الفيلسوف والمحقق: عن ولع فيتجنشتاين الغريب بأدب الجريمة

مقال فيليب زيمرمان

ترجمة: أحمد الشربيني

نُشر في crimereads سبتمبر 2020

فيليب زيمرمان كاتب ومترجم عن الأسبانية والألمانية

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.


فتجنشتاين، عن positivists

مسرح الأحداث هو لندن في العام 1941، حيث كان لودفيج فيتجنشتاين، الذي قد نعده أعظم فلاسفة القرن العشرين، متطوعًا في وظيفة بسيطة بمستشفى «جاي» العريق وقت الحرب، بعيدًا عن عمله التدريسي في كيمبردج. عندما وصل فيتجنشتاين إلى لندن في سبتمبر، كان القصف النازي للمدينة قد انتهى، لكن بلا ضمانات. شغل فيتجنشتاين في هذه الفترة وظيفة «تمرجي»، فكان يقطع العنابر جيئة وذهابًا بجرعات الدواء للمرضى يحملها على عربة كبيرة بعجلات. ويكتب الفيلسوف في إحدى رسائله وقد بلغ آنئذ 52 عامًا في جسد ضئيل (يمكن وصفه بالهزيل) إنه لم يكد يقدر على الحركة أحيانًا بعد إنهاء عمله.

يشرح فيتجنشتاين أسباب تطوعه إلى جون رايل (أخو فيلسوف أوكسفورد الشهير جيلبرت رايل) فيقول: «أشعر أنني سأموت ببطء لو بقيت في كيمبردج، أفضل على ذلك أن أحصل على فرصة للموت السريع».

أضافت إقامة فيتجنشتاين في جاي مزيدًا من الوحدة إلى وحدته، فلم يسع للتقرب إلى زملائه بما اشتهر عنه من غرابة أطواره، وكان يجهد في البداية لكيلا يعرف أحد عن كونه أستاذًا بالجامعة تلافيًا لامتياز المعاملة، لكن سرعان ما انجلى الأمر، إذ كان يختلف عن محيطه بوضوح، ولم تثمر محاولته لإخفاء هذا الاختلاف إلا أن أضافت إلى أطواره الغريبة طورًا.

اكتسب فيتجنشتاين مع ذلك صديقًا واحدًا من زملائه اسمه «روي فوراكر»، وسيُسمح له بعد قليل من الوقت بزيارة فيتجنشتاين في غرفته، وهو امتياز نادر بالنسبة إلى الفيلسوف المنعزل. وإذ يزور فوراكر فيتجنشتاين في مخدعه، لا بد أنه توقع فوضى من الكتب تعج بها الحجرة، مجلدات ضخمة وأعمال رفيعة لأرسطو وكانط وغيرهم، لكن شيئًا من هذا لم يكن. أما الشيء الوحيد القابل للقراءة الذي وجده فوراكر في غرفة فيتجنشتاين كان «صفوفًا منظمة من مجلات أدب الجريمة».

كانت هذه مجلات للأدب الأمريكي الخفيف،[1] من النوع الذي احتوى مغامرات فيليب مارلو ومايك هامر وسام سبيد[2] وغيرهم من أبطال المحققين، وقد أقبل فيتجنشتاين على هذا الأدب بنهم يقارب الإدمان في العقدين الأخيرين من حياته. فما كان سر هذا التعلق بأدب الجريمة، وبأدب الجريمة الأمريكي خاطف الإيقاع بالذات؟[3] وكيف كان الرجل الذي أخذ على عاتقه مهمة الإصلاح الجذري للفلسفة والتعديل الشامل لطرائق التفكير والكلام عن العالم، مهوسًا بالأدب «العامي» إلى هذا الحد؟

***

كان فيتجنشتاين ابنًا أصغر لواحدة من عائلات فيينا واسعة الثراء والثقافة، لكنه تبرع بميراثه الضخم في شبابه وأكمل حياته ببساطة الرهبان. ولم يكن لودفيج وحده من بين أفراد أسرته المداوم على التفكير في الانتحار، فقد انتحر ثلاثة من إخوته فعلًا، واحد منهم بتجرع السيانيد في مقهًى مزدحم ببرلين. لكن الأخ الأصغر لم يملك رغبة كبيرة في لفت الانتباه، ومثل كثير من المهووسين، سعى لأن تكون حياته اليومية ضجرة قدر الإمكان، فالمغامرة الحقيقية كانت في رأسه.

بدأ فيتجنشتاين دراسته في مدرسة فنية بمدينة لينتس في النمسا (حيث تصادف أن كان زميلًا لأدولف هتلر)، ثم انتقل بعد ذلك للدراسة بكلية الفنون التطبيقية في تشارلوتنبرج الألمانية، ومنها انتقل إلى جامعة مانشستر لدراسة هندسة الطيران، وأخيرًا إلى كيمبردج حيث درس فلسفة الرياضيات والمنطق على يدي برتراند راسل، لينتهي الحال به رئيسًا للقسم هناك. انتقل فيتجنشتاين إذن من تناول المشكلات الواقعية والفنية إلى دراسة البنية التحتية لهذه المشكلات في الرياضيات، ثم إلى فلسفة الرياضيات، ثم أخيرًا إلى السؤال عن طبيعة اللغة والحقيقة والعالم، فكأنه لم يكف عن التنقيب وراء الجذور.

