ما زلت أستطيع أن أراك: قصائد لباول سيلان
ترجمة: مينا ناجي
تُرجمت القصائد عن الانجليزيّة للمترجم: A. S. Kline
باول سيلان شاعر روماني يكتب بالألمانية، ولد عام 1920 من عائلة يهودية في بلدة تشيرنيفتسي التي تقع حاليًا في أوكرانيا، وهو يعتبر أحد أكبر شعراء الألمانيّة في فترة بعد الحرب العالميّة الثانيّة.
يَدُكِ
يَدُكِ مليئةٌ بالساعات - أتيتِ إليَّ، وقلتُ:
«شَعْرُكِ ليس بُنيًّا».
فرفعته، بخفَّة، على ميزان الأسى، كان
أثقل منّي..
أتوا إليكِ على ظهر سُفُنٍ، حمّلوه، ووضعوه
للبيع في أسواق الرغبة..
تبتسمين لي من الأعماق، أبكي إليكِ
من الميزان الذي ما زال خفيفًا.
أبكي: شَعْرُكِ ليس بُنيًّا، يقدمون أمواجَ ملح
البحر، وتعطينهم زَبَدًا.
تهمسين: يملؤون العالم بي الآن، وإليكَ
أنا ما زلت الطريق الخالي في القلب!
تقولين: دَعْ زخرُف أوراق السنين بجانبك، إنه الوقت الذي
أتيتَ هُنا وقبّلتني!
زخرُف أوراق السنين بُنيّ، شَعْرُكِ ليس بُنيًّا.
كورونا
من يدي، يأكل الخريفُ ورقته: نحنُ أصدقاء.
نقشِّر الوقتَ عن الجوز ونُعلمه المشي:
يرجع الوقتُ إلى القشرة.
في المرآة، إنَّه الأحد.
في الحُلم، يوجد نومٌ.
الفم يتحدثُ بالحق.
تنحني عيني على عضو محبوبي:
نحدّقُ إلى بعضنا،
نتحدثُ ظُلمةً بيننا،
نحبُ بعضنا مثل الخِشخَاش والذِكرَى،
ننام مثل الخمر في المحارة،
مثل البحر في شعاع دم القمر.
نقف متعانقين عند النافذة، ينظرون إلينا من
الشارع:
حان الوقت، حتى أنهم عرفوا!
حان الوقت، حتى أن الحجر تعطف ليُزهِر،
والاضطراب امتلك نبضًا.
حان الوقت، حتى أنه أصبح، وقتًا.
حان الوقت.
ما زلتُ أستطيع أن أراكِ
ما زلتُ أستطيع أن أراكِ: صَدَى
يُلمس بالكلمات
الحسيّة، على القمة
المفارقة.
وجهُكِ يشيح بنعومة بعيدًا
حين يظهر فجأة
وهجٌ مثل مصباح
داخلي، عند النقطة
حيث، بأقصى ألمٍ، يقول الواحد: أبدًا.
أسمعُ
أسمعُ، قد أزهر الفأسُ،
أسمعُ، المكان لا يُسمَّى،
أسمعُ، الخبزُ، الذي ينظرُ إليه
يشفي المشنوقَ،
الخبزُ، خبزته زوجته له،
أسمعُ، يسمُّون الحياةَ
ملجأنا الوحيد.
القُطبان
القُطبان
داخلنا،
لا يمكن تسلقهما
في اليقظة.
ننام عبر الطريق، حتى بوابة
الرَحْمة.
أخسركِ لكِ، هذا
عزائي الثلجي،
قولي، إن أورشليم تكون،
قولي، كما لو كنتُ هذا
بياضُك،
كما لو كنتِ
بياضِي.
كما لو، بدوننا، نقدر أن نكون نحن.
أفتح أوراقكِ، للأبد،
تُباركين، تَفْرشِينا
مُتحررين.
كانت هناك أرضٌ
كانت هناك أرضٌ بداخلهم
وحفروا.
حفروا وحفروا وهكذا
انقضى يومهم، وليلهم. ولم يمجدوا الله،
الذي، كما سمعوا، أرادَ كل هذا،
الذي، كما سمعوا، شَهَدَ كل هذا.
حفروا ولم يسمعوا شيئًا آخرً؛
لم يصبحوا أكثر حكمة، لم يخترعوا أغنية،
لم يضعوا لأنفسهم أيّة لغة.
أتى صَمتٌ، أتى إعصارٌ.
أتى كل محيط كان.
أنا أحفر، أنت تحفر، وهي تحفر، الدودة.
