مِن وِحدتي،
سيُبنى جسر
لكي يُستخدَم خلال الحرب
وبعدها، لعبور الدبابات.
أو لينفجرَ فجأة.

الشِعر بيت فارغ

قصائد لذي شان ساحل

ترجمها عن الإنجليزية كريم عبد الخالق

وُلِدَ ذي شان ساحل في 15 ديسمبر عام 1961 في حيدر أباد بالسند، باكستان. بدأ يكتب الشعر في عام 1977. يُعتَبر أحد أهم شعراء النثر الرئيسيين في باكستان. أصدرَ ثمانية دواوين بالأردية حتى مات في 12 إبريل 2008. القصائد التالية هي مختارات من كتاب أشياء خفيفة وثقيلة Light and Heavy Things الذي هو بدوره مختارات من دواوينه ترجمها إلى الإنجليزية فيصل صديقي وكريستوفر كينيدي ومي ديتمار.


ذي شان ساحل، عن rekhta

طائرٌ أسود

القَفَصُ كانَ فارغًا،
والمِزهريّة في نافذتكِ
فاضتْ بزهورٍ بيضاء.
في المكتبةِ، ديوان جديد
وصلَ للتو.
القطار في المحطة
انتظرَ الانطلاق: إلى مكان ما.
القفصُ كان فارغًا.
الطائر الأسود
طار متقدّمًا القطار قليلًا.
وبينما يخرجُ من النفق،
أطلقَ المحرّك صرخة.
نظرتُ خارج النافذة.
كانت الأحلام قد بنتْ أعشاشها في عينيَّ،
والقفص كان فارغًا.

قصيدة من أجلكِ

العالم هو المكان الخطأ للحياة
لو كانت حياة أبديّة.
كل يوم
تصبح الحياة
لا تطاق أكثر فأكثر.
لكن السعادة في ركوب الحافلة
مع سعيد الدين،
وفي الشمع الذائب من الشمعة المشتعلة
على خُوانكِ،
والدخّان المتجمِّع على مرآتكِ
تعوّضني عن كل شيء.
الزهور المضغوطة في كتابي
تنمو أحلامَ غابة.
تتعقّبُ أصابعكِ ممرات متنوّعة
في التراب على الفورميكا.
وفي المدينة حيث لافتات فارغة للشوارع
عندما يصبح الليل أحلك،
فإن حضوركِ المضطرب يجعل
النجوم بلا أهمية، والقمر شيئًا مكرّرًا
والبحرُ زائدًا عن الحاجة.
ذكراكِ والضغط الجبلي
حول قلبي يجعلانني أدعو.
ورغم غضب الله الأبدي على الشعراء،
يبدأ دعائي دائمًا لكِ.

بيت عمّي

ترتاد أختي المدرسة.
وأخي يذهب إلى العمل
أو يذهب ليقابل أصحابه.

عمّي لا يخرجُ أبدًا؛
دائمًا يبقى في بيته. هو بيت
حيث ورود الربيع والأشجار المورِقة،
حيث الحشائش تنمو بجوار الجدران
ودون أن ترى النجوم أبدًا
تجفُّ وتنمو لأعلى.

هنا حيث لا شيء يُسمَع من النافذة.
هنا حيث لا أحد يلوّح من النافذة.
هنا حيث لا ينفتح الباب لأحد.
عندما تبدأ الطيور في النعيق
لا أحد يهتم أو يحاول إسكاتها.
حتى عمّي لا يحاول إسكاتها.

إنه لا ينطقُ بكلمة.
ربما هو غاضب من الجميع،
من الطيور، ومنّي أيضًا.

لا يتحدث مع أحد.
لا يترك البيت أبدًا.
لو ناداه أحدهم، فإنه لا يجيب.
لا أزوره بعد الآن.
يبدو كأن عمّي يعيش في مكان آخر،
بعيدًا عنّي تمامًا.
وليسَ في هذا البيت.

سكّين

مِن وِحدتي،
يتشكّلُ مصباح
لكي يُستخدَم في الطوارئ
خلال العواصف الممطرة.
أو يُتَبرَّعُ به
لعمّال مناجم الذهب.

مِن وِحدتي،
تُصنَع عربة
لكي تُستَخدمَ في المزارات السياحية.
أو عندما يتعطّل القطار السريع
في الجو العاصف.

مِن وِحدتي،
سيُبنى جسر
لكي يُستخدَم خلال الحرب
وبعدها، لعبور الدبابات.
أو لينفجرَ فجأة.

مِن وِحدتي،
ستُصقلُ سكّين
لقطع الورق أو تقشير التفاح.
وعندما تصدأ،
ستُغرَز في قلبي.

قصيدة

اخرج من البيت.
اذهب إلى المقعد الخشبي المخلخل
عند حافة الحديقة.
تأمّل أشعة الشمس تختفي في المغيب.
بعيدًا عنكَ، على الطريق القذر،
تُقرَع الأجراس، ويهبُّ الغبار.
عند ضفاف النهر تصلُ القوارب.
هناك أناس في القوارب.
في وجوههم سعادة
لكنها ليست في شفقكَ.
إنهم بعيدون تمامًا عن حياتكَ.
المقعد الذي في نهاية الحديقة
والمقعد الذي في بيتكَ
هما طرفا امتداد النهر
أو مسافة الطريق المرصوف الذي تمشيه أحلامكَ.
لفترة الآن لم يكن هناك
قرع أجراس على الطريق القذر،
أو قوارب عند ضفاف النهر،
أو سعادة ملفوفة بالغبار.
الصباح، النهار: اختفى؛ المساء يصل،
يصلُ المساء ورغم ذلك، لم تذهب إلى الحديقة.
ولا مرة واحدة.

الشِعر

في أيام الحرب هذه
الشِعر
هو عشيقة الجندي
أو عُش طائر.
كل شيء بلا معنى.
البحر مضطرب
من التحديق في القمر.
أحيانًا تدخلُ قذيفة
من نافذة بيت.
كل شيء بلا معنى.
فجأة تختفي
الملائكة الشفّافة
وصدّام حسين.
كل شيء بلا معنى.
عدا النور الذي يظهر في السماء،
لا يتركُ الشِعر أي أثر.
عدا الدموع في عينيّ الفتاة،
لا يمكن إيجاد الشِعر.
إنه بيت فارغ،
أبوابه ونوافذه مسروقة،
لكن السقف باقٍ ليحمينا من المطر.
أو هو خيمة
يمكن للحب فقط أن يحرقها
أو هو جسر لا يمكن أن يتحوّل إلى شظايا
على يد دبابة أو طائرة حربية.
أو هو سامري صالح يحتضن
كل مصابي العالم
بين ذراعيه ويهرول نحو المستوصف.

قنبلة زمنيّة

لديَّ صورة
وجدار يحملها بحق.
ومسمار يخترقُ
الصورة والجدار
ويثقبُ صدري.
لديَّ مرآة وشمعة
يتجمّع لهبها في المرآة.
وفنجان لا يقدر أن يجمعَ
الأمطار أو العسل أو الشمع.
لديَّ أغنية يمكن أن تُغنّى في الظلام.
لديَّ حكاية
يمكن أن تُحكى فقط في النور.
لديَّ حُلم لا يمكن أن يُحكى لأي أحد.
لديَّ قلبٌ وبقربه قنبلة زمنيّة
تدقُّ دائمًا.

لننسَ

إلى أين كنا ذاهبين
قبل أن نفترق؟

ربما انتقلتُ من الشمال إلى الجنوب
بينما انتقلتِ من الغرب إلى الشرق.

وجهانا أعرضا عن بعضهما،
وقلبانا
كانا مثل كروم ينمو وراء جدار،
غارسًا جذوره بعيدًا عنه.
وأنتِ بنزقٍ
مشغولة، تحاولين زيادة
المسافة بيننا
ولو قليلًا.
دون أن تنظري إلى أي اتجاه،
رحلتِ عنّي.

قصيدة

حينما أسافر
في الظلام
أُخبّئ وجهي
بكفيَّ
حتى يعجز الظلام
عن خطفه منّي.

فاقِد الثقة

الذي يظنُّ الوردة
وردة
والنجمة نجمة
ولا يذهب إلى الشاطئ أبدًا
في أيام الأحد.
لا ينزع الورود
المُهداة إليه
في ليلة رأس السنة
من قبرها السيلوفاني.

لا فصل جديد
يبدأ بدموعه.
مع نهاية الربيع
لا يحلم بجديد.
في الأيام الممطرة يخلدُ للنوم
بعد أن يغلق النوافذ.
أو في طريقه إلى البيت
يدوس في بِركة صغيرة
تُخفي سلكًا مقطوعًا،
ويموت
كهؤلاء الذين
لا يعرفهم أحد.

بلا عنوان

هذا القلب قنبلة
على وشك الانفجار
لكن الشهيد لا يمكن أن يفجّرها.
هذه العيون رصاصات
مصممة لتخترق الجدران
وهذه الأيادي، لتوقِفَ
هجوم دبابات العدو.
لقد غرسنا أقدامنا في الأرض.
(الكل يعرفُ).

خلال الاستراحة بين الحروب،
اشترينا أحذية لأطفالنا
ومصابيح لبيوتنا.

سجن

تضعُ رأسكَ
على القضبان الحديديّة المعوجّة
لتحلمَ.
شفتاك تمسحان
الجدران الخشنة
بأغنية.
تغنّي
لكن حتى حذاءك لا يمكنه أن يسمعكَ.
تحلمُ
لكن أحلامك
نسيتْ الطريق إلى بيتكَ.
عندما تموت،
أينما يجدكَ الموت،
لا تكون هناك لحظة صمت.
لا علامة على الروزنامة
تشير إلى يوم ميلادكَ
كإجازة رسمية.
ولا حتى شجرة
تتذكّر اسمكَ.
ربما نسيتكَ حتى
النملة التي من أجلها
نثرتَ
حصتكَ من السكّر
على الأرض.

أشياء خفيفة وثقيلة

رصاصة واحدة
لا تَزِن الكثير.
تنطلق من مسدس ولدٍ،
حيث يقف على ناصية شارع،
نحو ذراع متدلّية من نافذة
في شقة بعيدة.
تفقد الرصاصة كل وزنها،
وكل قوّتها
بعد أن تصنع ثقبًا في الذراع.
لا يمكنها أن تنطلقَ أبعد من ذلك.
ترتاح الرصاصة.
رصاصة واحدة مرتاحة في ذراع ضحيّة
تسبب الألم. اثنان أو ثلاث أُخَر
سيسببون المزيد منه. لكن الذراع لا تهتم لذلك.
الضحية تئن. لا تعتقدُ
أن مزيدًا من الرصاص كان ليقتلها.
الضحية لا تعتقد ذلك، وتشرع في البكاء-
بدموع أخفَّ من الرصاص
تسقطُ على ملاءات السرير
ووسادات محشوّة بالريش.
برصاصة مرتاحة في ذراعها
لا تعتقد الضحيّة
أن دموعها التي لا تكاد تَزِنُ شيئًا
لو سقطت على مسدس الولد الثقيل
عوضًا عن الوسائد وملاءات السرير
فإن المسدّس سيصدأ ذات يوم،
أو سيصبح قلب الولد ليّنًا كالشمع.

الأشياء الخفيفة تأخذ مكان الأشياء الثقيلة؛
لا شيء
يمكن أن يأخذ مكان الأشياء الخفيفة.

نحن، كل يوم

كل يوم
علينا أن نشتري الورود
أو الشموع
أو زجاجات من أجل المياه
أو سكاكين وملاعق بلاستيكية-
أي شيء يمكن أن نستخدمه في الحرب.
لا يجب أن نشتري الألعاب،
أو نتصفّح الكتب.
علينا أن نخزّن النظارات الشمسية
والمظلات والقداحات.
علينا دائمًا أن نحملَ البسكويت
وعلبة ثقاب في جيوبنا
لنقدمه إلى أحدهم، أو نشعل النار في شيء ما.
نحتاج مناديل أيضًا،
للأيدي النازفة أو العيون الملتهبة.
عندما يُرسَل البريد مجددًا،
في كل يوم ستصل بطاقة بريديّة
تحمل أخبارًا بأننا أحياء
إلى أصدقائنا.
ربما سيأتون
للبحث عنا
هنا حيث الناس الذين يبحثون دائمًا
تائهون.

هؤلاء

بعض الناس قُتِلوا بينما يهرولون
والبعض بينما يمشون.

الذين كانوا في طريقهم للعمل هرولوا إلى البيت؛
هؤلاء العائدين إلى البيت
وصلوا إلى المقبرة.

الذين اختبأوا في بيوتهم قُتِلوا أيضًا،
والذين كانوا يغلقون أبوابهم الرئيسية قُتِلوا أيضًا.

الذين ناموا على الأسطح ماتوا،
وأيضًا الذين كانوا يتطلّعون من النوافذ.

طافَ الموت كل الشوارع
وكل الجدران
تلطّخت ببصمات يدها.

الذين بللوا خِرَقَهم
لتنظيف الجدران-
هؤلاء كانوا آخر من يموت.

أربعة جدران

يمكنكَ أن تسمّي ذلك المكان الذي نعيش فيه
بيتًا.
إنه غرفة، عالية جدًا
بسقفٍ منخفض جدًا،
ونافذة واحدة، كبيرة قليلًا،
وباب واحد صغير جدًا
يمكنكَ أن تعبرَ من خلاله
ويداك مضمومتان على صدركَ،
دون أن ترفعَ قدمكَ عن الأرض أبدًا.
يمكنكَ أن تنظر عبرَ هذه النافذة أيضًا،
نافذة هذه الغرفة العالية جدًا
بسقف منخفض جدًا
إذا أردتَ؛
يمكنكَ تنام دون أن تفردَ ساقيكَ؛
يمكنكَ أن تعيش دون أن ترفع رأسك أبدًا.

شرقًا

عندما تغربُ الشمس
نحاول أن نوقفها
لنُبقِ قليلًا من النور.

قبل المساء
نذهب ونقف على الشاطئ
وننتظر الشمس.
ببطء تصلُ
ودون أن تلمسنا أبدًا،
تغرقُ في البحر.

نعود إلى البيت
ونخلد إلى النوم، متجاهلين هؤلاء
الذين يدّعون أن الشمس
دائمًا تطلعُ من الشرق؛
بالنسبة لهم،
لا يمكن للشمس أن تتوقّف
وهي تنزلُ في الغرب،
ولا حتى ليوم واحد.

الجدار والطائر

يحلمُ الطائر
بأنه قد هدمَ الجدار.

يستيقظ ُالطائر
ويشرعُ في هدم الجدار
من الصباح إلى المساء،
يستمر في هدمه
من المساء إلى الصباح.

ذات صباح لاحظَ الجدار
أن الطائر قد انهزمَ.

درّاجة الطفل

درّاجة الطفل
بلا فائدة
على أرض المعركة.
لا يمكنها أن تتحرّك
عندما تتقدّم دبابة،
أجراسها لا ترنُّ،
تنقبضُ،
إلى شيء صغير جدًا
لا تراه الدبابة.
عندما تشرعُ الدبابة
في عملها،
وتدهسُ الدرّاجة،
فإن دويٌّ بسيط
ينطلق في كل مكان.
تتمدد على الأرض
بقعة صغيرة.
عندما تتقدّمُ الدبابة،
تحتشدُ حولها الدرّاجات،
وتصيبها بالجنون،
بأجراسها الرنّانة،
لا تتركوها تهربُ،
أرعِبوها حتى عنان السماء.