يعد فيتجنشتاين اليوم واحدًا من أهم مفكرينا وأوسعهم صيتًا، مع أننا ربما لم نفهمه إلا قليلًا. اعتقد فيتجنشتاين أن المشكلات الفلسفية زائفة وناتجة عن أفهامنا الخاطئة للغة، فدفع بأن الفلسفة الحقة لا تحل هذه المشكلات وإنما تنقي اللغة منها، وهي الأسباب التي أدت إلى أن دُعي نقيضًا للفيلسوف ونبيًا لما بعد الفلسفة.

***

صعب أن نحدد اللحظة التي بدأ عندها فيتجنشتاين قراءة أدب الجريمة، لكن التحول الأسلوبي الذي مثله الأدب الأمريكي الخاطف، خصوصًا عند مقارنته بأدب الألغاز البريطاني الأكثر ذهنية و تهذيبًا، يبدي تجانسًا واضحًا مع الأفكار التي طورها فيتجنشتاين في الثلاثينيات، عندما كان مولعًا بهذا النوع، بل وربما تتسق اللغة النثرية لهذا الأدب الصاعد مع أفكار حملها فيتجنشتاين منذ العقد الثاني للقرن العشرين.

وعندما أصبحت مجلات الأدب الجماهيري نادرة في بريطانيا وقت الحرب وبعدها، اعتمد فيتجنشتاين على الفيلسوف الأمريكي نورمان مالكولم كي يرسل له صناديق من هذه المجلات بانتظام، وقد كتب يشكره في 1948 قائلًا: «شكرًا جزيلًا على مجلات المحققين. كنت بالفعل أقرأ قصة كتبتها دوروثي سايرز[4] وقد أصابتني بالاكتئاب لفرط غبائها، لذا شعرت لما فتحت إحدى مجلاتك كأني انتقلت من حجرة مكمكمة إلى الهواء النقي». كانت مجلة فيتجنشتاين المفضلة هي «مجلة المحقق»، والتي يبدو أنه فضلها بحكم العادة فقط على نظيرتها الأبلغ ذكرًا اليوم، أي «القناع الأسود».[5]

واحدة من قصص فيتجنشتاين المفضلة كانت «الفأر في الجبل»، لمؤلف مغمور اسمه نوربرت دافيز، وهذا اختيار لافت لغرابته بالنسبة إلى فيلسوف مشهور بالجهم. تحكي هذه الرواية عن الإخفاقات الهزلية لمحقق قصير بدين اسمه دون وكلبه الضخم كارستيرز. وعلى الرغم من أن دون يتخذ لنفسه موقع القائد من هذه الشراكة، فسرعان ما يتضح للقارئ أن كارستيرز هو في الواقع من يقود، عندما يبدأ بالإرغاء ممتعضًا كلما عاود دون شرب الخمر، وهو ما يحدث كثيرًا بطول الرواية. أما الشخصيات الأخرى فاشتملت على أنماط مثل الأرستقراطية الشابة والخادمة والعاشق المرتزِق.[6] ومن الواضح أن فيتجنشتاين، في استراحاته من تأمل طبيعة اللغة التي رأى فيها سجنًا وجوديًا، كان ينجذب إلى نوعٍ من حس الفكاهة الشاذ والعبثي.

كان إعجاب فيتجنشتاين بهذه الرواية شديدًا حتى أنه راسل مالكولم يطلب المزيد: «أريدك أن تسأل في المكتبة عما لو كانوا يعرفون أي كتب أخرى لنوربرت دافيز، وعن نوع هذه الكتب [...] قد يبدو الأمر مجنونًا، لكنني أعدت قراءة هذه القصة مؤخرًا وبلغت من الإعجاب بها أن فكرت بمراسلة الكاتب لشكره. لو كان هذا خبلًا فاعذرني، أنا مخبول».

كانت رغبة فيتجنشتاين أبعد ما يكون عن الخبل، فلو كان أي كاتب بحاجة إلى بعض التشجيع من قارئ معجب هو بالصدفة أحد أهم الفلاسفة الأحياء، فقد كان هذا الكاتب هو المغبون نوربرت دافيز. كان توزيع مجلات الأدب الخفيف يتضاءل بسرعة مع صعود القصص المصورة وانتشار الكتب ذات الغلاف الورقي، وفيما أنقذ كثير من كتاب أدب الجريمة مسيرتهم بالانتقال إلى هوليوود، فشل دافيز في إنجاز هذه النقلة، وقد كتب إلى ريموند تشاندلر في 1948 يخبره أن أربع عشرة من أصل خمس عشرة قصة أرسلهم للناشرين مؤخرًا قوبلوا بالرفض، ويطلب منه إقراضه 200 دولار. انتقل دافيز في 1949 من لوس أنجلس إلى كونكتيكت ليكون على صلة أقرب بالناشرين في نيويورك، لكن يبدو أن مناورته لم تنجح، إذ انتحر في العام نفسه عن أربعين عامًا.

