في الغرب، على الأقل، صار كل الناس واعين بشكل هائل بمدى القهر والاستغلال في العلاقات الجنسية.
ولكن علينا أيضًا أن نضع في أذهاننا الحقيقة (التي لا تقل أهمية) التي تقول إن ملايين الناس في الحياة اليومية يتغازلون ويمارسون لعبة الإغواء، بهدف واضح، وهو إيجاد شريك لممارسة الحب معه. ما وصلت إليه الثقافة الغربية الحديثة أنه من المتوقع من الجنسين أن يمارسا دورًا نشطًا في هذه اللعبة.
عندما ترتدي النساء ملابس مثيرة لجذب التحديق الذكوري، أو عندما يجعلن أنفسهن موضوعًا لإغوائهم، هن لا يفعلن ذلك كموضوعات سلبية، إنما هن فاعلات نشطات في عملية «تموضعهن»، يتلاعبن بالرجال، ويمارسن ألعابًا غامضة، منها الاحتفاظ بالحق الكامل في التوقف عن اللعب في أي لحظة، حتى إن بدا ذلك للتحديقة الذكورية متناقضًا مع «الإشارات» السابقة.
الحرية التي تتمتع بها النساء تزعج جميع أنواع الأصوليين، بداية من المسلمين الذين حظروا على المرأة مؤخرًا لمس ثمار الموز، وغيرها من الفواكه التي تشبه القضيب، واللعب بها، إلى الشوفينيين الذكور العاديين [في عالمنا الغربي]، الذين ينفجرون عنفًا ضد المرأة التي «تستثيرهم» أولًا ثم ترفض تقربهم.
التحرر الجنسي النسوي ليس مجرد انسحاب تطهري من «موضعتهن»، ولكنه الحق في اللعب بشكل نشط بالتموضع الذاتي، تقدم نفسها وتنسحب وفقًا لإرادتها. ولكن هل ما زال من الممكن أن نصرح بتلك الحقائق البسيطة، أم سيجبرنا ضغط الصوابية السياسية على أن نُلحق كل هذه الألعاب بإعلان قانوني/رسمي ما (للقبول، إلخ).
تفكير جديد
ظهرت فكرة حديثة، صائبة سياسيًا، يُطلق عليه «حقيبة القبول الواعي» وهي تباع حاليًا في الولايات المتحدة: حقيبة صغيرة بداخلها واق ذكري وقلم وحلوى منعشة للفم، وعَقْد بسيط يوضح أن المشاركين الاثنين يقبلان بكامل حريتهما ممارسة فعل جنسي. الاقتراح هو أن الطرفين المستعدين لممارسة الجنس إما أن يلتقطا صورة معًا وفي أيديهما العقد، أو يؤرخانه ويوقعانه معًا.
إلا أنه على الرغم من أن «حقيبة القبول» تواجه مشكلة واقعية للغاية، فهي تقوم بذلك بطريقة لا تعتبر سخيفة فحسب؛ ولكنها غير مثمرة – ما سبب ذلك؟
الفكرة الضمنية هي كيف يمكن إعلان الفعل الجنسي، إذا تخلص من كل أثر للقهر، قبل الفعل نفسه، كقرار واع حر للمشاركين الاثنين – وإذا شرحنا ذلك بالمصطلحات اللاكانية، ينبغي أن يسجل الآخر الكبير الفعل، ويضيفه إلى النظام الرمزي.
هذه الطريقة، «حقيبة القبول» هي مجرد تعبير متطرف عن موقف ينمو في أنحاء الولايات المتحدة – على سبيل المثال، مَرَّرَت ولاية كاليفورنيا قانونًا يطلب من كل الكليات التي تتلقى تمويلًا حكوميًا أن تتبنى سياسات تجبر الطلبة على الحصول على قبول مؤكد – وتحدده بأنه «موافقة مؤكدة وواعية وطوعية للخوض في نشاط جنسي» يعتبر «سليمًا»، ولم يُقَدِّم حينما يكون الشخص ثملًا، وذلك قبل الخوض في نشاط جنسي، وإلا سيعرض نفسه لمخاطرة المعاقبة بتهمة الاعتداء الجنسي.
الصورة الأكبر
«الموافقة المؤكدة الواعية الطوعية» مِن قِبَل من؟ أول شيء نفعله هنا هو أن نستعين بالثالوث الفرويدي: الأنا، الأنا العليا، الهو (بنسخة مبسطة: وعيي الذاتي، فاعلية المسؤولية الأخلاقية التي تفرض عليَّ الأعراف، مشاعري العميقة شبه المنكرة).
