فايلر كافتن: حضارة (قصة)

2025-04-28 - Mohammed Alsaeed

إن كنتَ فاشيًّا، فأنتَ على الحقِّ دائمًا؛ لأن الله أو الشيطان أو بسطالك الأيسر يأمرك بما تفعل. القوة الإلهية معك!

حضارة

قصة لفايلر كافتن

ترجمة: محمد السعيد

فايلر كافتن كاتبة أمريكية متخصصة في الأدب التأملي، اشتهرت بأعمالها في أدب الخيال العلمي والفانتازيا. تتناول قصصها موضوعات الهوية والجندر والعبور الجنسي، ورُشِّحَت لعدة جوائز مرموقة، من بينها جائزة نيبولا، التي فازت بها عام 2013 عن أفضل رواية قصيرة وزن شروق الشمس. تتميز كتاباتها ببنائها الخيالي المبتكر وعمقها العاطفي.


صورة من لعبة civilization 6

1. البداية

فلنَقًلْ إن بين يدَيكَ حضارة! لا يهمُّ أيُّ واحدةٍ. لنفترضْ أنها حضارة غربية حديثة. فيها وجباتٌ سريعة وأنشطة رياضيَّة، وهذا جُلُّ ما تحتاجه. تَهَبُكَ التقنيات الحديثة قوَّةً عسكريَّة باطِشَة، دونَكَ دبَّابات منيعة رائعة، وصواريخ حرارية تحميك. هذه بدايةٌ جيِّدة.

ومن الممكن أن تختار قبيلة نائية من السكان الأصليين في قلب أستراليا، طعامهم مكسرات وتوت، وعتادهم رماحٌ وحِبال. أو من الممكن أن تختار صِينًا شيوعيَّة، أو ثلة علماء يعيشون في القطب الجنوبي. لكن لنركِّزْ على حضارةٍ غربيِّةٍ حديثة. لِنَهَبْكَ بشرًا أيضًا. سندعوهما جون وجين. إن كان في حوزتك حضارة، تحتاج على الأقل اثنَين فيها.

الآن، حضارتُك تستلزم نظامًا سياسيًّا. لربما كان ديموقراطيًّا، وللجميع حقُّ التصويت عدا المجرمين والمتحرشين بالأطفال. ولربما كان جمهوريًّا، فتسوِّقَهُ على أنه ديموقراطيٌّ لأنه يبدو أجمل في المنشورات. ولربما كانَ استبداديًّا، فترغمُ الجميع للاستئناس بصوتِ الكلمة المرعبة: استبدادي.

لكن دونكَ خيارٌ مفصلي. هل أنت تقليديُّ، مشدودٌ إلى الماضي، موقِنٌ أن المنهجيات السالفة هي الفضلى «لأننا دائمًا عملناها بتلك الطريقة، هاكم إذن»؟ أو هل أنت ثوريٌّ، مسحورٌ بالمستقبل، ترجو دائمًا أن المنهجيات الجديدة أقوَمُ من السالفة «لأننا لم نعملها بتلك الطريقة أبدًا، هاكم إذن»؟ احترسْ، مستقبلُ حضارتِكْ يعتمد على اختيارك. حياتا جون وجين على المحكِّ.

إن اخترتَ التقليد، اقرأ القسم 2.

إن اخترتَ الثورية، اقرأ القسم 5.

2. التقليد

أنت تقليدي. أو تابعٌ أعمى. أو مرءٌ يقرأ كلَّ شيءٍ بالترتيب، من المبتدأ إلى المنتهى. لا يهم؛ إذ ستبلغ المكانَ نفسه، ولو بعد حين.

إذن، لديك حضارة. لديك طعامٌ بائِت وسيارات فارهة. تعقد الانتخابات. لطالما كانت الأمور هكذا، وهكذا ستكون. لا تولِّ اهتمامًا للغريبين بباروكاتهم ممن حاربوا الاستعمار. لقد قالوا من أجل الحرية والليبرالية وكلماتٍ أخرى تصلح للإعلانات. الشركات تلتهم الناس، والناس تثق بالشركات. يمكن لجون وجين أن يرتاحا، إذ يعلمان أن كلَّ شيءٍ حولهما صَلَح وسيصلح لقرون.