لم يتلق دافيز أي رسالة من فيتجنشتاين قط، ولم ينجح مالكولم في العثور على مزيد من كتب دافيز كي يرسلها إلى فيتجنشتاين.

***

أبسط تفسير لولع فيتجنشتاين بأدب الجريمة الخفيف أنه وجد فيه ملاذًا من عمله الفلسفي الجاد ونقيضًا له، إلا أن هذا التفسير ليس كافيًا بعد قليل من النظر. ألمح فيتجنشتاين في أكثر من مناسبة إلى أن قراءاته الأدبية الخفيفة أثْرت فلسفته، فيخبر مالكولم مثلًا في إحدى رسائله: «سيكون لطيفًا لو بعثت لي ببعض مجلات المحققين، فنحن نعاني من نقص شديد منهم هنا، وعقلي جائع»، وكانت هذه الرسالة بتاريخ أكتوبر 1940، عندما عانى معظم البريطانيين من نقص شديد في الغذاء، لا مجلات الأدب. يكتب فيتجنشتاين مجددًا في نهاية 1945 وقد أصبح نقص الغذاء أسوأ: «شكرًا جزيلًا على مجلات المحققين! إنها غنية بالفيتامينات الذهنية والكالوريز»، وفي رسالة أخرى من العام نفسه يبدو أكثر صراحة في إقراره بالعلاقة بين قراءته والفلسفة: «نهاية سياسة الإعارة والاستئجار[7] أمر مؤسف لي لأنه سيؤدي إلى نقص شديد في مجلات المحققين في هذا البلد [...] لو لم تعطنا أمريكا مجلات المحققين فلن نعطيها الفلسفة، وستكون هي الخاسرة في النهاية». وفي رسالة أخرى من 1948 يقارن مجلته المفضلة بدورية الفلسفة العريقة «مايند»: «هذه المجلات رائعة، ولا أفهم لماذا يقرأ الناس مايند وبإمكانهم قراءة مجلة المحقق، ولو كان للفلسفة أي علاقة بالحكمة فلن يجد المرء منها ذرة واحدة في مايند، لكن سيجد منها الكثير في روايات المحققين».

ومع أن فيتجنشتاين استمتع كذلك بالأفلام الجماهيرية، وخصوصًا أفلام الويسترن والأفلام الاستعراضية الكوميدية، فلم يكن ينظر إليها بالاحترام نفسه، وربما هرول فقط إلى السينما فور إنهاء محاضرة أو ندوة من أجل شغل ذهنه عن مسائل الفلسفة، وقد التفت مرة في أثناء أحد الأفلام إلى مالكولم الذي كان يرافقه عادة إلى دور العرض قائلًا: «دش بارد هذا الفيلم!»، فكانت الأفلام على ما يبدو وسيلة يلجأ إليها لتفريغ دماغه من ركام الأفكار. أما أدب الجريمة فكان على العكس منبعًا لإلهامه. أهم الباحثين الذين تناولوا حب فيتجنشتاين لهذا الجنس من الأدب كان جوزيف هوفمان، الذي كتب مقالين عن الفيلسوف في مجلة «قصص الجريمة والمحققين»، ثم أعاد نشر المقالين في كتابه الصادر عام 2013 بعنوان «فلسفات أدب الجريمة».

ينسج هوفمان في هذين المقالين خيوطًا متباعدة كي يكتشف العلائق بين أدب الجريمة الخفيف وبين فلسفة «المحقق فيتجنشتاين» كما يسميه، وبعض افتراضاته تبدو أوثق من غيرها. واحدة من أطرف هذه الافتراضات تتعلق باستقبال فيتجنشتاين في إنجلترا، إذ يقترح هوفمان أن المترجمين الإنجليز أفقدوا نثر فيتجنشتاين الألماني خشونته المميزة، في سعيهم لتكييف ألمانيته العفيّة الفظة على ذائقة الجمهور الإنجليزي المهذب. وإذ قرأت أنا فيتجنشتاين في اللغتين فقد وقعت فعلًا على بعض الاختلافات هنا وهناك، لكن دماغي لم تذهب إلى مثل هذه الفرضية المثيرة، التي تزداد إثارة عندما يعمل هوفمان على الربط بين النزوع المحافظ للأكاديميا وبين فشلها الطويل في الالتفات نحو تأثير أدب الجريمة على فيتجنشتاين. لقد استمر التغافل الممنهج عن اهتمام فيتجنشتاين بهذا الأدب لعقود طويلة، في الوقت نفسه الذي خضع فيه كل جانب آخر من حياة الفيلسوف وفكره إلى الفحص والتمحيص.

