الرجل الذي تزوج نفسه

قصة لتشارلي فِش*

ترجمة: باسم عبد الحليم

*تشارلي فِش وُلد في نيويورك عام 1980، ويعيش حاليًا في لندن. كاتب قصة قصيرة، وتحولت قصته «الرجل الذي تزوج نفسه» إلى فيلم قصير عام 2010.

الترجمة خاصة بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه

***

 سِفر «اللاويين» يُحذِّر المسيحيين من الزواج بأخواتهم البنات، عمَّاتهم، أمهاتهم، حماواتهم، أو حتى حفيداتهم (إذا تعرضوا لتلك الإغواءات). لكن لا توجد أية إشارات في الكتاب، تُحرِّم زواج المرء من نفسه.

«لمَ لا؟»

بهاتين الكلمتين، غيَّر صديقي الطيب القس زاتارجا مجرى حياتي. حين قالهما، كان أمضى لتوِّه ساعتين على الهاتف مع الأسقف فليمنج، في مناقشة مختلف أقسام الكتاب المقدس في أدق أدق التفاصيل، وأشار إلى أن سِفر «اللاويين» يُحذِّر المسيحيين من الزواج بأخواتهم البنات، عمَّاتهم، أمهاتهم، حماواتهم، أو حتى حفيداتهم (إذا تعرضوا لتلك الإغواءات). لكن لا توجد أية إشارات في الكتاب، تُحرِّم زواج المرء من نفسه. ولذا، حين أخبرت القس زاتارجا بأن ذلك بالضبط ما أرغب في فعله، لم يجد مفرًّا من التسليم بهاتين الكلمتين المشؤومتين:

«لمَ لا؟»

يُغْفِل الكتاب المقدس بالطبع ذكر أي قواعد تمنع المرء من الزواج بالجِدَّات الكبيرات، أو بالطاولات، أو حتى بأسماك الزينة. ولن أندهش إذا ما عَلِمتُ أن الأسقف فليمنج قد انتهى به الأمر بالزواج من كلبته البودل الفرنسية الحبيبة، أو من بطانيته بعد كل هذه السنوات من النوم معها. على أي حال، ما أن انتهيت من إقناع القس الطيب بأن يدعني أتزوج رجل أحلامي، حتى أصبحتُ مضطرًا لإقناع والديَّ أيضًا، ويجب أن أقول إن بالمقارنة بين دين عالمي ترسَّخ لألفي سنة، ووالديَّ الحبيبين، كان إقناع والديّ أكثر صعوبة بما لا يقاس.

لم تأخذ أمي الأمر في البداية على محمل الجَدّ. حسنًا، أعترف أن قِلَّة قليلة من الناس أخذوا الأمر على محمل الجَدّ. لكني أردتها أن تعرف أنني أعني ما أقول، أَخَذَت تسألني عن أشياءٍ سخيفة مثل «ولماذا تتزوج؟ بإمكانك أن تعيش مع نفسك»، أو «ماذا سترتدي في حفل الزفاف؟»

للأسف أصاب أبي الجنون بسبب هذا الزواج، جُنَّ بمعنى الكلمة، لسنوات بعد الزفاف قضى أيامًا في كتابة المقالات لمجموعة واسعة من المجلات الإخبارية، وتسجيل كتبٍ ورسائل إلى وكالات الفضاء، يدَّعي فيها أنه كان أول شخص يُمارس الجنس في الفضاء، وبدا مقتنعًا تمامًا، بالرغم من حقيقة أن أقرب شئ ذهب إلى الفضاء كان زر لوحة المفاتيح الأكبر في جهاز الكومبيوتر الخاص به. وإذا ما سأله أحدهم عمن مارس معه الجنس في الفضاء، كان عادةً ما يصمت للحظاتٍ، في تأثُّرٍ مسرحيّ، ثم يُدير عينيه المتوحشتين نحوك ويصرخ مُحتدًّا: «مع نفسي».

***

كنتُ أتمنى فقط لو أن أصدقائي تعاطفوا مع قضيتي، لكنني أظن أن الأمر بالنسبة لهم لم يكن أكثر من نكتة، لقد كانوا في أغلب الأحيان داعمين لي، ولكن بعد الزفاف أمضوا الكثير من الوقت في السخرية مني، كانت بعض هدايا الزواج التي تلقيتُها مهينة للغاية، مجلات بورن، قفازات حريرية، أو حتى مرآة للسقف، كما خابَ أملي فيهم، لأنهم حتى لم يتجشموا عناء كتم ضحكاتهم، حين كان القس زاتارجا يتلو نذور الزواج: «هل ستحافظ على نفسك كزوجٍ لتعيشا كواحدٍ إلى الأبد؟ هل ستُحب وتُسعِد نفسك وتُطيعها وتُكرمها في السراء والضراء؟ هل ستظل مخلصًا لنفسك ما بقي من حياتك؟». وأكاد أقسم أن أحد أصدقائي قد بلَّل نفسه من الضحك.

أمضيتُ شهر عسل رائع في لاس ﭬـيجاس، وقامرتُ بكل مدخراتي تقريبًا، دون أن يكون هناك أحد ما ليتذمر من حجم الأموال التي أنفقتُها، وحجزتُ جناحًا خاصًا، بواجهةٍ زجاجية، في فندق «الأقصر»، لأقضي فيه الليل.

كان لديَّ أسباب عدة للزواج حين أقدمتُ عليه، بصرف النظر عن المزايا الضريبية بالطبع (حاولتُ أن أجعل مفتش الضرائب يفهم، أن زوجي كان قاسيًا في توبيخي مع ذلك). منذ ذلك الحين أدركتُ مفهوم الزواج بحق، كنتُ أتوق لشريك يمكنني الوثوق فيه، كنتُ أحتاج شخصًا يكون معي دائمًا، شخصًا يمكنني أن أصارحه بأدق وأحلك أسراري، دون أن يسخر مني. وللأسف، رغم أنني لم أعان من أي مشكلة في الحصول على رفيقة، كنتُ غالبًا ما أنزلق إلى اختيارات سيئة، ثم أدركت أن شريكي المثالي كان أقرب إليَّ من أي شخص آخر.

عمومًا، أظن أن الزواج كان ناجحًا إلى حد بعيد، نادرًا ما كنتُ أختلف مع شريكي. وفي الحقيقة، فقد حظَيتُ معه بأفضل المحادثات على الإطلاق. في المرات القليلة التي تجادلنا فيها، كنتُ دائمًا ما أنتصر.. أما الجنس فكان… حسنًا، أيًا كان ما كنتُ أفعله.. بالطبع كان هناك تدخُّلات من بعض وسائل الإعلام. حاول الكثير من صحفيِّي المجلات الرخيصة الاستفادة من هذا الزواج غير التقليدي. وقد وجدتُ بعض مقالاتهم مسليًا بالفعل، أما البعض الآخر فكان هجوميًا، خاصة تلك المقالات التي وصفتني بالشخص الأكثر غرورًا و/ أو أنانية في العالم. لا أظن أنني كنتُ أنانيًا، فقط تصادف أنني كنتُ أستمتع بمصاحبة شريكي.

أظن أن شيئًا يتعلَّق بالهرمونات -مرحلة من مراحل الحياة أو ما شابه- هو ما جعلني فجأة أتلهف على طفلٍ، بطريقةٍ مُبتذلة، أدركتُ أنني مجرد إنسان فانٍ، ولهذا كنتُ أريد أن أنقل چيناتي، لذا، وبعد أيام من حساب المكسب والخسارة، قررتُ أن أتخلَّى عن زوجي وأبحث عن زوجة، تحدثت مع القس زاتارجا، فأخبرني أنه ليس بإمكاني تقديم طلب للحصول على الطلاق في أي وقت، يجب أن يكون ثمة مبرر شرعي. وللغرابة لم تكن الرغبة في طفل من الأسباب التي تسمح بالطلاق.

كما أوضح لي القس الطيب زاتارجا، يمكنني فقط طلب الطلاق إذا عشت بعيدًا عن شريكي لمدة تتجاوز العام، الأمر الذي كان في غاية الصعوبة دون عملية جراحية كبيرة. أو ما إذا كان شريكي يعاملني بقسوة، أو مسجونًا لمدة تزيد على عام. لم أكن على استعداد لأن أضرب نفسي، أو لأن أضعها في السجن لكي أحصل على الطلاق، مما يترك المجال لخيار واحد أخير: الزنا، كنتُ مضطرًا لممارسة الجنس مع شخص آخر غير نفسي، شخص عادي مستقيم من الجنس البشري، وأصبح بعدها حرًا من قيد الزواج.

خلعتُ خاتم زواجي على مضض، وبدأتُ في البحث عن رفيقة، كان أصدقائي قاسيين في هذا الموضوع بقولهم إنني كنتُ أنفصل لكي أمنع نفسي من التهوُّر، وأعتقد أن أمي شعرت بالارتياح، حين قلتُ لها أن علاقتي بنفسي على وشك الانتهاء، فقط أبي هو من توقف للحظة ليضفي تأثيرًا دراميًا، ثم أدار عينيه المتوحشتين نحوي وصاح: «نفسي!». ربما كان بالفعل في عالم آخر.

ظننتُ أن الأمر سيستغرق بعض الوقت، حتى أعثر على أحدٍ يقبل النوم معي، وفي نفس الوقت لا يقرأ الجرائد ليعرف أني متزوج بالفعل، لكنني وجدتُ بسرعة فتاة ماليزية بملامح مُميَّزة، مُستعدة لتقبل الاغواء بسهولة، كان الجنس –للأمانة- مخيبًا بعض الشئ، بدا كأنها لا تعرف شيئًا على الإطلاق عن إثارة رجل، حيث أنني كنتُ، في هذا الشأن، قد صرتُ خبيرًا إلى حدٍ بعيد. أظن أن الأمر لم يكن عظيمًا بالنسبة لها أيضًا، لم أكن قد تدربت على إسعاد عضوات الجنس الألطف.

صار الطلاق سهلًا بعدها، ويبدو أن الكنيسة كانت متحمسة لانفصالي، وكأن زواجي كان خطأ كبيرًا، شعرتُ بالوحدة لعدة أشهر بعد الانفصال. لكن على الأقل، كَفَّ الطبيب النفسي المحلي (الأخصائي في علاج اضطرابات انفصام الشخصية) عن إرسال بطاقاته الشخصية الملعونة كل أسبوع.

استغرق الأمر مني عقدًا كاملًا من الزمن، للعثور على زوجة جيدة لا تظن أنها ستكون طرفًا في ثلاثي زواج. وفي معظم هذه الفترة، كنتُ أنتظر أن تنسى وسائل الإعلام موضوع «الرجل الذي تزوَّج نفسه». في هذه الأثناء، كتبتُ سيرةً ذاتية بنفس العنوان، وذكرتُ في الكتاب وصفًا دقيقًا للزواج من نفسي، مُتضمِّنًا لحظات الصعود والهبوط في حياتي مع نفسي، وكيف تعاملت مع الانتقادات التي وجهها الجميع لي ولزواجي، بخلاف بعض اللحظات الحميمة الخاصة في العلاقة. أعتقد أن هذه المقاطع بالذات، كانت سبب نجاح الكتاب حين نُشِر بعد عدة سنوات. كان الناس توَّاقين للقراءة عن الآثار المترتبة على زواجٍ غير معتاد كهذا. وأعتقد أنه جعلهم يفكرون، كانوا يقرؤون كتابي، ويسأل كلٌ منهم نفسه: «هل أنا شخص من السهل العيش معه؟ وإن اضطررتُ للحياة مع نفسي، فهل سأستطيع ذلك؟» توقف الكل عن البحث عن السيد أو السيدة المناسبة للحظةٍ، للتساؤل ما إذا كان أي منهم قد يصلح كزوج مناسب لأي شخص.

لم أسمعُ بعدها عن أي زيجات من النفس إطلاقًا. مما يعني أن وسائل الإعلام قد فقدت اهتمامها بالموضوع، أو أن الكنيسة عقدت العزم على منع تكرار ما حدث مرة أخرى. على أية حال، صار كل ذلك وراء ظهري الآن. انتقلنا أنا وزوجتي إلى منزلٍ جديد، كبير بما يكفي لاستيعاب طفلنا الجديد حين يُولَد. أنا سعيد الآن.. في الواقع، فإنني لا أستطيع إزالة الابتسامة من على وجهي.. تعرف، جيراننا في المنزل المجاور كانا الأسقف فليمنج وزوجته الحبيبة، كلبته البودل الفرنسية.