ثلاث قصائد للشاعر الأمريكي جون سكويلز*
ترجمة: أحمد الشربيني
الترجمة خاصة بـ Boring Books
يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.
* جون سكويلز (1949) شاعر أمريكي وأستاذ للأدب في إمرسون كولدج، نشر 6 دواوين شعرية ومجموعة من المقالات وسيرة روائية، بالإضافة إلى كتابين للمذكرات. ظهرت قصائد سكويلز في مجلات ودوريات متنوعة، ولقيت عادةً استجابة نقدية طيبة. هذه ترجمة لثلاث من قصائده المتأخرة، ويظهر فيها انشغاله بأسئلة الذاكرة، وهي تيمة تتكرر عنده، كما يبدو فيها كذلك وفاؤه لأصوله الفقيرة وحساسيته لجماليات الحياة اليومية، إضافة لتأثره بأمه التي كانت تقرأ له الشعر صغيرًا.
نلمس في أسلوب سكويلز تأثير الشاعر الأمريكي آلان دوجان، الذي قيل عن لغته كذلك إنها «أمريكية مسطحة غليظة بلا سفسفة، كالتي ستسمعها من عامل البار الذي ترتاده»، وهو شعر يخلو عمومًا من السنتمنتالية وشطح الخيال، لكنه يمتاز بسخرية مبطنة وحسٍ تراجيدي بالإخفاق: إخفاق الشاعر في حياته، وفي مسعاه كشاعر، وإخفاق القصيدة نفسها.
سيرة ذاتية (2014)
لم أمسك زمام حياتي
لكنها سارت في إثري، من نقطة لأخرى
لا بخطوات منضبطة، كصف جنود
ولا في رقصة منتظمة، كعرض طيران
فقط هرولت ورائي
ونادتني بأسماء مبتدَعة
أولًا، السيد «دانكه شون»[1]
وبعدها الدكتور «هذا أمر بسيط»
كقافلة أو كرنفال.
أوليست الحياة شخصًا
يتبعه شخصٌ ثم شخص
موكبٌ يهمس
بحكمة العائلة:
«إذا بلغت القمة
فاستمر في التسلق»
و«الرعد وعدٌ
يوفيه المطر».
تسير خلفي فتيات تشيلسي الصهباوات
بياقاتهن وأساور أكمامهن المتناسقة
وراؤهن، رحلة مدرسية إلى منتزه إيتشيو
وقِطَّاي، ميرابل وإدوارد
اللذان يوقظاني عند الفجر
مع أن كليهما قد مات.
أمطرت السماء فعلًا
لكن من دون دموع كثيرة
قطرة واحدة فقط
انكسرت على كل شيء
عوت الكلاب، سارت القافلة
وتبعتني حياةٌ كاملة
لكني لم أملك زمامها.
الرجل الكناري (2015)
قبل شهرته
كان «تيني تيم»[2] يغني الفالسيتو
في فريك شو بقبو متحف هوبرت
وكان اسمه «لاري لاف: الرجل الكناري»
وقف تيم بين كل من
فريتو، قزم بجسد مُحرَّق منذ طفولته
و«الفتاة القردة»: شعثاء بساق واحدة،
وأربعة صفوف من الأسنان
عندما شدا تيم بأغنية «دموع على وسادتي»:[3]
أنت لا تذكرني، لكني أذكرك
مصمصت امرأة في الصف الأول شفتيها
وقالت: «ما أحزن بعض الأشياء في هذا العالم»
أمي وهيدجر ودريدا (2017)
في كليةٍ صغيرة في «كوينز»
بسجل خريجين غير حافل
لدرجة أن يتصدره «دون ريكلز»[4]
تخرجت أمي، ولم تعرف الكثير عن الفن
لكنها اصطحبتني إلى معرضٍ فني
وهناك، انهمكت في صمتٍ عميق
عندما رأت «آكلو البطاطا»
و«ثلاثة أزواج من الأحذية»[5]
لأن الأحذية كانت كحذاء جدتي
العالي طويل العنق، الذي انحنت أمي أمامه
كل صباح، لعقد رباطه
بعد الانتهاء من نشر المرهم
على ساقٍ تقرحت بالسكري
ولأن البطاطا ذكرتها بالنار
التي أوقدتها مع إخوتها
بجوار الرصيف
من أجل الشواء
تحترق قشرتها، ويبقى قلبها نيئًا
ويسمونها «ميكي»، على شرف الأيرلنديين
قالت أمي إن الفقراء
لا يملكون إلا البطاطا للعشاء
وجوههم خشنة كالأرض المحفورة
وأحذيتهم أتلفها الكد
لم تقل مثل هيدجر، إن «الخطى التعبة
تحدق فينا من الداخل المظلم للحذاء المهترئ»
وبالتأكيد لم تقل مثل دريدا، الذي كان يسائل اللوحة
عما «يكوِّن زوج أحذية،
وكيف تُظهر عناصره تراص صنوفٍ شتى للواقع»
قالت أمي فقط إنه يُظهر
كيف أن بعض الناس يرهقهم الدأب.
[1] «شكرًا جزيلًا» بالألمانية.
[2] تيني تيم هو الاسم المسرحي لهربرت خوري (1932 – 1996)، وهو موسيقي ومؤرشف موسيقى أمريكي بدأ حياته بتعليم نفسه بعض الآلات وإنشاء مكتبة للاسطوانات، واشتهر بقدرته الاستثنائية على غناء «الفالسيتو»، وهي تقنية غنائية يستخدمها الرجال لإنتاج ترددات عالية لا تسمح بها الحنجرة الذكورية عادة. في 1959 ستصبح قدرة تيني تيم على إنتاج الفالسيتو سببًا في انضمامه للفرق الاستعراضية في «متحف وسيرك هوبرت للبراغيث» في نيويورك، وهذا أولًا، وكما يظهر من اسمه، سيرك للبراغيث، لكنه كذلك متحف «للغرائب الإنسانية»، أو فريك شو، حيث يقطع الزبائن تذكرة للفُرجة على رجال ونساء بتكوينات جسدية أو قدرات ومواهب نادرة إحصائيًا، وكان من بين هؤلاء موهبة تيم في الغناء بنبرة تشبه تغريد الكناري.
[3] لا يرجح أن أداء تيم للأغنية مسجل، لكن نسختها الأصلية، التي صدرت قبل الواقعة المذكورة بسنة واحدة، شجية بما يكفي لإكمال المشهد.
[4] دون ريكلز كوميديان أمريكي ثقيل الظل.
[5] «آكلو البطاطا» و«ثلاثة أزواج من الأحذية» لوحتان لفان جوخ. تصور الأولى أسرة مجتمعة حول المائدة لتقاسم البطاطا في حجرة تغيم عليها الكآبة، أما الثانية فتصور ثلاثة أزواج من أحذية مهترئة، وكان فان جوخ منجذبًا للأحذية كموضوع للطبيعة الصامتة، وفي أثناء إقامته في باريس خصوصًا لجأ إلى تصوير الكثير من الأحذية التي أصبحت بعد ذلك موضوعًا للتامل من قبل عدة فلاسفة، أهمهم هيدجر الذي خصص جزءًا طويلًا من عمله عن «أصل العمل الفني» لمناقشة إحدى هذه اللوحات.