هنا يتنفس الشعر الحقيقي!
خفة في كل تحول!
وعلى جبين الأغنية
ختم الكمال.

هاينريش هاينه (1797- 1856): شاعر وناقد ألماني شهير، ولد في مدينة دوسلدورف وتوفي في باريس، ويعد من أهم شعراء الألمان الرومانسيين، لحن كل من فرانتز شوبرت وروبرت شومان العديد من قصائده.

عشرة قصائد ترجمتهم عن الألمانية: شيري منتصر.


بورتريه هاينريش هاينه للفنان الألماني موريتس دانيال أوپنهايم

الخطاب، الذي كتبتِه

الخطاب، الذي كتبتيه
لا يخيفني مطلقًا؛
تريدين ألا تحبيني مجددًا،
ولكن خطابك طويل.

اثنى عشر صفحة، بحروف ضيقة ورشيقة!
يا للمخطوطة الصغيرة!
لا أحد يكتب بإسهاب
حين يقول الوداع.

نواح

السعادة عاهرة سهلة
ولا تحب البقاء في نفس المكان؛
برقة تبعد شعرك عن جبهتك
وبسرعة تقبلك وترفرف بعيدًا

السيدة حزن، على العكس
تضغط على قلبك بجفاف؛
وتقول، لستُ مستعجلة،
تجلس بجانبك على السرير، وتحيك الملابس.

آه، إنها العيون نفسها

آه، إنها العيون نفسها
التي استقبلتني فيما مضى بحبٍ؛
والشفاه نفسها
التي حلَّت حياتي ذات مرة

أيضًا الصوت نفسه
الذي عشقتُ سماعه ذات مرة
فقط أنا لستُ كما كنت
عدتُ لبيتي متغيرًا.

كنت مضمومًا بقوة وبحب
من ذراعيها البيضاوين الجميلين،
أنا الآن في قلبها
نفس متجهمة ومقبضة.

آه، لو كنتُ موطئ القدم

(الرأس تقول:)
آه، لو كنتُ فقط المكان
حيث تستريح قدماكِ الحبيبتان!
وبهما مهما خطوتي فوقي
لن أرغب أبدًا في الشكوى.

(القلب يقول:)
آه، لو كنتُ فقط الوسادة الصغيرة
حيث تضع الإبر عميقًا فيَّ!
ومهما طُعنت
فأرغب في الابتهاج بالطعنات.

(الأغنية تقول:)
آه، لو كنتُ فقط قطعة ورق[1]
بها تلف شعرها!
فأرغب بالهمس خفية في أذنها
عما يحيا فيَّ ويهمس لي.

قلعة الإهانات

الوقت فات، ومع ذلك، القصر
القصر القديم ببرجه وسوره
وناسه الأغبياء
لم يخرجوا أبدًا من بالي.

أرى دائمًا دوارة الرياح
بصوتها المزعج على السطح تدور،
كل شخص ينظر للأعلى بحذرٍ
قبل أن يتكلم.

من يرغب بالتحدث، يبحث أولًا
عن الريح، خشية من الرغبة المفاجئة
للعجوز بورياس[2] الضَجِر
في الصراخ بصوته

بالطبع الأذكى يصمتون تمامًا
لأن نعم، في ذلك المكان
يوجد صدى، يتكرر في النميمة
يبتذل بخبث كل الكلمات.

وسط حديقة القصر
تقبع النافورة الرخامية لأبي الهول
الجافة دومًا، برغم
الدموع الكثيرة التي انسالت هناك.

حديقة ملعونة! آه،
حيث لا مكان فيها
لم يمرض قلبي
لا مكان فيها، لم يجعل عيني تبكي.

حقًا فلا توجد شجرة
تحتها لم تُلحق بي
الإهانات
من الألسنة العطوفة والقاسية.

الضفدعة الضخمة، التي على العشب تتنصت
أخبرت كل شيء للفأر
الذي بدوره حكى لعمته الأفعى
عن الذي سمعه

والأفعى أخبرت صهرها الضفدع
هكذا تستطيع العصابة القذرة بأكملها
أن تعرف فورًا
الإهانات التي أُلحقت بي.

ورود الحديقة كانت جميلة
بعبيرها الذي يغوي بحلاوة؛
ولكن مبكرًا ذبلوا
ماتوا من سم غريب.

حتى الموت مريض من وقتها
العندليب، والهزار الأشرق[3] النبيل
الذي غنى لكل زهرة أغنيته؛
أظنه ذاق من نفس السم.

حديقة ملعونة! نعم،
كما لو أن هناك لعنة؛
أحيانًا في يوم مشرق ومضيء
أخاف من الأشباح هناك.

في ظهورهم الأخضر يبتسمون
بدا وكأنهم بوحشية يسخرون،
وفورًا انسل من شجيرات الطقسوس
أصوات أنفاس محشرجة، وآةً، وأنين.

في نهاية الشارع المغطى بالأشجار
رصيف عالي، حيث تحته
أمواج البحر الشمالي، في وقت المد
ترتطم بعمقٍ في الصخرة.

هناك تنظر إلى البحر
هناك وقفتُ غارقًا في أحلام جامحة.
والموج المرتطم قابع في صدري أنا أيضًا-
كان هديرًا، إلجاجًا ورغوة

هديرًا كان، إلجاجًا ورغوة
عاجزٌ تمامًا كما الأمواج
المنقادة بفخر
نحو التحطيم اليائس للصخر الصلب.

بحسد أنظر إلى السفن
الذاهبة إلى الأراضي السعيدة؛
وأما أنا،  فالقصر الملعون أمسك بي
مقيدًا في عشيرة معلونة.

كل ليلة في الأحلام..

