كنت في البدء قلقًا من موقع دزرائيلي في هذه القائمة؛ هل كنت لأدرجه فيها لو لم يكن في وقت ما رئيس وزراء؟ أو لو أنه لم يبهر ويسحر المجتمع الفيكتوري لسنوات وسنوات؟
سيبيل لبنجامين دزرائيلي
روبرت مكروم
نُشر في الجارديان، ديسمبر 2013
ترجمة: أسماء السكوتي
وقعت الرواية الإنجليزية -في العشر سنوات التي تلت وفاة جين أوستن سنة 1817- في نوع من الركود العاكس لاشتراطات زمنها؛ ذلك أن هذه الفترة، عرفت انتقال ثقافة الأدب الإنجليزي من عُلا عهد الوصاية على العرش (1811-1820) إلى وهاد طاحونة العصر الفيكتوري المبكر القاسية. ليتمخض هذا التحول عن جيل جديد من العباقرة الذين سيحتلون المشهد في أواخر الثلاثينيات وبدايات الأربعينيات. سيعرف الأدب في هذه الفترة أسماء رواد من قبيل لورد ولتر سكوت وطالبته «ماريا العظيمة» أو ماريا إيدجوورث الأيرلندية المَوْلد، وصاحبة روايتي «قلعة راكرنت» و«ليونورا»، ولقد قررت -على نحو صحيح أو خاطئ- أن أبتعد عن ذكر هذين الاسمين في هذه القائمة، ببساطة لأنني لا أعرف نصوصهما بما يكفي للكتابة عنها كما يجب.
في هذه الفترة كذلك، بلغ توق القراء البريطانيين للرواية ذروته؛ هكذا، أصبح لدينا أكثر من أي فترة مضت سوق مزدهر لجديد الرواية، كما أصبحت الرواية وسيلة الكُتاب الشباب الطامحين إلى الأضواء. من هؤلاء، بولوير لايتون صاحب رواية «بيلهام أو مغامرات رجل نبيل» -التي ستُعرَف لاحقًا بعنوان «أيام بومباي»- كما كان منهم كذلك المتغندر الشاب والنجم السياسي المبتدئ بينجامين دزرائيلي.
كنت في البدء قلقًا من موقع دزرائيلي في هذه القائمة؛ هل كنت لأدرجه فيها لو لم يكن في وقت ما رئيس وزراء؟ أو لو أنه لم يبهر ويسحر المجتمع الفيكتوري لسنوات وسنوات؟ لقد كان معاصروه من الأدباء - مثال ديكنز وثاكري وجورج إليوت وحتى أنتوني ترولوب- روائيين أعظم شأنًا. أما هو، فقد كانت حبكاته متصنعة وشخوصه متخشبة. وعلى الرغم من ذلك، فقد أبدى دزرائيلي لمحات عبقرية رفعته إلى مستوى هؤلاء العظماء. على سبيل المثال، هناك أسطر في رواياته المُبْتَسِرة، خصوصًا رواية «فيفيان جراي» التي تضاهي نص أوسكار وايلد. ولكن أيحق لنا أن ندفع بالوهم لدرجة الادعاء أن «دوريان جراي» ليست سوى لفتة عرفان من شخص غريب الأطوار إلى آخر؟
لم يكن دزرائيلي أديبًا أسطوريًا فحسب، ولا هو فقط الرجل الذي اشتهر بإجابته على سؤال: «هل قرأت دانييل ديرونا؟» بـ «لو وددت أن أقرأ رواية لكتبت واحدة بنفسي»، بل هو الرجل الذي اخترع تقريبًا -بفضل نصوصه الجدالية ما بين 1844-1847 (كوننجزبي، وسيبيل، وتانكرد) الرواية الإنجليزية السياسية. هكذا، من ضمن هذه الثلاثية، تتبدى رواية «سيبيل أو أُمّتان» كواحدة من أهم النصوص في زمنها التي عكست الواقع الفيكتوري لإنجلترا. في الواقع، لقد سبقت «سيبيل» -ولربما أثَّرت- في روايات من قبيل «السيدة جاسكل» لماري بارتون (1848)، ورواية «الخميرة» لتشارلز كينجسلي (1848) ورواية «عدو الإيمان» لجيمس أنتوني فرود (1849). إلا أن هذا النوع الأدبي كان يُمَط أحيانًا لدرجة الضجر، ومثال ذلك رواية «وراثة الشر أو عواقب الزواج من أخت الزوجة المتوفية» (1849) لفيليسيا سكين.
أما دزرائيلي، الروائي، فقد فاق تألقه كل هؤلاء، ويكفي دليلًا على ذلك المشهد الافتتاحي لـ «سيبيل»، الذي يبدأ عشية مباراة فروسية في كروكفورد، تُعرف بكونها جولة استعراضية لقوى نخبة من المشاهير. لنسمع الخلفية بعدها، صوت السيد موونتشيسني قائلًا: «أفضل النبيذ السيء... إذ سرعان ما يضجر المرء من النبيذ الجيد». هكذا، وبعد أن يكون قد بدأ من نادٍ في لندن، ينتقل دزرائيلي بعجلة لاستكشاف الأمتين المذكورتين في العنوان الفرعي، ليصور حياة قرية صناعية كالحة في الشمال في لوحة حية لا تنسى. هكذا، وعلى مثال ديكنز، يتفوق الكاتب بانهماكه في جمع معلومات عن أجزاء الرواية التي لم يختبرها بنفسه، وقد كان ذلك من الوضوح بمكان.
أما أهم شخصية في رواية «سيبيل» -كما لاحظ النقاد- فهي شخصية دزرائيلي نفسه؛ ذلك أنه ككاتب حاضر بقوة يتعذر ضبطها في جل كتاباته. وبالتالي، فإن صوته يتردد في كل صفحة من صفحات الرواية. والأكثر من ذلك، أن تعاطفه الناطق مع هموم وشدائد الفقراء سرعان ما يرتفع بأكثر المقاطع مللًا في النص. ومثال ذلك، وصفه لخطاب الشاب الميثاقي[1] مورلي (المغرم بسيبيل) التحريضي، والعبقري، والمشحون بمشاعر خالدة، الذي يبدأ بـ «هاتان الأمّتان... اللتان لا تربطهما معاشرة ولا تعاطف»، والذي يصل أوجه حين تبزغ هذه العبارة بحروف تاجية: «الأغنياء والفقراء».
رغم أن البلاغة السياسية الإنجليزية ما زالت محصورة في دائرة قيم الدولة الواحدة، إلا أن دزرائيلي -وبكل غرابة- ما لبث يعاود الظهور في مناسبات عدة منها؛ خطاب زعيم حزب العمال «إد ميلباند». هكذا، ومن لا شيء، أبدع دزرائيلي نماذج أدبية خالدة لا تزال تجد طريقها بين الفينة والأخرى إلى وستمينستر فيليج. في الحقيقة، لولا دزرائيلي ما كان لتشارلز ديكنز أن يكتب «أزمنة صعبة». ومن ثم، فإننا الآن أقرب ما نكون إلى ذروة رواية منتصف العصر الفيكتوري.
تعليق على النص
بخلاف ديكنز وثاكري، لم ينشر دزرائيلي نصوصه متسلسلة، ومن ثم فإن نصوصه تفتقد إيجابيات وسلبيات السلاسل. في المقابل، تبنى النظام الثلاثي-الضخم المتداول في العصر الفيكتوري، أي نشر ثلاث أجزاء في الآن نفسه بثمن لا يتجاوز جنيه[2] ونصف للمجموعة.
تجدر الإشارة إلى أن دزرائيلي لم يكن ضمن الكُتاب الأكثر مبيعًا، ودليل ذلك أنه لم يبع من «كوننجزبي» و«سيبيل» أكثر من ثلاثين ألف نسخة، كما أنه لم يجنِ أكثر من ألف جنيه إسترليني لكل كتاب منهما. أما الإعلان عن «سيبيل» فقد نُشِر في جريدة «التايمز» في الثامن من مايو 1845، وقد كان ناشرها هنري كولبرن صاحب دار النشر «جريت مالبورو ستريت» الذي كان يمتلك أحدث المطابع في عصره، وبالتالي، فقد كان من الطبيعي أن يجتمع الناشر ودزرائيلي النجم البرلماني الشاب في عمل مشترك.
* الترجمة خاصة بـ Boring Books
** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها
[1] الميثاقية: حركة عُمالية إنجليزية نشطت في القرن التاسع عشر ميلادي على أساس المبادئ التي اشتمل عليها «ميثاق الشعب» الذي وضعه الزعيم الراديكالي اللندني وليم لوفيت عام 1838.(المترجمة).
[2] الجنية أو Guinea كانت أحد العملات المعدنية في دول المملكة المتحدة، تم سكها في بريطانيا العظمى بين عامي 1663 و 1814. جاء الاسم من منطقة غينيا في غرب إفريقيا ، موطن الذهب الذي استُخدِمَ في صنع العملات المعدنية.