لا يوجد ما يثير عجبنا في اغتيالات الأمراء والساسة. إذ يفضي موتهم إلى تغيرات هامة على الأغلب. وكذلك يجعلهم مقامهم الرفيع مرمى بارزًا لكل فنان مسكون بالرغبة في ترك أثر مسرحي.
مصارع الفلاسفة
أو القتل بحسبانه فنًا مِن الفنون الجميلة
مقال: طوماس دي كوينسي
ترجمة: طارق عثمان
مقتطف من مقالة طوماس دي كوينسي، الساخرة واللعبية، التي نُشرت لأول مرة في سنة 1827، في مجلة بلاكوود البريطانية، بعنوان:
“On Murder Considered as One of the Fine Arts”
والترجمة من هذه النشرة:
Thomas De Quincey, On Murder, Edited with an Introduction and Notes by Robert Morrison (Oxford: Oxford University Press, 2006), 13-24.
طوماس دي كوينسي: كاتب وناقد أدبي إنجليزي (ت. 1859)، اشتهر بكتابه "اعترافات رجل إنجليزي يتعاطى الأفيون"

Ⅰ.
تعرفون جميعكم أول قَتْلة. إنّ قَين (قابيل)[1] هو مُبدِع القتل، وأبو هذا الفن. عبقري من الطراز الرفيع لا محالة. بل إنّ ذريته كلها كانت من العباقرة.[2] فتوبال-قَين قد ابتدع المواسير، أو نحو ذلك، على ما أظن.[3] لكن مهما كانت أصالة الفنان وعبقريته في ذلك الزمن الغابر، فإنّ جميع الفنون قد كانت، حينئذ، في مهدها، وينبغي أن نأخذ ذلك في الحسبان عندما ننقد أعماله الفنية. بل حتى عمل توبال يمكن تحسينه، على الأرجح، في أيامنا هذه، في شِفيلد.[4] ولذلك، لا غضاضة في القول إنّ أداء جدّه، قَين، كان متوسط الجودة. لكن يبدو أنّ چون ميلتون قد رأى خلاف ذلك. إذ يتجلى من روايته للقَتْلة، في الكتاب الحادي عشر من الفردوس المفقود، أنها كانت عزيزة عليه، لأنه نقحها، بشيء من القلق الظاهر، لكي تترك أثرًا باهرًا للنظر، يقول:
فجاش الغضب في صدره، وفي أثناء حديثهما
انقض عليه بضربة حجر في بطنه
فأزهقت نفسه، وخر ساقطًا، شاحبًا شحوب الموت
يتأوه روحه لتخرج مع الدم المتدفق السيال
وعلى ذلك، علق الرسّام چوناثان ريتشاردسون―الذي كان لمّاحًا للانطباعات الفنية―في تعقيباته على الفردوس المفقود، بقوله: «لقد اعتقِد أنّ قَين قد أزهق روح أخيه بأن ضربه بحجر ضخم، ويسلّم ميلتون بذلك، لكنه أضاف أنّ الضربة قد أحدثت جرحًا غائرًا».[5] وهذه إضافة حصيفة، في محلها [مع الدم المتدفق السيّال]. فمن دون إثراء فظاظة هذا السلاح وترقيتها بتخضيبها بدماء دافئة، ستنكص بنا إلى الأجواء القاحلة لمدرسة القتل البدائية الوحشية، كما لو أنّ الفعلة قد فُعلت بيد بوليفيموس،[6] من دون حكمة، أو تدبير، أو أي شيء آخر، سوى عظمة ضأن. وأنا مسرور بهذا التنقيح لأنه يشي بأنّ ميلتون كان مولعًا بهذا الفن، كشكسبير الذي لم يفضله أي أحد في ذلك قط، كما يتجلى، كفاية، من وصفه لدوق جلوستر المقتول في هنري السادس، ولمقتل دونكان وبانكو في ماكبث، وغيرهم.
وهكذا وضِع أساس هذا الفن، لكنه غط من بعدها، مع الأسف، في سبات، لعصور طويلة، من دون أي تحسين يُذكر. ولذلك، أنا مضطر إلى أن أقفز على كل المقاتل، مقدسها ومدنسها، لأنها غير جديرة بالذكر مطلقًا، إلى ما بعد الميلاد بفترة طويلة. فاليونان، حتى في عهد بركليس،[7] لم تَجُد بقَتْلة تتمتع بأدنى ميزة حسنة. أما روما فقد كانت مفتقرة إلى الأصالة والعبقرية في جميع الفنون بحيث لم يكن لها أن تنجح فيما فشلت فيها أُسوتها. بل إنّ اللغة اللاتينية لتئن تحت وطأة فكرة القتل نفسها. «لقد قُتِل الرجل»، كيف سيكون وقع هذه الجملة على الآذان لو نطقناها باللاتينية؟ Interfectus est, interemptus est [لقد قُتل، لقد مُحِق]، وهذا تعبر عن مجرد إزهاق إنسان لنفس آخر. ولذلك وجب على اللاتينية المسيحية في العصور الوسطى أن تنحت كلمة جديدة تترفع على ركاكة المقابل الكلاسيكي: Murdratus est [تلتين لِعَبي للجذر الألماني، لقد قُتل]، هكذا تقول لهجة العصور القوطيّة الأسمى. وفي غضون ذلك، حفظت مدرسة القتل اليهودية ما كان معلومًا من هذا الفن حينئذ، ونقلته بالتدريج إلى العالم الغربي. والحق، إنّ المدرسة اليهودية قد حظيت بالاحترام على الدوام، حتى في العصور المظلمة، كما يتجلى من واقعة مقتل الطفل هيو اللينكناوي، التي نالت استحسان تشوسر، لدرجة أنه شرّفها بالذكر على لسان رئيسة الراهبات في معرض حديثها عن أداء آخر من نفس المدرسة.[8]
لكن دعوني أرجع، لبرهة، إلى العصر القديم الكلاسيكي، إذ لا يسعني إلا أن أقول إنّ كاتيلين، وكلوديوس، ومَن لفّ لفهما، قد كان لهم أن يكونوا فنانين من أرفع طراز. ومن المؤسف حقًا، أنّ تزمت شيشرون قد حرم بلده من الفرصة الوحيدة التي أتيحت لها لكي تتفوق في هذا الشأن.[9] فقلد كان هو نفسه مستهدفًا بالقتل، ولذلك لم يكن لأي أحد أن يحدثنا عنه أفضل منه. رباه! كم كان سيولول مرتاعًا لو أنه سمع صوت كيتيجوس المتربص تحت سريره.[10] وكم كان للمرء أن يتسلى بسماع ولولته. وأظن، أيها السادة، أنه كان سيؤثر السبيل النافع: أن يندس في مرحاض أو حتى بالوعة على السبيل المشرف: أن يواجه الفنان المغوار.
والآن نصل إلى العصور المظلمة―(وبها نعني، نحن الذين نتوخى الدقة، القرن العاشر، في المقام الأول، وما يسبقه ويليه مباشرة)―التي ينبغي لها أن تكون مؤاتية، بحكم طبيعتها، لازدهار فن القتل، كما كانت مؤاتية لازدهار المعمار الكنسي، وزخرفة الزجاج، إلى آخره. ووفقًا لذلك، ظهرت قرب نهاية هذه الحقبة شخصية عظيمة في فننا، أقصد شيخ الجبل. لقد كان نورًا ساطعًا حقًا، ولست بحاجة إلى أن أخبركم أنّ كلمة “assassin” (مُغتال) نفسها ترجع إليه.[11] لقد كان مولعًا بالفن. ويشهد على ذلك، أنّ مغتالًا ذا حظوة عنده حاول، ذات مرة، أن يقتله، فسرته موهبة هذا الفنان―رغم فشله―أيمّا سرور، لدرجة أنه خلع عليه لقب دوق (شريف) في الحال، وقضى بأن يورث اللقب إلى نسله من بناته، وجعل له معاشًا يُدفع إلى ثلاثة أجيال من عقبه.[12] والحق، إنّ الاغتيال فرع مِن هذا الفن ينبغي إفراده بدراسة مستقلة، وسأخصص له محاضرة بأكملها في قابل الأيام. لكنني سأقتصر الآن على ذكر هذه الملاحظة: من العجب أنّ هذا الفرع من الفن لم يزدهر إلا على نحو متفجر ومتقطع. إنّ سماءه لا تمطر باستمرار وإنما تهطل بغزارة من حين إلى آخر. ولعصرنا أن يفتخر ببعض النماذج الرفيعة. فمنذ حوالي قرنين، أنجزت كوكبة ساطعة من القتلات التي تندرج ضمن هذا الفرع. ومن نافلة القول، أنا ألّمح هنا، على وجه التحديد، إلى هذه الأعمال الخمسة الباهرة: اغتيال ڨيليم الأول، وهنري الرابع، ودوق باكينجهام (الذي تجدونه موصوفًا على نحو ممتاز في الرسائل التي نشرها السيد إلياس قيّم مكتبة المتحف البريطاني)، وڨالنشتين، وجوستاف أودلف. وعلى ذكر أودلف، ملك السويد، لقد شكك كتّاب كُثر، ومنهم هارت، في اغتياله، لكنهم مخطئون.[13] فلقد اغتيل، بل إنني أرى أنّ اغتياله كان فريدًا في براعته، إذ اغتيل في وضح النهار، وفي ساحة الوغى―وهذه سمة أصيلة لا نجد لها مثيلًا قط في أي عمل فني آخر على ما أذكر. والحق، إنّ جميع هذه الاغتيالات خليقة بأن تُدرس على يد الجهابذة. إنها أعمال نموذجية، يحق للمرء أن يقول عنها: «اعكفوا عليها آناء الليل، واعكفوا عليها آناء النهار»،[14] وآناء الليل خاصة.
Ⅱ.

لا يوجد ما يثير عجبنا في اغتيالات الأمراء والساسة. إذ يفضي موتهم إلى تغيرات هامة على الأغلب. وكذلك يجعلهم مقامهم الرفيع مرمى بارزًا لكل فنان مسكون بالرغبة في ترك أثر مسرحي. لكن ما يثير عجبي حقًا، هو صنف آخر من الاغتيالات، قد شاع منذ بداية القرن السابع عشر، وهو اغتيال الفلاسفة. فالحق، أيها السادة، أنّ كل فيلسوف مرموق، من آخر قرنين، قد قُتل أو قاب قوسين أو أدنى من القتل، على الأقل. ولذلك إذا وجدتم رجلًا يدعو نفسه فيلسوفًا، لكنه لم يُستهدف بالقتل قط، فتيقنوا أنه ليس بشيء، ولا تعولوا عليه. ولذلك أرى أنّ أحد الحجج الداحضة (لو كنّا في حاجة إلى واحدة) لفلسفة چون لوك (ت. 1704)، على وجه التحديد، هي إنه قد جال بعنقه في هذه الدنيا اثنتين وسبعين سنة، ومع ذلك لم يفكر أحدٌ قط في قطعه. ولأن مقاتل هؤلاء الفلاسفة غير معروفة، ولأن وقائعها جيدة في العموم، سأستطرد في هذا الموضوع، وذلك بغرض استعراض سعة علمي وتبحري.
أول فيلسوف كبير في القرن السابع عشر (لو استثنينا جاليليو) هو ديكارت (ت. 1650). ولو جاز للمرء أن يقول عن رجل إنه كاد أن يُقتل، أنه قد كان بينه وبين القتل شعرة، لوجب عليه قول ذلك عن ديكارت. وإليكم الواقعة كما رواها أدريان بايليه في كتابه سيرة السيد ديكارت.[15] في سنة 1621، حينما كان في حوالي السادسة والعشرين من عمره، كان ديكارت سائحًا في الأرض كما هي عادته (إذ كان متململًا كضبع)، ومن على ضفة نهر إلبه، في جلوكشتات أو هامبورج، ركب سفينة متجهة إلى شرق فريزلاند. ولم يعرف أحد قط ما الذي كان يبتغيه من ذهابه إلى هناك. ولعله قد تعمد إخفاء بغيته، لأنه حينما وصل إلى إمدن، عزم على الإبحار من فوره إلى غرب فريزلاند، ولعدم احتماله لأي إبطاء، استأجر سفينة شراعية وبعض الملاحين ليبحروا بها.[16] وبمجرد ما أبحروا، اكتشف ما ينشرح له الصدر: أنه قد دخل وكر قَتَلة وأغلق الباب خلفه. إذ سرعان ما تبين له، كما يقول السيد بايليه، أنّ ملاحي سفينته ثُلة من الأشرار[17]―ليسوا هُواة، مِثلنا، أيها السادة، وإنما رجال محترفون بحق―مبلغ شأوهم، في تلك الساعة، أن يجزّوا عنقه.
ولأن القصة ممتعة جدًا لن أختصرها وإنما سأنقلها بتمامها من سيرته الفرنسية: «لم يكن بمعية السيد ديكارت أحد سوى خادمه، الذي كان يتكلم معه بالفرنسية. ولقد ظن الملاحون أنه تاجر أجنبي، وليس نبيلًا، فحسبوا أنّ معه مالًا. ولذلك عقدوا العزم على سرقة محفظته. لكن يوجد فرق بين لصوص البحر ولصوص الأحراش، وهو أنّ لصوص الأحراش قد يستحيوا ضحيتهم من دون تعريض أنفسهم للخطر، أما لصوص البحر فلا يسعهم أن يسرقونها ثم ينزلونها على الشاطئ ببساطة من دون تعريض أنفسهم للاعتقال. ولذلك قرر ملاحو السيد ديكارت اتخاذ التدابير التي من شأنها أن تجنبهم أي خطر من هذا النوع. لقد تبينوا أنه غريب قد نأت به الديار، بلا معارف في هذه البلد، ولذلك لن يتجشم أحد عناء السؤال عنه لو غاب (في حالة فقده)»[18]. تخيلوا أيها السادة كيف تناقشت كلاب فريزلاند هذه أمر الفيلسوف كما لو كان برميل رُمّ. يتابع بايليه قائلًا: «ولقد لاحظوا أنه ذو طبع هادئ وصبور، واستشفوا من لين عريكته ولطفه في التعامل معهم، أنه ليس سوى شاب أخضر العود، لن يكلفهم التخلص من حياته أدنى مشقة. ولم يجدوا أي حرج في مناقشة المسألة برمتها في حضرته، ظنًا منهم أنه لا يفهم أي لغة سوى تلك التي يتكلم بها مع خادمه. لقد فكروا وقدروا وأجمعوا أمرهم على قتله ورميه في البحر ثم اقتسام غنيمتهم».
