رحلة إلى الهند لـ إي. إم فورستر (1924)

مقال لروبرت مكروم

نُشر بموقع الجارديان 18 أغسطس 2014

ترجمة: مريم ناجي

الترجمة خاصة بـ Boring Books

تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها


رحلة إلى الهند، عن الجارديان

في عام 1957، كتب إدوارد مورجان فورستر، متقدمًا في السن مُتذكرًا ما مضى، أن عالم نهاية الإمبِراطوريَّة في رواية رحلة إلى الهند «لم يعُد موجودًا، لا سياسيًا ولا اجتماعيًا». اليوم وبعد مرور حوالي مئة عامٍ على تأليفها، ما زالت الرواية موغلة في القدم مثلما كانت دومًا. لكن وبسبب أن اهتمام فوستر اِنصبَ على بناء علاقةٍ بين مدرسةٍ بريطانية وطبيبٍ مسلم، عاكسًا التراجيديا الأعظم للاِستعمار، تعتبر رواية «رحلة إلى الهند» إنجازًا عابرًا للزمن بشكلٍ غريب، وتًعد واحدة من أعظم روايات القرن العشرين.

الجزء الذي يتذكره أغلب القرّاء من الرواية هو، طبعًا، جزء الفاجعة الرومانتِيكِيّة الملتوية التي وقعت في كهوف مارابار. إذ أنه عندما وصلت آديلا كويستد، المُعلِّمة البريطانية، بصحبة رفيقة سفرها السيدة مور إلى مدينة «شاندرابور» [مدينةٌ خيالية]، دخلتا إلى الهند المستعمرة، وهي مكانٌ مستغرق في ترويج قيم المجتمع البريطاني ونمط حياة أفراده. الفكرة هي أن آديلا تقابل ابن السيدة مور -روني- وتعتزم الزواج منه، وروني موظف حكومي بريطاني مناسبٌ للزواج لكنه متعصِّب؛ ويعمل موظفًا قضائيًا للبلدة. لكن لدى الآنسة كويستد، كما يُشير اسمها، [Quest-ed – بمعنى يبحث أو يفتش] أفكارٌ أخرى. ترفضُ تحامُل المجتمع البريطاني وتقوقعه على نفسه، وتنطلق لاستطلاع الهند «الحقيقية». يُساعدها في رحلة بحثها دكتور عزيز، الطبيب المسلم الشاب الذي يُحاول ساذجًا توطيد أواصر الصداقة بين العِرق المُتحكم والخاضعين للاستعمار. ويُشجعهما عميد الكلية الحكومية المحلية، كلًا على حدة.

رتَّب عزيز للآنسة كويستد والسيدة مور رحلةً لزيارة الكهوف الشهيرة في مارابار. وهناك، في واقعةٍ كلاسيكية من «وقائع الفوضى» الفورسترية، حدث شيءٌ ما بين عزيز وآديلا؛ شيءٌ شوَّه سمعة الطبيب وأشعل فتيل الكراهية المسعورة للأَصاحِـيب البريطانيين[1]. يُسجن عزيز وسط هذه الأزمة، ويُحقرَ من شأنه بوصفه «إفرنجيًا فاسدًا». في النهاية، تُسقِط آديلا التهم بعد المُحاكمة، وينتقل عزيز المتطرف والغاضب، إلى مسقط رأسه في مُخيلة فورستر. يقول وهو يقف وحيدًا والأمطار الموسمية تهطل: «أنا هنديٌ في نهاية المطاف». في الجزء الختامي من الرواية يزوره فيلدينج، المُعلم البريطاني الذي وجد عزيز فيه صديقًا مخلصًا ومؤتمنًا لأسراره. أرَّقت علاقة عزيز وفيلدينج مضجع فورستر؛ يكتب في فقرةٍ سببت له غصَّةً إبداعيةً مؤلمة، يتصارع فيها مع تعقيد التفاهم بين الشرق والغرب: «لكن الحصانين لم يرغبا في ذلك؛ لقد انحرفا مفترقين. السجنُ والقصر والطيور والجيفة ... كلهم لم يرغبوا ذلك؛ قالوا: (لا، ليس بعد)، وقالت السماء: (لا، ليس هناك)». إنها خاتمةٌ موحشة لكن متبصّرة؛ فقضية الشرق والغرب لم تقترب من الوصول لحلٍ إلى اليوم يتجاوز ما كان عليه الوضع من مئة عامٍ مضت.

