الذهاب لشرب البيرة

قصة لروبرت كوفر*

نُشرت في النيويوركر 7 مارس 2011

ترجمة: محمد الشعراوي

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.

* روبرت كوفر: روبرت كوفر (4 فبراير 1932) كاتب أمريكي، من أبرز رواد أدب ما بعد الحداثة. يعتبر كوفر رائدًا للأدب الإلكتروني بتأسيسه عام 1990 أول قسم لتدريس السرد الرقمي والنصوص التشعبية (Hypertext) في جامعة براون. (المترجم)


روبرت كوفر
روبرت كوفر، عن literariness

يفكر في الذهاب إلى بار الحي لشرب البيرة ويجد نفسه، في ذات الوقت تقريبًا، جالسًا هناك وكأسٌ في يده. في واقع الأمر، لقد شربها بالفعل. لعله سيطلب كأسًا ثانية، يفكر في ذلك بينما يُنزِلها فارغة ويطلب ثالثة. ثمة امرأة شابة تجلس على مسافة غير بعيدة منه وهي ليست جميلة بما تعنيه الكلمة، لكنها جميلة بما يكفي، وعلى الأرجح جيدة في السرير، بل هي، بالفعل، جيدة في السرير. هل شَرِب البيرة؟ لا يتذكر. ما يهم حقًا، هل استمتع برعشته الجنسية؟ هل وصل إليها أصلًا؟ هذا ما يحيره في طريقه إلى بيته، عبر شوارع يلفها الليل والضباب، من شقة المرأة الشابة، التي كانت مليئة بدمى (الكيوبي)، النوع الذي قد تربحه في الكرنفالات، وحسبما يتذكر، فقد اتفقا على موعدٍ يذهبان فيه إلى أحدها. هناك، تربح دمية أخرى، وبينما هما في شقتها، يخلعان ملابسهما، تعانق دميتها الجديدة بحرارة في السرير المزدحم بجسديهما. لا يذكر متى نام آخر مرة، وبينما يترنح في الشوارع، ضبابيةً ما تزال، لم يعد متأكدًا أين تقع شقته، رعشته الجنسية، إن كان قد وصل إليها، تتلاشى الآن من الذاكرة. يفكر في اصطحابها إلى الكرنفال مجددًا، هناك تربح دمية كيوبي أخرى (هذا على الأقل هو الموعد الثاني لهما، لعله الرابع) وفي هذه المرة يذهبان إلى البار، حيث تقابلا أول مرة، من أجل أن يتناولا شرابًا رومانسيًا. هناك يضايقها شاب مفتول العضلات. يتدخل هو، فيما تقف عند سريره في المستشفى، أحضرتْ له واحدة من دمى الكيوبي كي تبقى برفقته. تلك هي طريقتها للتعبير عن قوة الرباط بينهما، أو هكذا يفترض، بينما يغادر المستشفى على عكازين، غير متأكد في أي جزء من المدينة هو، أو في أي جزء من السنة. يقرر أنه حان الوقت لإنهاء العلاقة، فهي تدفعه إلى الجنون، عندها يظهر الشاب مفتول العضلات في زفافهما ويعتذر عن ضربه. يقول إنه لم يكن مدركًا أنهما جادان. قدم لهما الشاب هدية الزفاف، كوبونًا مدفوعًا لشرابين في البار الذي تقابلا فيه وزوجًا من الأشرطة الحريرية لعكازيه. خلال الحفل، أمسك كلاهما بدمى الكيوبي التي قد تحمل مدلولًا يصعب إخفاؤه، بل ثمة مدلول فعلًا. الطفل الذي تلده له، أكان منه أم من غيره، يُذكِّره، كأنما يحتاج إلى تذكرة، بأن الزمن يمضي. الآن صارت لديه مسؤوليات ويقرر أن يتأكد من بقائه في وظيفته التي كان يعمل بها حين قابلها. ما زال محتفظًا بها. لا أحد يعلق على غيابه، إن كان قد غاب، لكنه أيضًا، لا يتلقى أي تهنئة على زواجه. يتذكر السبب الآن، ذلك بلا شك لأنه قبل أن يلتقي زوجته كان خاطبًا لإحدى زميلاته وقد أقام بقية الزملاء حفلًا لهما، لا بد أن قلوبهم تحترق على المال الذي أنفقوه على الهدايا. هذا مربك والأجواء عدائية بعض الشيء، لكنه لديه طفل في الحضانة وآخر في الطريق، فماذا يمكن أن يفعل؟ حسنًا، لم يصرف الكوبون الهدية بعد، بإمكانه أن يذهب لشرب كأس من البيرة أو اثنتين، بل يمكنه أن يدفع مقابل الثالثة. ثمة امرأة شابة تجلس قريبًا منه وعلى ما يبدو جيدة في السرير، لكنها ليست زوجته ولا رغبة لديه في اقتراف الخيانة، أو هذا ما يقوله لنفسه، جالسًا على حافة سريرها، بنطلونه عند أسفل قدميه، غير متأكد إن كان يخلعه أو يرتديه، لكنه في هذه اللحظة يسحبه لأعلى ويعرج إلى البيت، تاركًا عكازيه المزدانين في مكان ما. عند وصوله، يجد كل دمى الكيوبي، التي وُضعت على الرف مع مجيء الصغار، الآن مبعثرة في أنحاء الشقة، مقطعة رؤوسها ومبتورة أطرافها. أحد أطفاله الرضع يبكي، وبينما يسخن زجاجة حليب على الموقد، يدلف إلى غرفته ليلقمه لَهَّاية فيكتشف رسالة من زوجته ملصقة إلى ملابس الطفل، تقول فيها إنها ذهبت إلى المستشفى لتضع مولودًا ومن الأحسن له ألا تجده عندما تعود، فهي إن وجدته ستقتله. يصدقها، ولا يمضي وقتٌ إلا وهو في الشارع مرة أخرى، متسائلًا إن كان قد أعطى تلك الزجاجة للرضيع، أو أنها لم تزل تغلي على الموقد. يمر بالبار في الحي القديم ويقاوم إغراءً في نفسه، فقد كابد ما يكفي من المتاعب لحياة واحدة، وهو على وشك أن يواصل السير لولا أن يوقفه ذلك الضخم الذي أوسعه ضربًا من قبل والذي يهديه الآن سيجارًا لأنه صار أبًا للتو ويسحبه إلى البار من أجل مشروب احتفالي، أو بالأحرى الكثير من المشاريب، لقد توقف عن العد. انتهت الاحتفالات، والرجل الذي صار أبًا للتو، الذي تزوج نفس المرأة التي تخلت عنه، يبكي أمام كأس البيرة متشكيًا هموم الحياة الزوجية ومهنئًا إياه، هو الرجل المحظوظ، على الخروج منها سالمًا. لكنه لا يحس نفسه محظوظًا، بخاصة عندما يرى المرأة الشابة الجالسة قربهما، التي يرجح مظهرها أنها جيدة في السرير، ويقرر أن يعرض عليها الذهاب إلى بيتها، لكن فات الأوان، فقد غادرت بالفعل برفقة الشخص الذي أوسعه ضربًا وسرق زوجته. لذلك يشرب بيرة أخرى، متسائلًا، أين سيعيش الآن، ومدركًا - إنه الساقي من يقدم تلك الملاحظة بينما يقدم له كأسًا آخرى على حساب المحل - أن الحياة قصيرة وقاسية وقبل أن يفهمها سيكون ميتًا. معه حق. بعد بضع كؤوس وارتعاشات جنسية أخرى، تذكر بعضها ونسي أغلبها؛ أحد أبنائه، يمتلك الآن سيارة سباق ويرأس الشركة التي كان يعمل بها، يأتي لزيارته على فراش موته، معتذرًا على وصوله متأخرًا (ذهبت لشرب البيرة يا أبي، حدثت أشياء) ويقول إنه سيفتقده لكن لعله خير. يسأل، أي خير؟ لكن ابنه ذهب، إن كان قد أتى أصلًا. حسنًا.. تعرفين.. إنها الحياة. يقول ذلك للممرضة التي جاءت لتسحب الملاءة على وجهه، وتجر سريره إلى مكان آخر.

اقرأ المزيد: القارئة - روبرت - كوفر - قصة قصيرة