المرآة ذات الوجوه الستة

قصة لديفيد جلين لارسون*

نُشرت في Flash Fiction Online

ترجمة: رُفيدة جمال ثابت 

الترجمة خاصة بـ Boring Books

تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها.

ديفيد جلين لارسون (1974): كاتب سيناريو ومؤلف أمريكي. نشر قصص قصيرة في عدة مجلات أدبية منها (Daily Science Fiction) و (Flash Fiction Online).


ديفيد جلين لارسون، من حسابه على تويتر

شعر روبن باختلافٍ لحظة استيقاظه، لكنه لم يتأكد حتى نظر في المرآة. وهناك وجد التأكيد. العينان اللتان كانتا تنظران إليه لم تكونا عينيه، إلا أنه ميَّزهما مثلما يميز عينيه. إنهما تنتميان إلى الكائن.

عندما زحف الكائن إلى جلده في المرة الأولى كان في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من عمره فحسب، لكنه لم يكن خائفًا. وعندما اختفى مجددًا، شعر بالخواء، مثل بيت فارغ، تردد جدرانه الداخلية العارية صدى صوته الوحيد. لكنه كان يعود إليه ثانية، وهذا الصباح شعر بأنه مكتمل مرة أخرى.

«مرحبًا!» قالها، لكن الكائن لم يرد. لم يفعل قط.

ما زال الاستحمام يبدو غريبًا، لكن الكائن كان يشيح بنظره محترمًا حياءه، وينتظر حتى يرتدي ملابسه ليحضر كاملًا مرة أخرى. كان ارتداء الملابس صعبًا أيضًا؛ كانت أصابعه خرقاء وأثقل مما كان وحده، كما لو أن جلد يديه قفازي شخص آخر.

وحيث أنه لم يرغب في التحدث إلى أي شخص وهو على هذه الحالة المربكة من الاستحواذ، حاول روبن التسلل إلى باب المنزل، لكن الأصابع المتصلبة جذبت أذنه وأعادته.

نظرت أمه إلى عينيه نظرة ثاقبة، وللحظة شعر بأنه مراهق ضُبطَ وهو يحاول الهرب. ولهنيهة حزينة، أدرك أنه لم يتغير كثيرًا منذ ذلك الوقت.

قالت له: «إذن، إنه أنت!»

«بالطبع إنه أنا. وهل من أحد غيري؟» قال روبن.

لوت شفتيها، وجذبته إلى المطبخ مثل كلب متمرد. «يجب أن تأكل يا روبنسيتو!»

فكر في الاحتجاج، لكن متى فردت أمه ذراعيها المهيمنتين مثل جنرال في ساحة قتال، فالاحتجاج بلا جدوى.

تهاوى روبن على المقعد ورشف قهوته. كان طعمها مختلفًا عما كانت عليه في اليوم السابق، لكن طعم الأشياء يبدو دومًا مختلفًا عندما يكون الكائن داخله، كما لو كان يستخدم لسانًا مستعارًا، وتساءل لو كان الكائن يملك لسانًا خاصًا به في مكان ما.

وصل الكائن بينما كان نائمًا، دومًا ينسل إلى الداخل مثل همسة، لا يوقظه أبدًا؛ ولذلك لم يعرف كيف يحدث ذلك. يحب أن يتخيله كما لو كان كرة طافية من النور، على الرغم من أنه ربما كان يشبه أرنبًا عملاقًا أو حشرة أبي مقص، أو ربما لا يشبه شيئًا على الإطلاق. ربما جاء من مكان لا توجد فيه معالم؛ عالم حيث الأشياء غير مرئية، وما يميزها هو الحضور والوجود. كانت تلك فكرة غريبة، وقلما تراود روبن تلك الأفكار. هل هو من يفكر الآن، أم الكائن؟ 

