لماذا تأخر حصول بيكيت على جائزة نوبل في الأدب؟

تقرير: أمير زكي

خاص بـ Boring Books

يحتفظ الكاتب بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بتقريره دون إذن منه.

***

في عام 1968 كان الأديب الأيرلندي البارز صمويل بيكيت قريبًا من الحصول على جائزة نوبل في الأدب، ولكن ترشيحه واجه اعتراضات من رئيس اللجنة آنذاك، الشاعر السويدي آندريش أوسترلينج، كان في رأيه أن حصول صمويل بيكيت، الكاتب «العبثي»، على جائزة نوبل في الأدب، سيكون ضربًا من «العبث».

في تقرير لها عن وثائق جائزة نوبل عام 1968، كشفت جريدة «الجارديان» الملابسات التي أحاطت بالجائزة والمتنافسين عليها. وجدير بالذكر أن وثائق الجائزة تظل سرية حتى يمر عليها خمسون عامًا. وذَكَر التقرير أن جائزة ذلك العام، التي حصل عليها الأديب الياباني ياسوناري كاواباتا، تنافست عليها أسماء أدبية في غاية الأهمية، مثل عزرا باوند وإ. م فورستر، اللذين خرجا من حسابات اللجنة بسبب تقدمهما في العمر، وكذلك تشينوا آتشيبي وجراهام جرين، والمفاجئ أن تجد بين المتنافسين على جائزة الأدب الرئيس الفرنسي الراحل تشارل ديجول. الأديب الروسي فلاديمير نابوكوف أيضًا كان مرشحًا للجائزة ولكن أقصته اللجنة لاعتبارها روايته البارزة «لوليتا» رواية غير آخلاقية. وذُكر أيضًا اسم الكاتب المسرحي الفرنسي البارز يوجين يونسكو، الذي كثيرًا ما يكون اسمه مصاحبًا لبيكيت، على أنه كاتب مسرحي «عبثي» ولكن اللجنة اعتبرت أعماله مثيرة للجدل.

في حالة بيكيت كتب آندريش أوسترلينج: «للأسف ما زالت لدي شكوك أساسية في كون تقديم الجائزة له مناسب لروح وصية نوبل». مشيرًا إلى الجزء الخاص بالأدب في وصية العالم السويدي ألفرد نوبل، الذي يقول إن الجائزة ستُقَدَّم إلى الأعمال البارزة ذات الاتجاه المثالي.

أضاف أوسترلينج أن
السخرية الكارهة للبشر التي يتميز بها الكاتب الأيرلندي جوناثان سويفت (صاحب رحلات
جاليفر)، أو التشاؤم الراديكالي الذي يتسم به الفيلسوف الإيطالي جياكومو ليوباردي،
يحتاجان إلى مشاعر قوية، هذا الذي يفتقده بيكيت.

في ذلك العام كان بيكيت يعتبر كاتبًا متحققًا في مجالي الرواية والمسرح، وإن تضاعفت شهرته بسبب مسرحيته الأشهر «في انتظار جودو» التي عُرضت في الخمسينيات وصارت تعتبر نقطة انتقال من المسرح التقليدي إلى المسرح الحديث.

انتهى الجدال عام 1968 بفوز كاواباتا ليكون أول أديب ياباني يحصل على الجائزة.

ولكن تكريم بيكيت بالجائزة لم يتأخر كثيرًا، ففي العام التالي حصل عليها بالفعل، وكتبت اللجنة أن هذا بسبب «كتابته، في أشكال جديدة بالرواية والمسرح، عن عوز الإنسان الحديث وسعيه لرفعته الذاتية».

الغريب أنه في العام التالي، كان أوسترلينج ما يزال عضوًا باللجنة، وسيحتاج الأمر إلى مرور عام حتى تُنشر وثائق عام 1969 لنعرف لماذا غيَّر رأيه وتقبل حصول بيكيت على الجائزة.

ولكن رغم التردد المصاحب لترشيح بيكيت في البداية، إلا أن الأوساط الثقافية السويدية رحبت بحصوله على الجائزة، وذلك وفقأ لما ذكرته جريدة النيويورك تايمز في الخبر الذي يعود إلى عام 1969 عن الإعلان عن نوبل في الأدب، ويعود هذا الترحيب إلى أن هذا الخيار تحديدًا يُبعد الجائزة عن شبهة تأثرها بالمواقف السياسية، ومن الواضح أن هذه تهمة قديمة تُوجه إلى لجنة نوبل، ولا شك أن فيها قدر من الصحة، ففي عام 1953 حصل على الجائزة السياسي الإنجليزي ونستون تشرشل، ورغم أنه مؤرخ بارز وله أسلوبه المميز إلا أنه سياسي في النهاية وليس أديبًا، وكذلك رأينا أن تشارل ديجول رِشح لها عام 1968، وغالبًا من منطلق سياسي كما الحال مع تشرشل.

أما في حالة بيكيت فمن الصعب نسبه لأي موقف سياسي، فقبل حصوله على الجائزة، لا يُذكر له سوى مشاركته في المقاومة الفرنسية أثناء الحرب العالمية الثانية، وهي مشاركة كثيرًا ما قلل منها بنفسه. لذلك كان حصول بيكيت على الجائزة من أجل الأدب وحده.

ووفقًا لتقرير النيويورك تايمز نفسه كانت لجنة نوبل تتوقع ألا يحضر بيكيت حفل نوبل من أجل تكريمه. بيكيت في وقت إعلان الجائزة كان بالفعل يقضي إجازته في تونس ولم يقطع إجازته، ولم يتوجه إلى حفل تسليم الجائزة في ستوكهولم، ولكنه قَبِلها، ليكون ثاني أيرلندي يحصل على الجائزة بعد وليام بتلر ييتس (حصل عليها من قبل الأيرلندي برنارد شو ولكنه بصفته إنجليزيًا). ولكن حتى مسألة جنسية بيكيت وانتمائه ليست بهذا اليسر، فهو، الذي وُلد في أيرلندا عام 1906، أقام في فرنسا منذ عام 1937 وحتى وفاته عام 1989، وكتب معظم أعماله بالفرنسية قبل أن يترجمها بنفسه في الإنجليزية.

في الثقافة العربية عُرف بيكيت طوال عقود بالكاتب المسرحي «العبثي» في تصور شبيه لتصور آندريش أوسترلينج عنه، ولكن مؤخرًا تزايد الاهتمام بأعماله السردية، وفي عام 2018 صدرت ترجمتان عربيتان لروايته «مولوي»، ترجمة لعبده الريس صدرت عن سلسلة الجوائز، وأخرى لمحمد فطومي صدرت عن دار المدى.

جدير بالذكر أن وثائق نوبل تكشف المرشحين الحقيقيين لجائزة نوبل في الماضي، بعيدًا عن تكهنات الصحفيين التي تروج كل عام، ومنها عرفنا أن الكاتب العربي الوحيد الذي رُشح للجائزة حتى عام 1968 (عام الكشف عن آخر وثيقة)، هو طه حسين، وذلك في عامي 1949 و1950، ولكن تفوق عليه في العام الأول الأديب الأمريكي وليام فوكنر، وفي الثاني الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل.


اقرأ المزيد عن صمويل بيكيت على موقعنا

https://bit.ly/2UI3vMp