إنهم مصنوعون من اللحم

قصة: تيري بيسون*

ترجمة : باسم عبد الحليم

نُشِرَتْ في مجلة «وصلة»، الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب.

* تيري بيسون: كاتب قصص ساخرة وخيال علمي أمريكي، ألَّفَ عددًا من الروايات والقصص التي تحوَّلتْ لأفلام، مثل «قيامة الكائنات الفضائية» و«اليوم 6». نال عددًا من أهم الجوائز في مجال أدب الخيال العلمي، مثل جائزة قُرَّاء مجلة «عظيموف»، وجائزتيْ نيبولا وهيجو الأدبية. يعيش في أوكلاند بولاية كاليفورنيا.

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.


تيري بيسون، عن free press

«إنهم مصنوعون من اللحم».

«لحم؟!»

«اللحم؛ إنهم مصنوعون من اللحم».

«اللحم؟!»

«لا شك في ذلك. لقد التقطنا عددًا منهم من مناطق مختلفة من الكوكب، وأخذناهم على سفننا، وفحصناهم بكل الطرق الممكنة؛ إنهم بالكامل من اللحم».

«مستحيل! وماذا عن إشارات الراديو، والرسائل إلى النجوم؟»

«إنهم يستخدمون موجاتَ الراديو في التحدُّث. لكن الإشارات لا تَصدُر عنهم؛ الإشارات تصدر عن الآلات».

«ومَن صنع الآلات إذن؟ هذا مَن نرغب في الاتصال به!»

«هم مَن صنعوا تلك الآلات؛ هذا ما أحاول أن أخبرك به: اللحومُ صنعت الآلاتَ».

«هذا مضحك، كيف يمكن للحوم أن تصنع الآلات؟ أنتَ تطلبَ مني أن أصدقُ في وجود لحوم واعية!»

«أنا لا أطلب منك شيئًا. فقط أخبرُكَ: هذه الكائنات هي الشيء الوحيد الواعي في هذا القطاع، وهم مصنوعون من اللحم».

«ربما كانوا مثل كائنات الأورفولي. تعرف؛ نوعٌ من الذكاء القائم على الكربون، يمر بمرحلة اللحم».

«لا، إنهم يولدون لحمًا ويموتون لحمًا. لقد درسناهم في أطوارٍ عدة من حياتهم، والتي لا تستمر لزمنٍ طويل بالمناسبة. هل لديك أدنى فكرة عن متوسط العمر الافتراضي للحوم؟»

«لا أريد أن أعرف. أوكيه، ربما كانوا من اللحم جزئيًّا فقط. تعرف؛ مثل الويديلي، رأس من اللحم، ببلازما أحادية عاقلة داخلها».

«لا، لقد فكرنا في هذا الاحتمال بما أن لهم رؤوس من اللحم، مثل الويديلي. ولكن كما قلتُ لك: إنهم مصنوعون بالكامل من اللحم».

«بدون دماغ؟»

«أوه لا، بالطبع هناك دماغ. لكنها من اللحم أيضًا؛ هذا ما أحاولُ قولهَ لك».

«إذن، ماذا عن التفكير؟»

«إنكَ لا تفهم، أليس كذلك؟ إنك ترفض التعامل مع ما أخبرك به. الدماغُ تقوم بالتفكير؛ اللحم».

«لحم مفكر؟ هل تطلبَ مني أن أصدق في وجود لحوم مفكرة؟»

«نعم، لحومٌ مفكرة، لحوم واعية، لحومٌ تُحب، لحوم تحلم، اللحم كل شيء! هل بدأتَ في إدراك الصورة، أم أن عليَّ الشرح من جديد؟»

«يا إلهي، إنك جادٌ إذن؛ إنهم مصنوعون من اللحم».

«شكرًا، أخيرًا! نعم، إنهم بالفعل مصنوعون من اللحم. وهم يحاولون الاتصال بنا منذ نحو مئة عام من أعوامهم».

«يا إلهي، وفيمَ يفكر هذا اللحم؟»

«أولاً يريدون التواصل معنا. ثم أتصور أنهم سيرغبون في استكشاف الكون، الاتصال بكائنات عاقلة أخرى، تبادُل الأفكار والمعلومات، كالمعتاد».

