المُستكشِف يعود إلى بلده

أدولفو بيوي كاساريس*

عن مجموعته القصصية «الدمية الروسية وقصص أخرى»

ترجمها عن الإنجليزية: كريم عبد الخالق

راجعها عن الأصل الأسباني: أحمد محسن

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه

*أدولفو بيوي كاساريس كاتب أرجنتيني ولد في بوينس أيرس عام 1914، وهو واحد من أهم كتّاب أدب الفانتازيا في أمريكا اللاتينية، تعتبر «اختراع موريل» أشهر أعماله، كما كتب عدة كتب بالاشتراك مع بورخيس. حصل على جائزة «ثربانتس» في عام 1991، أهمّ جائزة للآداب الإسبانية، وستكون تتويجا لرحلة أدبية طويلة انتهت بوفاته في 1999.


أدولفو كاساريس عن historia biografia

أعتقد أنني شاهدت فيلم «ممر إلى الهند» لأن بلدي كان مذكورًا في العنوان. بعد خروجي من دار العرض، أخذت قطار الأنفاق -أو المترو، كما يطلقون عليه هنا- لكي أذهب إلى السفارة، حيث أعمل يوميًا لبضع ساعات. ما أكسبه من مال هناك يتيح لي التبذير في الشراء مما يُحيي حياة طالب فقير مثلي. لكنني أشك أن هذا الإسراف ربما يوقعني في حالة أشبه بالسرنمة التي تسبب عادة مواقف مزعجة. مثال لذلك: حين أتذكر رحلة المترو، أرى نفسي جالسًا بارتياح، برغم أنني أملك أدلّة أني ظللتُ واقفًا، قرب الباب، ممسكًا العامود الحديدي على وشك السقوط حين يتوقف القطار أو يبدأ بالتحرك. من هناك أنظر، بمزيج من الشفقة والإدانة، إلى طالب كمبودي يرتدي خِرقًا ممزقة، في مقعد في منتصف عربة، يغلبه النعاس حيث يميل برأسه على زجاج نافذة. شعره الكثيف بقدر ما هو متسخ، يكشف دائرة صلعاء ومتجعدة في رأسه، وذقنه مشعثة منذ ثلاثة أو أربعة أيام. نائمًا يبتسم، يحرك شفتيه بسرعة ورقة، وكأنه يحادث نفسه بصوت خفيض محادثة ممتعة. أفكر: «يبدو سعيدًا، رغم عدم وجود سبب لذلك. إنه يعيش، مثلي، بين أوروبيين عدائيين. رغم محاولتهم إخفاء ذلك. إنهم عدائيون تجاه الذين يحكمون عليهم بالاختلاف عنهم. بهذا المعنى لدينا نحن الهنود بعض المميزات، لكوننا أقل اختلافًا، لكن من ليس لديه ميزة مقارنة بهذا الولد، ذي الهيئة شديدة التفرد؟ حتى لو كان غربيًّا ومن الشمال، سيُعتبر ممثلًّا لحثالة الأرض. حتى أنا الذي أعتبرني حرًا من إصدار الأحكام المسبقة، لن أجرؤ على مجرد الوثوق به».

أنزل في محطة «لاموت» وعلى الفور أجد نفسي في شارع «ألفريد دهودنسيك»، حيث السفارة. ورغم أن الأمر قد لا يُصدّق فإن حارس الأمن لم يتعرّف عليّ ومنعني من الدخول. وبينما نتشاجر بضراوة، صرخ الرجل قائلًا: «إلى الخارج! إلى الخارج!» عدة مرات. وإحدى صرخاته تحولت إلى جملة «Sour-sday» لطيفة والتي تعني بالكمبودية «صباح الخير». أفتح عينيّ ومتحيرًا لا أزال، أرى رفيقي سائق التاكسي، ابن بلدي، يهزني لكي أستيقظ، مكررًا التحية ومضيفًا: «علينا النزول، لقد وصلنا إلى الحيّ». أنهض وأكاد أتعثر وأنا  أغادر العربة؛ أتبع ابن البلد على الرصيف، دون أن أسأل عن شيء، خوفًا من أن أرتكب خطأ وأجعله يعتقد أنني مجنون أو تحت أثر المخدرات. قبل أن أصعد السلَّم، حين عبرنا من أمام مرآة، انكشف أمامي شيء، لا يخفف ألمه أنني توقعته من قبل. أعني أن المرآة عكست شعري الكثيف المتسخ، وذقني المشعثة منذ ثلاثة أو أربعة أيام؛ لكن ما أغاظني بصراحة هو إدراكي أن حتى في تلك اللحظة أحرك أنا شفتي، والأسوأ من ذلك، أنني أبتسم بينما أتحدث وحدي، كالمعتوه.