كل ليلة في أحلامي أراكِ،
أراكٍ بلطفٍ تُحييني،
وأرمي نفسي باكيًا بصوت عالٍ
عند قدميك الحلوتين.

تنظرين لي بأسفٍ حنون،
وتهزين رأسك الشقراء؛
ومن عينيكِ تنسل
الدموع اللؤلؤية.

تقولين لي خفيةً كلمة هادئة،
وتعطيني باقة السرو[4]
أصحو، والباقة ليست موجودة
والكلمة قد نسيتها.

أغنية قديمة

ميت أنت، ولا تعرف هذا
الضوء في عينيك اختفى
احمرار فمك الصغير وراثةٌ،
وأنتَ ميت، يا طفلي الصغير الميت.

في ليلة صيف مروعة
ذهبتُ بكَ بنفسي إلى القبر؛
العندليب ناح
والنجوم مشيت مع جثتك.

القطار المار على الغابة
هناك ظل يردد صدى صلاته؛
وأشجار التنوب في ملابس الحداد
تهمهم بصلاوات الموتى.

مررنا بجانب بحيرة الفايدن،[5]
عشيرة من الآلف[6] ترقص في وسط حلقة؛
توقفوا فجأة ونظروا لنا
بوجهٍ معزي.

وعندما وصلنا إلى قبرك،
نزل القمر من السماء.
ألقى كلمة. انتحابٌ وأنين
ومن بعيد تدق الأجراس.

قلبي حزين

قلبي حزين، وبشوقٍ
أفكر في الأوقات القديمة؛
حيث العالم كان مريحًا
والناس يعيشون بسلام.

ولكن الآن تغير كل شيء،
هذا ضرورة! إلزام!
في الأعلى الإله مات،
والشيطان في الأسفل مات.

وكل شيء يبدو حزينًا وباهتًا
مضطرب بفظاعة ، بارد وسوداوي،
ولولا المحبة الصغيرة
لن يوجد مكان للتوقف.

نشيد الأنشاد

جسد المرأة قصيدة
كتبها الرب
في كتاب الطبيعة الضخم،
عندما ألهمته الروح.

نعم، كان الوقت مناسبًا له،
كان الرب منتشيًا؛
بمهارة فنية أنهى عمل
القطعة الرقيقة الجامحة.

حقًا، جسد المرأة
ألحان نشيد الأنشاد؛
أجزاؤه البيضاء الرقيقة
مقاطع شعرية مبهرة.

أية فكرة إلهية
تلك الرقبة اللامعة،
فوقها تتمايل الرأس الصغيرة
الفكرة الرئيسية المجعدة!

والنهدان برعم زهرة
مصاغة في قصيدة صغيرة؛[7]
الصمت الشعري الساحر
الذي يقسم النهدين بصرامة.

الوركان المتوازيان أظهرا
نحت الخالق؛
الجملة الإعتراضية المغطاه بورق التين[8]
هي أيضًا موضعٌ جميل.

هذه ليست قصيدة مفاهيم مجردة!
هذه الأغنية من لحم وضلع،
يد وقدم؛ تضحك وتقبِّل
بفمها الجميل المقفي.

هنا يتنفس الشعر الحقيقي!
خفة في كل تحول!
وعلى جبين الأغنية
ختم الكمال.

لكَ، يا إلهي، أشتهي الغناء
والتقديس باسمك تحت التراب!
بجانبك لسنا سوى جهلاء،
أيها الشاعر السماوي.

في بهاء أغانيك، يا إلهي
أشتهي الغرق؛
في الليل والنهار
أنشغل بتعاليمك.

نعم، ليلًا ونهارًا أدرس تعاليمك،
فلا أرغب بتضييع وقتي؛
ساقاي أصبحا نحيفين
وذلك بسبب انشغالي بك.

أن تحبيني

كنت أعرف أنك تحبيني،
اكتشفت هذا من وقتٍ طويل؛
ولكن عندما أخبرتني
أصبحت خائفًا بشدة.

عندئذ تسلقتُ الجبال
وهللتُ وغنيت؛
ذهبتُ للبحر وبكيت
عند غروب الشمس.

قلبي كالشمس
متوهج بشدة،
وفي بحر الحب
يغرق بجمالٍ وبعمق.


[1] في الأصل «Papillote» وهي لفائف الشعر الورقية التي كانت مستخدمة في تسريحات الشعر في القرن الثامن عشر لجعل الشعر مجعدًا وملفوفًا.

[2] بورياس (Boreas) هو إله الرياح الشمالية في الأساطير الإغريقية، ويأتي كاستعارة عن ريح الشمال.

[3] الهزار الأشرق عصفور صغير لديه صوت شبيه بصوت العندليب ولكن أقوى.

[4] السرو: شجر تزيين ذو خشب عطري.

[5] بحيرة الفايدن (Weidensee) هي أكبر تجمع للمياه الراكدة بالقرب من برلين.

[6] أقزام الآلف ( Elf) هي كائنات من الأساطير الجرمانية صغيرة الحجم، لها جسد بشري تعيش في الغابات أو الكهوف أو الآبار أو الينابيع، أشهرها ظهرت في فيلم «سيد الخواتم».

[7] قصيدة التوقيعة (Epigramm) أو إبيجراما يقصد بها في النقد الأدبي القصيدة الصغيرة التي تتميز بالإيجاز، وتكون إما مدحًا أو هجاءً بنبرة ساخرة.

[8] ورقة التين رمز من سفر التكوين، حينما سقط آدم وحواء في الخطيئة وشعروا بالعري، فاستخدما ورق التين لتغطية عريهم.


الترجمة خاصة بـ Boring Books

تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها.