اختار الصحفي والناقد الإنجليزي روبرت مَكروم قائمتين لأفضل مائة عمل سردي وأفضل مائة عمل غير سردي باللغة الإنجليزية، وكتب مقالًا يخص كل عمل منهم. نترجم في هذه السلسلة بعض هذه المقالات.

نساءٌ صغيرات للويزا ماي ألكوت (1868-1869)

مقال لروبرت مكروم

نُشر بموقع الجارديان 3 فبراير 2014

ترجمة: مريم ناجي

الترجمة خاصة بـ Boring Books

تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها


فيلم "نساء صغيرات" المأخوذ عن الرواية، عن scroll

لرواية «نساء صغيرات» مَكانةٌ فريدةٌ في هذه السلسلة؛ طَلبَ أحدُ الناشرين كِتابتها ومُقتَرِحًا فكرتها الرئيسية أيضًا. غدتْ على الفور من أكثر الأعمال رَواجًا، وأصبحتْ عملًا كلاسيكيًا من نوع الكتابات المتعلقة برِحلة الوصول لسن الرشد، وما زالت تَظهرُ في استطلاعات القراءة الأنجلو-أمريكية، وتَظل من ضمن أكثر الرواياتِ قراءةً على أوسع نطاقٍ في التاريخ.

وُلِدتْ لويزا ألكوت عام 1832، وهي الابنة الثانية بين أربع بناتٍ لعالِمٍ تربوي معروف من بوسطن، ومولعٌ بقراءة أجزاء من رواية «رحلة الحاج» لكاتبها جون بونيان جِهارًا على مسامع عائلته. واظبتْ لويزا وهي فتاة على «الشخبطة»، وبِيعَت جُهودها الصبيانية إلى عددٍ من المطبوعات التي تستهدفُ الشابات.

كانت لويزا قد نشرت كُتبًا للأطفال قُبيل منتصف ثلاثينياتها، إضافةً إلى روايتها الأولى «حالاتٌ مِزاجية» (Moods)، وبعض المقالات الصحفيَّة عن تجربتها وهي ممرضة أثناء الحرب الأهلية الأمريكية بعنوان «مُونُولُوجات المشفى» (Hospital Sketches). كَتبت أيضًا تحت اسمٍ مستعار قصصًا رومانسية ومغامراتٍ لمجموعةٍ من إصدارات «البيني دريدفول» (penny-dreadful)[1].

في عام 1867، اعترضتْ لويزا في البداية حين طَلبَ منها المحرر في دار نشر «روبِرتس بروذرز» أن تكتب روايةً «للفتيات» حصرًا. قالت إنها ليست مهتمة، لكن الفكرة عَلِقت بذهنها. ولِكونها كاتبةً محترفة، فقد كانت على دِرايةٍ واسعة بسوق الأدب المعاصر المزدهر الموجَّه للشابات، عِلاوةً على أنه كان عليها سداد بعض الديون العائلية.

في بداية مايو 1868، كتبتْ في يومياتها أنها لم «تستمع بهذا النوع من الكتابة» -رغم أنها كانت تعمل على رواية «نساء صغيرات»، (اقترح الناشر العنوان أيضًا)- لأن «الفتيات لم يرقن لي أبدًا، ولم أتَعرَّف على الكثير منهن باستثناء أخواتي؛ لكن يُمكن لمسرحياتنا ولتجاربنا الغريبة أن تكون مُثيرةً للاهتمام، رغم شكي في هذا».

نادرًا ما كان الحكم المبدئي على عملٍ قيد التنفيذ بعيدًا عن الصواب لهذه الدرجة؛ شكّل استخدام لويزا لحيوات أخواتها عُنصرًا حيويّا، وعلى الرغم من أنها اِستلهمتْ بنية «نساءٌ صغيرات» من رواية «رحلة الحاج» (العمل الأول في قائمة مكروم للأعمال السردية)، فالراجح أن أحداثها ذَاتية جزئيًا، ومُستقاةٌ من ذكريات طفولتها. لويزا قطعًا هي جو. الفتاة الجَسُورة (والكاتبة الشغوفة) التي تتوق «لفعل أشياء جريئة»، والتي تناضل لتهرب من السجن الفيكتوري المنصُوب لجِنسها. ستصبح جو مارش وأخواتها قدوةٌ يُضرب بها المثل لدى العديد من نساء الأمريكيات في الأجيال التالية.

العاملُ الثاني المُؤثر في نجاح رواية «نساءٌ صغيرات» هو أسلوب لويزا السهل المباشر، والمبني على أساس واقع الحياة اليومية؛ فالفتيات الأربع -جو ومارجِريت (ميج) وإليزابيث (بيث) وآمي- يتحدثن ويشعرن مثل أي فتاةٍ أمريكية عادية آنذاك. عززت فكرة الأب الغائب (كان يؤدي خدمته كقسٍ في الجيش إِبّان الحرب الأهلية) استقلالهن ووَضعت هذا الرباعي المفعم بالحيوية في محور السرد الذي صُوّرَ، بالتبعية، في صوتٍ سرديٍّ أصليٍّ بالكامل وبالغ الواقعية. (تحذير: حرق للأحداث!) مثلًا في فصل «وادي الظلال»، حينما تموت بيث، تخطّ لويزا بأسلوبٍ توثيقي في دفتر يومياتها موتَ شقيقتها إليزابيث السابق لأوانه.

في النهاية، ضمن استخدام لويزا لرحلة «بحث» جون بونيان، بجانب العناصر الرومانسية التي نَسجتها في حكاية «النساء الصغيرات» (لنا أن نُسميهن «شاباتٍ بالغات»)، أن يحقق لفتيات قصتها الأمريكيات نجاحًا فوريًا ساحقًا لدى عامة القراء. نُشرت رواية «نساءٌ صغيرات» في أكتوبر من عام 1868، وفي الأول من نوفمبر من نفس العام، كانت لويزا تعمل على الجزء المُكمل للقصة. ولم تتوقف طباعة الرواية منذ ذلك الحين.

ملاحظةٌ على النص

ظهرتْ الطبعة الأولى لرواية «نساءُ صغيرات» الخاصة بدار نشر «روبِرتس بروذرز» في الأول من أكتوبر لعام 1868 بعدد ألفي نسخة، واستمر هذا النجاح للعام التالي مع طباعة الجزء الثاني من «نساء صغيرات»، الذي يُسمى أحيانًا «زوجاتٌ فاضلات». يصل متوسط النسخ المُعاد طباعتها لهاتين الروايتين إلى ألف نسخةٍ في الشهر، ونُقح النصين مع إعادةٍ رسم الصور ثم طُبِعا في كتابٍ واحد في عام 1881.

في إنجلترا حينذاك، رغم أن «سامبسون لو» كان الناشر الرسمي، لم يكن متوفرًا له سوقٌ حر ذو حركة تداولٍ نشطة. وفي ظل غياب اتفاقيات حقوق النشر بين بريطانيا والولايات المتحدة، تعددتْ الطبعات المتنافسة من دور النشر المُتبارية (لا سيَّما بين دار نشر روتليدج، ودار نشر وارن، وبلاكي، إلخ). ولم تحظ رواية «نساءٌ صغيرات» بين القرّاء البريطانيين بالمكانة الأيقونيّة نفسها التي احتلتها في الولايات المتحدة.


[1] هي سلسلةٌ أدبية شعبية ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر، يأتي اسمها من سعرها الرخيص ومحتواها السريع والسيء الإنتاج الذي يأخذ طابع الرعب والإجرام والمغامرات.