ماذا لو كان هناك صراع بين الثلاثة؟ إذا قالت أناي لا، تحت ضغط الأنا العليا، ولكن الهو قاومت وتمسكت بالرغبة المستنكرة؟ أو (في حالة أكثر إثارة للاهتمام) حدث العكس: قلت نعم للدعوة الجنسية، خاضعًا لشعور الهو، ولكن في وسط ممارسة الفعل، أثارت أناي العليا مشاعر ذنب غير محتملة؟
بالتالي سنصل إلى حالة عبثية، هل ينبغي توقيع عقد بين الأنا والأنا العليا والهو لدى كل طرف، ولا يكون الأمر مقبولًا إلا إذا قال الثلاثة نعم؟ بالإضافة إلى ذلك، ماذا يحدث لو استخدم الشريك الذكر بدوره حقه في التعاقد وتوقف وألغى الاتفاق في أي لحظة أثناء النشاط الجنسي؟ تخيلوا، بعد الحصول على قبول المرأة، عندما يكون الحبيبين المحتملين عاريين على الفراش، تُعَطِّل تفصيلة جسدية صغيرة (لنقل صوت التجشؤ الثقيل غير المحبب) السحر الحميمي وتجعل الرجل ينسحب؟ ألا يعتبر ذلك إذلالًا كبيرًا للمرأة؟
الأيدولوجيا التي تدعم هذا الترويج لـ «الاحترام الجنسي» تستحق نظرة أقرب. الصياغة الأساسية هي: «نعم تعني نعم!» ينبغي أن تكون نعم صريحة، وليس فقط غياب اللا. عدم التصريح بـ «لا» لا تعني تلقائيًا «نعم»: لأنه إذا لم تقاوم المرأة المغواة بقوة، يترك هذا مساحة لأشكال مختلفة من القهر.
قاتل المزاج
ولكن هنا تتعدد المشكلات: ماذا لو كانت المرأة ترغب في ذلك كثيرًا ولكنها محرجة جدًا من التعبير عن ذلك صراحة؟ ماذا لو، للمفارقة، كان الشريكان يمارسان لعبة القهر كجزء من اللعبة الحميمية؟ و«نعم» لأي نمط من أنماط من النشاط الجنسي هي التي تعتبر «نعم» صريحة؟ هل ينبغي الآن أن يكون العقد أكثر تفصيلًا، وبالتالي تُحدد نقاط القبول الرئيسية: نعم للجنس المهبلي ولكن لا للجنس الشرجي، نعم للعق القضيب ولكن لا لبلع المني، نعم للضرب الخفيف على المؤخرة ولكن لا للضربات العنيفة، إلخ.
يمكن للمرء أن يتخيل تفاوضًا بيروقراطيًا طويلًا، يمكنه أن يقتل الرغبة في الفعل. هذه ليست مشكلات ثانوية، إنما تتعلق بأساس اللعب الحميمي الذي لا يمكن للمرء فيه أن ينسحب إلى موقف محايد، ويعلن استعداده (أو عدم استعداده) لفعله: كل فعل من هؤلاء هو جزء من اللعب وهو إما سينزع الحميمية عن الموقف أو يزيده حميمية.
القاعدة الجنسية التي تقول «نعم تعني نعم» هي حالة نموذجية للمفهوم النرجسي للذاتية المهيمنة اليوم. ذات تعتبر شيئًا ضعيفًا، شيئًا لا بد أن تحميه مجموعة معقدة من القواعد، يتم تحذيرها مسبقًا من كل التعديات التي يمكن أن تزعجه/تزعجها.
لنتذكر كيف مُنع فيلم «إي تي» في السويد والنرويج والدنمارك: بسبب تصويره غير المتعاطف مع الأكبر سنًا، ذلك الذي اعتُبر خطرًا على العلاقة بين الأطفال وآبائهم. (كانت هناك تفصيلة ثاقبة تؤكد الاتهام: في الدقائق العشر الأولى من الفيلم، صُور جميع الكبار من تحت أحزمتهم، كالكبار الذين يهددون توم وجيري في الكارتون).
من منظور اليوم، يمكن أن نرى هذا الحظر كإشارة مبكرة على هوس الصوابية السياسية الذي يسعى لحماية الأفراد من أي تجربة يمكنها أن تؤذيهم بأي شكل. ويمكن للقائمة أن تمضي بلا نهاية – لنسترجع الاقتراح الذي يدعو لحذف مشاهد التدخين من أفلام هوليود الكلاسيكية.