لعب كتاب أدب الجريمة الخاطف المبكرين الدور ذاته الذي تلعبه قناة «HBO» في عصرنا، بأن ثابروا على اختبار الحدود التي يسمح فيها الإعلام بتقديم الجنس والعنف والبذاءة، وكذلك اللامبالاة الهازئة التي قد تكون أخطر هؤلاء. كان مقدرًا لفيلسوف يحب قراءة الأدب «الرخيص» أن يحتل موقعًا مربكًا في الأكاديميا البريطانية والأمريكية لمنتصف القرن العشرين (وربما لم يكن الوضع أفضل قليلًا إلا في فرنسا)، فبدأ حارسو تركته، الذين كانوا في الأغلب أول مترجميه وشراحه، بتهميش عادات قراءته الشاذة بوعي أو من دون وعي، من أجل الحفاظ له على موطئ قدم داخل أسوار «الثقافة العالية». كانت صورة فيتجنشتاين وسمعته بحاجة إلى الحماية، وربما التحسين، وليس لأكوام مجلات المحققين التي رآها فوراكر عندما زار غرفة الفيلسوف أي موقع من الإعراب في هذا الجهد، فاختفت هذه المجلات من الذاكرة.

لكني أظن أن المحقق هوفمان قد وجد مفتاحًا هنا.

***

على إعادة النظر إلى عمل فيتجنشتاين في ضوء الأدب الذي أحبه أن تتجنب الخطأ الذي يقع فيه مأمور الشرطة في قصة إدجار ألن بو، عندما يفشل في إيجاد «الرسالة المسروقة» لأنها كانت أمام ناظريه طوال الوقت. كثيرًا ما يتجاهل البحث الفلسفي أسلوب الكتابة باعتباره عارضًا، وربما لأنه أجلى من أن يستدعي نظرًا، لكننا في هذه الحالة بالذات نخطئ لو أغفلناه.

تميز فيتجنشتاين عن معظم الفلاسفة بأسلوب كتابة متطرف في دقته، وكانت طريقته في التأليف تعتمد على الخط التلقائي لأفكاره في كراسات كبيرة، ثم إملاء هذه المادة بعد تكثيفها وتنقيحها على كاتب لإخراج مسودة تصبح بدورها مادة لمزيد من التكثيف والتنقيح في مسودة جديدة، وهكذا دواليك. كثيرًا ما كان فيتجنشتاين يتململ في منتصف هذه العملية (وما المنتصف بالنسبة إلى عملية لا نهاية لها؟)، فيبدأ من جديد بدلًا من أن يستمر بالمراجعة، أو ربما استثارته فكرة جديدة فبدأ بتسويد المزيد من الكراسات. وفي النهاية قبعت كل مسوداته (النهائية لكن غير نهائية كفاية) على الرفوف يغلفها الغبار.

بهذا الرعب من نشر أي كلمة فائضة، انتهى فيتجنشتاين إلى ألا ينشر شيئًا تقريبًا، فلم ير النور في حياته إلا «رسالة منطقية فلسفية»، وهو عمل قصير لم يجاوز الثمانين صفحة، كتبه قبل أن يتم الثلاثين. أما مجمل إنتاجه فتلقاه ورثته الذين بدؤوا منذ 1953 في نشر عمل تلو آخر، لنطلع أخيرًا على مفكر شديد الذاتية. لكن أسلوب فيتجنشتاين مع ذلك أكثر من انعكاس لغرابة أطواره، وإن كان الوسيط هو الرسالة أو جزءٌ منها على الأقل، فإن لغة فيتجنشتاين تعد من زاوية ما حجة فلسفية بذاتها.

انشغل فيتجنشتاين طوال حياته بالسؤال المركزي عما يمكن أو لا يمكن قوله، وكان هذا اللغز هاجسه الدائم. تغير موقفه تدريجيًا بإزاء هذه المسألة في فترات مختلفة، لكنه ظل شاكًّا في قدرة الكلمات على قبض الحقائق أو استكشافها، حتى في أكثر فتراته تسامحًا مع اللغة، أي أنه كان دائم الشك في الوظيفة الجوهرية للفلسفة. اعتقد فيتجنشتاين في شبابه أن الفلسفة عاجزة عن قول أي شيء ذي معنى بخصوص الله أو الروح أو الأخلاق أو طبيعة الوجود أو أي أمر آخر يشغل الفلاسفة، ولم يقصد بهذا أن تلك الأشياء غير موجودة، لكن قصد أن اللغة عاجزة عن التماس معها.

لهذا الموقف بعد تراجيدي، فما يقترحه فيتجنشتاين هو أن أثرى وأعمق جوانب الخبرة الإنسانية، وتقريبًا كل ما يجعل الحياة محتملة، هي أشياء لا تُقال، وأننا فور أن نستجمع شجاعتنا للاعتراف بحقيقة اللغة، نجد أنفسنا قد أضحينا أسرى هذه العزلة الوجودية. استمر فيتجنشتاين لحسن الحظ في الاعتقاد بإمكان الإلماح إلى ما لا يمكن قوله، وفهم ما لا يمكن التفكير فيه، فعن طريق الترتيب الصحيح لأفكارنا، وفي الفراغات بينها، هناك ما يجل عن الوصف، وباتخاذ موقع محدد ننظر منه إلى العالم، فإن اللغة تشف عن طبيعته الحقة. هذه الظاهرة هي كل ما يدعوه فيتجنشتاين في الرسالة «روحيًا»، وهو التواصل وراء حدود القول والفهم وراء حدود الواقع، ولأن الروحي لا يقبل الحديث عنه، فهو لا يشغل إلا مساحة ضئيلة في الرسالة المنطقية الفلسفية، لكنه يشكل مع ذلك منتهى أملها، فعن طريق ترسيم الحدود اللغوية سعى فيتجنشتاين إلى إجلاء ما يقع خلفها.