لا تؤاخذوني على ضحكي أيها السادة، فدائمًا ما أضحك كلما فكرت في هذه الواقعة―إذ فيها أمران طريفان جدًا على ما يبدو. أولهما، الارتياع أو الفزع الذي لا بد من إنه قد اعترى ديكارت عندما سمع دراما موته-وجنازته-ووراثة تركته وتقسيمها تُحاك أمام عينيه. وثانيهما، لو أنّ كلاب صيد فريزلاند كمنت، وكتمت مكيدتها، وتمكنت من اقتناص طريدتها، لما أصبح عندنا فلسفة ديكارتية. وما الذي كنّا سنفعله من دونها، من دون أطنان الكتب التي صُنِفت فيها؟! سأترك الجواب على ذلك لأي صانع سراويل محترم.[19]
لكن، لنكمل قصتنا. على الرغم من فزعه الهائل، كشّر ديكارت عن أنيابه وقذف الرعب في قلوب هؤلاء الأوغاد الضد-ديكارتيين: «وعندما تبين له أن الأمر جد لا هزل فيه، وثب السيد ديكارت واقفًا على قدميه في لمح البصر، واتخذ سحنة متجهمة لم يكن يتوقعها هؤلاء الجبناء قط، ومتكلمًا بلغتهم، توعدهم بأن يمزقهم، في الحال، شر ممزق، لو تجرأوا على إهانته». ويقينًا أيها السادة، لقد كان ذلك شرفًا لا يستحقه هؤلاء الأنذال التافهين―أن يمزقوا على نصل سيف ديكارتي. ولذلك يسرني أنّ السيد ديكارت لم ينفذ وعيده فيهم ويحرم المشانق من رقابهم. خاصة، أنه لم يكن ليقدر وحده على قيادة السفينة إلى الميناء بعد قتل ملاحيه، وإنما كان سيواصل الإبحار إلى الأبد في بحر الجنوب، ولظنّه البحارون الهولندي الطائر عائدًا إلى بلده.[20] لكن يتابع كاتب السيرة: «لقد كان للروح التي أظهرها السيد ديكارت أثر السحر على هؤلاء الرعاع. إذ أذهل الارتياع المباغت عقولهم وأعماهم―لصالحهم―عن مبتغاهم، فأوصلوه إلى مقصده بقدر ما يشتهي من سلام».
لعلكم تتخيلون سادتي أن كل ما احتاجه ديكارت في ورطته، أن يقتدي بالقيصر يوليوس في قوله لملاحه المسيكن لمّا خشي الغرق: «إنك تحمل قيصر وحظوظه»،[21] وبذلك أنزل عليه السكينة، ويقول لملاحيه الأنذال لمّا أرادوا قتله: «أيها الكلاب، إنكم لا تستطيعون جزّ عنقي، لأنكم تحملون ديكارت وفلسفته»، وبذلك يردعهم عن مسّه بالضر. وهذا عين الرأي الذي ذهب إليه إمبراطور ألماني، نُصح بأن يتنحى عن طريق قصف مدفعي، فردّ بقوله: «أُفّ لك! هل سمعت من قبل عن قذيفة مدفع قتلت إمبراطورًا؟» لا أعرف ما إذا كانت قذيفة مدفع قادرة على قتل إمبراطور أم لا، لكن ما هو أدنى منها قد كفى لسحق فيلسوف. ولقد قُتِل ثاني أكبر فلاسفة أوروبا، بلا ريب. أقصد سبينوزا.
أنا على علم تام بأن الرأي السائد عنه، أنه قد مات على فراشه.[22] ولعل هذا ما جرى حقًا، لكنه قد قُتل على الرغم من ذلك. وسأستدل على ذلك بكتاب نُشر في بروكسِل، في سنة 1731، بعنوان: سيرة سبينوزا، من تأليف يوهان كوليروس،[23] مع زيادات من مخطوطة سيرة لسبينوزا كتبها أحد أصحابه. مات سبينوزا في يوم الحادي والعشرين من فبراير من سنة 1677، وقد تجاوز عمره الرابعة والأربعين بالكاد. ويبدو هذا أمرًا مثيرًا للريبة بحد ذاته. ولقد أقر السيد يوهان أن عبارة بعينها في سيرته المخطوطة تبيح لنا الخلوص إلى «أنّ ميتته لم تكن طبيعية بالكامل».[24] لقد عاش سبينوزا في هولندا، وهي بلد رطب، بلد ملاحين، ولذلك يجوز لنا الظن أنه قد انغمس في شرب الجروج [رُمّ مخفف بماء] أو البَنْش [شراب كحولي مخلوط بأشربة غير كحولية] خاصة، الذي كان حديث الاكتشاف حينئذ.[25] ولعله فعل ذلك بلا شك، لكن الحق أنه لم يفعل. فلقد وصفه السيد يوهان بأنه «متقشف جدًا في الأكل والشرب».[26] أما القصص الجامحة التي شاعت عن تعاطيه لعصير اليبروح [تفاح الجن] والأفيون، فهي قصص واهية، إذ لم يظهر أي من هذين العقارين في فواتيره الصيدلانية. ومع هذا القدر من التعفف، كيف يمكن له أن يموت ميتة طبيعية في الرابعة والأربعين من عمره؟ إليكم رواية كاتب سيرته: «في صبيحة يوم الأحد، الموافق الحادي والعشرين من شهر فبراير، قبل ميقات الذهاب إلى الكنيسة، نزل سبينوزا الدرج وتحدث مع مالك البيت وزوجته». أي أن سبينوزا كان في ذلك الوقت، العاشرة صباحًا ربما، حيًّا يرزق، وبصحة جيدة، كما ترون. ويتابع كاتب السيرة: لكن يبدو أنه «قد استدعى طبيبًا من أمستردام، لن أسميه وإنما سأشير إليه بهذين الحرفين فحسب: ل. م. ولقد أمر هذا الطبيب أهل البيت بأن يشتروا ديكًا عجوزًا، وأن يطبخوه في الحال، حتى يتسنى لسبينوزا تناول بعض من مرقه قرب الظهيرة، وقد كان. إذ شرب سبينوزا من مرق الديك العجوز، وأكل من لحمه، بشهية مفتوحة، عقب عودة مالك البيت وزوجته من الكنيسة».
«وفي العصر، ذهب أهل البيت إلى الكنيسة كرة أخرى، ومكث ل. م. وحده مع سبينوزا. ولمّا رجعوا إلى البيت، علموا مدهوشين أن سبينوزا قد مات في حوالي الساعة الثالثة، في حضرة ل. م، الذي قفل عائدًا إلى أمستردام في ذات المساء، على المركب الليلي، من دون أن يعير المرحوم ذرة من انتباهه. ولا ريب في أنه كان الأشد تأهبًا للتخلص من عبء هذه الواجبات، وذلك بعدما استولى على ديكاتون [عملة فضية]، وكمية صغيرة من الفضة، مع سكينة ذات مقبض فضي، وفر بنُهْبته». وهنا ترون أيها السادة أنّ القَتْلة واضحة للأعين، وكذلك هي طريقتها. إنّ ل. م. هو مَن قتل سبينوزا من أجل ماله. لقد كان س. المسكين سقيمًا ونحيلًا وهزيلًا، ولأن دمه لم يُسفك، لابد أن ل. م. قد طرحه أرضًا وخنقه بوسادة―وهو شبه مخنوق أصلًا بغدائه الجهنمي. لكن مَن كان ل. م.؟ ليس لندلاي موراي يقينًا. لأنني قد رأيته بأم عيني في يورك في سنة 1825، وأيضًا، لأنني لا أظن أن نفسه قد تسول له فعل فعلة كهذه، على الأقل في أحد إخوانه النحاة، فكما تعلمون سادتي، قد صنّف سبينوزا كتابًا قيّمًا في النحو العبري.[27]
