سالفة الذكر ثنائية أخرى وهي مرتفع/منخفض. ومثل ثنائية مشدود/مفكوك تشير ثنائية مرتفع/منخفض إلى التقابل بين الثقافة والطبيعة. فالياقة المرتفعة الساترة تشهد على احتشام امرأة مهذبة ومنضبطة بدرجة كبيرة، لكن صدارًا (الجزء العلوي من ثياب المرأة)[24] ذا قصة منخفضة كاشفة من شأنه أن يشير إلى شهوانية أقل تقيدًا بالأعراف. وبهذه الطريقة، تساهم الرقبة الـv في واحد من أكثر أنظمتنا الاستعارية رواجًا، والذي وفقًا له يكون المرتفع أكثر تحضرًا وروحانية ونبلًا، بينما المنخفض غرائزي وفظ ومنحط.

لكن الأمر الأهم بكثير من أي استعارة، هو الطريقة التي تبدي بها الرقبة الـv الجلد نفسه ــ الجلد بما هو كذلك وليس مجرد رقعة منه. فإذا كانت الرقبة المفتوحة تُظهر تقبليّة المرأة الإيروتيكية، فلأن ثمة مواضع أخرى قليلة من الجسد مهيأة بشكل أفضل لهذا الغرض. فالعديد من النساء يُظهرن بقعًا وردية فوق رقابهن عندما يكن مستثارات جنسيًا أو خائفات أو خجلات يشعرن بالحرج. والياقة المفتوحة للرقبة الـv توفر مساحة مثالية يمكن لرايات العواطف الفسيولوجية هذه أن ترفرف عبرها. وهكذا، أيضًا، يمكن للأدلة الأشد خفاءً على المشاعر التي تفضحها إيقاعات التنفس أن تُعرض بجلاء بواسطة صدار ذي قصة منخفضة. ولقد كان هذا العرض هو إحدى الوظائف الرئيسية لموضة الديكولتيه القديمة (مشد الخصر وتقويرة الرقبة الواسعة التي تكشف عن الصدر ومفرق الثديين)، والتي نجد مثالًا رائعًا عليها في أزياء جلين كلوز في فيلم dangerous liaisons ، غراميات خطرة. بالطبع مشد الخصر الذي يرفع الصدر من تحته يتيح للسيدة أن تتباهى بجزالة مواهبها الثديية، لكنه أيضًا يستعمل الثديين كضرب من لوحة رسائل انفعالية، تُسجل عليها، وعلى نحو لا تخطئه العين، كل زفرة حزن، كل شهقة اندهاش، كل ارتعاشة إثارة، في شكل اختلاجة تسري فيهما.

من فيلم غراميات خطرة، عن youtube

إن ربطة العنق تمثل ما يمتلكه الرجل وما هو قادر كنتيجة لذلك، على فعله. أما ياقة المرأة فهي تقول شيئًا ما عما تشعر به وبالتالي تلمح إلى ما هي على استعداد لـتجربته وخوض غماره. أو كما قال الروائي والناقد الإنجليزي جون بيرجر، وعلى نحو مقتضب، «الرجال يفعلون والنساء يبدين». والحال، أن بساطة الوضع الفجة هذه لتطرح علينا بعض الإشكالات. فإذا كان السؤال الذي تجيب عليه ياقة المرأة هو: هل هي مستعدة جنسيًا أم لا، وإذا كانت لغة الإجابة مقتصرة على نعم في حالة الياقة المنخفضة ولا في حالة الياقة المرتفعة، فستواجه المرأة، إذن، تلك المهمة العسيرة المتمثلة في الموازنة بين الاحتشام والإغراء. إنها المعادل الثيابي لذلك المأزق المألوف الذي تجد المرأة فيه نفسها ممزقة بين أن تبدو كسيدة فاضلة أو أن تبدو كعاهرة. والمشكلة، بالطبع، هي أن الرجال يريدون من نسائهم، ولأسباب مختلفة، أن يلعبن الدورين كليهما. لكن مع وجود خيارين لا ثالث لهما ــ ياقة مرتفعة ساترة أو ياقة منخفضة كاشفة ــ تجد المرأة نفسها محكومًا عليه بأن تمضي بعيدًا في واحد من الاتجاهين: مُزررة بإفراط لتبدو محترمة أو غير مزررة بإفراط لتبدو فاتنة.

