الدُمى الفائقة تدوم طوال الصيف

قصة لبراين ألديس

ترجمة وتقديم: مينا ناجي

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.

اختار المُخرج ستانلي كيوبريك هذه القصة كي يحوَّلها إلى فيلم، واشترى حقوقها، لكن تعطَّل المشروع بسبب تعقيدات إنتاجيّة. بعد رحيله، طلبت زوجته من المخرج ستيفن سبيلبيرج أن يتبنى تنفيذ المشروع، وبالفعل أخرج سبيلبرج الفيلم تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي» عام 2001. «الدُمى الفائقة تدوم طوال الصيف» هي قصة / عنوان مجموعة قصص مستقبليّة للكاتب البريطاني براين ألديس، ونُشِرَتْ لأول مرة في مجلة «هاربرز بازار»، ديسمبر 1969.

المترجم


من فيلم "الذكاء الاصطناعي

في حديقة السيدة سوينتون، الوقت دائمًا صيفًا. أشجارُ اللوز اللطيفة تنتَصب داخلها بأوراق لا تذبل. قطفتْ مونيكا سوينتون وردةً بلون الزعفران وأرتها لديفيد.

قالت: «أليست لطيفة؟»

نظر ديفيد إليها وابتسم دون رد. ماسكًا بالزهرة، جَرَى عبر المرج واختفى خلف مربى الكلاب حيث قبع جزَّاز المرج[1]، جاهزًا للقطع أو المَشْط أو اللَّف حين تُملي اللحظة. وقفتْ وحدها على مَمَر الحصى البلاستيكي المُتقَن المخصص لها.

لقد حاولت أن تحبه.

حين حسمتْ أمرها بأن تتبع الولد، وجدته في الفناء يُعَوِّم الوردة في مسبحه. وقف داخل المسبح مستغرقًا، وهو لا يزال مرتديًا صندله.

«ديفيد، عزيزي، هل يجب عليك أن تكون مريعًا هكذا؟ ادخل حالًا وغيِّر حذاءك وشرابك».

ذهب معها دون اعتراض داخل المنزل، رأسه الداكن يتأرجح عند مستوى وسطها. في سن الثالثة، لم يُظهر أي خوف من المنشِّف الألتراسونك[2] في المطبخ. لكن قبل أن تستطيع الوصول إلى خُفَّين، تملَّص منها بعيدًا وغاب في صمت المنزل.

ربما يبحث عن تيدي.

مونيكا سوينتون، تسع وعشرون سنة، بهيئة رشيقة وعينين لامعتين، ذهبت وجلست في حجرة معيشتها، ترتب أطرافها بذوق. بدأت بالجلوس والتفكير؛ قريبًا ما ستجلس فحسب. انتظر الوقت على كتفها بالبطء الملتاث الذي يخصّه للأطفال، والمجانين، والزوجات اللواتي يغيب أزواجهن لتحسين العالم. مدَّت يدها، بغير إرادة تقريبًا، وغيَّرت طول موجة نوافذها. خفتت الحديقة؛ مكانها، بزغ مركز المدينة ناحية يدها اليسرى، مليئًا بالناس المزاحمة، والقوارب النفاثة[3]، والمباني (لكن أبقت الصوت منخفضًا). بقيت وحيدة. عالمٌ مزدحم هو المكان المثالي ليكون المرء وحيدًا.


كان مديرو شركة «سينثانك»[4] يتناولون غداءً ضخمًا احتفالًا بإطلاق منتجهم الجديد. بعضهم ارتدى أقنعة الوجه البلاستيكيّة المشهورة في ذاك الوقت. كلهم ممشوقو القوام رغم الطعام والشراب الدسم الذي يلتهمونه. زوجاتهم كن ممشوقات رغم الطعام والشراب الذي كن أيضًا يلتهمنه. جيلٌ أسبق وأقل ارتقاءً كان سينظر لهم كأناس جميلين، بغض النظر عن أعينهم.

كان هنري سوينتون، المدير الإداري لسينثانك، على وشك إلقاء خطبة.

قال جاره: «آسف لأن زوجتك لم تستطع أن تكون معنا كي تسمعك». .

قال سوينتون، مبقيًا على ابتسامة: «تُفضِّل مونيكا البقاء في البيت والتفكير في أفكار جميلة».

قال الجار: «يتوقع الواحد من امرأة جميلة مثلها أن تحظى بأفكارٍ جميلة».

ابعد انتباهك عن زوجتي، أيها السافل، فكّر سوينتون، وهو لا يزال مبتسمًا.

نهض لإلقاء خطبته وسط التصفيق.