الأمور ركدَتْ. تعقد انتخاباتٍ أكثر، أو تتظاهر بذلك. ذوو النفوذ سيظلُّون ذوي نفوذ. العالم لن يتغير أو يتبدل. الشرطة ستقبض دائمًا على الناس في الشوارع. ستُقيَّدُ حرية التعبير دائمًا باسم الأمن. الشركات ستدمر الناسَ، لطالما كانت الأمور هكذا، فلِمَ تشكِّكُ في هذا أيها المواطن؟

الإعلان

مبارك لك! لديك الفاشية!

اقرأ القسم 3.

3. الفاشية

يا لجمالك، تبدو رزينًا في بسطالك وبَدلتك! شرطتك السرية خطيرة جدَّا ورهيبة. تركلُ أعداءَ الدولة في الشارع كأنك من راقصات الباليه عندما يرفعنَ سيقانهن للرقص. تنام وكتب الأمن القومي على المنضدة، ومسدسٌ تحت وسادتك. أو ربما تعقد اجتماعات سرية مع جماعات سرية في غرفٍ سرية، تختتم الأقدار بمصافحاتٍ سرية. تطفح معسكرات الأعمال القسرية بالفنانين والقش والعمالة الرخيصة. ماذا لو لم يكن عدل ولا مساواة؟ المساواة للمخنَّثين. جون وجين يأتمنانك طوال الوقت.

إن كنتَ فاشيًّا، فأنتَ على الحقِّ دائمًا؛ لأن الله أو الشيطان أو بسطالك الأيسر يأمرك بما تفعل. القوة الإلهية معك! وهذا يعني أنك على الحق، ومن الأحسن لك أن تؤكِّدَ ذلك على الجميع. هلمُّوا إلى الحرب!

اقرأ القسم 7.

4. الركود

طالَ عليك الزمان الآن وما زلت صاحبَ سلطة. لم عليك أن تهتم لمدة أطول؟ ثمة عروض جيدة على التلفاز (أو على حلبات المصارعة، أو الساحات، أو أيٍّ ما كان في حوزتك). تتحدث عن الأحداث الرياضية الرائعة على التلفاز، وترتاد مطاعم الوجبات السريعة تطلبُ من سيارتك. تقلق ما إن كان معجون الأسنان يفعل ما ينبغي لمعجون الأسنان أن يفعل. وبعد مدة، يتوقف اهتمامك لأيِّ شيءٍ تمامًا. جون وجين يفعلان شيئًا لكنك لا تدري ماذا. لطالما كانت الأمور هكذا، وهكذا ستكون. أهو تطوُّر؟ لستَ متأكِّدًا.

اقرأ القسم 2.

5. الثورية

تقرر أن تجرب. الفنانون يحبون مجتمعك. الرسامون يلونون ناطحات السحاب، والنحاتون يشكِّلون الفنَّ من القمامة. المخرجون يصورون أفلامًا معتمة ويعرضونها في دورٍ معتمة. الموسيقيون يمزقون أعمالَ القرون السابقة. الشركات تحتفل لتسخر من شعاراتها.

الناس يغيرون الأشياء عن الطريقة المعهودة، لأجل التغيير. الأثاث المتكسر يصير موضةً جديدة. يعيش الجميع مع ستة أعمام وعمة واحدة. جون وجين يغيران اسمَيهما إلى إسثمس وكواجماير. لا يهمُّ ما هي الفكرة الجديدة، لكنها أفضل من القديمة بالتأكيد. تتذكر أنك لم تغير الحكومة لمدة من الزمن. ارمِ القديم! وعجِّلْ بالجديد! هذا هو وقت الثورة!

اقرأ القسم 6.

6. الثورة

توزع النشرات في الشوارع. المواطنون يتظاهرون في كلِّ شيء. يرأس بطلُ الناس انقلابًا سلميًّا. ينتحر ذوو النفوذ انتحارَ ندم: في اليوم نفسه، في السجن نفسه، في عينك اليقظة. يا لطيبِ هذه الحياة! تدوِّنُ كلَّ القوانين السابقة، فإن طبَّقوها، ينبغي لك أن تحيد عنهم. تكتب دستورًا جديدًا بخطٍّ مختلف عن سابقه. يا للعظمة! هذا الحكمُ أجود من سابقه!

تخمد الثورات المضادة، لأنهم يريدون تغيير كلِّ شيء. يجب سحق أيُّ مخالفةٍ في المجتمع. لجون وجين حريتهما، من أجل المصلحة العامة للحكمِ الجديد.

اقرأ القسم 4.

