اختار الصحفي والناقد الإنجليزي روبرت مَكروم قائمتين لأفضل مائة عمل سردي وأفضل مائة عمل غير سردي باللغة الإنجليزية، وكتب مقالًا يخص كل عمل منهم. نترجم في هذه السلسلة بعض هذه المقالات.
ترجمات هذه السلسلة جرت ضمن أعمال الدورة الرابعة من مختبر الترجمة بمعهد القاهرة للعلوم والآداب الحرة بالإسكندرية (سيلاس الإسكندرية) – ربيع 2019.
قائمة مكروم | ليفياثان لتوماس هوبز (1651)
نُشر بموقع الجارديان 20 نوفمبر 2017
ترجمة: سهير رجب الشرقاوي وعمر سلامة ومحمد الشيخ
الترجمة خاصة بـ Boring Books وسيلاس الإسكندرية
يحتفظ
المترجمون بحقهم في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتهم دون
إذن منهم
بحسب مؤرخ القرن السابع عشر ونمامه جون أوبري، فإن توماس هوبز «كان عادة ما يقول أنه إذا كان قد قرأ مقدار ما قرأه الآخرون فلن يعرف أكثر منهم». يجسد المفكر العظيم هوبز الحس المشترك والروح الهاوية الإنجليزية، وتعود جاذبيته إلى استقاء فلسفته من خبرته بصفته رجل علم وأدب، عاصر جاليليو وديكارت وتشارلز ستيوارت الشاب، الذي كان أميرًا لويلز قبل عصر استعادة الملكية، ورافق هؤلاء الأشخاص في بعض الأحيان.
وُلد هوبز إليزابيثيًا وكان مُحببًا إليه أن يقول إن سبب ولادته المبكرة كان قلق أمه إزاء أسطول الأرمادا الإسبانية[1]: «... لقد أنجبت أمي العزيزة توأمًا في آن واحد، أنا والخوف».
لم يكن هوبز طوال حياته المديدة بعيدا عن نوائب الدهر (من أبرزها كانت حرب الثلاثين عامًا والحرب الأهلية الإنجليزية) أو أخطار واقعية فلسفته الكئيبة ووضوحها النفعي. تساءل عن شكل النظام السياسي الذي يوفر الأمن الذي طالما تاق إليه هو ومعاصروه، والذي حُرموا منه على الدوام.
ظهر كتاب «ليفياثان» لأول مرة عام 1651 تحت عنوان فرعي «مسألة الكومونويلث وشكله وقوته كنسيًا ومدنيًا»، خلال سنوات حكم كرومويل، بصفحة عناوين ربما تكون الأشهر في المرجعية الإنجليزية، عليها رسم لعملاق كلي القدرة مكون من عدد هائل من الأشكال البشرية الضئيلة، يلوح في الأفق بسيف وصولجان كنسي فوق منظر طبيعي رعوي.
وهكذا دخل ليفياثان (السلطة السيادية) المعجم الإنجليزي. أصبحت رؤية هوبز للإنسان ليس باعتباره كائنًا اجتماعيًا بطبيعته –يحركه احترام المجتمع– لكن بصفته حيوانًا أنانيًا بكل معنى الكلمة -تسيره المنفعة الشخصية– مركزة في موجزه الشهير عن الوجود الإنساني المنعزل، الناقص، الكريه، البهيمي، القصير.
ذهب هوبز إلى أنه لكى يحسن الإنسان ظروف وجوده، فإن عليه أن يتبنى قوانين محددة للطبيعة تلجم المجتمع البشري عن القيام بما يدمر الحياة، وحيث تكون الفضيلة الوسيلة إلى «عيش اجتماعي سلمي ومريح».
قانون الطبيعة الأول: «على كل امرئ السعي للسلام»، وهذا كما وصفه سيكون هدفًا صعبًا، فالميل العام للبشرية جمعاء هو «الرغبة الدائمة والمضطربة في نيل سلطة من بعد سلطة، وهو أمر لا ينتهي إلا مع الموت»، أما عن قانون الطبيعة الثاني فهو: «[يلزم] كل إنسان أن يكون مستعدًا في الوقت الذي يكون فيه اﻵخرين كذلك.. على أن يرسي حقه في كل شيء، وأن ينازع للحصول على حريته ضد اﻵخرين، كما سيسمح للآخرين بالنزاع عليها ضده»، أما قانون الطبيعة الثالث هو: «الرجال يوفون بعهودهم الخاصة».