ومن هنا، نجد أن أزياء النساء تتضمن تنويعة من الحيل العبقرية التي تمكنها من الجمع بين الحسنيين: الاحترام والفتنة. تخيل معي، على سبيل المثال، بلوزة ذات قصة منخفضة جدًا وصولًا إلى ما بين الثديين لكنها ملمومة من الوسط بواسطة زر واحد رفيع الذوق. إنها مثيرة ومتحفظة في الوقت عينه، إنها تهرب بنجاح من ثنائية سيدة/عاهرة المزعجة. ويمكن للدانتيلا أن توظف، بنجاح كبير، في سبيل نفس الغاية، فهي تُبرّد من سخونة تقويرة رقبة غير محتشمة بواسطة قطعة ثياب تكاد تكون شفافة لكنها ليست كذلك تمامًا. والنتيجة هي، مرة أخرى، إتاحة مقيدة، توازن فاتن بين التهتك والاحتشام.

وربما هذا هو الموضع المناسب لإضافة ملاحظة حول العِقد (القلادة). فمثل القميص ذي حمالة العنق المصنوع من الدانتيلا[25] الذي يكشف ويستر في آن، يمكن للعقد أن يوفر قدرًا من الإقفال لياقة قد تكون من دونه منخفضة ومفتوحة بشكل مفرط. إن العقد لا يحجب منظر العنق البهي وإنما يتخلله بطوق زاجر من الأحجار الكريمة. لكن في الوقت عينه، يوفر العقد وسيلة رهيفة لإيصال رسالة متضاربة. فحتى اليوم، عندما ترتدي العديد من النساء مجوهراتهن، يظل العقد يشير بجلاء إلى أن يد رجل ما هي من وضعته حول أعناقهن. فإذا كان الألماس هو أقرب أصدقاء الفتاة إلى قلبها، فهو يهمس لنا أيضًا قائلًا بأن لديها على الأقل صديق واحد آخر. هذه الإشارة الخفية إلى الامتلاك تتمم دلالة العقد ضمن كود أردية العنق الذي نفحصه هنا. فإذا كانت عنق المرأة موضعًا ممتازًا لعرض جنسانيتها، فإن عقدًا ملتفًا حولها يحد من انفتاحها بشكل عام، لكنه يُلمح أيضًا إلى أن هذا العرض ليس متاحًا بالتساوي لجميع الناظرين. إن العقد يسمح بإلقاء نظرة خاطفة على مكان جميل لكنه أيضًا بمثابة لافتة تفيد بأنه ملكية خاصة.[26]

وأن يكون العنق منطقة مخصوصة لتسجيل المشاعر عند النساء، هو أمر لا تشهد له لغة الموضة وحسب وإنما تشهد له أيضًا لغة الإيماءات. وسنضرب على ذلك مثالين فقط لا غير. الأول هو إيماءة حالة النشوة حيث العيون مغلقة، والفم مفتوح قليلًا، والعنق ملقاة إلى الوراء (لتعرض بجلاء الشعور بذروة اللذة). ومميزة للنساء أكثر من الرجال، تعود إيماءة الانتشاء هذه إلى العهود القديمة، حيث نجدها في المنحوتات الإغريقية التي تصور التحليقات العربدية لمن يلهون ويقصفون في أحد أعياد ديانيسيس الماجنة. وهي أيضًا الإيماءة الأساسية في الصورة المركبة الباهرة لسلفادور دالي الموسومة بـ «ظاهرة الانتشاء».[27] كذلك هي إيماءة راهنة تمامًا، فلو قلبنا صفحات أي مجلة من مجلات الموضة الفاخرة ستقع أيدينا على كنز من الأمثلة. هذا، وتتضمن وضعية الانتشاء هذه إشارة إلى الخضوع والاستسلام، إنها تذكرنا بحيوان يُعرب عن استسلامه عن طريق كشف عنقه لخصمه. لكن لأي شيء بالضبط يستسلم البشر بإيمائتهم هذه؟ إنه ليس استسلامًا للآخر الاجتماعي، لإنسان آخر بقدر ما هو استسلام لآخريّة الرغبة نفسها. إن العنق الملقاة إلى الوراء هي الإيماءة النموذجية للإشارة إلى الاستسلام الطوعي (للرغبة).

أما الإيماءة الثانية فهي أيضًا إيماءة أنثوية بشكل نموذجي، وصورتها كالآتي: وضع إحدى اليدين بقدر من الإهمال على أسفل العنق، مع حني الرسغ، بحيث تلامس الأصابع الجلد بالكاد. هذه هي الإيماءة النموذجية للغنج. إن طبيعتها الأنثوية جلية للغاية بحيث لو حاول أي رجل محاكاتها سيخلق غالبًا انطباعًا بأنه مثلي الجنسي على الفور. هذه الإيماءة شائقة بالنسبة لأغراضنا هنا على نحو كبير، لأنها متطفلة على إيماءة الانتشاء التي ناقشناها للتوّ. بل واقع الأمر، أن الإيمائتين غالبًا ما يوجدان معًا، ولهذا ما يبرره. فالإيماءة المغناج لليد الموضوعة فوق النهدين تقول شيئين في آن: فمن ناحية، هي تغطي جلد الرقبة الحساس كتعبير عن الاحتشام أو الاندهاش أو الخجل. وعلى الناحية الأخرى، بتغطيتها لهذه البقعة الحساسة، لا مناص لها من أن تعلن عنها أيضًا وأن تجليها. وأي شيء هذه الوضعية المتضاربة سوى جوهر الغنج والدلال؟ ففيها تبدو المرأة خجلة لكن مغوية في الوقت عينه، متسترة لكن متعرية في الوقت عينه. والشيء الذي يُعرض ويُحجب في آن هنا ليس، في نهاية المطاف، سوى رغبتها نفسها. فحائمة عمدًا فوق الثدي، تبدو اليد المغناج أنها تنكر، باحتشام، وجود متعة نحن نعلم جيدًا، كما تعلم صاحبتها جيدًا، أنها موجودة هناك.

أتمضي ربطة العنق إلى حتفها؟

يبدو أن ربطات العنق تفقد مكانتها المعيارية التي نعمت بها لردح من الزمن. وتقليد ربطة العنق شرع في اكتساب هالة الشيء الذي صار من الماضي

يمكن لهذا المنظور التحليلي النفسي[28] الذي نظرنا من خلاله في أردية العنق أن يمدنا بأساس لتأمل شيق حول حقائب يد السيدات. فمحمولة، كأمر واجب، من قِبل ملايين النساء تُسمى هذه الجِراب الصغيرة خطأ بـpocketbook أي محفظة يد على شكل كتاب. فشبيهة بالرحم أكثر من شبهها بالكتاب، ومحشوة بما لا يعرفه أحد من أحشاء غامضة، ألا تكون هي المكمل الأنثوي لربطات عنق الرجال القضيبية؟

لكن دعونا نترك هذه المسائل جانبًا ولنتطرق، عوضًا عن ذلك، إلى بعض الملاحظات الختامية حول ربطة العنق. بوسعنا أن نلاحظ، أولًا، كيف أن تحليلي لكود أردية العنق يكشف لنا عن شيء أساسي حول الطريقة التي تعمل بها الرمزية اللاواعية. فموضتي أردية عنق الرجال والنساء تعملان سويًا في نظام تكاملي. وعليه، فإن أردية العنق تمثل لغة بالمعنى التقني الذي يعطيه السيميائيون لهذه الكلمة، أي نظام من العناصر التي يعمل كل منها على تحديد معنى الآخر. وهذا استنتاج قيّم وشيق، لأنه يكشف عن كيف أن نظامًا دقيقًا للغاية يعمل، بشكل لا واعي، على تشكيل حتى الإدراكات اليومية الأكثر اعتيادية. فبمعنى ما، كل عناصر التحليل السالف (ربطة العنق المفكوكة، البابيون، الياقة المنخفضة، إلخ) كانت واضحة بجلاء ومتاحة أما أنظار كل أحد. لكن الشيء الذي لم يكن واضحًا بجلاء هو الطريقة التي تعمل بها هذه العناصر سويًا ضمن نظام معنى دقيق. فـنظام المعنى هذا هو الشيء اللاوعي بالفعل.

وأود، ثانيًا، أن أضيف تعليقًا حول حدود المنظور الذي تبنيته في تحليلي هذا. قبل كل شيء، لا أدّعي أبدًا أن التأويل الذي قدمته هنا هو تأويل شامل وتام. فقرائتي لربطة العنق القضيبية لا تستنفد معنى ما يرتديه الناس حول أعناقهم إلا بقدر ما يفسر توضيح تصريف فعل ما كل ما في بيت شعر من معان. وعلاوة على ذلك، كل ما وصفته هنا ذي صلة بسياقات تاريخية وثقافية مخصوصة جدًا ــ ولعل القارئ قد لاحظ بلا شك أن العديد من أمثلتي كانت عتيقة بعض الشيء. فالموضة هي ظاهرة لا تنفك تتغير؛ بل في واقع الأمر، وجودها نفسه يعتمد على التغير. أيضًا قد ركزت على جزء محدود من أنظمة الأزياء التي نرتديها اليوم. وأخيرًا، هذا الجزء الذي ركزت عليه أبسط بكثير من باقي الأجزاء. والشيء الذي يجعله بسيطًا هكذا هو الطبيعة الأيقونية لعنصره الأساسي (ربطة العنق)، الذي يعمل على تنظيم عدد من الثنائيات البدائية بدرجة كبيرة. وإلقاء نظرة على تاريخ الموضة الأوسع يدفعنا للحكم على هذه البساطة بأنها الاستثناء وليس القاعدة. فمعظم موضات اللباس مبنية حول تميزات أقل فجاجة، وتُظهر تباينات ثنائية أقل بساطة، ومن ثمّ تشتمل على أكواد أكثر تعقيدًا.

لكن بساطة الكود المعاصر لأردية العنق وخصوصيته التاريخية يتركاننا أمام سؤال أساسي أخير: لماذا ربطة العنق الآن؟ ففي نهاية المطاف، عمر ربطة العنق المعاصرة يبلغ قرنًا من الزمن بالكاد. فإذا كانت ربطة العنق مربوطة أيقونيًا بأعضاء الذكر وإذا كانت، من ثمّ، الآلية الرمزية الكامنة ورائها بدائية إلى هذا الحد، فلماذا لا نجدها أكثر ظهورًا على مدار تاريخ اللباس؟ الواقع، أن الظهور المتأخر لربطة العنق يضعنا أمام معضلة مزدوجة، ذلك لأنها تمثل ظهورًا لضرب بدائي وأولي جدًا من الرمزية في قلب الحقبة الأشد تعقدًا و«تحضرًا» من التاريخ. كيف يمكن لنا أن نفسر كل ذلك؟

لنُجب على هذا السؤال باختصار، يمكن أن نقول بأن تاريخ ظهور ربطة العنق يتطابق تقريبًا مع تاريخ تطور رئيس في الثقافة الصناعية: دخول النساء منفردات إلى عالم الشغل. فقبل نشأة الرأسمالية الحضرية، كان المجال العام مقصورًا على الرجال بينما كانت النساء قابعات في المجال الخاص. لكن على مدار القرن ونصف قرن المنصرمين وجد الرجال والنساء أنفسهم، وعلى نحو لا ينفك يتزايد، في نفس المجال الاجتماعي، يتنافسان أكثر وأكثر على وظائف متشابهة. وبوسعنا أن نتخيل أن هذا التطور قد أثار حاجة عميقة إلى إعادة تعريف الجندر وتحديده، إلى إعادة التوكيد على الهوية الذكورية والامتياز الذكوري. وهي الحاجة التي هبْتّ ربطة العنق الذكورية لتلبيتها، بتأشيرها، بشكل لا لبس فيه، على من هو الرجل ومن هي المرأة. يمكن لهذا أن يفسر لنا كيف حلّت ربطة العنق مشكلة حديثة تمامًا، لكن يمكن له أيضًا أن يفسر لنا لم اعتمدت على وسيلة بدائية نسبيًا لحلها. فالأساس شبه الطبيعي لرمزية أيقونية قد يكون هو الشيء المطلوب لتدعيم الحد الفاصل بين الذكوري والأنثوي، على نحو مرئي بجلاء.

وبالرغم من أن هذا التفسير لا بد أن يظل مؤقتًا وغير مؤكد، دعونا نجازف بطرح هذا التنبؤ على أساسه. لو كان ثمة شيء من الحقيقة في الأطروحة القائلة بأن ربطة العنق مثلت استجابة لضغوط الثقافة الصناعية، فيمكننا القول بأنها ستزول بنفس السرعة التي ظهرت بها تقريبًا. أولسنا نرى عملية الزوال هذه وقد بدأت بالفعل؟ فالمرء أصبح يرى بشكل لا ينفك يتكرر رجال حسني الهندام من دون ربطة عنق، وأحيانًا بياقة مزررة بالكامل كما لو كانت تتباهى بغياب الربطة. ولقد صك مراقبو الموضة اسمًا لذلك حتى: air tie (ربطة العنق الخفية). ففي مساء يوم سبت في حفل موسيقي في الخمسينيات، مثلًا، من العسير أن نجد رجلًا واحدًا من بين الحضور لا يرتدي ربطة عنق. أما في أيامنا هذه، لو ذهبنا إلى نفس قاعة الحفلات هذه فسنجدها مليئة برجال يرتدون سترات رياضية وقمصانًا مفتوحة وكنزات برقبة عالية وتي شيرتات حتى. ربما تكون ربطة العنق فعلًا في طريقها إلى الزوال، ربما تكون على وشك اللحاق بالـcodpiece (جراب أعضاء الذكر الذي كان يُرتدى في أوروبا قديمًا) إلى ركام الثياب العتيقة. إذ يبدو أن ربطات العنق تفقد مكانتها المعيارية التي نعمت بها لردح من الزمن. وتقليد ربطة العنق شرع في اكتساب هالة الشيء الذي صار من الماضي. لكن قد لا يكون لهذه التطورات أية علاقة بانفراج التوترات التي أنتجت الكود المعاصر لأردية العنق. ففي الأخير، التجريب غير المنقطع هو أحد السمات الأساسية للحظتنا الثقافية الراهنة. فما بعد-الحداثة قد قوضت كل شيء سوى نهمها لما هو جديد. هل ستموت ربطة العنق؟ ربما. لكن بها أو بدونها، سيواصل الرجال والنساء، على الأرجح، لعبة إكساء الجندر وسيجدون رموزًا جديدة ليلعبوا هذه اللعبة بها. إن مسرح الجندر لا يزال آثرًا وماتعًا بشدة، وسنجد، بلا ريب، لغات جديدة لكي نكتب بها له المسرحيات.


[1] Phallus

قلما استخدم فرويد لفظ «الفالوس»، وإنما هو يستخدم لفظ «القضيب» penis عوضًا عن ذلك، وحتى عندما يستخدم لفظ الفالوس (كصفة على الأغلب: phallic) يستخدمه كمرادف للقضيب. في المقابل، يقيم جاك لاكان تمييزًا بين الفالوس والقضيب. القضيب هو العضو التناسلي نفسه أي أنه ينتمي لمستوى الواقعي the real بينما الفالوس هو الوظيفة التي يلعبها هذا العضو في المستويين التصوري (التخيلي) imaginary والرمزي symbolic. وفي سياق المرحلة الأوديبية يشير الفالوس إلى دال رغبة الأم وموضوعها (الذي لا يمتلكه الطفل ويعزوه إلى الأب). وبعيدًا عن السياق الأوديبي، الفالوس هو دال رغبة الآخر عامة، ومن ثمّ هو دال نقصه، ما يفتقده الآخر وبالتبع ما يرغب فيه. وهو دال ذو حظوة privileged signifier، دال سيد master signifier: دال بلا مدلول، لكنه يقود ويوجه سلسلة تدليل signifying chain بأكملها، إنه الدال الذي يعرض الذات للدوال الأخرى. وعلى أية حال، نحن في غنى عن تفصيل القول في مفاهيم لاكان (العسيرة) هذه، بما أننا لن نحتاج إليها في هذا النص. وسنستخدم لفظ قضيب هنا أكثر من فالوس بما أن السياق فرويدي في المقام الأول وليس لاكاني. (المترجم، وكل الهوامش له). 

[2] unconscious

[3]«السؤال الكبير الذي لم يُجب عليه قط والذي لم أستطع أن أجد له جوابًا حتى الآن على الرغم من السنوات الثلاثين التي قضيتها في سبر النفس الأنثوية، هو: ماذا تريد المرأة بالضبط؟». رسالة إلى ماري بونابرت (حفيدة نابليون وتلميذة فرويد)، مذكورة في سيرة إرنست جونز سيجموند فرويد: حياته وأعماله (1955)، المجلد الثاني، القسم الثالث، الفصل السادس عشر.