ملاحظة على النص

زار إي. إم. فورستر كهوف «بارابار» في زيارته الأولى للهند في يناير 1913. لم ينسَ هذه التجربة أبدًا، ومنها تبلورت كهوفه الخيالية «مارابار» حيثما أرسل السيدة مور ورفيقتها الشابة آديلا في الجزء الأوسط والأكثر أهمية من تحفته الفنية؛ الجزء الثاني المعنون بـ«الكهوف». شرَع في كتابة روايةٍ هندية عند عودته من الهند، لكنهُ انصرفَ عنها ليكتب رواية «موريس»، وهي رواية تحكي عن الرغبة المثلية الجنسية، ولم تُنشر إلّا بعد وفاته. لم يعُد للعمل على مخطوطة روايته «الهندية» حتى عام 1921، وبعد قبوله بوقتٍ قصير لمنصب السكرتير الخاص لمَهَرَاجَا[2] مدينة ديواس. رغم ذلك فإن تجربة كتابة الرواية لم تُلبِ توقعاته؛ أقرَّ سرًا بأنه «كان ملولًا من تثاقل نمط الكتابة وتقاليدها»، خصوصًا «الجهل الرِوائي المقصود». كان جزء المعبد الأخير هو محاولة فورستر -بعد مُغالبةٍ طويلة- للأخذ بسرد القصة إلى صعيدٍ أعلى، وكذلك لحل الصراع المستعصي على الحل في فترة الراج البريطانية.[3]

نشرت دار النشر البريطانية إدوارد أرنولد رواية «رحلة إلى الهند» في الرابع من يونيو عام 1924، ثم طبعتها شركة هاركوت للنشر في الرابع عشر من أغسطس في نيويورك. استعار فورستر عنوانه من قصيدة لوالت ويتمان تحمل الاسم نفسه في «أوراق العشب». كان هناك سبعة عشر ألف نسخة في بريطانيا في نهاية السنة، وأكثر من خمسة وأربعين ألف نسخة في الولايات المتحدة. أتت مبيعات فورستر التي كانت أفضل من أي وقتٍ مضى مصحوبةً بمراجعاتٍ حماسية. باستثناء النقاد في الهند؛ الذين كانوا قلقين من تصوره عن المجتمع الأنجلو-هندي. لكن في أيامنا الحالية، يُعد فورستر كاتبًا متبصِّرًا على نحوٍ عجيب.

نسخة رواية «رحلة إلى الهند» المطبوعة على الآلة الكاتبة ومخطوطة المراجعات محفوظتان في مكتبة كلية الملك في كامبردج، وهي موطنُ فورستر في سنواته الأخيرة. لم يكتب فورستر روايةً أخرى وعاش حتى عام 1970، وبلغ من العمر واحدًا وتسعين عامًا. ولستةٍ وأربعين سنة، تَنامت سُمعتهُ مع كل كتابٍ لم يكتبه. نُشرت «موريس» (التي كُتبت بين عامي 1913-1914)، عام 1971، بعد وفاته، وهي رواية تدور حول المثلية الجنسية صراحةً.


[1]  الأصاحِيب أو الصاحاب (Sahibs) هي جمع صاحب، وهو لقب الرجل الأوروبي ذي المكانة المهمة في الهند فترة الاستعمار.  

 [2]  المهراجا (Maharajah): الأمير الهندي الذي تولى حكم مدينة في الهند في فترة الاستعمار.

[3]  الراج (Raj) تعني حكم، والراج البريطاني هو فترة استعمار بريطانيا للهند.