7. الحرب

يا ربُّ، إنها الحرب! كتائبك تزحفُ مثل الدمى المُكوَّكَة. العقيد خردل، رئيس كتيبتك، بشاربه الأنيق ونظارته الأحاديَّة. قبعاتك كلاسيكية بريشةٍ لكلِّ جندي (وللضباطِ اثنتَين!). مؤيدوكَ النبيلون على الشوارع يبكون بفخرٍ أحبابَهم وهم يمضون أمامهم. تدعم الناس القضيةَ (كلا الجانبَين، إن كانت حربًا أهليَّة). وإن لم يفعلوا، تُصمِتُهم من أجل الأمن القومي. جين تنفخ قبلةً في الهواء لجون، وهو يحمل بندقيته ويمضي قدمًا. سيرجع بطلًا، وسيتزوجان.

جنودك يحاربون ببسالة. يقفون لأخذ صورةٍ كلما أنقذوا طفلًا صغيرًا من جَورِ الطغيان. لا دماء، في الصور على الأقل. لا يقدر العدو أن يقف في وجه الحقيقة والعدالة، موقِنٌ أنهما أنت.

مباركٌ لك! لقد انتصرتَ في الحرب! الآن، في الخطوة التالية: ما شكلُ المجتمع الذي تريد بناءه؟ هل مستقبلك يوتوبيا، أم ديستوبيا كئيبة؟

إنْ بنيتَ يوتوبيا، اقرأ القسم 8.

إن بنيتَ ديستوبيا، اقرأ القسم 9.

8. يوتوبيا

الطب: دُحِرَ المرض، والناس يعيشون لمئة وعشرين عامًا في صحةٍ مثلى. لهذا السبب، يحظى شعبك بوقتٍ أكبر للإسهام في المجتمع والاستمتاع في حيواتهم.

الإعلان

الزراعة: يُنتَجُ الغذاء بكميَّاتٍ ضخمة باستعمال تقنيات متطورة ليكفي الجميع ويزيد. ثمة مكمِّلات خاصة تضمن تغذيةَ جميع المواطنين وصحتهم.

العمل: للجميع وظيفة مضمونة بمعاش، لينعم كلُّ الناس بسبل الحياةِ الكريمة.

السكن: لا مشردين. السكن الجيد يسير التكلفة مضمون للمواطنين.

التعليم: يمكن للمواطنين دراسةَ أيَّ حقلٍ متاح. تؤمِّن الحكومة التاريخَ البشريَّ بأكمله والأحداث المعاصرة، وتشجِّعُ الناس على القراءة.

القانون: محاكم عادلة تبتُّ في كلِّ القضايا. لا يوجد أخطاء.

الحكومة: غايةُ الحكومة سعادةُ المواطنين.

يا للروعة! ما أدهشَ هذا العالم الذي بنيته لنفسك. وما عليك الآن سوى أن تساند الجميع ليتمتعوا في اليوتوبيا!

اقرأ القسم 10.

9. دستوبيا

الطب: دُحِرَ المرض، والناس يعيشون لمئة وعشرين عامًا في صحةٍ مثلى. لهذا السبب، يطفح عالمك بالناس، والمصادر شحيحة.

الزراعة: يُنتَجُ الغذاء بكميَّاتٍ ضخمة باستعمال تقنيات متطورة ليكفي الجميع ويزيد. ثمة مكمِّلات خاصة تضمن طاعةَ الحكومة من الناس.

العمل: للجميع وظيفة مضمونة بمعاش، ليُحبَسَ الناس في وظائف كابوسيَّة لا يقدرون على تركها.

السكن: لا مشردين. الذين بلا بيوت يعيشون في مصحات يخضعون فيها لتجاربٍ ويُعاد تهيئتهم.

التعليم: يمكن للمواطنين دراسةَ أيَّ حقلٍ متاح. تؤمِّن الحكومة المعلومات التي يُسمح للمواطنين حقَّ الوصول إليها، وتسجِّل من يقرأها.

القانون: محاكم عادلة تبتُّ في كلِّ القضايا. لا أخطاء بالطبع. كيف لهذه المحاكم أن تخطئ!؟

الحكومة: غايةُ الحكومة سعادةُ المواطنين.

يا إلهي. ما أهولَ هذا العالم الذي بنيته لنفسك. يا من يعيشون في الجانبِ الآخر؟ لديهم يوتوبيا، وأنت لا. البؤس رفيقك. حان الوقت لتغيير الأمور.

اقرأ القسم 10.

10. الحماسة

طوابيرٌ من المبتسمين الذين يشبه بعضهم بعضًا، ينشدون نشيدًا وطنيًّا بنغمةٍ مثالية. في يوتوبيا/دستوبيا، أنتَ لست وحدك.