نفهم الآن السبب الذي دفع فيتجنشتاين نحو هذا الهوس بأدب الجريمة الخاطف وخواصه الأسلوبية المينيمالية، إذ ثمة ما يتطابق فيها مع بعض جوانب فلسفته. يمتاز الأدب الخاطف بقدرته الفذة على القول من دون قول، وعلى الإلماح بوسائط غير مباشرة مثل النبرة والمزاج والجو العام وتكوين المشهد، وتعمل رمزيته والاختيار الدقيق للتفصيلات فيه من أجل الدفع نحو الفهم، أو نحو شعور أقوى وأصدق وأشد وطأة فلا يُصرّح به أبدًا.

***

تطور ولع فيتجنشتاين بقصص المحققين من الأدب الخاطف في ثلاثينيات القرن العشرين، وكان هذا وقتًا متقلبًا في تفكيره، إذ كان يجهد من أجل إعادة بناء أجزاء كبيرة من فلسفته الأبكر. وبعد انقطاع عن الفلسفة دام عشر سنوات، عاد فيتجنشتاين إلى كيمبردج ليُدرس بالجامعة لأول مرة، وكان أسلوبه في التدريس بسيطًا، فقط يفكر بصوت عال في كل ما شغل باله من أسئلة، ويطلب من مستمعيه التدخل بالملاحظات، التي قد يكون حادًا في الرد عليها لو لم ير فيها فائدة. كان محاضرًا ذا شعبية مع ذلك، وكان بعض الطلبة الذين لم يفهموه تمامًا ينجذبون إليه فقط بسبب طريقته في الأداء، فبخطواته السريعة في القاعة وتمتماته وإيماءاته، كان فيتجنشتاين جذوة من الطاقة الذهنية الوقادة حلت في جسد.

ربما لم تكن الأفكار التي شغلته آنئذ مستلهمة مباشرة من قراءاته الأدبية، لكنها لم تكن معزولة عنها كذلك، ففي محاضرة سجلها أحد طلبته في 1935، يفتتح فيتجنشتاين حديثه باقتباس من «مجلة المحقق»، وفي هذا الاقتباس يتأمل محقق في دقات ساعة تقوده للسؤال عن الطبيعة المستغلقة للزمن. يعبر فيتجنشتاين بوضوح عن ضلال تأملات هذا المحقق، ويستدرك بالقول إنه لم يقتبس من المجلة لحكمة فيها، ولكن لما سمّاه «حكمة سلبية»، أو مثال على الطريقة التي لا ينبغي للمرء أن يفكر بها. يؤكد فيتجنشتاين في الوقت نفسه أن التباس المحقق كثيرًا ما يكون أقيم عند وروده في «قصة تحقيق سخيفة» مما يكون الأمر عليه إذا أورده «فيلسوف سخيف».

بدا فيتجنشتاين في هذه الفترة أكثر اهتمامًا بالمحققين في المجلات من العقول العظيمة على رفوف المكتبة، وربما وجد مادة للتأمل في مغامرات «جاسوس الكونتيننتال»[8] أكثر مما يجد في أطروحات الفلسفة الأوروبية. وأظن أن سبب هذا كان مماهاة فيتجنشتاين نفسه بالمحققين الخياليين، وهو أمر أتناوله لاحقًا، لكن حتى على المستوى الفلسفي ربما نجد مسوغًا لمذهب فيتجنشتاين الغريب، فبحلول العام 1935 كان تفكيره قد شط عن كل تيارات الفلسفة المألوفة لذلك الوقت، إلى حد أنه ربما وجد مساحات مشتركة بينه وبين بعض المحققين الخياليين أكثر من تلك التي جمعته بزملائه ومعاصريه.

لمزيد من الإيضاح، دعنا نخطو للوراء ونلقي نظرة شاملة، وإن كانت مبسطة، على تطور فيتجنشتاين الفكري، في انتقاله من مرحلته الباكرة إلى المتأخرة، ونضع هذا التطور على خلفية مبسطة كذلك من تطور أدب الجريمة، الذي ينتقل في الوقت نفسه من قصص الألغاز التقليدية إلى أدب الجريمة الخاطف، وربما وجدنا محاولة فيتجنشتاين في الثلاثينيات للانشقاق عن الفلسفة الأقدم شديدة الشبه بنزوع الأدب الخاطف للتمرد على ميراث أدب الجريمة السابق.

