وعدت أمي أن تحب الهائم المقدس في باتريك، ووعد باتريك، لأنه كان يستطيع إلقاء الشعر، أن يحب الروح العابدة في أمي. رفعا كأس الزفاف بينهما ثم حطماها على أحجار مدفأة لورانس، وقبلا بعضهما بشغف. قالت إيثين إن الموقف مقزز، وأنها ذاهبة لتنام. قلت "أخبرتك أنك ستعيين نفسك". 

حفل زفاف أمي

قصة تيسا هادلي

ترجمة: رحمة راضي

تيسا هادلي أديبة بريطانية (فبراير 1956)، تعيش في كارديف، حيث تدّرس الأدب والكتابة الإبداعية في جامعة باث سبا. تتركز اهتماماتها الأدبية حول أعمال وجين أوستن، وهنري جيمس، جين رايس، وإليزابيث بوين. كتبت دراسة عن هنري جيمس بعنوان هنري جيمس وخيال المتعة (2002). هادلي مؤلفة لخمس روايات:  الحوادث في المنزل (2002)، كل شيء سيكون على ما يرام (2003)، غرفة النوم الرئيسية (2007)، قطار لندن (2011)، والفتاة الذكية (2014). كما نُشرت قصصها القصيرة في مجلة نيويوركر ومجلة جرانتا.


لم يكن أبدًا ليصير زفافًا عاديًا، أمي لا تفعل أي شيء عادي. كانت ستتزوج من باتريك في يوم الانقلاب الصيفي؛ وكل شيء كان سيحدث في المنطقة الصغيرة التي كنا نعيش فيها، في بيمبروكشاير. اشترى والديّ المنزل في السبعينيات من زوجين عجوزين يتحدثان الويلزية ويذهبان إلى الكنيسة. كان الأقارب والأصدقاء قادمين من كل مكان، كل أصدقائنا من بيمبروكشاير سيكونون حاضرين، وآخرون من جيراننا الذين ما زالوا أصدقائنا، بعضهم لم يكن يعجبه أسلوب عيشنا. كانت أمي قد حلمت بحفل زفاف تملؤه الدراما. هي وباتريك سيشربان الميد من كأس خاصة أعدها فين بنفسه، بعدها يحطمانه؛ وستكون اللحظة الحاسمة عندما يخلعان ملابسهما كلها عند غروب الشمس ويغمران جسديهما في البركة بينما يغني الجميع – وكان فين سيلوّح بأغصان من نبات الميرتل فوقهما ويعلنهما زوجًا وزوجة. كانت أمي تقضي ساعات وهي تتأمل في دفتر ملاحظاتها، تحاول صياغة الكلمات المناسبة ليمينها. كانت تستطيع الهمس للحيوانات (وكانت تستطيع ذلك حقًا، لم تكن مجرد تخاريف، لقد رأيتها تهدئ فرسًا شابًا نصف مُكسر وهو يهيج عندما كان الرجال البالغون يرفضون الاقتراب منه)، لكنها كانت تجد أحيانًا صعوبة في العثور على الكلمات المناسبة للتعبير. 

لم يكن باتريك والدي، لا حاجة لقول ذلك. لقد رحل والدي من وقت طويل، عن المنطقة الصغيرة، وعن غرب ويلز، وعن أسلوب الحياة هذا. لأبي شعر قصير الآن، يعمل في شركة تأمين ويصوت لصالح السيدة تاتشر. من وقت لآخر، كنت أذهب للمكوث عنده هو وزوجته لبعض الوقت، وكانت هذه الأسابيع في هاي بارنيت بالنسبة لي بمثابة هروب هادئ، كما يستمتع الآخرون بعطلتهم في الريف: مع التدفئة المركزية، والمطبخ المجهز بمعالج الطعام ووحدة التخلص من النفايات، والأيام الطويلة الفارغة عندما كان كلاهما في العمل، بينما كنت أجرب فساتينها الأنيقة وأدوات مكياجها. لم أذكر السيدة تاتشر عندما عدت إلى ويلز. لم أكن أحب سياستها بقدر ما كان الآخرون يكرهونها، لكنني لم أرغب أن أشجع الطريقة التي كان الجميع يتعالون بها، متظاهرين بالصدمة والخيبة من كيفية انحيازه إلى الجانب المظلم. 