[4]the necktie

[5] neckwear

[6] iconicity

[7] Power ties

 تعبير استخدمته صحيفة الواشنطون بوست لأول مرة في الثمانينيات، للإشارة إلى ربطات العنق ذات اللون الفاقع والشكل المحافظ التي تُردى من طرف ذوي السلطة والتأثير. (م).

[8] Dionysus

[9] Priapus

إله خصوبة، هو الحامي للمواشي والفواكه والحدائق ولقضيب الذكر. مشهور في الصور بقضيبه المنتصب هائل الحجم، ومن اسمه اشتق اسم حالة الانتصاب غير المنقطع التي قد تودي بقضيب الرجل: priapism.

[10] Maypole

[11] bride-stake

[12] Satyr

[13]سفر التكوين، الإصحاح 24، الآيات 2-9.

[14]نقرأ في لسان العرب: «الرَّكَبُ ظاهرُ الفَرْج؛ وقيل: هو الفَرْج نَفْسُه».

[15] negation

[16] صديقي، أدهم عبد الباري، لفت نظري هنا إلى أن تأثيرًا مشابهًا يمكن أن يحدثه جر المرأة للرجل من ربطة عنقه عوضًا عن (أو قبل) فكها؛ فالربطة حينها لا تعود شبيهة بالقضيب وحسب وإنما بالقضيب المنتصب (على يد امرأة) علاوة على ذلك.

[17] bowtie

[18] يُستعمل تعبير tying the knot (شد الربطة أو ربط العقدة) ككناية عن الزواج وعن عقد القران تحديدًا (ربما يعود أصل ذلك إلى أن العريس والعروس كانا، قديمًا، يربطان عقدة في طقس زفافهما من باب التوكيد على وثاقة الرباط بينهما)، ووفق هذا التحليل لربطات العنق يمكن تأويل هذا الاستعمال على أنه يفيد التالي: بزواجه، يقيد الرجل جنسانيته ويقصرها على امرأة واحدة، زوجته. وهنا أيضًا لفت أدهم نظري إلى أنه من الممكن أن نطرح تأويلًا مماثلًا لطقس زواج آخر وهو خاتم الزواج أو «الدِبلة»، فالدبلة حول إصبع الرجل ترميز لتقييد قضيبه، أي كبح جماحه وقصره على زوجته فحسب. ومن هنا نفهم غضب الزوجة الشديد عندما تجده قد خلع دبلته، فعندها تشرع على الفور في الشك في أنه بصدد خيانتها، بما أنه قد فك القيد عن قضيبه. 

[19] fantasy

[20] Marked and unmarked

البروز markedness هو علاقة بين علامتين إحداهما أكثر بروزًا من الأخرى بسبب تضمنها لسمة غير موجودة في الأخرى.

[21] نطلق لفظ الكرفتة (الفرنسي الأصل) على ربطة العنق عادة، وإن كانت تشير تحديدا إلى الأسكوت (ascot) وهو ربطة عنق عريضة أقرب إلى الوشاح المربوط حول العنق.

[22] neckline

[23] الياقة أو فتحة الرأس أو "الجيب" لو أردنا أن نتكلم بالفصحى. وهنا لاحظ أدهم أن الرمزية الجنسية لجيب المرأة تتجلى للغاية في حقيقة أن مريم العذراء قد حبلت في المسيح عن طريق نفخ جبريل في "جيبها". وكذلك في اهتمام الإسلام بتغطية هذه المنطقة من الجسد: "وليضربن بخمورهن على جيوبهن".

[24] bodice

[25] lacy halter

[26]على ذكر «الأحجار» الكريمة، يضيف أدهم، يمكن النظر إلى العقد كضرب من الرجم، بالمعنى الطقسي الأصلي للكلمة: أي تعيين حدود الحمى، حدود المقدس بواسطة الأحجار. بوضعه لعقد حول رقبة امرأة، إذن، يرسم الرجل حدود ما يحل له لكن يحرم على غيره.

[27] The Phenomenon of Ecstasy

[28] Psychoanalytic