جسدت الرسالة المنطقية الفلسفية أفكار فيتجنشتاين المبكرة، فكان واحدًا من عدة فلاسفة حاولوا تحليل معرفتنا بالعالم إلى عناصرها الأولية، وهو منهج فلسفي عُرف باسم الذرية المنطقية. طمحت الذرية المنطقية لبناء نظرية نهائية للمعنى، قادرة على تفسير الطريقة التي تنتظم بها الكلمات والقضايا لتتعلق بظواهر الأشياء ونظامها في الواقع، وكانت تطلب في هذا التفسير دقة النظرية الرياضية. والرسالة المنطقية الفلسفية قد تكون أفضل محاولة على هذا المنوال، وربما لنفس السبب أفضل دليل على قصوره. إن نظرية المعنى التي تقدمها الرسالة محدودة بعض الشيء، لو انتقى المرء ألفاظًا معتدلة، ويخبرنا فيتجنشتاين أن الكتاب نفسه، لو أخضعته معاييره القاسية نفسها، لحُكم عليه بانعدام المعنى.

لكن بحلول الثلاثينيات كان فيتجنشتاين يبدأ مسارًا جسورًا، هدف منه إلى وضع حد أخير للبحث الطويل عن المعاني المطلقة والنهائية الذي بدأ منذ ميلاد الفلسفة (فكر خصوصًا في أفلاطون). لم يكن كبار الفلاسفة الأموات عندئذ ليقدموا له العون في مسعاه، إذ كان عليه ابتكار نهج جديد، وأسلوب جديد للفكر وطريقة جديدة للنظر. وعند هذه النقطة نرى كيف لتاريخ أدب الجريمة أن يوضع مقابلًا لتاريخ فيتجنشتاين النظري، فقد كان طريق لبدء هذا المسار الجديد متاحًا بالفعل بين أكوام المجلات العامية والرخيصة.

كان أدب الجريمة هو الآخر قد مر لتوه بتحول كبير، فانحسرت أنماطه التقليدية لصالح نوع جديد بدأ بمؤلفين مثل كارول جون دالي[9] وداشيل هاميت. كان أدب الجريمة التقليدي الذي مثلته مغامرات شرلوك هولمز أو ألغاز «الغرفة المقفلة» و«من الفاعل»[10] يرى في الجرائم أحجيات تُحل باستخدام التأمل المجرد، فينتقل المحققون من الدليل إلى المدلول باستخدام العقل والمنطق، لكن الأدب الخاطف أحدث ثورة في مسار هذا الأدب، فنبذ صورة المحقق المنطقي التي يمثلها أوجوست دوبان بطل إدجار ألن بو، وقدم بدلًا عنها صورة المحقق الحركي والبراجماتي الذي لا يثق بالتجريد ويحل جرائمه بمزيج من الحصافة والحدس، ولا بأس ببعض العنف من حين إلى آخر. هذا المحقق هو الذي يميزه القارئ فورًا كبطل لأدب الجرائم الخاطف.

لا يتقدم التحقيق في الأدب الخاطف بتتبع الخيوط المنطقية التي تصل الدليل بالحل، ولكنه يتقدم بالانتقال من مشهد إلى مشهد، ومن مشتبه به إلى آخر. ليس لدى التفكير الصوري ما يقدمه لبطل الأدب الخاطف، فالأسئلة توضع وتُحل أو لا تُحل بطريقة فوضوية ومرتبكة، أي بطريقة أكثر إنسانية. يخبرنا هاميت في مقدمته من 1934 لقصة «الصقر المالطي»، وقد كان محققًا لصالح بينكرتون[11] قبل أن يبدأ بالتأليف، عن اختلاف بطله سام سبيد إذا قورن بمشاهير الأبطال الأقدم: «لم يُشتق سبيد من أي شخصية أقدم [...] لأن هذا المحقق لا [...] يود أن يكون حلالًا ضليعًا للأحاجي على طريقة شرلوك هولمز، وإنما يريد أن يكون داهية صعب المراس، قادرًا على التصرف في أي مناسبة، وعلى استخراج أفضل ما في الآخرين لصالحه».

يدرك هاميت أن وقوع الجريمة لا يفترض بالضرورة التدبير والتؤدة، لأن التدبير والتؤدة إنما يكونان بعد الجريمة لا في الإعداد لها، ولأن معظم الجرائم ليست نظيفة فعلى القارئ ألا ينتظر حلًا نظيفًا، والبحث عن المنطق في الجريمة هو بحث عن شيء لم يكن بدءًا. وعند هذه النقطة أظننا قادرين على إدراك التقاطعات بين نقلة فيتجنشتاين في الفلسفة وبين تحول الأدب الخاطف عن روايات الجريمة. أراد فيتجنشتاين أن يتجاوز معضلة التحليل المنطقي بإنقاذ اللغة من التجريد الفلسفي وإعادتها إلى عالمها ووظائفها الطبيعية، فيما كان كُتاب الأدب الخاطف يعملون على انتزاع المحقق من موات الأحاجي ليعيدوا بثه في الواقع الاجتماعي بحيويته وعنفه.

استطاع فيتجنشتاين في النهاية أن يمهد طريقًا جديدًا لفلسفته، وكان أساس هذا الطريق أن اللغة لم تكن قط نظامًا منطقيًا للإشارة، وإنما سلوك اجتماعي أو مجموعة من المواضعات، وبدلًا من السؤال عن معنى كلمة في ذاتها، ينبغي السؤال عن استعمال هذه الكلمة في سياقه (أو سياقاته)، وإذا كنت تعرف استخدام الكلمة استخدامًا صحيحًا في المواقف المناسبة فأنت تعرف معنى الكلمة، ولا يبقى من هذا المعنى شيء ليشرحه الفيلسوف.

تنتقص هذه الرؤية بشدة من قيمة اللغة الفلسفية، التي ظل فيتجنشتاين معتقدًا أنها كلام فارغ، وتقدر بدلًا عنها لغة الكلام اليومي والعادي. اعتقد فيتجنشتاين أن الفيلسوف يبلغ وضوح الأفكار بنبذ التعميمات والتركيز على الظرف المتعين، ولهذا كانت كتاباته المتأخرة أقل نسقية وأكثر ظرفية وحساسية للسياق، أما الأنساق الكبيرة فإغواء ينبغي على الفيلسوف رفضه، وليس العثور على بعض القطع التي تصلح للانتظام في أحجية دليلًا ضروريًا على وجود الأحجية. يكفي الفيلسوف إذن أن يسعى لوصف الأشياء في سياقاتها، أما محاولات تفسيرها فلا تقود إلا لمزيد من التلبيس.

أسمع الآن أحد محبي أدب الجريمة يقول إن أي مؤلف للأدب الخاطف في ذاك الوقت كان يدرك كل هذا.

لم يحل جاسوس الكونتننتال أي جريمة باستخدام التجريد، وإنما نزل إلى الشارع ورمى بجسده في خضم الأحداث، ولم تنفك ألغازه بالخطوات المنطقية بقدر ما انفكت بالخطوات التي داسها. نستطيع أن نرى في فلسفة فيتجنشتاين كذلك إلحاحًا على خطأ الفلاسفة الذين انتهجوا أسلوب المحقق المتأمل، الذي يحل لغزه من على مسافة وبفضل هذه المسافة، لأنهم غير مشتبكين كفاية كرجال الشرطة الغارقين في الجزئيات بسبب قربهم من تفاصيل القضية. شدد فيتجنشتاين بدلًا من ذلك على التقارب، وشجع الفلاسفة على وقف التأمل والنزول إلى الشارع إن جاز التعبير، وبهذا المعنى تحديدًا يتقاطع عمله الأخير مع أدب الجريمة الخاطف حتى في اسمه: «تحقيقات فلسفية».

***

لماذا أدمن فيتجنشتاين الأدب الخفيف إذن؟ ليس لمجرد المتعة التي يوفرها هذا الأدب، فقد كانت هذه المجلات بالنسبة إلى الفيلسوف امتدادًا للمشكلات والأسئلة نفسها داخل عوالم خيالية، ويظهر في عمله التقاطع مع أدب الجريمة الخاطف سواء في أسلوب نثره أو في مقاربته للتحقيق في مسائل الفلسفة.

لكن إضافة لهذين السببين ثمة ثالث يشملهما. فلنسأل عن السبب الذي يجعل أيًا منا يحب أنواعًا معينة للأدب، والإجابة لن تكون أبدًا أنها تلائم قناعاتنا الفلسفية. نختار جنسًا أدبيًا لأنه يختارنا، ويقدر على التواصل معنا عند المستويات الأعمق لما يشكل الهوية، وأن يقرأ المرء الأدب يعني أن يحتل ذواتًا أخرى ويجرب حيوات أخرى ويجري تجارب تختبر وتوسع من علاقاته الداخلية والخارجية. وإذ يعود المرء إلى حياته بعد القراءة، فإنه يجد أن هذا الخيال المؤقت يفيض فعلًا، ليشحذ ويُثري الحياة. بالنسبة إلى عين سطحية، ربما لم يمتلك فيتجنشتاين الكثير من التشابهات مع المحقق الخاص الحاذق سريع الحركة، لكن على مستوى الأدب، وحيث يُسمح بكل شيء، يبدو أنه كان قادرًا على التماهي مع هذا المحقق.

استطاع فيتجنشتاين في واقع الأمر أن يجسد بطل الأدب الخاطف بصورة تثير الإعجاب، وإن كانت ذهنية الطابع. ففي بروده الواثق ولا مبالاته بالرأي الشائع وكرهه للسلطة وعزمه المطلق على مواجهة حدود ما هو إنساني، كان فيتجنشتاين مفكرًا خاطفًا، ومثل أبطاله المحققين، كان مهمومًا بالصح والخطأ لكن على طريقته الخاصة، رافضًا أن يعظ الآخرين، ومثل أبطاله المحققين، عندما يُخيَّر بين الصمت وسوء الفهم، كان دائمًا يختار الصمت. كان ولاء فيتجنشتاين الأساسي لعمله ولنفسه، اللذان كانا في النهاية شيئًا واحدًا. في 1951 وقد أدرك أنه سيموت بالسرطان، كان فيتجنشتاين مستمرًا في كتابته الأصيلة والكثيفة والذكية، وكان أيضًا مستمرًا في قراءة سلسلته المفضلة، «مجلة المحقق».


