الجنسانية البشرية منحرفة بالفطرة

مقال: سلافوي جيجيك

نُشر في spectator، ديسمبر 2019

ترجمة: كريم محمد

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.


جيجيك عن goldendrum

إنّ كثيرًا من النّسويين المتبنّين للصّوابيّة السياسية ليتخذون موقفًا شديد العداء من فرويد، ومن التحليل النفسي بعامّةٍ، باعتبارهما أكلَ عليهما الدهرُ وشرب. أنا، نفسي، هُوجمت مؤخرًا في أستراليا كعجوزٍ أبيضَ لم يقرأ كتابًا منذ ثلاثيَن عامًا. والحال أنّ ما يقومون به على نحو فعال هو كبت التبصّر الأساسيّ لفرويد، ذلك التبصر المتعلق بالذات المنشطرة أو المقسمة وتبصّره بخصوص اللاواعي – أي حقيقة أنّ الناس بعامّةٍ لا يعرفون ما يريدون ولا يريدون ما يرغبون.

هذا هو السببُ في أنّ التوافق الحرّ الصّريح لشريكين في علاقة جنسيّة ليس بالأمر الكافي لتفادي العنف. وحتى إذا كان ليس من المطلوب توفّر عقدٍ مكتوبٍ أو «سيلفي» للشريكين، فإن الحدّ الأدنى الذي يطلبه هؤلاء الذين يعتريهم القلقُ بشأن العنف في الجنس هو موافقة شفهيّة صريحة، كما هو مُطلوب بمقتضى قانونٍ جديد سُنَّ في مدينة نيو ساوث ويلز. ما تتجاهلهُ هذه الرؤية هو العنف المُحايث للجنس (Sex): فالجنس «بحد ذاته» ليس مجالًا للمُتَع المُبهجة المشوّهة من الخارج بعلاقات الهيمنة والعنف؛ إذ إنّ المكوّن السادو-مازوخيّ هو بمثابة أمر تأسيسيّ للجنس.

في تعليقٍ مثيرٍ على دور القبول والموافقة في العلاقات الجنسيّة، تحيلُ إيفا وايزمان (Eva Wiseman)  إلى لحظة في سلسلة «أثر الفراشة» التي يقدّمها كبودكاست جون رونسون حول الصّدمات الارتكاسيّة الناجمة عن الإباحيّة الإنترنتيّة. إذ تقول: «في أحد الأفلام الإباحيّة، يفقدُ ممثلٌ انتصابَه في منتصف المشهد - ولينتصب قضيبه مجددًا، ابتعدَ عن المرأة، العاريةً تحته، مُنتزعًا هاتفه باحثًا في الإنترنت عن موقع Pornhub  وهو الأمر الذي صعقني كأنّه نهاية غامضة للعالَم». وتخلصُ إلى أنّ «هناك شيئًا فاسدًا في دولة الجنس»[1].

أوافقُ على ذلك، لكنّني أودّ أن أضيفَ درسَ التحليل النفسيّ هنا: إذ هناك شيءٌ فاسدٌ بشكل تأسيسيّ في دولة الجنس، فالجنسانيّة البشريّة بحدّ ذاتها منحرفة، وعرضة للانتكاسات السادو-مازوخيّة ولتمازُج الواقع والاستيهام بشكل أخصّ. فحتّى عندما أكون وحدي مع شريكي الجنسيّ، فإنّ تفاعلي الجنسيّ معه/معها يكون متشابكًا، بشكل لا تُنقَض عُراه، مع استيهامي؛ أي إنّ كلّ تفاعلٍ جنسيّ يمكن وصفه على أنّه «استمناء مع شريك حقيقيّ» -فأنا أستخدم جسد شريكي ولحمه كدعامة لتحقيق/وإنفاذ استيهامي.