«والمفروض أن نتواصل مع هذا اللحم!»

«هذه هي الفكرة. الرسالة التي يرسلونها على الراديو هي: مرحبًا، أي شخص هناك؟ أي شخص موجود؟ هذه الأمور».

«إنهم يتحدثون بالفعل. إذن، هل يستعملون الكلمات، الأفكار أو المفاهيم؟»

«آه، نعم، لكنهم يفعلون هذا عن طريق اللحم».

«لكنك قلتَ إنهم يستخدمون الراديو؟!»

«إنهم يفعلون، لكن ماذا تظنَّه موجودًا على موجات الراديو؟ أصوات لحم. أتعلم، عندما تصفعَ أو تحكَ قطعةً من اللحم، فإنها تصدر صوتًا، أليس كذلك؟ هم يتحدثون عن طريق حك لحومهم ببعض. إنهم حتى يستطيعون الغناء من خلال دفق الهواء على لحومهم».

«يا إلهي، لحم يغني؟! هذا أكثر من اللازم! بماذا تنصح إذن؟»

«رسميًّا، أم بشكل غير رسمي؟»

«الاثنين»

«رسميًّا نحن مطالبون بالاتصال؛ الترحيب بهم، وتسجيل كل الأجناس الحية أو الكائنات المتطورة في هذا الركن من الكون، دون خوفٍ أو تحيُّزٍ أو تفضيل. أما بشكل غير رسمي، أنصح بأن نمحو السجلاتَ بالكامل، وننسى الموضوعَ كله».

«كنتُ آمل أن تقترح هذا!»

«يبدو الأمر قاسيًا، لكن هناك حدود رغم كل شيء. أعني: هل تريد حقًا أن تجري اتصالًا مع اللحم؟»

«أوافقُكَ تمامًا، مئة في المئة، ماذا سأقول يا ترى؛ أهلًا يا لحم، كيف الحال؟ ولكن، كيف سينجح هذا؟ ما عدد الكواكب التي نتعامل معها هنا؟»

«واحد فقط. وهم يستطيعون السفر إلى كواكب أخرى عن طريق حاوياتٍ خاصة باللحم، ولكن لا يمكنهم الحياة فيها. يمكنهم الانتقال عبر الفضاء سي فقط، مما يَحدُّ قدراتَهم بسرعة الضوء فقط، ويُضْعِفُ من إمكانيات إجراءهم لأيَّة اتصالات، لنسب ضئيلة للغاية، متناهية الضآلة في الواقع».

«إذن نحن سنتظاهر فقط بأنه لا يوجد أحد في الكون على الإطلاق».

«بالضبط!»

«عظيم! لقد قلتَها بنفسك: من يرغب في أن يقابل اللحم؟ وهذه التي كانت على متن سفننا، تلك التي فحصناها؟ هل أنت متأكد من أنها لن تتذكر شيئًا؟»

«سيعتبرونهم مجانين إذا فعلوا؛ لقد دخلنا إلى عقولهم وعبثنا بلحومها قليلًا. نحن الآن بالنسبة إليهم مجرد حلم!»

«حلم لحوم! كم هذا غريبٌ؛ أن نكون حلمًا بالنسبة إلى اللحوم!»

«واعتبرنا القطاع بأكمله غير مأهول».

«عظيم، أتفق معك تمامًا، بشكلٍ رسمي وغير رسمي. القضية انتهت. هل ثمَّة أحدٌ آخر؟ أي شيء مثير للاهتمام في هذا الجانب من المجرة؟»

«أوه نعم؛ نواة هيدروجين خجولة ولكن ظريفة وذكية في النجم 9 من المنطقة ﭼـي 445. كانت على اتصال منذ نوبتين مجريتين مضتا، وتريد أن تستعيد علاقتها الودِّية من جديد».

«دائمًا يعودون إلينا!»

«ولم لا؟ تخيَّل كم سيكون هذا الكون موحشًا وباردًا ولا يطاق، إذا كان المرء يحيا بمفرده، بمفرده تمامًا!»