[1] أدب المجلات أو الأدب الخفيف (pulp fiction) هو نمط أدبي واسع الانتشار عرفته الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الأول من القرن العشرين، كان يُنشر في مجلات رخيصة الثمن تضم قصصًا قصيرة أو أجزاءً من رواية مسلسلة، واشتهر بكونه أدبًا «رديئًا» يعتمد على الإثارة المفتعلة واستجداء العاطفة، لكنه أصبح موضوعًا لاهتمام النقاد المتزايد في أواخر القرن العشرين كواحد من موضوعات الثقافة الجماهيرية.

[2] فيليب مارلو (Philip Marlowe) محقق خيالي من ابتكار المؤلف الأمريكي ريموند تشاندلر (Raymond Chandler)، ظهر في عدد كبير من الروايات وعلى شاشة السينما، وكذلك مايك هامر (Mike Hammer) الذي قدمه ميكي سبيلان (Mickey Spillane)، وسام سبيد (Sam Spade) الذي اخترعه داشيل هاميت (Dashiel Hammett). ظهر هؤلاء الأبطال للمرة الأولى في الثلاثينيات ومثلوا جنسًا جديدًا أكثر عنفًا وحركية من أدب الجريمة (انظر هامش 3).

[3] الأدب الأمريكي الخاطف (hardboiled) هو تيار من تيارات أدب الجريمة الخفيف الذي ظهر للمرة الأولى في منتصف العشرينيات، وامتاز بسرعة الإيقاع والحسية والعنف، ويركز الكاتب هنا على النقلة التي أحدثها ضعف اهتمام هذا الجنس بالأحاجي العقلية وتقنيات المنطق في فك ألغاز الجرائم، والتي كان بطلها المحقق صاحب العقل الخارق والملاحظة النفاذة، لصالح تقديم بطل جديد، هو المحقق الحاذق سريع الحركة الذي لا يخشى تلويث يديه. بموازاة هذا التطور كان طبيعيًا أن تتحول الحبكة كذلك، فبدلًا من قصص شرلوك هولمز التي تنتظم وفق مخطط جامع تُحل شفرته تدريجيًا بالتتبع العقلاني لدليل يقود إلى غيره، تُحل جرائم الأدب الخاطف بصورة متقطعة وفي سياقات مفككة، عادةً بينما يستمر المحقق بالحركة، وأحيانًا بتدخل كثير من الصدف. واتخذت هذه الروايات مسرحًا لها هوامش المدن الأمريكية الخطرة والغرائبية حيث ينتشر العنف والجريمة، بدلًا من الأجواء الأرستقراطية للقصور الريفية المميزة لأدب الجريمة البريطاني الأقدم.

[4] دوروثي سايرز (Dorothy Sayers) شاعرة بريطانية ومؤلفة لأدب الجريمة دارت قصصها في العوالم الأرستقراطية ووفق الحبكات الذهنية التي تمرد عليها الأدب الخاطف، فبطلها اللورد بيتر ويمزي (Lord Peter Wimsey) مثلًا هو جنتلمان إنجليزي يحل ألغاز الجرائم كهواية لتمضية الوقت.

[5] مجلة المحقق من إصدار ستريت وسميث (Street & Smith’s Detective Story Magazine) ومجلة القناع الأسود (Black Mask) مجلتان لأدب الجريمة الخفيف صدرا في النصف الأول من القرن العشرين، وكانت الثانية أبقى أثرًا ولا يزال عشاق الأدب الخفيف يسعون في جمع أعدادها حتى اليوم.

[6] العاشق المرتزِق (gigolo) رجل يعتاش من الرفقة الجنسية للنساء مقابل المال.

[7] سياسة الإعارة والاستئجار (Lend-Lease policy) هي اتفاقية التزمت الولايات المتحدة وفقها من 1941 إلى 1945 بدعم دول الحلفاء بالغذاء والنفط والعتاد العسكري.

[8] جاسوس الكونتننتال (Continental Op) محقق خاص من ابتكار داشيل هاميت.

[9] كارول جون دالي (Carroll John Daly) رائد الأدب الخاطف في العشرينيات، ويعد النقاد قصته «برتون كومبس الزائف» أول الأعمال من هذا الجنس.

[10] لغز الغرفة المقفلة (locked-door mystery) نمط لأدب الجريمة يعتمد على الحل التدريجي للغز جريمة شبه كاملة، ارتُكبت في ظروف يصعب فهمها، كأن تقع جريمة في غرفة مقفلة لا يمكن لأحد دخولها أو الخروج منها، أما أدب «من الفاعل؟» (Whodunit) فيركز على تعدد المشتبه بهم حاثًا القارئ على الشك فيهم واحدًا بعد واحد، حتى لحظة إعلان الفاعل في الذروة الدرامية للقصة.

[11] شركة تحقيق وحراسة خاصة أمريكية عريقة.