أما هوبز (ت. 1679)―وهذا أمر عجيب لم أستوعبه قط―فلم يُقتل. إنها سهوة فادحة من رجال القرن السابع عشر المحترفين، وذلك لأنه كان هدفًا فاخرًا للقتل، من كل وجه، لو استثنينا عجف جسده ونحافته. إذ كان غنيّا يقينًا، وكذلك (وهذا مضحك جدًا) لم يكن له أي حق في أدنى مقاومة، فبحسب فلسفته، القوة التي لا مردّ لها هي مصدر الحق الأسمى، ولذلك تعدّ معارضة المرء لأن يُقتل على يد قوة باطشة مِن أخس ضروب التمرد. لكن، على الرغم من أنه لم يُقتل، يسرني أن أطمئنكم أيها السادة أنه (وبروايته شخصيّا) قد كان قاب قوسين أو أدنى من القتل ثلاث مرات. كانت أول مرة في ربيع سنة 1640، حينما زعم أنه قد نشر، نيابة عن الملك، مخطوطة قصيرة مناهضة للبرلمان[28]―لم يكن باستطاعة الملك أن يكتبها قط، بالمناسبة―وقال: «ولولا أنّ جلالته حلّ البرلمان (في شهر مايو) لتعرضت حياتي للخطر».[29] لكن حل البرلمان كان بلا طائل، لأنه في شهر نوفمبر من نفس السنة، انعقد البرلمان الطويل، وخشى هوبز، مرة ثانية، أن يُقتل، ففر إلى فرنسا.[30] وفي هذا شَبَه بجنون چون دينيس، الذي ظن أنّ لوي الرابع عشر لن يصالح الملكة آن إلا إذا سلّمته رأسه ليشفي غليله، وفر بالفعل من ساحل البحر، مدفوعًا بهذا الاعتقاد.[31] وفي فرنسا، تمكن هوبز من حفظ حياته لمدّة عشر سنين. وبعدها، نشر كتابه اللڨياثان (التنين)[32] ليخطب به ودّ كرومويل.[33] ثم نزل الرعب في قلب العجوز الجبان للمرة الثالثة. لقد تخيل سيوف الملكيين على رقبته لا تبرحها، وتذكر جزّها لرقبتي سفيري البرلمانيين في لاهاي ومدريد، ناظمًا بلاتينيته الركيكة كحياته: «ثم حاق مصير دوريسلاوس وأشام بتفكيري/كما يحيق الرعب بالمحكوم عليه بالموت».[34] ولذلك فر راجعًا إلى إنجلترا. ويقينًا يستحق الرجل أن يُضرَب بهراوة على تصنيف اللڨياثان، لكنه يستحق أن يُضرَب بها مرتين أو ثلاثة على نظمه بيتين من الشِعر على هذا القدر من فساد الوزن. لكن لم ير أحد قط أنه جدير بأي شيء أكبر من مجرد الضرب بهراوة [كقطع رقبته مثلًا]. فالحق أنه قد اختلق القصة برمتها على سبيل التفاخر. وذلك لأنه قد رواها على نحو مغاير في رسالته بالغة القسوة التي كتبها إلى من وصفه بـ«العلّامة» (يقصد عالم الرياضيات چون والس)، حيث قال إنه قد فر راجعًا إلى بلده «لأنه لم يشعر بالأمن بين ظهراني الكنسيين الفرنسيين [الكاثوليك]»، [35] ملّمحًا إلى أنه قد خشي مِن أن يُقتل بسبب دينه [البروتستانتي]. ولو وقع ذلك لكان نكتة بالغة الظرف حقًا―أن يُعدم طوم حرقًا بسبب تدينه.[36]
وسواء كان ذلك تفاخرًا أم لم يكن، لا ريب في أنّ هوبز قد خشي في آخر حياته من أن يُقتل. وسأدلل على صحة ذلك، بهذه القصة التي سأرويها لكم: ليست القصة من مخطوطة لكنها (وبعبارة السيد كولريدج[37]) في حكم المخطوطة، وذلك لأنها منقولة من كتاب قد أضحى اليوم نسيًا منسيًا، أعني كتاب: امتحان عقيدة السيد هوبز: مناظرة بينه وبين أحد علماء اللاهوت (المنشور قبل وفاة هوبز بحوالي عشر سنين).[38] الكتاب غُفل، لكنه من تأليف تِنِسُن―نفسه الذي خلف تِلَتْسُن في منصب رئيس أساقفة كانتربري، بعد حوالي ثلاثين سنة من تأليفه.[39] وإليكم القصة كما أوردها المؤلف في مقدمة الكتاب: «يبدو أن أحد علماء اللاهوت (يقصد نفسه، بلا ريب) قد خرج في رحلة سنوية للتنزّه في شتى أنحاء بريطانيا لمدّة شهر. وفي واحدة من هذه النزهات (في سنة 1670)، زار مقاطعة بِيك في ديربيشير، بدافع من وصف هوبز لها.[40] ولأنه في الجوار، لم يسعه إلا أن يزور مدينة باكِستون. وبمجرد وصوله إليها، أسعده الحظ بأن وجد زمرة من الرجال المحترمين يحطون رحالهم عند باب النُزُل، من بينهم رجل طويل ونحيف، تبين أنه ليس أي أحد وإنما السيد هوبز نفسه، قادمًا من شاتسورث، أغلب الظن.[41] وفي حضرة هذا السبع المهيب، لم يسع السائح، الباحث عن المنظر الخلاب، إلا أن يتربص به ويتطفل عليه. ومن حسن حظه، استدعى رسول اثنين من أصحاب السيد هوبز بغته، وهكذا استأثر باللڨياثان، خالصًا لنفسه، طيلة ما تبقى من مُقامه في باكِستون، ونال شرف السُكر معه كل مساء. ويبدو أن هوبز قد أظهر، في أول الأمر، قدرًا كبيرًا من الجفاء، لأنه كان يجفل من اللاهوتيين، لكنه لان مع الوقت، وأضحى سهل المعشر وظريف للغاية، واتفقا على أن يذهبا إلى المُغتسل معًا».[42] ولا أدري كيف تجرأ تِنِسُن على القفز في نفس الماء مع اللڨياثان، لكن هذا ما جرى: لقد تواثبا في الماء بمرح كدلفينين، بالرغم من أن هوبز قد بلغ من الكبر عتيًا. «وفي الفترات المتقطعة بين السباحة والغطس، تحدثا عن أشياء كثيرة ذات صلة بحمامات الأقدمين، وبأصل الينابيع. وبعدما قضيا ساعة على هذا النحو، خرجا من المُغتسل وتنشّفا ولبسا ثيابهما، وجلسا في انتظار أحسن ما قد يجود به هذا المكان من عشاء. لقد عزما على أن ينعشا نفسيهما كـفقهاء الطعام،[43] وأن يتفاكرا عوضًا عن أن يسكرا. لكن نشب شجار قصير بين بعض الأجلاف في النُزُل، كدّر عليهم صفو نيتهم. وبدا السيد هوبز قلقًا للغاية، على الرغم من أنه كان على مبعدة من المتشاجرين». ولما اعتراه القلق أيها السادة؟ لا ريب في أنكم تتخيلون أنّ قلقه قد نجم عن حب السلام والطمأنينة الحقيق بشيخ عجوز وفيلسوف. لكن استمعوا: «لقد فقد رباطة جأشه لبرهة، وردد، مرة أو مرتين، بصوت خفيض وحذر، كما لو كان يكلم نفسه، قول شيشرون: لقد قُتل سيكستوس روسيوس بعد العَشاء قرب حمامات هضبة القصر.[44] وينطبق على حاله هذا ما قاله شيشرون أيضًا عن الكافر إبيقور: لم أر أي أحد أشد منه خشية مِن تلك الأشياء التي احتقرها ووضع من شأنها، أعني: الموت والآلهة».[45] لقد ظن السيد هوبز أنه سيلقى مصير سيكستوس روسيوس، فقط لأنه قُرب حمام في ساعة العشاء. ولا يمكن تفسير هذا الظن إلا بأنّ هاجس القتل قد استبد تمامًا بالرجل. ها هو اللڨياثان خائفًا، ليس من خناجر الملكيين الإنجليز ولا الكنسيين الفرنسيين، وإنما «مخلوع الفؤاد»[46] بسبب شجار في حانة بين بعض فلاحي ديربيشير الأجلاف، بالرغم من أنّ مرأى جسده النحيل إلى حد مفزع، كأنه قادم من قرن غابر، كان كفيلًا بأن يجمد الدماء في عروقهم من الرعب.