نعم، الجنس يخضع لوطأة ألعاب السلطة، والفواحش العنيفة.. إلخ، ولكن الشيء الذي يصعب الاعتراف به، هو أن هذه الأشياء متأصلة فيه. بعض المراقبين الثاقبين لاحظوا بالفعل كيف أن الشكل الوحيد من العلاقة الجنسية التي يخضع تمامًا لمعيار الصوابية السياسية سيكون هو العقد الذي يضعه شركاء سادومازوخيين.
بالتالي، صعود الصوابية السياسية وصعود العنف هما وجهان لعملة واحدة: طالما أن الافتراض الأساسي للصوابية السياسية هو تقليص الجنسانية إلى قبول تعاقدي مشترك. وكان اللغوي الفرنسي جان كلود ملنر، على حق في الإشارة إلى كيف وصلت الحركة المناهضة للتحرش بشكل لا يمكن تجنبه إلى ذروتها في العقود التي تحتوي على أشكال متطرفة من الجنس السادومازوخي (التعامل مع الشخص ككلب يحيطه طوق، والتجارة الجنسية، والتعذيب، وحتى القتل المقبول).
في تلك الأشكال المتعلقة بالعبودية بالتراضي، تنفي حرية التعاقد السوقية نفسها: تصبح تجارة العبيد هي التأكيد المطلق على الحرية. أنها أشبه بموتيف جاك لاكان «كانط مع ساد» (اللذية الوحشية للماركيز دو ساد باعتبارها حقيقة أخلاق كانط الصارمة) الذي يصير واقعًا بطريقة غير متوقعة. ولكن قبل أن نعتبر هذا الموتيف مجرد مفارقة مثيرة، علينا أن نتأمل كيف تعمل هذه المفارقة في واقعنا الاجتماعي نفسه.
-----
اقرأ المزيد لجيجيك: علينا أن نتخلى عن قضية الدولة القومية
4 Replies to “سلافوي جيجيك: لنوقع عقدًا قبل ممارسة الجنس”
جيحيك النبيه، المتمرد، الحاذق نجده يقع في هذا التعميم الذي يليق بالشوفينيين العتاة وحمقى اليمين المتطرف: ” بداية من المسلمين الذين حظروا على المرأة مؤخرًا لمس ثمار الموز، وغيرها من الفواكه التي تشبه القضيب”، هل قام جميع المسلمين عن بكرة أبيهم بإعلان هذا الحظر والموافقة عليه والتصفيق له؟ ما الذي دفع جيجيك إلى هذا التعميم الكئيب، أهي آلية غرابة الأطوار كالعادة ( غرابة الأطوار أقوى مروج للسلع الثقافية) أم أنه عجز رغم اطلاعه الأكثر عمقا على تراث فرويد لا كان دريدا إلى رؤية الفاشي القابع في ركن من أركان لاوعيه ؟
جيجيك هذا يعد واحدا من اكبر الحمير فى العالم .. مجرد شخص ثرثار بلا فائدة ولاقيمة
ثرثار مزعج بدون أدنى مضمون أو قيمة.
جيجك كاتب رجعي حاذق حافظ للغو اليساري والمثقفيني مع فراغ كامل من المضمون
الصورة الأكبر
«الموافقة المؤكدة الواعية الطوعية» مِن قِبَل من؟ أول شيء نفعله هنا هو أن نستعين بالثالوث الفرويدي: الأنا، الأنا العليا، الهو (بنسخة مبسطة: وعيي الذاتي، فاعلية المسؤولية الأخلاقية التي تفرض عليَّ الأعراف، مشاعري العميقة شبه المنكرة).
ماذا لو كان هناك صراع بين الثلاثة؟ إذا قالت أناي لا، تحت ضغط الأنا العليا، ولكن الهو قاومت وتمسكت بالرغبة المستنكرة؟ أو (في حالة أكثر إثارة للاهتمام) حدث العكس: قلت نعم للدعوة الجنسية، خاضعًا لشعور الهو، ولكن في وسط ممارسة الفعل، أثارت أناي العليا مشاعر ذنب غير محتملة؟
بالتالي سنصل إلى حالة عبثية، هل ينبغي توقيع عقد بين الأنا والأنا العليا والهو لدى كل طرف، ولا يكون الأمر مقبولًا إلا إذا قال الثلاثة نعم؟؟؟؟؟
أعتقد ان المقال تم تلخيصه في هذه الشذرة؟؟
صراع مرتكزات نظرية التحليل النفسي (( الأنا .. الهو .. الأنا الأعلى ))
التوافق الطوعي بين الطرفين يكمن في توافق الثلاثية هذه