لذلك فأنا متفهّم تمامًا للممثل الذي بحث عن هذا الموقع الإباحيّ من أجل أن يُعيد انتصابه مرّة ثانية -فهو كان يبحثُ عن دعمٍ فانتازيّ/استيهاميّ لهذا الأداء. ولهذا السبب نفسه، وكجزءٍ من الوصال الجنسيّ، يطلبُ أحد الشريكين من الآخر أن يواصل الكلام والحديث، وعادةً ما يكون يروي شيئًا «بذيئًا» - حتّى عندما تُمسكُ بين يديك بـ «الشيء نفسه» (أي الجسد العاري للشريك المحبوب)؛ فهذا الحضور عليه أن يكون مكمَّلًا بالاستيهام اللفظيّ.

وعليه، عودًا إلى وايزمان، التي تختمُ تعليقَها بالقول «إنّه بمحاولة فهم المشهد الغائم الجديد للإباحيّة، فإنّنا سنغدو على مقربة من إقامة علاقة صحيّة مع جنسانيّتنا الخاصّة». لكن، ما إذا كانت الجنسانيّةُ بحدّ ذاتها ليست صحيّة تمامًا؟ وماذا إذا كانت الجوانبُ الغائمة للإباحيّة لا تشوّش فقط الجنسانيّة الصحيّة من الخارج، ولكنّها تُصبحُ ممكنةً من خلال جانبها غير الصحيّ؟

في ديسمبر 2019، وحينما علمَ ستيف مارتن بالموت المفاجئ لكاري فيشر، غرّد على تويتر قائلًا: «حينما كنتُ شابًّا، كانت كاري فيشر المخلوق الأكثر جمالًا الذي رأته عيني. واتّضحَ أنها بارعة وذكيّة أيضًا». والحال أنّه حصل ردّ فعل عنيف فوريّ -حيث اتُّهِمَ مارتن بأنّه يقوم بـ «تشييء» فيشر، وبأنّه يركّز على جسدانيّتها بدلًا من التركيز على مواهبها وأثرها- من معلّقٍ بتويتر ردّ قائلًا: «أعتقدُ أنّنا على علمٍ بأنّها أكبر من كونها مجرّد كائن جميل. كيفَ تريدُ أن يذكركَ الناس بعد رحيلك؟» وعليه، حذف مارتن تغريدته. هذا الاتّهام لمارتن يبدو لي تافهًا؛ لأنّ مارتن يحدد بوضوح استيهامه/إعجابه بجمال فيشر في اللقاءات الأولى، وبعدها انتقلَ فورًا مشيرًا إلى «براعتها وذكائها»  -فبيتُ القصيدِ في تغريدته أنّها كانت أكثر من مجرّد امرأة جميلة. بيد أنّ الأهمّ من ذلك هو أنّه في مجتمعاتنا (وفي كافّة المجتمعات)، هناك أفكار بعينها سائدة تاريخيًّا عن الجمال، وأيّما امرأةٍ (أو رجلٍ!) تتناسبُ صراحةً مع هذه المعايير، فإنّه يُشار إليها أو إليه باعتبارها جميلة ومثيرة جنسيًّا (وهما ليسا الشيء نفسه دائمًا بطبيعة الحال).

لنضع في اعتبارنا أنّه لكي تحظر الحديث عن ذلك، يعني تعليق الحكم على الجنسانيّة بحد ذاتها، وليس فقط »التشييء». وبالتالي، الصّدمة الحزينة لأولئك «‘القبيحين» والذين يجدون صعوبةً في إيجاد شركاء مثيرين جنسيًّا لا يتمّ علاجها فحسب، بل يتمّ تجاهلها تمامًا، وبالتالي تواصل هذه الصّدمة عملها المطمور؛ ممّا يؤدي إلى انفجارات محتملة من الحسدِ، والإحباطِ، وخلافه. لذا؛ فإنّ العزوبيّة غير الطوعيّة (Incels) أكثر صدقًا ههنا: فإنّهم يعترفون صراحةً بقبحهم ويحاولون التعامل معه بصورة مرحة باعتباره سمةً إيجابيّة.

اقرأ المزيد: لنوقع عقدًا قبل ممارسة الجنس


  • [1]في الحقيقة، يستعير جيجك هنا عبارة من شكسبير في ‘‘هاملت‘‘، تقول: "هناك شيءٌ فاسدٌ في دولة الدنمارك"/ مستعيضًا عن الدنمارك بالجنس في هذه الحالة. [المترجم]