لم يكن باتريك والدًا لإخوتي غير الأشقاء إيثن ورون أيضًا. كان والدهما لورانس، والذي ما زال جزءًا كبيرًا من حياتنا. كان يعيش على بعد ميل واحد منا، ترك أمي في الوقت الذي كان رون يلتحق فيه بالمدرسة تقريبًا، ذاهبًا مع نانسي ويذرز. وعلى الفور، واعدت أمي فين، الذي كان صديق زوجها المقرب. لكن انتهى كل هذا الآن، وباتريك هو حب حياتها وشخص جديد من خارج دائرتنا. كل هؤلاء الأشخاص من ماضيها؛ لورانس ونانسي وفين وسيو والآخرين، على الرغم من عدم وجود أبي وزوجته، سيحضرون حفل زفافها، لأنه نوع الحفلات الذي كانوا يفضلونه على الإطلاق، حيث كان لكل شخص ماض مع الآخر، ويمكن لأي شيء أن يحدث، وهناك احتمالية للانكشاف وفتح قلوبهم لبعضهم البعض، والرقص والاقتران بالأشخاص الخاطئين، فيما المخدرات والمرطبات وشراب الفطر يبقيان كل شيء مشحمًا ومجنونًا، وفي الوقت نفسه، تكون عصابتهم الشقية من الأطفال تجوب المكان في الظلام، أشد عنفًا وجموحًا مما يتخيله والديهم، يسرقون ميد فين المقززة ويتجسسون على ما لا يجب أن يرونه، ويتعرض أحدهم حتمًا لكسر في ذراعه أو يحرق خيمة أو يكاد يغرق (وفي مرة، خلال حفلة أخرى، غرق أحد الأطفال بالفعل، لكن هذه قصة أخرى).

لم أدر ماذا أفعل بنفسي، لأنه عند عمر السابعة عشر فأنا كبيرة جدًا على الركض مع الأطفال لكن ما زلت مترددة- متحفظة جدًا وغاضبة ومتشككة- من الانضمام إلى البالغين. كنت غاضبة للغاية من كل شيء في ذلك الوقت. أتت أمي وألقت بنفسها على كتفيّ بينما كنت أحاول دراسة البناء الضوئي من كتاب الأحياء للمستوى أ.  "جاني، يا حبيبة قلبي، ساعديني في هذه المهمة البائسة في كتابة اليمين، لا أستطيع إكماله بشكل صحيح. أنت البارعة مع الكلمات، ماذا عليّ أن أقول؟ لقد كتبت (أعد أن أعبد الرجل المحب فيك) ثم خطر باتريك في بالي بعدها وهو يستغلها ضدي إذا حدث أي شيء بيننا، لأنني أعرف بالطبع ماذا يمكن أن يحدث، أنا أفهم كيف يتصرف الرجال، لن أخوض ذلك وعينيّ مغمضتين". 

قلت وأنا أحاول تخليص نفسي من تحتها،"ماما، ابتعدي. لا يمكنني كتابة يمين زواجك، هذا غير لائق". 

"أنت مثل عجوز متغطرسة" قالت بحب ضاغطة على كتفيَ ومقبلة أعلى رأسي، وانسدلت خصلات من شعرها الكستنائي على الصفحة. شعرها مثل شعر إليزابيث سيدال في لوحات روزيتي، وكانت تتركه إما مفرودًا أو تسرحه ملتفًا حول رأسها على شكل حبل، وفي الحقيقة، ملامح وجهها تشبه ملامح إليزابيث سيدال أيضًا، وتلبس نفس نوع الملابس الفضفاضة. لكنني كنت الوحيدة التي تعرف من هي إليزابيث سيدال، وتعرف أن روزيتي دفنها مع كتاب من قصائده ثم حفر قبرها مرة أخرى ليأخذ الكتاب، كنت أعرف كل شيء عن الحركة ما قبل الرفائيلية وروزيتي وبيرن-جونز والبقية، وحتى أنني لم أكن أحبهم جميعًا جدًا. كانت الحياة مقسمة هكذا بيني وبين أمي: أنا كنت أعرف عن الأشياء، وهي كانت جميلة. لم أستطع تخيل باتريك يستغل أي شيء ضد أي أحد. كان لباتريك ألطف الطباع. كان يصغر أمي بالكثير، كان عمره ستة وعشرون عامًا فقط، أقرب لي في العمر منها، وكان جسده مرخيًا وشعره الأشقر أشعث، وعيناه رماديتين ناعستين كما لو كان كل ما في حياته سابقًا مجرد حلم استيقظ منه ورأى أمي في مبادرة الأطعمة الصحية في القرية، كما جرى، عندما مدّا يديهما في نفس اللحظة لالتقاط كيس ورقي من مزيج المويسلي. كان قد أتي إلى غرب ويلز للإقامة مجانًا في البيت الصيفي لعائلة صديقه، لينتهي من أطروحة الدكتوراه عن لاهوت جوليان النورتشية (كنت أعرف من تكون أيضًا). انتهت أموال المنحة وحكى لنا أنه عاش لأسابيع متواصلة على لا شيء سوى التفاح ومزيج المويسلي فقط. "إنه مشبع جدًا" أخبرنا مبتهجًا. كانت أمي تعتقد أنه ينتمي إلى عالم آخر مثل القديسين السلتيين، لكنني كنت أعرف أنه مجرد مثقف. كانت جميع تجاربه محصورة في الكتب، ولم يكن قد واجه الحياة بكل قوتها من قبل: لقد وقع في حب أول شيء رأته عينيه، مثل شخصية بريئة في مسرحية لشكسبير. كان له فتاة في أكسفورد -تدرس أيضًا علم اللاهوت- لكنها لم تصمد في المقارنة مع خصلات الشعر الكستنائية. لقد ترك أطروحته أيضًا. 

أحببنا باتريك، إيثين ورون وأنا. أحب إيثين ورون التجوال معه حول منطقتنا، واكتشاف كيف أنه لم يجرب أي شيء من قبل، لم يتأرجح على حبل من فوق النهر أبدًا، لم يركب حصانًا بدون سرج أبدًا (لم يمتط حصانًا في كل الأحوال)، لم ير شيئًا مثل الغربان الميتة المعلقة على سلك سياج جارنا المزارع الذي كان يكرهنا. أحببت الحديث مع شخص يعرف الأشياء بدلًا من أن يكون قد مر بكثير من التجارب. كانت التجارب محفورة في وجوه البالغين الآخرين في حياتي، تلك الوجوه المدبوغة والمتجعدة؛ وكانت الخبرة مثل ضوء متربص ومحاصر في عيونهم كلما نظروا إليّ. غرِقْنا أنا وباتريك في الأريكة القديمة المتهالكة التي كانت تنبعث منها رائحة الكلاب، بينما كانت أمي تطبخ كميات هائلة من الكاري لحفظها في الفريزر، وكان يحدثني عن جوليان النورتشية، وكنت سعيدة. لكن هذا لا يعني أنني كنت متحمسة لفكرة زواجه من أمي. 

استمررت أقول إنها ستمطر في حفل الزفاف لأنها دائمًا ما تمطر في ويلز (هذا شيء آخر إيجابي عن هاي بارنيت). أخبرت أمي أن علينا أن نضع خططًا إذا أمطرت، لكنها ابتسمت فقط وقالت إنها تعلم أن كل شيء سيمر بخير، وهكذا كان، أشرقت الشمس بالفعل في صباح نقي خالِ من السحب، وتلألأت المروج في هالة ذهبية، ورُسمت التلال البعيدة بدقة باللون الأزرق، كان عليّ أن أتمسك بإيمان في بعض الأحيان بقناعتي بأن كل شيء يمكن تفسيره في ضوء العقل؛ فقد بدا بالفعل كما لو أن أمي كانت تمتلك قوى سحرية. كانت تستطيع أن تشم إذا كانت ستمطر أم لا، بدت كما لو أن أحلامها تتنبأ بالمستقبل، وكانت يداها تحددان مواضع تألم الأحصنة أو الأطفال. يقول الناس إن لمستها تشفي، غير أنني لم أردها أن تلمسني، ليس بعد الآن. 

لقد عملت أنا وهي معًا طوال ذلك الصباح، نذيب الكاري المجمد وأرغفة الخبز المعجون من الحبوب الكاملة وأطباق الكرامبل التي طهيناها مع التفاح والسفرجل، ونخلط أوعية عصير الليمون المنزلي. كان فين يقود سيارته وهو يحمل دلاء بلاستيكية من نبيذ العسل وصناديق من الزجاجات في الجزء الخلفي من سيارته المسطحة، إلى جانب حقيبة نقل غريبة: كان مسؤولًا عن الأشياء المهمة. أرسلت سيو كعكة الزفاف، المنقوعة في البراندي والمزينة بأشكال من القلوب والأزهار بعجينة اللوز الملونة. قلت: "ألا تعتقدين أنها مسمومة؟" "بعد ما فعلته بها؟"، ضحكت أمي فقط "لقد غفرنا لبعضنا البعض كل شيء. على أي حال، كانت سيو هي من بدأتها، عندما نامت مع والدك بينما كنت ما أزال أرضعك". تظاهرت أنني أعرف ذلك بالفعل، فقط حتى لا أدعها تخبرني المزيد. 

ثم فرزت أكياس النوم والأغطية للضيوف الذين كانوا سيبيتون معنا. ساعدني باتريك في رفع المراتب القديمة إلى العلية في حظيرتنا، المبنية من الحجر الرمادي العتيق، الأقدم والأوسع من المنزل الريفي. وعندما وقفنا عند نافذة العلية المفتوحة، والهواء العذب يلفنا من كل مكان – كانت النافذة مرتفعة بطول العلية نفسها، وجميلة كنافذة كنيسة، ولكن من دون زجاج – رأينا المسافة تمتد أمامنا لعشرة أميال، حتى وصلنا إلى اللمعة البراقة لخط البحر. 

قلت بجرأة، "هل أنت متأكد أنك تريد إتمام ذلك؟ أنا أعرف إصرار أمي". توقعت أن يرد عليّ بنفس شرود الذهن الذي اعتدت عليه، كما لو كان تحت تأثير سحرها، وتفاجأت عندما نظر إليّ بتحدٍ وقال "افترض أنك تعتقدين أنها كبيرة جدًا بالنسبة لي". قلت بعض النكات عن فرق السن بين الأزواج. "لكنها تبدو رائعة، أليس كذلك؟" تابع باتريك بتوتر، "لِعمرها". إذًا، هو ليس من عالم آخر في النهاية! لم أدر هل أشعر بالانتصار أم بخيبة الأمل تجاهه.  

بدأ ضيوفنا في الوصول وقت الظهيرة. تجمع الحفل حول المدفأة الخارجية التي كان قد بناها لورانس في المرج منذ سنوات مضت، عندما كان لا يزال يعيش معنا. كان لورانس وسيمًا، عريضًا وأحمر الوجه مع شعر أسود كثيف وسوالف وشارب، كان يعيش معتمدًا على العمل في البناء على الرغم من أنه التحق بإحدى أشهر المدارس الحكومية. كان مسؤولًا عن الشواء كالعادة، وكنا قد أحضرنا جميع ما تبقى من الطعام من المطبخ، لنحافظ على دفئه بجانب نيران الشوي. فين- الذي لم يكن وسيمًا على الإطلاق لكنه مضحك بجنون، طويل ومحدوب برأس حليقة وأنف مقوسة- بدأ في توزيع الشراب. لم أكن لأشرب، اعتقد جميعهم أن ذلك لأنني متشددة، وصارمة، ومتمردة، لكن السبب في الواقع كان مختلفًا. منذ عام، في حفلة أخرى، عندما لم يلاحظني أحد شربت الكثير من شراب الفطر الذي كان في قاع إحدى خلطات فين، ومنذ ذلك الحين رافقتني أينما ذهبت هلوسة خفيفة: كنت أسمع خطواتي على الأرض وكأنها حوافر صغيرة تركض. لم يكن الأمر كارثيًا، لكنه كان كافيًا ليخيفني.

في ذلك الصباح، كان باتريك قد هذب العشب على قمة المرج، وامتزجت رائحة العشب المقطوع حديثًا مع رائحة اللحم المشوي. كانت السنونو ترفرف بسرعة وتصدر أصواتًا بين أسراب الحشرات في أشعة الشمس الصفراء الهادئة. وعندما وصل فريق الموسيقى الأيرلندي، رقصت أمي وباتريك الرقصة الأولى بمفردهما، ثم انضم الجميع إليهما؛ وكان الجو يزداد دفئًا مع غروب الشمس. كان الأطفال قد عثروا على قاربنا القديم بين العشب الطويل وأخذوه إلى البركة؛ لكنه كان يسرب الماء وكان عليهم أن يفرغوه بسرعة. كانت أصوات صراخهم وضحكاتهم ورش المياه، والكلاب التي تنبح عليهم، تعود إلينا عبر الماء. ظننت أن أختي إيثين لا بد أنها كانت مع الأطفال عند البركة، حتى لمحتها واقفة في وسط الرقصة - وكانت تبدو وكأنها قد شربت هي الأخرى. كانت هناك دائمًا مشاكل في حفلاتنا (وحوافي الصغيرة لم تكن تُعد شيئًا في هذا السياق)، وهذه المرة بدأ كل شيء مع إيثين.

كانت في الرابعة عشر، وكان وجهها معبرًا كفاية عندما تكون متيقظة، مع فمها الكبير الملتوي وشعرها الكستنائي الفاتح، والنظرة الغريبة في إحدى عينيها البنيتين، كأنها بقعة حبر. كانت ترتدي بيجامتها القديمة الفاتحة المصنوعة من قماش التل المطاط، وقد صففت شعرها عدة ضفائر تقفز حول رأسها كما لو كانت ثعابين.

كانت إيثين مريضة بكل أنواع الأمراض الغامضة، اعتدت أن أغضب لأنني اعتقدت أن أمي تبقيها في المنزل وتدعها تغيب من المدرسة لأتفه الأعذار، أو لمجرد أنها ترى أن المعلم ليس عاطفيًا بما يكفي. لذلك كانت إيثين بالكاد تقرأ وتكتب، لم تكن تعرف الأساسيات مثل الكسور أو تاريخ الثورة الفرنسية، ربما لم تكن تعرف أنه قد قامت ثورة فرنسية من الأساس. لكنها دائمًا استطاعت أن ترقص بمهارة ساحرة، بنفس السلاسة التي استطاعت بها الركوب والسباحة. 

بينما كانت أمي وباتريك يشربان من كأس الزفاف، الذي صنعته نانسي ويذرز خصيصًا لهما، التصقت بي إيثين، وشعرت بها ترتجف. "هل شربت من ميد فين؟" سألتها. "ستُعيين نفسك". 

قالت "لا يهمني إذا مت" . 

"لن تموتي. ستتقيأين فقط طوال الليل". 

وعدت أمي أن تحب الهائم المقدس في باتريك، ووعد باتريك، لأنه كان يستطيع إلقاء الشعر، أن يحب الروح العابدة في أمي. رفعا كأس الزفاف بينهما ثم حطماها على أحجار مدفأة لورانس، وقبلا بعضهما بشغف. قالت إيثين إن الموقف مقزز، وأنها ذاهبة لتنام. قلت "أخبرتك أنك ستعيين نفسك". 

عندما ذهبت، وعلى موسيقى الفرقة، تبادلت أمي وباتريك القبل، حتى خطر لأمي فجأة خاطر. دفعت باتريك بعيدًا وركضت نحو المنزل، وقد رفعت تنورتها حول ركبتيها لتتمكن من الجري أسرع. وبشكل ما، يبدو أنني قاسمتها الحدس لأنني أخذت أركض خلفها، بعدما تجاوزنا المروج وصارت خلفنا ووصلنا إلى الحظيرة، استطعنا رؤية إيثين واقفة، ملامحها مرسومة على آخر ضوء، واقفة في بيجامتها، عند نافذة العلية في الحظيرة – التي لم تكن نافذة فعلًا، بل مجرد فتحة في الهواء، على ارتفاع خمسة عشر قدمًا عن الأرض. 

صاحت أمي "إيثي، احذري! ابتعدي عن النافذة يا حبيبتي". قالت إيثين "أنا أحب باتريك، لا أريدك أن تتزوجيه". 

ثم تقدمت خارج النافذة إلى العدم، ساقطة مثل كلب، هبطت بقوة على كومة من الأنقاض المغطاة بالقراص، ركضت أمي نحوها صارخة مفزوعة ورفعتها، وكنت أظن حقًا أن أختي قد ماتت - لكن، بمعجزة، لم تُصب بأذى. (قالت أمي فيما بعد إن السبب هو أنها سقطت مسترخية وأطرافها منبسطة). طلبت مني وهي تحتضن إيثين في ذراعيها، أن أذهب وأخبر باتريك أن ينتظرها. "عليّ أن أتعامل مع هذا" قالت. ثم حملت إيثين إلى المنزل ووضعتها على السرير في الطابق العلوي معها، تطمئنها وتعيد الأمور إلى طبيعتها. هذه هي الأشياء التي تحدث في حفلاتنا. 

كان الجميع، بما فيهم الفرقة الموسيقية، قد تقدموا إلى أسفل المرج ليقفوا عند البركة. كان الأطفال قد سحبوا القارب إلى العشب، والآن كان الجميع ينتظرون الختام، عندما يفترض أن تخلع أمي وباتريك ملابسهما ويدخلان إلى الماء. وقف باتريك عند الحافة بمفرده، وهو يبدو متشككًا. كانت الشمس تغرب وراء صف من أشجار الزان التي تحدد نهاية مزرعتنا الصغيرة، وكان ضوؤها يصنع مسارًا لامعًا عبر سطح الماء، الساكن كزجاج.

لا أعرف ما الذي دفعني أن أقوم بالتصرف المجنون الذي فعلته بعد ذلك؛ ربما كان آخر تأثير لعام كامل من هلوسة شراب الفطر التي أصابتني. بدلًا من أن أُعطي رسالة أمي إلى باتريك، وضعت ذراعي حول عنقه وقبلته. قلت، "أمي لن تأتي. تزوجني". 

"جاني تقول إن باتريك يجب أن يتزوجها بدلاً من أمها"، أعلن فين للجميع بصوت عالٍ، وهو يلوح بغصن الميرتل في يده.

"تزوجني" قلت بصوت أعلى. "أين هي؟ على أي حال"، نظر باتريك حوله في قلة حيلة. "تزوجها، تزوج جاني بدلًا منها"، صاحوا جميعًا متحمسين بخبث، لورانس، وفين، ونانسي، وسيو والجميع. 

بدأ عازف الكمان يعزف "مسيرة الزفاف". رفعت فستاني من فوق رأسي وخلعت ملابسي الداخلية وفككت حمالة صدري، ولم أنظر لأحد رغم أنني كنت أعلم أنهم جميعًا يراقبونني. سرت عارية في مياه البركة على طول المسار اللامع، حتى ركبتي ثم حتى فخذيّ، شعرت بالطمي يتسلل بين أصابع قدمي، غير مبالية بالأشياء الزلقة والمخيفة التي كانت تلامسني. كان الموقف مجرد مخاطرة؛ وكان سيكون الأمر شديد الإهانة لو لم يأتِ باتريك خلفي. انتظرت، دون أن ألتفت إليه، ونظرت إلى الأفق حيث كان قرص الشمس يغرب ويشتعل كالنار من خلف أشجار الزان، بينما كان يقف مترددًا على الحافة. سمعتهم جميعًا يغنون، وشعرت بأولى قطرات المطر تتساقط على بشرتي، كأنها علامة.