والغناءُ، هناك، يقول: إنَّهم يحفرون.
يا شخصٍ، يا لا شيء، يا لا أحد، يا أنتَ:
إلام قاد، هذا الانقياد للامكان؟
يا أنت تحفر وأنا أحفر، وأنا أحفر تجاهك،
وعلى إصبعنا استيقظ الخاتمُ.
أمام شمعة
من الذهب المشغول،
كما قلتِ لي يا أمي،
شكلتُ الشمعدان،
الذي تُشيع لي الظُلمةَ منه،
في الساعات المتكسِّرة،
ابنةُ «كونك ميتة».
رشيقة الهيئة،
ظلٌ رفيعٌ بعينٍ لوزيّةٍ[1]،
فمُها وجنسها،
ترقص حولهما كائنات النوم،
من كهف الذهب
تصعدُ
إلى قمة «الآن».
بشفاه مُكفّنة بالليل
أنطق المُباركة:
باسم الثلاثة[2]
المتصارعين فيما بينهم، حتى
يهبط الفردوس إلى قبر الشعور،
باسم الثلاثة، الذين يبرق
خاتمهم على إصبعي، حينما
أفقد شَعر الأشجار في الهاوية،
فتندفع فيضانات أغنى نحو الأعماق –
باسم أول الثلاثة،
الذي صرخ،
حين دُعي للعيش، حيث ذهبت كلمته قبله،
باسم الثاني، الذي شاهدها وبكى،
باسم الثالث، الذي يكوِّم
حجارة بيضاء في المنتصف –
أعلنك حرّة
من «الآمين» التي تقهرنا،
من الضوء المملوء ثلجًا على حافتها،
هناك، حيث بعلو البرج، تدخل البحر،
هناك، حيث الرمادي اللون، الحمامة،
ينقرُ الأسماء
هذا الجانب أو ذاك من الموت:
إنَّك تظل، تظل، تظل،
ابن امرأة ميّتة،
مختومًا لـ «لا» اشتياقي
ملحومًا بشقٍ في الزمن،
حيث قادتني الكلمة-الأم،
فيمر تشنُّجُ واحدٌ
عبر اليد
التي الآن، والآن، تقبض على قلبي!
ماندورلا[3]
في اللوزة – ماذا يسكن في اللوزة؟
لا شيء.
لا شيء يسكن في اللوزة.
هناك يسكن ويسكن.
في اللا شيء - ماذا يسكن في اللا شيء؟ الملك.
هناك يسكن الملك، الملك.
هناك يسكن ويسكن.
يا شَعْر اليهود، إنَّك لن تستحيل رماديًا.
وعينك - أين تُمعِن عينك؟
عينك تُمعِن في اللوزة.
عينك في اللاشيء تُمعِن.
إنها تُمعِن في الملك.
هكذا تُمعِن وتُمعِن.
يا شَعْر الإنسان، إنَّك لن تستحيل رماديًا.
لوزةٌ فارغةٌ، أزرقٌ مَلكي.
الليل الصغير
أيها الليلُ الصغيرُ: حين
تأخذني للداخل، للداخل،
عاليًا،
ثلاثة إنشات من الألم
فوق الأرض:
كل المعاطف الرمليّة المُكفِّنة،
كل اللاءات المُساعِدة،
كل ذلك، ما زال
يضحك
باللسان -
أن تقف في الظل
أن تقف في ظل
علامة الجرح في الهواء.
ألا يقف أحد أو شيء.
غير معروف،
لكَ
فقط.
مع كل الذي يجد مكانًا بالداخل
حتى بدون
كلام.
[1] يطلق سيلان تعبير «العيون اللوزية» على اليهود لما يتصف به عادة شكل أعينهم. ويربط في قصائد مختلفة بين اللوز واليهود لهذا السبب.
[2] ربما تحيل «الثلاثة» إلى الأقانيم الثلاثة المسيحيّة، أو الغرائييه، وهن شقيقات مُسنَّات في الميثولوجيا الاغريقية لهن كلهن عين واحدة وسن واحدة، أو النورنيّات، المتحكمات في أقدار الآلهة والبشر في الميثولوجيا النورسيّة (الإسكندنافيّة).
[3] الماندورلا هي إطار مُحيط على شكل لوزة لشخصيات المسيح والعذراء مريم في الأيقونات المسيحيّة التقليديّة.
2 Replies to “ما زلت أستطيع أن أراك: قصائد لباول سيلان”
شكرا على هذه الترجمة الساحرة
العفو يا فرات.. شكرًا جزيلاً لك.