بعد بضع نكات، قال: «اليوم يؤرخ إنجازًا حقيقيًّا للشركة. الآن نقترب من العام العاشر على إطلاقنا أول أشكال-حياة اصطناعيّة في السوق العالمي. تعرفون جميعًا كم كانت ناجحة، تحديدًا الديناصورات المنمنمة. لكن لا أحد منها امتلك ذكاءً.

«نحن نحيا في تناقض أننا في هذا اليوم والعصر، نستطيع أن نخلق حياة وليس ذكاء. خط بيعنا الأوَّل، كروسويل تيب، الأفضل مبيعًا والأكثر غباءً». ضحك الجميع.

«على الرغم من أن ثلاثة أرباع العالم المكتظ بالسكان يتضور جوعًا، فنحن محظوظون هنا أننا نملك ما هو أكثر من الكافي، بفضل التحكم السكانيّ. السمنة مشكلتنا، وليس سوء التغذية. أظن أنه لا يوجد شخص حول هذه المائدة لا يملك كروسويل يعمل لأجله في الأمعاء الدقيقة، دودة شريطية طفيليَّة آمنة تمامًا، قادرة أن تجعل مضيفها يأكل إلى 50% طعامًا أكثر ويظل محافظًا على هيئته/هيئتها. صحيح؟» هزَّات موافقة عامة.

«ديناصوراتنا المنمنمة بنفس الغباء تقريبًا. اليوم، نطلق شكل-حياة اصطناعيّة ذكيّة — رجل خادم بالحجم الطبيعي.

«لا يملك الذكاء فحسب، بل لديه قدر مُتحكَم فيه من الذكاء. نؤمن أن الناس ستخاف من كائن بعقلٍ بشري. رجلنا الخادم سيملك حاسوبًا صغيرًا في قحفته.

«كانت هناك آليات في السوق بحواسيب صغيرة كأدمغة - أشياء بلاستيكيّة بلا حياة، دُمى فائقة - لكننا وجدنا أخيرًا طريقة لنربط دوائر الحاسوب باللحم الاصطناعي».


جلس ديفيد بجانب النافذة الطويلة في حجرة الأطفال الخاصة به، يصارع بالورقة والقلم. في النهاية، توقف عن الكتابة وبدأ يدحرج القلم أعلى وأسفل منحدر غطاء المكتب.

قال: «تيدي!»

استلقى تيدي على السرير مقابل الحائط، تحت كتابٍ بصور متحركة وجندي بلاستيكي ضخم. شغَّله نمط حديث صوت سيده ، فجلس معتدلًا.

«تيدي، لا أستطيع التفكير في ما أقول!»

نزل من السرير ومشى الدب مَشية مُتخشِّبة ليتعلق برِجل الصبي. رفعه ديفيد وأجلسه على المكتب.

«ماذا قلتَ حتى الآن؟»

«قلتُ، -رفع رسالته وحدق فيها مليًا- قلتُ، عزيزتي مامي، أتمنى أن تكوني في خير حال الآن. أحبك...».

حل صمت طويل، حتى قال الدب: «يبدو ذلك حسنًا. اذهب إلى أسفل واعطِها إليها».

صمت طويل آخر.

«هذا ليس صحيحًا جدًا. لن تفهم».

داخل الدب، يعمل حاسوب صغير من خلال برنامج الاحتمالات الخاص به. «لماذا لا تفعلها مرَّة أخرى بقلم تلوين؟»

عندما لم يرد ديفيد، كرَّر الدب اقتراحه: «لماذا لا تفعلها مرة أخرى بقلم تلوين؟»

كان ديفيد ينظر خارج الشباك. «تيدي، تعرف فيم كنت أفكر؟ كيف تفرق الأشياء الحقيقية عن غير الحقيقية؟»

بدَّل الدب بين خياراته: «الأشياء الحقيقية جيدة».

«أتساءل ما إذا كان الوقت جيدًا. لا أظن أن مامي تحب الوقت كثيرًا. ذلك اليوم، منذ أيام كثيرة، قالت إن الوقت فاتها. هل الوقت حقيقي يا تيدي؟»

«تبلغ الساعاتُ الوقتَ. الساعات حقيقيّة. مامي تملك ساعات، لذا لا بُدَّ أنها تحبها. لديها ساعة على رسغها بجانب جهاز اتصالها».

بدأ ديفيد في رسم طيارة ﭼامبو على خلفية رسالته. «أنت وأنا حقيقيان يا تيدي، ألسنا كذلك؟»

تطلعت عينا الدب الصبي دون أن ترمش. «أنت وأنا حقيقيان يا ديفيد». إنه متخصص في المواساة.