كان ذلك لغزًا من بين ألغازٍ كثيرة. وما زال اللغز الأكبر؛ لماذا اختاره الكائن تحديدًا من بين سبعة مليار شخص يكتظ بهم الكوكب؟ كان روبن عاديًا -بشكل محزن- في كل شيء تقريبًا. لم يتغيبَّ قط عن وظيفته المملة في مجال تكنولوجيا المعلومات في المؤسسة القانونية بشركة «سنشيري سيتي»، وما زال يعيش مع أمه، ويزيد عن معدل وزنه الطبيعي بعشرين رطلًا تقريبًا، ويقود سيارة عمرها 15 عامًا، وإذا سنح الوقت له للتفكير في ذلك، فربما سيصاب بالاكتئاب. ولكن ماذا يفعل؟ هل يخبر الطبيب النفسي أن كائنًا غريبًا يحتله ويشاركه في جسده، وأن هذا الأمر لا يزعجه؟ سوف يحبسونه طيلة حياته.

«توقف عن اللعب بطعامك!»

لم ينتبه روبن إلى ما كان يفعله، فقد كان ينثر قطرات من الصلصة الحارة على دوَّامات من صفار البيض الموضوع فوق شريحة أفقية من الأفوكادو. وذكرته الصورة بالوقت الذي اعتاد فيه الاستلقاء على العشب والتحديق بالسماء. كان عملًا فنيًا، ولم يكن فنانًا.

«لا أستطيع التأخر اليوم»، قال وهو يُنحِّي طبقه جانبًا، «نحن ندرب المحامين على نظام جديد».

نهض، وشعر بالكائن يلمس المادة الرمادية في دماغه مثل وخز لينبهه؛ وباغته حلم يقظة. كانت يفكر في الرمال الدافئة، وأصابع قدميه تغوصان فيها، والرائحة الملحية لهواء البحر المنعش. أراد الكائن أن يعرف شعور أن يكون يقظًا، أن يعيش مثل إنسان، أن يكتب شعرًا ويغني بصوتٍ عال أمام غرباء. أراد أن يترك عمله، أن يهرب ويقود سيارته عبر المدينة وهو ينظر إلى كل شيء موجود هناك. واليوم أراد الخروج إلى الشاطئ. 

انحنى روبن وحدق في انعكاسه المُشوَّه في محمصة الخبز المعدنية. قديمًا قال شاعر: الإنسان مثل مرآة ذات ستة وجوه، ينظر الرب من خلاله إلى جميع الجهات الست في وقت واحد. لم يعرف روبن هل كان ذلك الرب، أم شبحًا، أم مستكشفًا غريبًا ما، ولكن أيًا كان داخله، فقد اختار شخصًا ضعيفًا.

«هذا أمر مُستبعد حدوثه»، قال له. لن يذهب إلى الشاطئ اليوم.

«يجدر بك أن تنصت إليه!» قالت أمه بنغمة توبيخ. «إنه يعرف مصلحتك».

«ماذا؟» من المستحيل أن تكون قد عرفت.

قالت له وعيناها تلمعان: «هاتان العينان ربما تخدعان الآخرين. لكنهما لا تخدعاني، يا بني!»

«منذ متى وأنتِ تعلمين؟»

«سكن الحزن قلبك بعدما مات والدك»، ورسمت بيديها علامة الصليب. «لازمتُ غرفتك طيلة الصيف، واعتقدتُ أن الولد الذي أحببته قد ذهب. وصليَّتُ كل يوم من أجل عودتك، ثم في صبيحة أحد الأيام، كانتا مختلفتين».

«ماذا تقصدين؟»

«عيناك. كانتا تبتسمان».

«هل تعرفين ما هو؟» سألها وهو يقبض بيديه على معصمها. «هل تعرفين ما الموجود داخلي؟»

ضحكت. «بالطبع يا روبنسيتو. ألم تعرفه؟» وضعت يدها على يده وابتسمت ابتسامة عريضة. «إنها روحك!»