اختار الصحفي والناقد الإنجليزي روبرت مَكروم قائمتين لأفضل مائة عمل سردي وأفضل مائة عمل غير سردي باللغة الإنجليزية، وكتب مقالًا يخص كل عمل منهم. نترجم في هذه السلسلة بعض هذه المقالات.
قائمة مكروم | مرتفعات وذرينج لإيميلي برونتي (1847)
نُشر بموقع الجارديان 16 ديسمبر 2013
ترجمة: مريم ناجي
الترجمة خاصة بـ Boring Books
تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها.
تُعد الصورة الجانبية لإيميلي برونتي المُلحقة في الأعلى، والتي استُنسخت عددًا لا نهائيًا من المرات، أيقونةً أكثر مما هي صورة شخصية؛ إيميلي برونتي جبارة، عنيفة، متعمقة في ذاتها، منعزلة، مراوغة، غامضة، وتمثل صورة كاتبة «مرتفعات وذرينج» الشابة جزءًا لا يتجزأ من روايتها الأولى والوحيدة.
تجذب رواية شقيقتها الكبرى «جين إير» (العمل الثاني عشر في قائمة مكروم للأعمال السردية) القارئ عن طريق القوة المدروسة لأسلوبها و«اعترافاتها المعلّقة»، وتلميحاتها إلى الرغبة الجنسية المكبوتة. تتطور الرواية -على مهلٍ- وصولًا إلى ذروةٍ جامحة، حيث يتحرر أبطالها في النهاية، لكن ليس على نحوٍ تقليدي. على العكس، تنغمس رواية «مرتفعات وذرينج» باندفاعٍ في استكشاف الحب الجامح الشغوف في كل أشكاله التدميرية.
يتمحور سرد برونتي -المفكك والمُتضارب والمتعرج- بهوسٍ حول فكرة التعسّف العنيف والصريح وحول فكرة الغيرة في حياة هيثكليف وكاثرين، هذا قُبيل العودة بنمطٍ أكثر هدوءًا إلى فكرة القسم الثاني من الرواية الذي يُهمَل عادةً.
بينما تنتمي شارلوت إلى الأسلوب البيوريتاني (التطهيري) الخاص بجون بونيان (كاتب رواية «رحلة الحاج»؛ العمل الأول في قائمة مكروم للأعمال السردية)، تُعد إيميلي ابنة الحركة الرومانسية، وتميل الأختان إلى القوطية. لكن إيميلي هي من تخوض المخاطر الإبداعية الأكثر جسامةً. كانت المراجعات الأولى لرواية «مرتفعات وذرينج» متباينة؛ لم يتمكن النُقاد الذين أذهلتهم «جين إير» من تحديد موقفهم تجاهها، وحُكم عليها لوقتٍ طويل بأنها أدنى مكانة. وفي بعض الأحيان، يكون المُحبين لجين إير أقل حماسةً تجاه «مرتفعات وذرينج»، والعكس صحيح. أدرجتُ الروايتين في قائمتي بسبب عدم وجود حدٍّ لتأثيرهما على المُخيلة الإنجليزية وعلى ما تلاهما من الأدب القصصيّ الإنجليزي.
إذا نظرنا لما مضى، من الواضح أنه بينما أصبحت «جين إير» معروفةً بأسلوبٍ يسهل تمييزه، وهي واعيةٌ لتلك الصلة، تبعثُ «مرتفعات وذرينج» طاقاتٍ جديدة واستثنائية في أدب الرواية وتجدد قوتها، بل تكاد تعُيد خلق النوع الأدبي بأكمله. نطاق وانسياق خيال الرواية، وتتبعها الشغوف للعلاقة الغرامية المُهلكة والحيّة في آنٍ واحد، ومناورتها العبقرية للمكان والزمان، يضعها في منزلة فريدةٍ بها. إنه الأدب الإنجليزي العظيم وثمرة طفولةٍ شديدة الاستثنائية.
وإذا نظرنا قُدمًا، أظن أن بإمكاننا القول إن أعمال «توماس هاردي» و«د. هـ. لورانس» وحتى «روزاموند ليمان»، كما نعرفها، ما كانت ممكنةً من دونها. إنها بمثابة تصويرٍ لـ«حبيبين سيئي الطالع» يُضاهي تصوير «روميو وجوليت». هنالك شيءٌ ذو طابعٍ أوبرالي في جسارة الرواية وطموحها، ولا عجب في استمالة صنّاع الأفلام ومؤلفي الأغاني والممثلين والنقاد الأدبيين لإعادة تأويل قصتها.
ثم يأتي دور مباهجها الباعثة على الطمأنينة؛ تمامًا مثل هاردي ولورانس، كان لإيميلي برونتي عينٌ وأذنٌ خارقة الإدراك لعالم الطبيعة. عندما يزور لوكوود قبري هيثكليف وكاثي في نهاية الرواية، يتمثلُ سحر برونتي في شعرية الصياغة:
«تلكأتُ حولهم تحت السماء الصافية، أُراقب العُثَث ترفرف في البراح وعلى زهور الجريس، وأنصتُ إلى هفيف النسيم على العشب، تساءلتُ كيف لأي إنسانٍ أن يتخيل سَباتًا مضطربًا للنيام تحت هذا الثّرى الهادئ».
نُشرت «مرتفعات وذرينج» بعد ثلاثة أشهر من نشر «جين إير» في ديسمبر 1847. وبعد عام، ماتت إيميلي إثر إصابتها بداء السُّل وهي في الثلاثين من عمرها. كتبت شارلوت عنها بعد ذلك: إنها «أقوى من رجل، وأبسط من طفل؛ لقد تفردت (إيميلي) بسجيتها».
ملاحظة على النص
نشر توماس نيوبي «مرتفعات وذرينج»، رواية كتبها «إليس بيل»، في ديسمبر 1847، بعد ثلاثة أشهر من نشر رواية «جين إير». ظن قرّاءٌ كُثر -مندهشين من عُنفُوان الكتاب- أن من كتبها رجل. لكن شارلوت برونتي عملت على تحرير نسخةٍ ثانية مُنقحة بعد وفاة شقيقتها، وهو النص المُنتشر بشكلٍ عام في أيامنا هذه.
في رسالةٍ تبقت لنا من نيوبي، يتضح فيها إشارتُه إلى أن إيميلي برونتي قد بدأت في كتابة روايةٍ ثانية، مع أن المخطوطة لم يُعثر عليها أبدًا. لكن في حالة أنها شرعت فعلًا في كتابة روايةٍ ثانية، فقد منعها داء السُّل من إنهائها. توفيت إيميلي في عمر الثلاثين، في العام نفسه الذي نشرت فيه «مرتفعات وذرينج».