سلافوي جيجيك: «لعبة العروش» استغل المخاوف من الثورة والنساء المسيسات، ولم يتركنا في حال أفضل مما كنا عليه

يحتوي المقال على حرق لأحداث المسلسل

عن الإندبندنت 22 مايو 2019

ترجمة: أمير زكي

خاص بـ Boring Books

يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.

***

أطلق الموسم الأخير من مسلسل «لعبة العروش» صخبًا عامًا بَلَغ حد ظهور عريضة (وقع عليها حوالي مليون مشاهد غاضب) لاستبعاد الموسم بأكمله وإعادة تصوير موسم جديد. حدة الجدال دليل في ذاتها على أن الرهانات الأيدولوجية لا بد أن تكون عالية.

تلخص السخط في نقطتين: السيناريو السيء (تحت ضغط إنهاء المسلسل سريعًا، جرى تبسيط التعقيد الذي اتسم به السرد)، والتناول السيكولوجي السيء (تَحَوُّل دينيريس إلى «الملكة المجنونة» لم يكن مبررًا من خلال تطور شخصيتها)، إلخ.

واحد من الأصوات الذكية الذي أدلى بدلوه في الجدال كان صوت الكاتب ستيفن كينج، الذي أشار إلى أن السخط غير نابع من النهاية السيئة، ولكن من حقيقة وجود النهاية نفسها. في العصر الذي نعيش فيه، الذي يتسم بمسلسلات يمكن، من حيث المبدأ، أن تستمر إلى ما لا نهاية، تتحول فكرة إنهاء السرد إلى فكرة غير محتملة.

من الصحيح أن خاتمة المسلسل السريعة سيطر عليها منطق غريب، منطق لا ينتهك القواعد النفسية المعروفة، ولكنه ينتهك الافتراضات السردية للمسلسلات التلفزيونية. في الموسم الأخير، كان مجرد الإعداد للمعركة، والنحيب والتدمير التالي لها، والمعركة نفسها، بخلوها التام من المعنى، أكثر واقعية بالنسبة لي من الحبكات الميلودرامية القوطية المعتادة.

عَرَض الموسم الثامن ثلاثة صراعات متعاقبة؛ الأول بين البشر وغير البشريين «الآخرون» (جيش الليل القادم من الشمال والذي يقوده ملك الليل)، الثاني بين مجموعتين من البشر (آل لانستر الأشرار والتحالف المواجه لهم الذي تقوده دينيريس وآل ستارك)؛ والثالث الصراع الداخلي بين دينيريس وآل ستارك.

هذا هو سبب أن المعركة في الموسم الثامن اتبعت مسارًا منطقيًا بداية من المعارضة الخارجية، نهاية بالانقسام الداخلي: هزيمة جيش الليل غير البشري، وهزيمة آل لانستر، وتدمير كينجز لاندنج؛ ثم الصراع الأخير بين آل ستارك ودينيريس: الذي يمثل في النهاية الصراع بين النبالة «الطيبة» التقليدية (آل ستارك)، التي تحافظ على رعاياها بإخلاص من الطغاة الأشرار، وبين دينيريس كنمط جديد من الزعيم القوي؛ التي تمثل نوعًا من البونبارتية التقدمية التي تتحرك بالنيابة عن معدومي الامتيازات.

كانت الرهانات المتعلقة بالصراع الأخير كالتالي: هل ينبغي للثورة ضد الطغيان أن تتحول إلى مجرد قتال من أجل عودة نسخة قديمة أطيب من نفس النظام الهيراركي، أم ينبغي أن تتطور إلى بحث عن نظام جديد الناس في أمس الحاجة إليه؟

تمزج الخاتمة الرفض لتغيير جذري بموتيف معاد للنسوية يعود إلى فاجنر. لدى فاجنر، لا يوجد ما هو أكثر إثارة للقرف من تَدَخُّل امرأة في الحياة السياسية، مدفوعة بالرغبة في السلطة. في مقابل الطموح الذكوري، ترغب المرأة في السلطة من أجل الترويج لمصالح عائلتها الضيقة، أو ما هو أسوأ، جشعها الشخصي، غير قادرة بنفسها على إدراك البعد الكلي في سياسات الدولة.

النسوية نفسها التي تمثل قوة الحب الحمائي، بداخل الدائرة المغلقة للحياة الأسرية، تتحول إلى هياج منفلت حين تتبدى في مستوى الشؤون العامة وشؤون الدولة. لنستدع أضعف تفصيلة في حوار «لعبة العروش» حين تخبر دينيريس جون إنه إذا لم يتمكن من حبها كملكة سيسود الخوف - كمثال على الموتيف المربك الفظ للمرأة غير المشبعة جنسيًا التي ينفجر شبقها إلى غضب مدمر.

لكن دعنا نتناول الدواء المر الآن، ماذا عن اندفاعات دينيريس الإجرامية؟ هل يمكن تبرير القتل الوحشي لآلاف الناس العاديين في «كينجز لاندنج» كخطوة ضرورية من أجل تحقيق الحرية الشاملة؟ عند هذه النقطة، علينا أن نتذكر أن السيناريو كتبه رجلان.

تَحَوُّل دينيريس إلى الملكة المجنونة هو بدقة عبارة عن فانتازيا ذكورية، لذلك كان النقاد على حق حين أشاروا إلى أن تحولها للجنون لم يكن مُبَرَّرًا سيكولوجيًا. مشهد دينيريس ووجهها يحمل علامات الغضب المجنون، وهي تحلق بالتنين وتحرق البيوت والناس يعبر عن أيديولوجيا أبوية تتسم بخوفها من المرأة السياسية القوية.

المصير النهائي للنساء الزعيمات في «لعبة العروش» مطابق لتلك الإحداثيات. حتى لو انتصرت دينيريس الطيبة ودمرت سيرسي الشريرة، تفسد السلطة دينيريس. آريا (التي أنقذتهم كلهم وحدها بقتلها لملك الليل) تختفي أيضًا، وتبحر إلى غرب الغرب (وكأنها ستستعمر أمريكا).

الوحيدة التي تبقت (كملكة على مملكة الشمال المستقلة) هي سانسا، نمط المرأة المحبوبة في ظل الرأسمالية اليوم، التي تمزج الفهم والنعومة الأنثوية بجرعة مقبولة من معرفة المكائد، وهكذا تناسب علاقات السلطة الجديدة تمامًا. تهميش النساء هو لحظة محورية في الدرس الليبرالي المحافظ العام للحلقة الأخيرة: لا بد للثورات أن تمضي إلى الطريق الخطأ، إنها تجلب طغيانًا جديدًا، أو، كما أوضح جون لدينيريس:

«الناس الذين يتبعونك يعرفون أنك حققت شيئًا مستحيلًا. ربما يساعدهم ذلك على الإيمان بأنه بإمكانك تحقيق أشياء مستحيلة أخرى، بناء عالم مختلف عن الخراء الذي عرفوه طوال الوقت. ولكن إذا استخدمت التنانين لتدمير القلاع وإحراق المدن. لن تكوني مختلفة في شيء».

أخيرًا ومن منطلق الحب يقتلها جون (ينقذ المرأة الملعونة من نفسها، كما تقول الصيغة الذكورية الشوفينية القديمة)، يقتل الفاعل الاجتماعي الوحيد في المسلسل الذي يحارب بالفعل من أجل شيء جديد، من أجل عالم جديد يضع نهاية للمظالم القديمة.

هكذا يسود العدل، ولكن أي نوع من العدل؟ الملك الجديد هو بران: القعيد، كلي المعرفة، الذي لا يريد شيئًا، مع استدعاء الحكمة المضجرة التي تقول إن أفضل الحكام هم من لا يرغبون في السلطة. توحي بحقيقة الأمر كله الضحكات المزدرية التي تضج حين يقترح أحد أفراد النخبة الجديدة أسلوبًا أكثر ديمقراطية لاختيار الحاكم.

ولا يمكن للمرء أن يتجاهل ملاحظة أن الأوفياء لدينيريس حتى النهاية هم الأكثر تنوعًا - قائدها العسكري أسود - بينما الحكام الجدد يتضح عليهم أنهم بيض نورديون. الملكة الراديكالية التي أرادت حرية أكبر للجميع بغض النظر عن موقعهم الاجتماعي وعرقهم تُقَتل، وتعود كل الأمور إلى نصابها العادي.