اﻷحزاب والفيروس
روبرتو إسپوزيتو*
ترجمة: شهاب الخشاب
عن الترجمة الإنجليزية لأنطونيو تشيريللا
*روبرتو إسپوزيتو (1950- ) أستاذ الفلسفة النظرية بمدرسة المعلمين العليا (Scuola Normale Superiore) بإيطاليا. اشتهر بأعماله في مجال السياسة الحيوية، وتحديدًا بكتابي «الجماعة» (Communitas) و»المناعة» (Immunitas).
الترجمة خاصة بـ Boring Books
يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.
عندما ظهر مفهوم «السياسة الحيوية» لأول مرة في الخطاب العام، قوبل ببعض الشك. بدا وكأنه مفهوم يصعب التحقق منه. ولكن الوضع تغير بسرعة. تراكمت الأدلة حتى أصبحت مدهشة. احتلت مسائل الحياة والموت النقطة المركزية في جداول الأعمال والصراعات السياسية، ابتداء من عمليات التكنولوجيا الحيوية، التي تهدف إلى تعديل حالات قد اعتُبرت طبيعية سابقًا، مرورًا بالإرهاب الانتحاري، ووصولًا إلى «أزمة الهجرة» الأخيرة. أدى تفشي فيروس الكورونا الآن، والعواقب الجغرافية السياسية التي نشأت عنه، إلى ذروة العلاقة المباشرة بين الحياة البيولوجية والتدخلات السياسية.
هناك ثلاثة أبعاد أساسية تميز تلك العملية.
البعد الأول هو تحول التركيز السياسي من الأفراد إلى شرائح معينة من السكان. هناك قطاعات كاملة من السكان تُعتبر في خطر، ولكنها تحمل العدوى أيضًا، وتتأثر بالممارسات الوقائية التي لديها هدف مزدوج من حيث تأمين سلامتها والحفاظ على تباعدها. وهذا أيضًا نتيجة للمتلازمة الحقيقية المرتبطة بتكوين المناعة، والتي تميِّز النظام السياسي الحيوي الجديد. ما نخشاه، حتى أكثر من المرض نفسه، هو تداوله غير المنضبط في جسم اجتماعي مُعرَّض بالفعل لعمليات التلوث العامة. وبطبيعة الحال، زاد الخوف بسبب ديناميكية العولمة، في عالم أصبحت فيه جميع الحدود الداخلية قابلة للنفاذ. يجب تفسير معارضة الأحزاب الاستقلالية[1] العنيفة للهجرة في ضوء هذا النموذج لتكوين المناعة، وليس كاستمرار للقومية التقليدية.
يتعلق البعد الثاني للديناميكية السياسية الحيوية الراهنة بالعملية المزدوجة التي تطبّب السياسة وتسيّس الطب. يعود هذا التطور مرة أخرى إلى ظهور الطب الاجتماعي. ولكن يبدو أن مرحلة التسارع الحالية قد تجاوزت نقطة خطيرة. من ناحية، تتخذ السياسة المحرومة من إحداثياتها الأيديولوجية طابعًا حمائيًا أكبر ضد التهديدات الحقيقية والمتخيلة، وتطارد المخاوف التي كثيرًا ما ساهمت في خلقها. ومن ناحية أخرى، رغم أن الممارسة الطبية مستقلة علميًا، ليس أمامها إلا أنها تراعي الظروف والسياقات التي تعمل بها، أي العواقب الاقتصادية والسياسية التي قد تحددها إجراءات الصحة العامة. وهذا يفسر جانبًا من التنوع المدهش للآراء بين أهم علماء الفيروسات الإيطاليين فيما يتعلق بطبيعة تفشي فيروس الكورونا والنتائج المحتملة له.
العَرَض الثالث لتداخل السياسة والحياة البيولوجية، وربما العَرَض الأكثر إرباكًا، هو التحول من الإجراءات الديمقراطية العادية إلى إجراءات الطوارئ. فاستخدام مراسيم الطوارئ له تاريخ طويل. توجد في جوهره فكرة أنه يجب أن تسود حالة الضرورة وليس إرادة المُشرع، في ظروف من المخاطرة العالية. فمثلًا إذا دمر زلزال بلدًا، يتم فرض حالة طوارئ قد تُترجم بسهولة إلى حالة استثنائية. هذا ما يحدث اليوم، حيث تؤدي الإجراءات التي تتخذها الحكومة المركزية والسلطات الإقليمية إلى تداخل خطير بين الكيانين السياسيين. إن هذا الانحراف نحو الحالة الاستثنائية أمر أكثر إرباكًا، لأنه يميل إلى جعل الإجراءات السياسية للأنظمة الديمقراطية تتماشى مع الإجراءات الخاصة بالدول الاستبدادية مثل الصين. ولكن على هذا الصعيد السياسي، ستتفوق الأنظمة الاستبدادية دائمًا على الحكومات الديمقراطية بسبب طبيعة سلطتها.
[1] يشير إسپوزيتو تحديدًا إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة الأوروبية المعادية للهجرة والاتحاد الأوروبي باسم سيادة الدولة الوطنية، وهم معروفين باسم «الأحزاب السيادية« (partiti sovranisti)، ونذكر ضمنها التجمع الوطني بفرنسا (Rassemblement National)، والبديل من أجل ألمانيا (Alternative für Deutschland)، والرابطة الشمالية بإيطاليا (Lega Nord).