وأبشركم بأنّ مالبرانش (ت. 1715) قد قُتل. والرجل الذي قتله مشهور، إنه الأسقف باركلي.[47] القصة معروفة، بيد أنها لم تُشتهر حتى الآن. في شبابه، ذهب باركلي إلى فرنسا، وعرّج على الأب مالبرانش. فوجده يطبخ في صومعته. والطباخون جنس نزق غضوب،[48] والمؤلفون المبدعون أشد منهم نزقًا وغضبًا، ولقد كان مالبرانش طبّاخًا ومؤلفًا، في آنٍ واحد. ونشب بينهما نزاع فلسفي، فاستعرت حراراة الأب العجوز المستعرة سلفًا بسبب الطهي، واجتمعت المهيجات المطبخية والميتافيزيقية على كبده فأعطبته، فأخلد إلى فراشه ومات. تلك هي الرواية الشائعة للقصة، وهكذا «خُدِعت آذان البلد بأجمعها»،[49] فالحق أنّ الأمر قد كُتِم وتُسُتِّر عليه، مراعاة لمقام باركلي الذي كان (كما قال ألكسندر پوپ) «يتحلى بكل فضيلة تحت السماء».[50] إذ من المشهور، أيضًا، أنّ باركلي، لمّا أوجعته لدغات الفرنسي العجوز، تأهب للقتال وصاح: نازلني. وسقط مالبرانش في أول جولة، مُراق ماء الوجه، ولعله استسلم في الحال. لكن لأنّ الدمّ كان يغلي، حينئذ، في عروق باركلي، أبى أن يكفّ يده عن الشيخ الفرنسي إلا إذا ارتد عن مذهب المناسبة.[51] لكن حال كبرياء الشيخ بينه وبين ذلك، فراح ضحية لطيش الشاب الأيرلندي ولعناده السخيف.[52]
أمّا لايبنتز (ت. 1716)، فهو أرفع منزلة من مالبرانش من كل وجه، ولذلك يحق للمرء أن يتوقع، من باب أولى، أنه قد قُتل، لكنه لم يُقتل. وأظن أنه قد انزعج من غفلة القَتَلة عنه، وشعر بالإهانة لأنه عاش أيامه في أمان. ولا أرى سوى ذلك تفسيرًا لسلوكه في أواخر حياته، إذ قرر أن يغدو جشعًا متكالبًا، واكتنز مبالغ طائلة من الذهب في بيته. لقد كان ذلك في ڨيينا، حيث مات، ولا تزال الرسائل، التي تصف قلقه الهائل على حياته، موجودة بين أيدينا.[53] ومع ذلك، كان طموحه، في أن يُستهدف بالقتل على الأقل، عظيمًا لدرجة أنه لم يتق المخاطر وإنما تعرض لها. ولقد سلك مُعلِّم إنجليزي راحل، مِن طينة برمنجهام، وهو الدكتور پار، مسلكًا أشد أنانية، في ظل الظرف عينه.[54] إذ كنز كمية ضخمة من الأواني الذهبية والفضية في غرفة نومه بمنزل القساوسة في هَتون. لكن خوفه من أن يُقتل كان يتفاقم في كل يوم، وهو أمر كان يعلم أنه لن يطيقه (ولم يطمح إليه قط)، فنقل كنزه إلى حداد هَتون، متصورًا، بلا شك، أن مقتل حداد سيكون أخف وطأة على أمن الجمهورية من مقتل بيداغوجي. لكنني سمعت أن هذا القول محل نزاع شديد، ويبدو أن المتفق عليه الآن أنّ حدوة حصان جيدة واحدة تُقدَّر بحوالي خُطتبتين وربع خُطبة.[55]
لم يُقتل لايبنتز، لكن يجوز لنا القول إنه قد مات بسبب خوفه من أن يُقتل وبسبب سخطه من أنه لم يُقتل. أما كَنط (ت. 1804)―الذي لم يكن له أي طموح في هذا الصدد―فقد كان قاب قوسين أو أدنى من القتل أكثر من كل الذين سبق ذكرهم إلا ديكارت. وهكذا يوزع الحظ أفضاله، عبثًا، بلا حساب! ولقد رويت الواقعة، على ما أظن، في سيرة غُفل لهذا الفيلسوف العظيم: في سبيل الحفاظ على صحته، ألزم كَنط نفسه، ذات مرة، بأن يتمشى مسافة ستة أميال، يوميًا، على طول طريق عام. ونما ذلك إلى علم رجل لديه أسبابه الخاصة لكي يقتل. فكمن، عند الميل الثالث من كونجسبرج، متربصًا بـ"مراده"، الذي وصل في موعده اليومي بدقة ساعي البريد.[56] ولولا الصدفة المحضة، لقُتِل كَنط في ذلك اليوم. فتحت وطأة تقديرات "أخلاقيّة"، فضّل القاتل غلام صغير، رآه يلعب على الطريق في تلك الساعة، على الترنسندنتالي العجوز،[57] فقتل الغلام، واستحيا كَنط.[58] تلك هي الرواية الألمانية للمسألة، لكن إليكم رأيي فيها: لقد كان القاتل من المولعين بالفن، ولقد شعر بضحالة ما سيعود على الذوق الرفيع من قتل ميتافيزيقي عجوز جاف ومتيبس، فلا مجال للاستعراض هنا، إذ لم يكن من الممكن لكَنط الميت أن يبدو أشد شبهًا بالجثة المُحنطة من كَنط الحي، ولذلك أعرض عن قتله.
[1] اسمه قين أو قايِن أو قايين بالعبرية، أي: مُقتنى أو مُنال أو مخلوق حرفيًّا، إذ قالت أمه حواء لمّا ولدته: «لقد قنيت بعون الله إنسانًا» (التكوين 4: 1). لكنه مشهور في العربية باسم قابيل، وذلك على الرغم من معرفة علماء المسلمين باسمه العبري. يقول الطبري: «وأهل العلم يختلفون في اسم قابيل، فيقول بعضهم: هو قين بن آدم، ويقول بعضهم: هو قايين ابن آدم، ويقول بعضهم: هو قاين، ويقول بعضهم: هو قابيل»، أبو جعفر الطبري، تاريخ الرسل والملوك (القاهرة: دار المعارف، 1967)، 1: 137. بل أورد المسعودي بيتا لعلي بن الجهم (ت. 249 ه)، من قصيدته في بدء الخلق، يشرح فيه التأثيل العبري لهذا الاسم: «واقتنيا الابن فسمّي قاينًا/وعاينا من أمره [أو نشئه] ما عاينا»، أبو الحسن المسعودي، مروج الذهب، تحقيق: أسعد داغر (قم: دار الهجرة، 1409 ه)، 1: 45. (المترجم).
[2] ذرية قين هي مؤسسة الحضارة وفقًا لسفر التكوين (4: 17-22)، إنهم نسل من المخترعين والمبدعين. فقين الجد هو أول من قتل وأول من بنى مدينة (ليدوخ فيها مراراته بعدما سفك دم أخيه، كما يقول إميل سيوران). ويابال هو أول من سكن الخيام وربى الماشية. ويوبال هو أول من عزف على الكنارة (القيثارة) والناي. وتوبال-قين هو أول حدّاد، أول من طرق الحديد والبرونز (المترجم).
[3] توبال-قين هو أول اسم مركب في الكتاب المقدس. معنى توبال: المحدِث أو الجالب. ومعنى قين (بالإضافة إلى المخلوق والمقتنى): حداد. واختص دي كوينسي هنا صناعة المواسير بغرض اللعب على الجناس بين كلمتي tubal وtubes ، على ما أظن. ولقد فات دي كوينسي تأويل الأحبار لاسم توبال-قين: «روى الحبر يوشع السخنيني عن الحبر لاوي أنه قال: أما هذا فقد حسّن (تبّل) جريرة قين؛ إذ قتل قين، لكن لم يكن بحوزته أداة ليقتل بها، أما هذا فقد "طرق (صنع) كل الأدوات الحادة من البرونز والحديد"» (Geniesis Rabbah 23: 3). أو بعبارة الحبر راشي (ت. 1105 م): «لقد صقل صنعة قين وأحكمها. فكلمة توبال قريبة في المعنى من كلمة توابل. وكما تحسّن التوابل مذاق الطعام وتصقله، حسّن توبال عمل قين وصقله، عن طريق صناعة الأسلحة للقتلة» (Rashi on Genesis 4: 22). (المترجم).