وهذا، في جوهره، يضيف إلى عقد هوبز الاجتماعي، الذي فرضته سلطة خارجية. فوفقًا لذلك، يجب أن يبرم أعضاء المجتمع المدني عقدًا لمنح سلطتهم وقوتهم «لرجل واحد، أو لمجموعة من الرجال.. وإن حدث هذا، فالحشد المتمثل في شخص واحد، سيدعى ثروة مشتركة (كومونويلث)». بالنسبة إلى هوبز، ليس التعاقد على هذه القوة سوى الضمان الوحيد للسلام والازدهار: «فخلال الأوقات التي يعيش فيها الرجال بدون سلطة مشتركة تبقيهم جميعًا في رعب، فإن مآلهم في هذه الحالة يكون الحرب، وفي مثل هذه الحرب يقف الجميع ضد الجميع».
بعدما شهد هوبز الثورة الإنجليزية بنفسه، أقر أن الحرب هي أكثر ما يخشاه. فالحرب الاجتماعية تعمل على تمكين الجانب الأكثر إظلامًا للبشرية: «القوة والاحتيال هما فضيلتا الحرب الأساسية».
لم يكن هوبز أقل تهكمًا في موقفه من رغبة البشرية في «الحكومة». فلقد كان شاهدًا على الكثير من الجدالات، قبل وبعد إعدام تشارلز الأول، حول العلاقة بين المواطن والكنيسة والدولة وتحويلها لأي شيء غير براجماتي: «فالذين يشعرون بالاستياء في ظل الملكية، يطلقون عليها استبدادًا؛ والذين استاءوا من الأرستقراطية، يسمونها حكم القلة. وكذلك الذين يجدون أنفسهم تعساء تحت ظل الديمقراطية، يطلقون عليها الفوضى، مما يدل على الرغبة في وجود حكومة؛ ومع ذلك، أعتقد أن لا أحد يؤمن fأن الرغبة في وجود الحكومة، هي أي نوع جديد من الحكومة».
لدى هوبز ، فإن «المجتمع السياسي» له أهمية قصوى، وفيه يتوجب علي الأفراد تسليم أنفسهم من أجل حماية أكبر وأفضل: «فمن يشكو من أذى صاحب السيادة، يشكو بينما هو نفسه السيد؛ وبالتالي لا ينبغي أن يتهم أي شخص ولا نفسه بإلحاق الأذى؛ لأن إلحاق الأذى بالنفس أمر مستحيل».
يعد كتاب «ليفياثان»، كما لاحظ العديد من المعلقين، الوثيقة التي أسست «نظرية العقد الاجتماعي» التي ازدهرت لاحقاً في التقاليد الثقافية الغربية، إلى جانب كونه علامة فارقة في الكتابة النثرية في القرن السابع عشر، وفي نفس الوقت حيوي ومحكم البنية: «فما الثروة والمعرفة والشرف إلا أنواع متعددة من السلطة».
ويوضح هوبز حجته بالعديد من الملاحظات الجانبية: «إن البابوية ليست سوى شبح الإمبراطورية الرومانية الميتة، وتجلس متوجة على قبرها، لأنها نشأت على حطام هذه الإمبراطورية».
تعد المقارنة بين البابوية ومملكة الساحرات («خرافات العجائز في إنجلترا المتعلقة بالأشباح والأرواح») تذكرة على بصيرة وذكاء الكاتب البارزين. يجمع الكتاب بين الاقتصاد والمصداقية والتهكم على ليفياثان ككل، ولذلك نضع هوبز من بين الكتاب العظام في تاريخ الأدب الإنجليزي، لكنه أيضًا من كبار الفلسفة الغربية، إذ يُمكن أن تجد تأثيره في أعمال روسو وكانط.
لم يفهم معاصروه هذه الأفكار. أصبحت «الهوبزية» مصطلحًا يتلقى الازدراء، وأُحرق كتابه على الملأ باعتباره وثيقة تحريضية، وهوبز نفسه قضى العديد من أعوامه الأخيرة خائفًا على حياته. وتُوفي في 1679، بعد معاناة مع مرض باركنسون. وحسب فانبرو، قال هوبز على فراش الموت: «91 عامًا وأنا أبحث عن ثغرة لأهرب من هذا العالم، وأخيراً وجدتها». ويُقال إن كلماته الأخيرة كانت: «على وشك بدء رحلتي الأخيرة، قفزة كبرى في قلب الظلام».
اقتباس مهم
«وفي حالات كتلك، لا مكان للصناعة، لأن الناتج غير أكيد، وبالتالي لا زراعة على هذه الأرض، لا ملاحة ولا استخدام للبضائع المستوردة بحرًا ولا مبانٍ فسيحة ولا أدوات لتحريك وإزالة أشياء إذ تحتاج لقوة، ولا معرفة على وجه الأرض ولا مفهوم عن الزمن ولا فنون ولا خطابات ولا مجتمع، والأسوأ من كل هذا، خوف مستمر وخطر الموت العنيف وحياة الإنسان، معزولة وناقصة وكريهة وبهيمية وقصيرة».
اقرأ المزيد: حالة الطبيعة أم حالة الفلسفة؟
الأسطول الإسباني الذي أبحر لغزو إنجلترا في القرن السادس عشر.[1]