شعبك سعيد، أو ليس سعيدًا. هناك دائمًا شخصٌ آخر أحسن حالًا، أو أسوأ حالًا. لكنك موقن من شيءٍ واحد: الآخرون مختلفون عنك. وهذا خطير.

الباقون يتشاركون في سعادتك أو تعاستك. الباقون يشبهونك. مثل جين. مثل جون.

يا إلهي، إنها الحرب مرَّةً أخرى.

اقرأ القسم 11.

11. الحرب، مرة أخرى

آمل أنك لست مدهوشًا. كلُّ الطرقِ تؤدي إلى الحرب. تتغير التفاصيل لكن الأنماط واحدة.

كانت الحرب الأخيرة بدافع المتعة لكن هذه جادة. أنت تفجِّرُ في الأذرع اليسرى للرضع وتحرق دور العبادة التي أُقيمَتْ منذ عشرة آلاف عام. تتقن تقنية استحياء الجنود برغم إصاباتهم الخطيرة؛ التقنية مفيدة للجواسيس في المهمات الانتحارية. جنودك يدعون إلههم في الميادين وأنت لا وقتَ لك كي تُجيب، فأنت مشغول بالقرارات العسكرية. هذه الحرب جادة، والقرارات الصعبة يجب أن تُتَّخذ. جون يزحف مجددًا، ويومًا سيرجع إلى جين. أو لا يرجع، فإنها الحرب.

السؤال، هل انتصرت؟ هل هيمنتَ على الذين لا يشبهونك وحكمتهم بيدٍ من حديد؟ أو خسرت، والآن تواجه هلاك شعبك؟

إن انتصرت، اقرأ القسم 12.

إن خسرت، اقرأ القسم 14.

12. الطغيان

غاضبٌ أنتَ على هؤلاء الناس، أولئك الكائنات الوضعية الذين غزوتهم. هم بدؤوا هذه الحرب الفظيعة! يجب الآن تلقينهم درسًا.

تجعلهم يبنون ملاعب أكبر ومطاعم وجبات سريعة ألذ. لربما هذا طغيان، لكنه استبدادٌ مع ابتسامة؛ لأنك تحبهم. لهذا السبب تريدهم أن يشبهوك. يشبهوك تمامًا. وما إن يتعلموا الدرس، سيشبهونك. تريدهم أن يتمتعوا في عالمهم بقدر تمتعك فيه. أو كرهه كما تكرهه. كل هذا لمصلحة جون وجين اللذين عليهما أن يثمِّناك أكثر.

مع الأسف، ابتساماتك غير كافية لإقناعهما بحبِّك. ثمة دائمًا فسحةٌ للاغتيال.

اقرأ القسم 13.

13. الاغتيال

أوبس! شخصٌ غاضب قتل قائدك في الدوش. المشهد فوضوي وفظيع، بدماغٍ ملطوخةٍ على جدار الحمام.

من تلوم؟ الأمر جلي. إنه نائب الرئيس، الشرطة السرية، الشيوعيون، الطلاب، الكشافة، الأمهات اللواتي ضد القيادة تحت الثمالة، أي شخصٍ عداك. الناس التي ليست أنت هم المسؤولون! الناس التي ليست أنت يجب أن يدفعوا الثمن!

الرد سريع ومؤثر. تقتل قائدهم. وقاداتهم الآخرين. وبعض الناس الذين ليسوا قادة. وبدورهم يقتلون قاداتك. ومن ليسوا قاداتك. الشوارع غائرة بالدماء.

هل هي الحرب مرَّةً أخرى مجددًا؟ لا، إنها معمعة. الحكومات تتداعى.

تُغلَقُ المدارس. تتراكم النفايات لأن لا أحد مسؤول عنها. يحرق الناس الكتب الدراسية طلبًا للدفء. جون وجين يعيشان على خردةِ جيرانهم. ربما يجد شخصٌ ما سلاحًا نوويًّا، وربما يستعمله. ربما لا يستدعي الأمر استعماله.

على أيِّ حالٍ تؤول، لقد بلغتَ القيامة.

اقرأ القسم 14.

14. القيامة

كلَّا! حضارتك تهالكت. لا وجبات سريعة. لا أحداث رياضية. لا عروض لأجنحة البافلو.

إنها الغيمة النووية، تنتفخ في الهواء. أو طاعون تتفاقم فيه جلود الجميع ببثور سامة. أو إشعاعٌ شديد يغلي أمخاخ تسعة أعشارِ السكان.

كلُّ العوائل التي أنجبت 2.5 طفل (ربما سعيدة، وربما لا) تبخرت كمطرٍ في بركان. أو تراكمت الجيف كالنمل الذي لقمَ طُعمًا سامًّا. الناجون يمشون بين الأحياء الموتى، يسرقون ألواح الجرانيولا من الحقائب ويتركون المحفظات، فمن يحتاج إلى المال الآن؟

يحلُّ الشتاء النووي. أو كارثة حيوية. أو اكتئابٌ محض.

لكن سينجو القليل القلة، ثمة دائمًا من ينجو. وبإمكانهم البدء من جديد.

اقرأ القسم 15.

15. النجاة

جماعات من الناجين الرثِّين يخوِّضون في الأرض الموات، أو الركام، أو المدن المهجورة. جون وجين يتروَّيان في الأمور. أمامهما تحدٍّ للعيش حتى الليل، ثم في الليل ويومٍ آخر.

يندُرُ الغذاء والملجأ. الكثير من الناس لا يعيشون. مع الوقت، السكان يوازنون الأمور حتى يتمكنوا من دعم أنفسهم بأحقرِ الموارد. يستلزم الأمر شهورًا، أو سنوات. لكن مع مضيِّ الوقت، قبيلةٌ صغيرة تمكث في كهفٍ، أو واحةٍ، أو نهر. جون (أو جين) يقول «أتذكرونَ كم كانت الأمور أحسن كثيرًا؟» والآخرون يرمون الحجارة عليه أو عليها، ويطالبون بألا يذكِّرهم أو تذكِّرهم، راغبين في نسيان الأزمنةِ الفائتة التي لا يقدرون على استعادتها. لكن جون (أو جين) يراقب وينتظر ويذكر.

ما إن ينسى الآخرون حقًّا، ويصبح الماضي أسطورة، تلتمع فكرة. يقول جون أو تقول جين للآخرين «سأهديكم للسعادة والحرية! اتبعوني أيها الناس!». جون (أو جين) يوحد القبائل. جين (أو جون) تظن نفسها تملك فكرة جديدة، أحسن من الأفكار السابقة من أي أحد، فكرةً نافعة. وكما هي الحال، يجب أن تُختار اختيارات معينة. لكن جين وجون لا يختلفان عنك في النهاية. هما ليسا أكثر ذكاء أو حكمة. هما فقط شخصان آخران.

اقرأ القسم 16.

16. البداية، مرة أخرى

هل تظن أن الخيارات فظيعة؟ هي كذلك.

أأنت محبط أين أوصلتك اختياراتك؟ لا تبتئسْ. حاول القادة الآخرون وفشلوا. المستقبل مليءٌ بالخيارات عينها كما الماضي. لا أحد يحب الخيارات لكن الحضارة لا تقف لأحد.

أتشعرُ أنك في البداية مرة أخرى؟ أنت كذلك. إنها دائرة. لكن ثمة أملٌ دائمًا للتغيير، أملٌ يجعلُ الدائرةَ سلَّمًا حلزونيًّا.

انظر أمامك. غرفةٌ وطاولة. إنه المساء أو الليل. انظر عن كثب إلى الأشخاص الثلاثة قاعدين حول الطاولة: جون، وجين، وطفلهما. جون مبتسم، يحتاج إلى حَلْق، أو ربما هو مُلتَحٍ. جين تضع طبق اللازانيا، أو لفائف الدجاج بينما تخبر عائلتها عن يومها. الطفل ذكرٌ أو أنثى. يقعد الطفل على الكرسي وينظر بوداعةٍ إلى جون وجين. بعد الطعام، يصعد الوالدان بطفلهما وهما يغنيان تهويدة. كان يومًا طيِّبًا.

عالمهما ثوري، أو تقليدي. يصوِّتان مثل مواطنَين مسؤولَين لكنهما متحمَّسَين أكثر للطفل وهو يتعلم المشي. يكبر الطفل في ظلِّ ثورة، أو ليس في ظل ثورة، ويتزوج رجلًا أو أمرأة، أو لا أحد إطلاقًا. يكوِّن أسرةً في يوتوبيا/دستوبيا أو في عالمٍ غيرهما. وعندما تحلُّ القيامة، يبقى مع أطفاله، الذين كبروا وأنجبوا. وبالرغم من الهلاك، ثمة طفلٌ يجيء.

وبين يدَيك حضارة.




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُشار إليها *

انضم للقائمة البريدية

تابعنا على السوشيال ميديا

النشرة البريدية