[4] في القرن التاسع عشر، كانت مدينة شِفيلد، في جنوب يوركشير، في إنجلترا، أهم مركز لصناعة الفولاذ (الصُلب) عالي الجودة في العالم أجمع (محقق النص الإنجليزي).
[5] Jonathan Richardson (1667-1745), Explanatory Notes and Remarks on Paradise Lost (1734), 497.
[لم ينص سفر التكوين على سلاح القتل، وإنما قال: «فانقض قين على أخيه هابيل فقتله» (التكوين 4: 8)، أو بعبارة القرآن: «فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ» (المائدة: 30). لكن نجد في المدراش قولين مرويين عن الأحبار في تحديد سلاح القتل: عصا أو حجر (Genesis Rabbah 22: 8)]
[6] في الأوديسة لهوميروس، البوليفيموس هو أشهر [ومن هنا اسمه: ذائع الصيت] أفراد جنس العمالقة المتوحشين ذوي العين الواحدة، المعروف بالصقلوبات (cyclopes). في الكتاب التاسع من الأوديسة، نجا عوليس (أوديسيوس)، بشق الأنفس، من بوليفيموس قبل أن يأكله [في كهف على جزيرة صقلية] (المحقق).
[7] بركليس (ت. حوالي 429 ق. م): سياسي وعسكري وخطيب مفوه، حكم أثينا في عهد مفعم بالإنجازات السياسية والثقافية العظيمة [وهو الرجل الذي فضلته أسبازيا على سقراط، تلميذها الغارق في حبها] (المحقق).
[8] في حكايات كانتربري لچيفري تشوسر (ت. 1400)، حكت نائبة رئيسة الراهبات (وليست الرئيسة نفسها كما يقول دي كوينسي) قصة مقتل صبي آسيوي من جوقة الترتيل على يد اليهود، وشبهته في خاتمة القصة بهيو اللينكناوي (ت. 1255)، وهو طفل إنجليزي زُعم أنه قد قُتل على يد اليهود، وأضحى استشهاده المزعوم بؤرة لمعادة اليهود في العصور الوسطى (المحقق).
[9] شيشرون (ت. 43 ق.م): سياسي وفقيه وعالم وكاتب وأبلغ خطباء روما قاطبة. كاتيلين (ت. 62 ق.م): أرستوقراطي ودهماوي (ديماجوجي) خطط للإطاحة بالجمهورية الرومانية وقتل أعيانها، ومنهم شيشرون، الذي شنع عليه في مجلس الشيوخ. ولقد لقى حتفه بعيد ذلك في معركة. كلوديوس (ت. 52 ق.م): سياسي وبلطجي، كان من ألد خصوم شيشرون (المحقق).
[10] كيتيجوس (ت. 63 ق.م): أخطر أعوان كاتيلين، تعهد بقتل شيشرون. وحكم عليه مجلس الشيوخ بالموت (المحقق).
[11] شيخ الجبل: اللقب الذي أطلقه الصليبيون الفرنجة على راشد الدين سنان (ت. 1193)، زعيم طائفة الإسماعيليين النزارية في سورية. ثم عمم الكتّاب والرحالة الأوروبيون اللقب على جميع زعماء الطائفة في سورية وفي فارس، حتى أطلقه ماركو بولو (ت. 1324) على مؤسس الطائفة، الحسن الصبّاح (ت. 1124)، نفسه. ثم تلقفه المؤرخون العرب المُحدَثون من الأوروبيين. بينما لم يستعمله المؤرخون المعاصرون للطائفة قط. ولقد أطلق خصوم هذه الطائفة (الفاطميون والسلاجقة) عليهم اسم الحشيشية أو الحشاشون، على سبيل القدح والذم، بمعنى السفلة والرعاع، لا لأنهم كانوا يتعاطون الحشيش، وإنما لأن تعاطي الحشيش، في ذلك الزمن، كان من شأن رعاع الناس وسفلتهم، كما بيّن فرهاد دفتري بالتفصيل. ولقد تلقف الصليبيون الفرنجة هذا الاسم من السوريين وأطلقوا على الواحد من أتباع الطائفة كلمة “assissini” الفرنسية كترجمة حرفية مستعارة من كلمة حشيشية العربية، ومنها اشتقت كلمة “assassin” الإنجليزية. لكن بحلول منتصف القرن الرابع عشر، نُسي الاستعمال الأصلي لهذه الكلمة، أي: واحد من طائفة الحشاشين، وصارت تستعمل بمعنى القاتل المحترف أو المغتال عامة (المترجم).
[12] هذا الخبر الطريف لا أصل له، وهو مِن وضع دي كوينسي على الأرجح (المحقق).
[13] ڨيليم الأول (ت. 1584): قائد الثورة الهولندية البروتستانتية ضد الحكم الإسباني، قتله متعصب كاثوليكي، يدعى بالتازار چيرار، برصاصة. هنري الرابع (ت. 1610): أول ملوك فرنسا من آل بوربون، قتله كاثوليكي مختل، يدعى فرنسوا رافليه، بطعنة سكين. دوق باكينجهام الأول ، چورج فيليرز (ت. 1628): سياسي مقرب من الملك، قتل في بورتسموث على يد ملازم بحرية ساخط يدعى چون فيلتون. السيد هنري إلياس (ت. 1869): أمين مكتبة المتحف البريطاني. ألبرخت فون ڨالنشتين (ت. 1634): عسكري تشيكي، قاد جيوش الإمبراطورية الرومانية المقدسة خلال حرب الثلاثين عاما، قتله مرتزق إنجليزي، يدعى والتر ديفريو، بطعنة. جوستاف الثاني أودلف (ت. 1632): ملك السويد، ونصير البروتستانتية خلال حرب الثلاثين عامًا، لم يقتل غيلة وإنما مات في معركة لوتسن. والتر هارت (ت. 1774): كاتب متنوع الاهتمامات، صنّف سيرة لجوستاف أودلف ملك السويد (المحقق).
[14] باللاتينية في الأصل: Nocturnâ versatâ manu, versate diurne
وهو بيت للشاعر الروماني هوراس (ت. 8 ق.م): Horace, Ars Poetica, 269 (المحقق).
[15] Adrien Baillet (1649–1706), La Vie de Monsieur Des-Cartes, 2 vols. (Paris: Horthemels, 1691), i. 102–3.
[16] تقع جلوكشتات في شمال غرب هامبورج على مصب نهر إلبه في شمال ألمانيا. وفريزلاند أو فريزيا، هي منطقة تاريخية في ألمانيا وهولندا تطل على بحر الشمال (المحقق).
[17] بالفرنسية في الأصل: des scélérats (المترجم).
[18] بالفرنسية في الأصل: quand il viendroit à manquer (المترجم).
[19] كان ورق الكتب الكاسدة يستعمل حينئذ بكثرة في تبطين السراويل (المحقق).
[20] بحر الجنوب أو زاوديرزي: كان خليجا في بحر الشمال، يمتد إلى داخل هولندا، جُفف في الفترة من 1927 إلى 1932 ليصبح أرضا زراعية في معظمه. الهولندي الطائر: اسم سفينة أشباح في الأساطير البحرية الأوروبية، لا ترسو قط وإنما تبحر إلى الأبد، ويعتقد البحارون أن ظهورها نذير شؤم (المحقق).
[21] بالاتينية في الأصل: Caesarem vehis et fortunas ejus
قال قيصر هذه العبارة ليعرّف نفسه إلى ملاح المركب الذي يقله لمّا أراد العودة إلى الميناء، خوفا من عاصفة، انظر:
Plutarch, Parallel Lives, Caesar, xxxviii
(المحقق).
[22] مِن المتفق عليه أن سبينوزا قد مات بسبب السُلّ الرئوي (المحقق).
[23] La Via de Spinosa; par M. Jean Colerus
يوهان كوليروس (ت. 1707): قس لوثري من لاهاي (المحقق).
[24] بالفرنسية في الأصل: que sa mort n’a pas été tout-à-fait naturelle (المترجم).
[25] «1 يونيو، 1675.―شربت ثلاثة كؤوس من البنش (وهو شراب غريب علي تمامًا)»، هكذا قال القس هنري تيونج في مذكراته المنشورة مؤخرًا (1825). وفي حاشية على هذه الفقرة، نجد إحالة على كتاب أسفار الجراح چون فراير إلى الهند الشرقية في سنة 1672، الذي تكلم فيه عن «ذلك الشراب الموهن للقوى المسمى بنش (أي خمسة في اللغة الهندية) المتألف من خمسة مكونات». ويبدو أن ذلك ما دعى الأطباء إلى تسميته باليونانية: ديابنتي (أي مزيج من خمسة). ولو كان متألفًا من أربعة لأسموه: دياطِسارون (أي مزيج من أربعة). ويقينًا، هذا الإسم الإنجيلي هو ما زين شراب البنش في عين القس تيونج ]الدياطِسارون هو اسم الإنجيل الذي مزج فيه طاطيان السوري (ت. 173)، على نحو متناغم، بين الأناجيل الأربعة المعتمدة، في نص واحد.
[26] بالفرنسية في الأصل: extrêmement sobre en son boire et en son manger (المترجم).
[27] لندلاي موراي (ت. 1826)، ولد في بنسلفانيا، لكنه عاش قرب يورك في إنجلترا. معروف بكتابه:
Grammar of the English Language (1795)
في سنة 1670، شرع سبينوزا في تصنيف كتاب في نحو اللغة العبرية:
Compendium Grammatices Linguae Hebraeae
لكنه لم يتمه (المحقق).
[28] المخطوطة المقصودة هي مخطوطة نص هوبز المعنون بـ: De Corpore Politico (عن الجسد السياسي)، الذي دافع فيه عن وحدة السيادة، والتي وزعت في سنة 1640 (المحقق).
[29] في شهر أبريل من سنة 1640، دعى الملك تشارلز الأول البرلمان للانعقاد، لأول مرة خلال 11 سنة، لكن رُفِضت مطالبه للحصول على تمويل، فأنهى الجلسات على عجل بحلول شهر مايو. ينقل دي كوينسي من هذه الرسالة لهوبز:
‘Considerations upon the Reputation, Loyalty, Manners, and Religion of Thomas Hobbes’, in Works of Hobbes, iv. 414.
(المحقق).
[30] دعا تشارلز الأول البرلمان الطويل للانعقاد في شهر نوفمبر من سنة 1640 ولم يحل رسميًا إلا في سنة 1666، عقب انتهاء الحروب الأهلية الإنجليزية (بين الملكيين والبرلمانيين) وتأسيس الكومنُولث. وخشي هوبز أن يحاكم أمام البرلمان على ما كتبه في نص «عن الجسد السياسي» ففر إلى فرنسا (المحقق).
[31] چون دينيس (ت. 1734): ناقد وكاتب مسرحي، لم تحظَ مسرحياته بالقبول إلا واحدة وهي: liberty asserted (1704)، التي تضمنت هجومًا شرسًا على الفرنسيين. ولقد بلغ غروره مرتبة الجنون [ضلال العظمة]، إذ يروى أنه اعتقد أن الفرنسيين لن يوقعوا على معاهدة أوترخت (1713)، التي أنهت حروب الخلافة الإسبانية [بين بريطانيا وفرنسا]، ما لم يُسلّم إليهم. ونجد هذا الخبر مرويا في هذا الكتاب:
Theophilus Cibber,The Lives of the Poets of Great Britain and Ireland, 5 vols. (London, 1753), iv. 221–2.
[لوي أو لويس الرابع عشر (ت. 1715): من أشهر ملوك فرنسا. الملكة آن ستيوارت (ت. 1714): ملكة بريطانيا العظمى―رأينا نسخة خيالية منها في فيلم المحظية ليورجُس لانثيموس ] (المحقق).
[32] اسم وحش بحري، حيّة مخيفة أو تنين، ورد ذكره في التناخ (في سفر أيوب والمزامير وأشعياء)، يرمز إلى قوى الفوضي التي هزمها الله في بدء الخلق. ونجد أصله في نص أوجاريتي يصف قتل الإله بعل لوحش بحري يسمى "لوتان" (المترجم).
[33] أوليڨر كرومويل (ت. 1658): سياسي وجنرال كبير في معسكر البرلمانيين في الحرب الأهلية الإنجليزية، نصّب لوردًا حاميًا للكومنولث البريطاني في سنة 1653. في سنة 1651، نشر هوبز كتاب اللڨياثان وعاد إلى إنجلترا (المحقق).
[34] باللاتينية في الأصل:
Tum venit in mentem mihi Dorislaus et Ascham
Tanquam proscripto terror ubique aderat
ونجد هذين البيتين في:
Hobbes, ‘Vita Carmine Expressa’, in Works of Hobbes, vol. i. p. xciii.
إسحاق دوريسلاوس (ت. 1649): دوبلوماسي ومحام، سفير الكومنولث في العاصمة الهولندية، اغتاله أنصار الملكية في لاهاي. أنطوني أشام (ت. 1650): برلماني، سفير الكومنولث في العاصمة الإسبانية، اغتاله أنصار الملكية في مدريد (المحقق).
[35] الرسالة المقصودة هي:
‘Considerations upon the Reputation, Loyalty, Manners, and Religion of Thomas Hobbes’
وچون والس (ت. 1703): عالم رياضيات، أستاذ الهندسة بجامعة أوكسفورد. وصفه هوبز بـ«العلّامة» على صفحة عنوان هذه الرسالة. ونجد هذا النقل منها هنا: Works of Hobbes, iv. 415 (المحقق).
[36] [طوم، تصغير طوماس (هوبز)]. لم يُعدّ مؤلف اللڨياثان متدينا على الإطلاق وإنما كلبيا هازئا بالدين (المحقق).
[37] صامويل تايلور كولريدج (ت. 1834): الشاعر والناقد الإنجليزي، رائد الحركة الرومانسية في الشعر. كان مدمنًا على الأفيون مثل دي كوينسي (المترجم).
[38] بالإنجليزية:
The Creed of Mr Hobbes Examined; in a Conference between him and a Student in Divinity
[39] طوماس تِنِسُن (ت. 1715)، نشر الكتاب سنة 1670، وخلف چون تِلتسُن (ت. 1694) كرئيس لأساقفة (مطران) كانتربري بعد موته (المحقق).
[40] نظم هوبز قصيدة باللاتينية بعنوان: De Mirabililus Pecci (1636)، تغنى فيها بروعة هذه المقاطعة ذات المناظر الطبيعية الخلابة (المحقق).
[41] عمل هوبز لسنوات كثيرة مربيًا لأولاد أمراء ديفون من آل كاڨندش، في بيت شاتسورت، منزلهم الريفي (المحقق).
[42] باكِستون، منتجع صحي يرتاده الناس للاستشفاء بمياهه ينابيعه الجوفية (المترجم).
[43] باليونانية في الأصل: Deipnosophitae [وتعني حرفيّا: سوفسطائيو الطعام، أي: علماء أو حكماء أو فلاسفة الطعام، العارفون بشؤون المعدة، أو الذواقة]، وهو عنوان محاورة أرستقراطية عن الطعام ومسائل أخرى من تأليف الخطيب اليوناني أثينايوس المصري الذي عاش في حوالي سنة 200 م. (المحقق).
[44] [المقصود هو سيكستوس روسيوس الأب، الذي اُتهم ابنه (الذي يحمل نفس الاسم) بقتله، لكن ترافع عنه شيشرون الشاب وبرأه من تهمة قتل أبيه]، يقول شيشرون: «لقد قُتل الأب، وهو عائد من العشاء ذات مساء، قرب حمامات هضبة القصر»، انظر:
Cicero, Pro Roscio Amerino, vii
[وهضبة القصر أو هضبة بالاتين: واحدة من هضاب أو تلال روما السبع] (المحقق).