مشتْ مونيكا ببطء في أرجاء المنزل. شارف وقت وصول بريد بعد الظهر عبر الأسلاك. ضربت نمرة مكتب البريد على لوحة الأرقام على رسغها، لكن لم يصل شيء. بضع دقائق إضافيّة.

كان يمكنها تناول لوحتها. أو يمكنها الاتصال بأصدقائها. أو يمكنها الانتظار حتى وصول هنري للبيت. أو يمكنها الصعود واللعب مع ديفيد...

مشت إلى الردهة ووصلت لأسفل السلم.

«ديفيد!»

لا جواب.

نادت مرة ثانية وثالثة.

«تيدي!» نادت بنبرة أحدّ.

«نعم يا مامي!» بعد برهة، ظهر رأس تيدي ذو الفرو الذهبي أعلى السُلم.

«هل ديفيد في حجرته يا تيدي؟»

«ذهب ديفيد إلى الحديقة يا مامي».

«انزل هنا يا تيدي!»

وقفتْ ساكنة تشاهد شخصية الفرو الضئيلة وهي تتسلق هبوطًا من درجة إلى أخرى على أطرافها المدملكة. حين وصل للأسفل، تناولته وحملته إلى حجرة المعيشة. استلقى بلا حراك على ذراعيها، محدقًا إليها. كانت تستطيع الإحساس بأوهى اهتزاز من مُحركه.

«قف هنا يا تيدي. أريد التحدث معك». أجلسته على سطح الطاولة، ووقف كما طلبت، وأذرعه ممدودة للأمام ومفتوحة في إيماءة احتضان أبدية.

«تيدي، هل قال لك ديفيد أن تخبرني إنه ذهب إلى الحديقة؟»

دوائر دماغ الدُب كانت أبسط كثيرًا من أن تتحايل. «نعم يا مامي!»

«إذن كذبتَ عليَّ؟!»

«نعم يا مامي!»

«توقف عن مناداتي بمامي! لماذا يتجنبني ديفيد؟ لا يخاف مني، هل هو..؟»

«لا، إنّه يحبك».

«لماذا لا نستطيع التواصل؟»

«ديفيد بالأعلى».

جمدها الجواب. لماذا تُضيِّع الوقت في الكلام مع هذه الآلة؟  لماذا لا تصعد ببساطة، وتُطوِّق ديفيد في ذراعيها وتتكلم معه، كما يجب أن تفعل الأم المحبة مع ابنها الحبيب؟ سمعتْ ثقل الصمت الهائل في المنزل، بأنواع مختلفة من الصمت تنهمر من كل حجرة.

على الأرضية العُليا، كان يتحرك شيءٌ بهدوء شديد — ديفيد، محاولًا الاختباء بعيدًا عنها...


كان يقترب من نهاية خطبته الآن. الضيوف منصتون؛ وكذلك الصحفيون، موزعون على حائطيْ قاعة الولائم، يسجلون كلمات هنري ويصورونه بين الحين والآخر.

«سيكون رجلنا الخادم، بمعانٍ عديدة، مُنتَجًا للحاسوب. بدون الحواسيب، لم نكن لنقدر إطلاقًا على التعامل مع الكيميائيات الحيوية المعقدة التي تتحول إلى لحم اصطناعي. سيكون الرجل الخادم امتدادًا للحاسوب - لأنه سيحتوي على حاسوب في رأسه، مايكرو-حاسوب منمنم قادر على التعامل مع أي موقف يُحتَمل أن يقابله في البيت تقريبًا. مع التحفظات، بالطبع». ضاحكين؛ كان يعرف العديد من الحاضرين عن الجدل الساخن الذي اجتاح مجلس إدارة سينثانك، قبل أن يُتخذ القرار في النهاية لصالح ترك الرجل الخادم محايدًا جنسيًا تحت زيِّه المثالي.

«وسط كل نجاحات حضارتنا -نعم ووسط كل مشاكل الاكتظاظ السكاني الطاحنة أيضًا- من المحزن التفكير في عدد الملايين من الناس الذين يعانون من الوحدة والعزلة المتزايدتيْن. رجلنا الخادم سيكون نديمًا لهم: سيجاوب دائمًا، وأكثر الأحاديث بواخة لن تضجره.

«نخطط في المستقبل لنماذج أخرى، ذكر وأنثى -بعضهم بدون حدود النموذج الأول هذا، أعدكم! - بتصميم أكثر تقدمًا، كائنات كهربية حيوية حقيقيّة.

«ليس فقط أنهم سيملكون حواسبهم الخاصة، بل سيقدرون على البرمجة الفردية؛ سيُوصَّلون بشبكة البيانات العالميَّة. وهكذا، سيقدر كل شخص أن يستمتع بمثيل آينشتاين في منزله. العزلة الشخصية ستنتهي للأبد!»

جلسَ وسط تصفيق حماسي. حتى الرجل الخادم الاصطناعي، الجالس إلى الطاولة في بدلة متواضعة، صفَّق بحرارة.


جارًّا حقيبة ظهره، تسلَّل ديفيد إلى جانب المنزل. تسلَّق المقعد الزخرفي تحت نافذة حجرة المعيشة واختلس النظر بحذر.

وقفت أمه في منتصف الحجرة. كان وجهها فارغًا، انعدام التعبير فيه أفزعه. شاهد في افتتان. لم يتحرك؛ لم تتحرك. ربما توقف الوقت، كما قد توقف في الحديقة.

استدارت أخيرًا وتركت الحجرة. بعد لحظة انتظار، دَقَّ ديفيد على النافذة. نظر تيدي حوله، رآه، تدحرج من الطاولة، وذهب إلى النافذة. متلمسًا بكفيه، استطاع فتحها في النهاية .

نظرا إلى بعضهما.

«أنا لست شطور يا تيدي. لنهرب!»

«أنت ولد شطور جدًا. مامتك تحبك».

هز رأسه ببطء. «لو كانت تحبني، فلماذا إذن لا أستطيع التحدث معها؟»

«هذا قول أحمق يا ديفيد. مامي وحيدة. لذا حظيت بك».

«لديها دادي. ليس لديَّ أحدٌ غيرك، وأنا وحيد».

أعطاه تيدي صفعة حميمية على الرأس. «لو تشعر بهذا السوء، فعليك الذهاب للطبيب النفسي مرّة أخرى».

«أكره الطبيب النفسي العجوز هذا – يجعلني أشعر أنني غير حقيقي». بدأ الجري عبر المرج. انقلب الدب خارج النافذة وتبعه بأسرع ما تسمح به رجلاه المدملكتان.

كانت مونيكا سوينتون بالأعلى في حجرة الأطفال. نادت على ابنها ووقفت هناك، غير حاسمة أمرها. كان كل شيء صامتًا.

أقلام التلوين مُلقاة على مكتبه. مُلبية باعث مباغت، ذهبت إلى مكتبه وفتحته. عشرات الوريقات مُلقاة بالداخل. العديد منها مكتوب بقلم التلوين بخط ديفيد الأخرق، وكل رسالة بلون مختلف عن الرسالة السابقة. لا رسالة منها منتهية.

«عزيزتي مامي، كيفك حالك فعلًا، هل تحبيني مثل–»

«مامي العزيزة، أحبك أنتِ ودادي، والشمس مشرقة–»

«مامي العزيزة العزيزة، يساعدني تيدي في الكتابة إليكِ. أحبك أنتِ وتيدي–»

«مامي الغالية، أنا ابنك الواحد والوحيد وأحبك جدًا حتى أنه أحيانًا–»

«مامي العزيزة، أنتِ مامي فعلًا وأكره تيدي–»

«مامي الغالية، خمني كم أحبك–»

«مامي العزيزة، أنا ابنك الصغير وليس تيدي، وأحبك لكن تيدي–»

«مامي العزيزة، هذه رسالة إليكِ كي أقول فقط كم أيًا كان جدًا–»

أسقطت مونيكا الوريقات، وانفجرت في البكاء. بألوانها الشعواء البهيجة، تمرْوحَت الرسائل واستقرَّت على الأرض.


لحق هنري سوينتون بالقطار السريع إلى منزله وهو مرتفع المعنويات، يقول بين الحين والآخر كلمة للرجل الخادم الاصطناعي الذي كان يصطحبه معه إلى البيت. أجاب الرجل الخادم بأدب ودقة، رغم أن إجاباته لم تكن دائمًا مضبوطة بحسب المعايير الإنسانيَّة.

عاش آل سوينتون في واحد من أكثر الأحياء بهرجة، نصف كيلومتر فوق الأرض. كانت شقتهم بلا نوافذ للخارج لأنها مدموجة بشقق أخرى؛ لا أحد يريد أن يرى العالم الخارجي شديد الزحام. فتح هنري البابَ بمسح شبكيَّة عينه، ودخل، متبوعًا بالرجل الخادم.

في الحال، أُحيط هنري بالأوهام الأليفة لحدائق في صيفٍ أبدي. كان مذهلًا ما أمكن للهولوجرام فعله لخلق سرابات ضخمة في مساحات صغيرة. خلف ورودها ووِسْتارياتها[5] انتصب منزلهم؛ الخداع كان كاملًا: ظهَرَ منزل على الطراز الجريجوري ليرحب به.

«كيف تجده؟» سأل الرجل الخادمَ.

«تعاني الورود أحيانًا من البقعة السوداء».

«هذه الورود مضمون خلوها من العيوب».

«دائمًا يُنصَح بشراء البضائع بضمانات، حتى لو كانت أكثر كُلفة قليلًا».

«شكرًا للمعلومة»، قال هنري بجفاف. كانت هيئات الحياة الاصطناعيّة أصغر من طفل في العاشرة، الآليات الأندرويد القديمة أقل من السادسة عشر؛ كانت لا تزال أخطاء أنظمتهم تُصلَح، سَنة بسَنة.

فتح الباب، ونادى مونيكا.

خرجت للتو من حجرة الجلوس وأحاطته بذراعيها، مقبلة إيَّاه بحماس على الخد والشفاه. تعجب هنري.

لما تراجع لينظر إلى وجهها، رأى كيف بدت كما لو أنها تشيع نورًا وجمالًا. مرَّت شهور منذ أن رآها في غاية الحماسة. ضمها أكثر بطريقة غريزية.

«عزيزتي، ماذا حدث؟»

«هنري، هنري —آه، يا عزيزي، كنتُ يائسة.. لكني اتصلت ببريد بعد الظهر لتوي و— لن تصدق ذلك أبدًا! آه، شيءٌ رائع!»

«بحق السماء يا امرأة، ما الرائع؟»

خطف لمحة من عنوان الوثيقة المصورة في يدها، والتي لا تزال رَطِبة من مُستَقبِل الحائط: وزارة السُكَّان. شعر باللون ينسحب من وجهه في صدمة وأمل مباغتيْن.

«مونيكا... أوه.. لا تقولي لي إن رقمنا حان!»

«أجل يا عزيزي، أجل، ربحنا يانصيب الوالديَّة لهذا الأسبوع! بوسعنا الذهاب والحمل بطفل حالًا!»

أطلق صيحة فرح. رقصا حول الحجرة. وصل الضغط السُكَّاني إلى حد أنه كان ينبغي تحديد التكاثر والتحكم فيه. تطلَّب الإنجاب إذْن الحكومة. إلى هذه اللحظة، كان عليهما الانتظار أربع سنوات. بشكل غير متسق، بَكيا من فرحتهما.

توقفا أخيرًا، يشهقان. وقفا وسط الحجرة ليضحكا على سعادة أحدهما الآخر. حين نزلت من حجرة الأطفال، أزالت مونيكا تغييم النوافذ حتى أظهرت منظر الحديقة في الخارج. ضوء الشمس الاصطناعي كان يطول ويزداد بريقًا عبر المرج – وديفيد وتيدي يحدقان خلال النافذة إليهما.

تجهَّما حين رأيا وجهيهما.

«ماذا نصنع بهما؟» سأل هنري.

«تيدي ليس مشكلة. إنَّه يعمل جيدًا».

«هل ديفيد به عطب؟»

«مركز تواصله اللفظي ما زال به مشاكل. أظن أنه يجب أن يرجَع إلى المصنع مرَّة أخرى».

«حسنًا، سنرى كيف حاله قبل ولادة الطفل. مما يذكرني – لديَّ مفاجأة لكِ: العون حين يتم احتياج العون! ادخلي للردهة وانظري ماذا جلبتُ».

حين اختفى البالغان من الحجرة، جلس ولد ودُب أسفل الورود القياسيّة.

«تيدي – أرى أن مامي ودادي حقيقيَّان، أليسا كذلك؟»

قال تيدي: «تسأل أسئلة جد حمقاء يا ديفيد. لا أحد يعرف ما معنى (حقيقي) عن حق. دعنا نذهب للداخل».

«أولًا، سأحصل على وردة أخرى!» قطف زهرة ورديَّة زاهية، وحملها معه إلى المنزل. أمكنها الاستلقاء على الوسادة حين ذهب للنوم. جمالها ونعومتها ذكراه بمامي.


[1] Mowervator

[2] Ultrasonic dryer

[3] Blowboats

[4] Synthank. يزاوج الكاتب بين كلمتي Think Tank "مركز بحثي وسياسي" وSynthetic أي "اصطناعي". [المترجم]

[5] Wisteriaـ جنس من النباتات يتبع الفصيلة البقولية من رتبة الفوليات