[45] انظر قول شيشرون عن الفيلسوف اليوناني إبيقور (ت. 270 ق.م) في:
Cicero, De Natura Deorum, i.xxxi.
(المحقق).
[46] عبارة مقتبسة من بيت من مسرحية عطيل (الفصل الثاني، المشهد الثالث): «أخرسوا هذا الجرس الرهيب إنه يخلع فؤاد الجزيرة» (المحقق).
[47] نيكولا مالبرانش (ت. 1715): الفيلسوف والقس الفرنسي. چورچ باركلي (ت. 1753): الفيلسوف والأسقف الأيرلندي. يروى أن باركلي قد زار مالبرنش في بارس في سنة 1714. ويعتمد دي كوينسي هنا على الحكاية التالية المروية في سيرة باركلي لچوزيف ستوك (ت. 1813)، أسقف واترفورد وليزمور:
Joseph Stock, An Account of the Life of George Berkeley (London, 1776), 9:
لقد وجد باركلي مالبرانش «في صومعته، يطبخ في قِدْر صغير دواءً لعِلّة كان يعاني منها حينئذ...وبطبيعة الحال، تطرق الحوار إلى فلسفة مالبرانش، التي كان باركلي على علم بها بفضل ترجمة إنجليزية لأعماله منشورة توا. لكن مغبة هذا الجدل كانت مأساوية على المسكين مالبرانش. فحينما حمى وطيس السجال، رفع صوته للغاية، واستسلم بالكلية للاندفاع المتحمس الذي يميز الموهوبين والفرنسيين، فأدى ذلك إلى اشتداد علته، فأهلكته بعد بضعة أيام» (المحقق).
[48] باللاتينية في الأصل: genus irritabile. والشاعر الروماني هوراس هو أول من نحت هذه العبارة لوصف الشعراء، انظر:
Horace, Epistles, ii. ii. 102.
حيث يقول: «كم تحملت في سبيل تهدئة معشر الشعراء النُزُق» (المحقق).
[49] هذا ما قاله طيف هَملت الأب لهَملت الإبن (الفصل الأول، المشهد الخامس)، ليبين له أنه لم يمت بسبب لدغة حيّة، وإنما هذه إشاعة خدعت بها الدنمارك كلها (المحقق).
[50] ألكسندر پوپ (ت. 1744): الشاعر الإنجليزي، انظر:
‘Epilogue to the Satires: Dialogue II’, l. 73.
(المحقق).
[51] مذهب المناسبة أو العادة أو الاقتران (occasionalism): مذهب في السببية، يمكن اختصار لبّه في هذه العبارة التوحيدية: لا سبب إلا الله. ومالبرانش من أكبر أعلام هذا المذهب، وللمزيد، انظر: مِران بيجوڨتش، عصيان الجسد أو الفلسفة في جنة عدن، ترجمة: طارق عثمان، موقع مزيج للنشر، 2023 (المترجم).
[52] لو غضضنا النظر عن زيادة دي كوينسي الساخرة القائلة أن السجال العقلي بين الفيلسوفين قد انقلب إلى صراع بالأيدي، لوجدنا سلفا لمالبرانش في موته كمدًا بسبب خسارته في سجال فكري. إذ يروى أنّ النحوي الكبير سيبويه (ت. 180 ه) قد مات في ريعان شبابه بسبب الخسارة في مناظرة بينه وبين الكسائي وأصحابه حول مسألة نحوية أضحت معروفة باسم المسألة الزنبورية: «كيف تقول: كنت أظن العقرب أشدَّ لَسْعَةً من الزُّنبور، فإذا هو هي أو هو إيَّاها؟ قال: أقول: فإذا هو هي. فأقبل عليه الجميع فقالوا: أخطأتَ ولحنتَ... فانصرم المجلس على أنَّ سيبويه قد أخطأ... وبُعِث به إلى بلده، فيقال: إنه ما لبث إلا يسيرًا، ثم مات كمدًا»، انظر: أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (القاهرة: دار المعارف، 1973)، ص 68. وكذلك يروى أنّ المتكلم الحسين النجار قد مات بعدما أفحمه المعتزلي الكبير إبراهيم النظّام (ت. حوالي 221 ه) في مسألة كلامية، إذ «رفسه إبراهيم [رفسة من شأن دي كوينسي أن يهلل لها بلا ريب] وقال قُمْ؛ أَخْزَى الله من يَنْسِبَكَ إلى شيءٍ من العِلْم والفَهْم. وانْصَرَفَ مَحْمُومًا، وكان ذلك سَبَبَ عِلَّتِه التي مَاتَ فيها»، انظر: ابن النديم، الفهرست، تحقيق: أيمن فؤاد سيد (لندن: مؤسسة الفرقان ومركز دراسات المخطوطات الإسلامية، 2014)، 1: 644 (المترجم-أنا مدين بهاتين القصتين للأصدقاء أدهم عبد الباري ورضا زيدان وعلاء عوض).
[53] يمزج دي كوينسي هنا بين الواقع والخيال. فلقد رمي لايبنتز بالشح، ولقد ترك أموالًا كثيرة لورثته حقًا. لكنه مات، في هانوڨر، على فراشة في سلام، بعدما لزمه لأسبوع بسبب النقرس والمغص (المحقق).
[54] صاموئيل پار (ت. 1825): قس، ومعلم مدرسة، ومعلق سياسي مجادل، نصير لحزب الأحرار البريطاني. كان قس إبريشية هتون في وَركشير [التي كانت مدينة برمنجهام الصناعية تنتمي إليها جغرفيا في ذلك الحين]. قابله دي كوينسي في صيف سنة 1812، وكتب تقييما لمسيرته من أربع أجزاء على صفحات مجلة بلاكوود (المحقق).
[55] ألقى صاموئيل پار خطبته الكنسية في 15 إبريل من سنة 1800، ونشرها في وقت لاحق من نفس السنة. ولقد كان دي كوينسي يرى أن خطابة پار المناصرة لحزب الأحرار رديئة (المحقق).
[56] ولد كَنط، وعاش حياته بأكملها، ومات، في مدينة كونجسبرج في شرق بروسيا التاريخية―كالنينجراد في روسيا حاليًا (المحقق).
[57] تعني ترنسندنتاليّة كَنط باختصار شديد: اعتماد المعرفة البشرية بالظواهر على بنى ومفاهيم عقلية سابقة على الحس (المترجم).
[58] يبدو أنّ دي كوينسي قد استوحى هذا الواقعة، ولو جزئيًا، من قتْلة إنجليزية وقعت في سنة 1819، نشره خبرها عندما كان محررًا لصحيفة ويستمورلاند جازيت: «بادئ الرأي، فكر القاتل روبرت دين في أن يقتل السيدة لونجمان، لكنه قدّر أنها قد اقترفت بعض الخطايا التي ستحاسب عليها إذا ماتت، ولذلك عزم على قتل الطفلة البريئة عوضا عنها، فأخذ المسكينة وجزّ عنقها»، انظر:
Robert H. Super, ‘De Quincey and a Murderer’s Conscience’, Times Literary Supplement (5 December 1936), 1016.
[وعلى نفس المنوال، قرر قاتلنا أن يقتل الغلام عوضًا عن كنط، لأن الطفل بلا خطايا، أما كَنط فلابد أنه قد اقترف في حياته بعض الخطايا التي سيحاسب عليها إذا مات. وهذه هي التقديرات "الأخلاقية" الذي يشير إليه دي كوينسي: أن يمتنع الرجل عن قتل كَنط حتى يجنبه الحساب على ذنوبه] (المحقق).
* الترجمة خاصة بـ Boring Books
** يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه