كلما تعلمنا المزيد عن مجتمعات الصيد وجمع الثمار أدركنا أن المعتقدات الثقافية التي تحيط برأسمالية السوق المعاصرة لا تعكس "طبيعة بشرية" كونية.

مجتمعات الصيد وجمع الثمار وأسطورة السوق 

مقال جون جاودي

ترجمة أسامة حماد

نشر في موسوعة كامبريدج لمجتمعات الصيد وجمع الثمار 2005.


عن الناشونال جيوجرافيك

من مفارقات الحياة الحديثة أنه بالرغم من الزيادة المدهشة في الوفرة المادية وقرون من التقدم التكنولوجي، إلا أن مجتمعات الصيد وجمع الثمار التي عاشت دون أي ممتلكات مادية تقريبا تمتعت بحياة مرضية ومجزية بطرق عدة تشبه ما يعيشه الناس في الشمال الصناعي. عاشت العديد من تلك المجتمعات في بحبوحة من العيش بمعنى أنه كان لديهم كل ما احتاجوه. تظهر السجلات الإثنوجرافية لقبائل الجو تواسي (Ju/'hoansi ) في جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، أن أعضاء المجتمع تمتعوا بنظام غذائي ملائم ووسائل كسب العيش ووفرة في أوقات الفراغ (لي 1993)، حيث قضوا هذه الأوقات في الأكل والشرب واللعب والأنشطة الاجتماعية –باختصار، كان لديهم كل ما يمكن ربطه بحياة الترف. تمتعت العديد من مجتمعات الصيد وجمع الثمار بقدر كبير من الحرية الفردية كذلك. لم يكن هناك قائد على الإطلاق أو قائد مؤقت ذو سلطة محدودة بشدة في قبائل الكونج والهادزا في تنزانيا، على سبيل المثال، ولم يكن في تلك المجتمعات طبقات اجتماعية ويمكن الزعم أنه لم يكن فيها تمييز على أساس الجندر. أتاحت لهم طرقهم في الحياة وطرق اتخاذ القرار الجماعية النجاة والازدهار لآلاف السنين في توازن مع بيئتهم دون تدمير الموارد التي بني عليها اقتصادهم.

كلما تعلمنا المزيد عن مجتمعات الصيد وجمع الثمار أدركنا أن المعتقدات الثقافية التي تحيط برأسمالية السوق المعاصرة لا تعكس "طبيعة بشرية" كونية. إن الافتراضات عن السلوك البشري التي يؤمن أعضاء مجتمع السوق أنها كونية، أن البشر تنافسيون وطماعون، وأن الطبقات الاجتماعية شيء طبيعي، لا تنطبق على العديد من شعوب الصيد وجمع الثمار. تتشبث المدرسة السائدة في النظرية الاقتصادية في العالم الصناعي، الاقتصاديات النيوكلاسيكية، بأن هذه سمات أساسية للتقدم الاقتصادي والرخاء. صحيح أن مجتمعات الصيد وجمع الثمار تقدم طيفا واسعا من الأنماط الثقافية، بعضها أكثر مساواتية وبعضها أقل "رخاء"، بتعبير سالينز (1972). إلا أن وجود مجتمعات تعيش على نحو كاف، وسعيدة حتى، دون صناعة أو زراعة، ومع القليل من الممتلكات المادية، يتحدى مبدأ الطبيعة البشرية الذي يؤمن به معظم الاقتصاديين.

أسطورة السوق

يعرَّف الاقتصاد في معظم المراجع بأنه "دراسة توزيع الموارد الشحيحة على غايات مختلفة". يقال أن رغبات البشر غير محدودة بينما وسائلهم لإشباع تلك الرغبات محدودة، لذلك فالندرة هي النتيجة الحتمية. لا يمكننا الحصول على كل ما نرغب فيه، لذلك يجب علينا اختيار ما نحصل عليه. لذلك فإن كل فعل استهلاك هو في ذاته فعل حرمان. كلما استهلكنا، زاد شعورنا بالحرمان. وفي هذه الحالة البائسة، تتمثل وظيفتنا بوصفنا كائنات اقتصادية في أن نوزع دخلنا المحدود كي نحقق أكبر قدر ممكن من المتعة من الأشياء القليلة نسبيا التي يمكننا شراؤها.

تقدم المعتقدات الثقافية التي تدعم الرأسمالية الصناعية تبريرا للعلاقات الغريبة التي تطورت مؤخرا بين البشر وبقية العالم. تقع فكرة "الإنسان الاقتصادي" بوصفها مفهوما رئيسيا في نظام الاعتقاد هذا. هذا "الإنسان" بطبيعته طماع، تنافسي، عاقل، يحسب الأمور، ويسعى دون توقف إلى تحسين رفاهيته المادية. في أيامنا هذه نكاد لا نميز فكرة الإنسان الاقتصادي بوصفها اعتقادا ثقافيا، وإنما تعتبر حقيقة كونية، لأنها تصف معظمنا بدقة. نخصص وقتنا في سن مبكرة للتمرين على كسب الدخل، ونوزع هذا الدخل بعناية على تشكيلة من البضائع والخدمات من المتاح في السوق التي تسبب الحيرة. ربما نطلق النكات على حماقة جنسنا لكننا نؤمن في أعماقنا أننا على مستوى شخصي عقلانيين إلى حد ما وثابتين على المبدأ فيما يتعلق باختياراتنا. ونؤمن أن الرغبة في المزيد من الأشياء سمة بشرية طبيعية. ونضع الأفراد في مكانة فوق المجتمع. التنافسية والتوسع، وليس التعاون والاستقرار، هما ما يصفا القواعد التي يعمل بها اقتصادنا. كلنا أشخاص اقتصاديون. مواردنا (مداخيلنا) محدودة ولدينا قائمة طويلة من الأشياء التي نرغب في امتلاكها.

تشتمل النظرية الاقتصادية النيوكلاسيكية على ما هو أكثر من مجموعة من المعتقدات حول الطبيعة البشرية. فهي أيضا أيديولوجيا تبرر التنظيم الاقتصادي القائم، استخدام الموارد، وتوزيع الثروة (Gowdy and O'Hara 1995). يؤمن نظام الاعتقاد هذا بحتمية التقسيم الطبقي وينظر إلى الطبيعة على أنها مجموعة من "الموارد الطبيعية" يمكن استخدامها وقودا لمحرك النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي. يبرر التفاوت في توزيع السلع بين الأفراد في الاقتصاد الرأسمالي وفقا "لنظرية توزيع الإنتاجية الهامشية". يكافئ العمال على قدر مساهمتهم في المخرج الاقتصادي الكلي. على سبيل المثال، إذا وظفت شركة ما عاملا إضافيا وزادت قيمة المخرج من هذه الشركة بقيمة 100 دولار في اليوم (بما فيها الربح)، فإن الراتب اليومي لهذا العامل يجب أن يكون 100 دولار. من يضيف المزيد إلى الناتج الإقتصادي الاجمالي للمجتمع يجب أن يتلقى حصة أكبر ممن يضيف كمية صغيرة. يزيد الاقتصاديون إلى حجتهم أن المنافسة تضمن نتيجة لهذا أن تكون الرواتب مساوية لقيمة الإنتاج الهامشي للعمل. الأيديولوجيا الضمنية لنظرية الإنتاجية الهامشية هي أنه في اقتصاد تنافسي هناك ميل لدفع رواتب العمال كل على قدر ما يستحق.

لا تضع النظرية الاقتصادية النيوكلاسيكية لسوق العمل في الحسبان الظروف التاريخية والاجتماعية التي تمكن الفرد من الإنتاج بقدر أكبر من شخص آخر. فعلى سبيل المثال، تتيح الثروة الموروثة للشخص الوصول إلى المزيد من رأس المال، لذا سيكون منتجه أو منتجها الهامشي عموما أعلى من شخص ولد في ظروف تمنحه امتيازات أقل. في العموم، سيكون لشخص حصل على تعليم أكثر -مرة ثانية لظرف العائلة غالبا- منتج هامشي أعلى ومن ثم دخل أعلى ممن حصلوا على قدر أقل من التعليم. تنظر النظرية النيوكلاسيكية إلى الأفراد بوصفهم منتجين منفردين أو مستهلكين منفردين لسلع السوق يتنافسون فيما بينهم على الموارد الشحيحة. تقترن قيمة الفرد إلى حدّ بعيد بالنجاح الاقتصادي وبمراكمة (واستهلاك) المزيد من الثروة أكثر من جاره.

إن النظرة إلى الطبيعة البشرية المضمنة في النظرية الاقتصادية النيوكلاسيكية هي انحراف بين الثقافات البشرية. في الحقيقة، إن المبدأ الأساسي المنظم لاقتصاد السوق -أن البشر يدفعهم الجشع والوعد بأن المزيد من الشيء أفضل من القليل- ما هو إلا أحد الطرق التي يمكن بها معالجة المشكلة الاقتصادية المتمثلة في كيفية كسب العيش. هناك طريقة مختلفة جدا لتنظيم وتوزيع الإنتاج عند الكثير من الثقافات. فعند الهادزا، على سبيل المثال، قواعد محكمة تضمن التوزيع المتساوي لحصص اللحم. والاكتناز أو حتى الحصول على نصيب أكبر من الآخرين غير مقبول اجتماعيا باستثناء المقتنيات الشخصية مثل الأدوات والأسلحة والغليون، وتُفرض عقوبات ضد مراكمة الممتلكات. بالإضافة إلى هذا، تعد الممتلكات الشخصية أمرا مزعجا بسبب التنقل المستمر للصيادين ملتقطي الثمار. وفقا لوودبرن (1982) فإنه في قبائل الكونج والهادزا لا يُتصور اكتناز الطعام بينما هناك فرد جائع. يمثل الصيادون ملتقطي الثمار "الإنسان غير الاقتصادي" (سالينز 1972:13).

يعطينا الصيادون ملتقطي الثمار الفرصة لننظر للطبيعة الإنسانية بشكل مختلف كثيرا، قبل أن تقودها علاقات السوق والأفكار المعاصرة عن الفردانية. ربما يكون هناك حدود مؤسسة اجتماعيا داخل الإطار الحالي لاقتصادنا الصناعي للتعاون وتقليل الاستهلاك والعيش المستدام عامة؛ لكن مع معرفة أن هذه الحدود لم توجد عبر معظم التاريخ الإنساني، فمن المستحيل أن نستخلص من هذا أن هناك شيء "طبيعي" فيها. إن مجرد وجود، وبالتحديد نجاح، مجتمعات الصيد وجمع الثمار يثبت أن هناك العديد من الطرق الناجحة جدا للتظيم والتوزيع سوى عبر الأسواق التنافسية.

الصيادون جامعو الثمار والتحدي الذي يشكلونه للاقتصاد الأرثوذكسي

تأتي أهم التحديات للاقتصاد الأرثوذكسي من وصف حياة مجتمعات الصيد وجمع الثمار: (1) فكرة الندرة في الاقتصاد هي بناء اجتماعي وليست خصلة متأصلة في الوجود الإنساني، (2) فصل العمل عن الحياة الاجتماعية ليس خاصية ضرورية في الإنتاج الاقتصادي، (3) الربط بين الرفاه الشخصي للفرد وإنتاجه ليس خاصية ضرورية في التنظيم الاقتصادي، (4) الأنانية والطمع جوانب من الطبيعة البشرية، لكنها ليس صفات مهيمنة بالضرورة، (5) اللامساواة القائمة على الطبقة أو الجندر ليست خاصية ضرورية في المجتمع الإنساني.

1. الندرة
إن فكرة الندرة هي بصورة كبيرة بناء اجتماعي وليست خاصية ضرورية للوجود الإنساني أو الطبيعة الإنسانية. ربما يعتبر الصيادون جامعو الثمار مرفهين لأنهم حققوا التوازن بين الوسائل والغايات بالحصول على كل ما يحتاجونه والرغبة في القليل. عندما سئل رجل من الكونج لماذا لا يزرعون المحاصيل، رد قائلا: "لماذا نزرع وهناك الكثير من جوز المونجونجو في العالم؟" (لي 1968:33). كما تقول أغنية JuPhoansi، "من يعملون لكسب العيش، هذه مشكلتهم!" (لي 1968:39). يملك الصيادون جامعو الثمار القليل من المتعلقات المادية لكن لديهم الكثير من وقت الفراغ، ويمكن الزعم أن لديهم حياة اجتماعية أغنى من "مرفهي" الشمال الصناعي. على عكس اقتصادات الصيادين جامعي الثمار، يولد النظام الصناعي المعاصر الندرة بخلق عدد لا محدود من الرغبات. يدمن المستهلكون على المدد المستمر من السلع ويستمر شعورهم بالحرمان لأن الإدمان لا يمكن إشباعه أبدا. كما قال سالينز (1972:4): "الاستهلاك مأساة مزدوجة: ما يبدأ بعدم الكفاية ينتهي بالحرمان". يهدد الإدمان المتفشي في العالم للثروة المادية سلامتنا النفسية وكذلك الأسس البيولوجية والجيوفيزيائية لنظامنا الاقتصادي.

2. النشاط الإنتاجي
الحقيقة الثانية عن حياة الصيادين جامعي الثمار هي أن العمل اجتماعي وتعاوني. عامة، لا يقضي مجتمع المردود الفوري من الصيادين جامعي الثمار (بارنارد وودبرن 1988، تيستارت 1982، ودبرن 1982)، هؤلاء الذين يملكون أبسط التكنولوجيا مثل الهادزا والكونج، إلا ثلاث أو أربع ساعات يوميا مشغولين بما يمكن أن نسميه نحن أنشطة اقتصادية. تتضمن هذه الأنشطة صيد عدد كبير من الحيوانات وجمع عدد كبير ومتنوع من النباتات. يعتمد نجاح الإنتاج على المعرفة المفصلة بصفات وتاريخ حياة تلك النباتات والحيوانات التي يعتمدون عليها للعيش، وليس على الأدوات الرأسمالية. يتكامل الصيد وجمع الثمار مع الطقوس والحياة الاجتماعية والتعبير الفني. إن فكرة أن كسب العيش هو عمل شاق غايته الوحيدة جعل من الممكن عيش حياتنا "الحقيقية" لا توجد في ثقافة مجتمعات الصيد وجمع الثمار.

3. التوزيع
تتناقض الحقيقة الثالثة عن اقتصادات مجتمعات الصيد وجمع الثمار كذلك مع فكرة الإنسان الاقتصادي المركزية في النظرية الاقتصادية الحديثة: لا يوجد ربط ضروري بين إنتاج الفرد والتوزيع بين الأفراد. يدفع الاقتصاديون بأن المشاركة لها أسس اقتصادية منطقية (فرانك 1994). فالفرد الذي نقتسم صيدنا معه اليوم ربما يطعمنا غدا عندما يخذلنا الحظ أو المهارة. من وجهة النظر هذه، فالتشارك هو نوع من التأمين الذي يوزع بعقلانية خطر عدم وجود شيء للأكل. لكن للتشارك معنى أعمق بكثير من هذا في مجتمعات الصيد وجمع الثمار. في العديد من الثقافات على الأقل، لا توجد علاقة بين ينتج ومن يتلقى الناتج الاقتصادي. وفقا لوودبرن (1982) على سبيل المثال، فبعض أعضاء الهادزا نادرا ما يعملون طوال حياتهم كلها. يقامر بعض رجال الهادزا على أسنة رماحهم، ويتردد العديد منهم في الصيد خوفا من كسر "فيشات" المقامرة، ومع ذلك يستمر هؤلاء الرجال في الحصول على حصصهم الكاملة من الطرائد التي يجري قتلها. وبالرغم من أن "الانتفاع المجاني" دائما ما يكون مشكلة محتملة في كل الثقافات، إلا أن ازدراء من لا ينخرطون في النشاط الإنتاجي من الجلي عاطفة متعلقة بالثقافة على نحو مخصوص.

يعد توزيع اللحم في قبائل الجو-تواسي حدثا اجتماعيا جلالا. ويجب الحرص بشدة على أن يجري التوزيع بالطريقة الصحيحة. كتب لي (1993:50):"يجري التوزيع بعناية شديدة، وفقا لمجموعة من القواعد، تنظم القطع ويعاد تنظيمها لما يقارب الساعة كي يحصل كل فرد على القدر الصحيح. يجري تذكر التوزيع الناجح للحم بسرور في الأسابيع التالية، بينما يكون التوزيع غير الصحيح للحم سببا في مماحكات لاذعة بين الأقارب القريبين". على النقيض، ينكر نظام السوق بسبب بنائه للتوزيع على الإنتاجية الفردية لكل شخص الطبيعة الاجتماعية للإنتاج وفي نفس الوقت يفتت الروابط الاجتماعية التي تربط بين المجتمعات.

4. الملكية ورأس المال
تظهر روايات المستكشفين الأوروبيين الأوائل والأنثروبولوجيين أن المشاركة وانعدام الاهتمام بملكية المتعلقات الشخصية هما صفتان شائعتان في مجتمعات الصيد وجمع الثمار. وينطبق عدم وجود الملكية الشخصية للأشياء أيضا على الموارد في قبائل الهادزا (ودبرن 1968). إن محاولات وصف علاقة بعض الصيادين جامعي الثمار بالأرض على أنها "ملكية" هي حالة من فرض المبادئ الغربية على أناس لهم معتقدات مختلفة تماما عن العلاقات بين الناس وعن العلاقة بين البشر والطبيعة. يدفع ريتشز (1995) بأن مصطلح "ملكية" ينبغي ألا يستخدم إلا في الحالات التي يلاحظ أن الناس يحرمون آخرين من الحق في استخدام موارد معينة. إن مجرد فعل طلب الإذن ربما لا يكون إلا عُرفا اجتماعيا للتعبير عن النوايا الودية وربما لا يكون إشارة للتحكم "القانوني" في مورد ما.

لا يعتمد العديد من مجتمعات المردود الفوري من الصيادين جامعي الثمار إلا على أجسادهم وذكائهم لإنتاج قوت يومهم. وتمثل الحركة أمر حيويا ورأس المال البدني ببساطة ضروري. لا يعد رأس المال في عالم الصيادين جامعي الثمار شيئا ماديا يمكن التلاعب به والتحكم فيه، لكنه معرفة يجري مشاركتها وإتاحتها للجميع (راجع النقاش في فيلين 1907). بهذه المعرفة، يمكن للصيادين جامعي الثمار تأسيس ثقافتهم المادية سريعا. كتب ترنبل (1965:19) عن قبيلة بيجمي في إفريقيا الوسطى: "المواد المطلوبة لبناء ملجأ، أو نسج ملابس، وكل الأشياء الضرورية في الثقافة المادية في متناول اليد في التو واللحظة". على عكس رأس المال المصنوع في المجتمع الصناعي، فإن المخزون الرأسمالي للصيادين جامعي الثمار هو المعرفة التي تعطى مجانا ومن المستحيل التحكم فيها للاستغلال الشخصي. بالإضافة لهذا، يعطي عدم انشغال الصيادين جامعي الثمار بحيازة السلع المادية الحرية للاستمتاع بحياتهم. فهم لا يقضون معظم حياتهم في أماكن عملهم بعيدا عن الأصدقاء والعائلة بل يقضونه في الكلام، الراحة، التشارك، والاحتفال؛ باختصار، يقضونه في التصرف بوصفهم بشرا. هذا مفهوم مثالي في المجتمع الغربي الحديث يعبر عنه في الأديان الكبرى والثقافة الشعبية لكنه لا يتحقق بشكل عام.

5. اللامساواة
أخيرا، اللامساواة ليست سمة طبيعية في المجتمعات البشرية. كانت مجتمعات المردود الفوري من الصيادين جامعي الثمار "مساواتية بحدة" (ودبرن 1982). نجحت هذه المجتمعات بسبب، وليس بالرغم من، حقيقة أن القوة والسلطة بقيت مكبوحة. اللامساواة بوصفها نتيجة للطبيعة البشرية هي جانب آخر من الخرافات الثقافية للإنسان الاقتصادي. ويبررها منطق الحكمة الاقتصادية على أنها اختلافات حتمية في الدخل بناء على الطبقة أو العرق أو الجندر. أحيانا يكون هذا التبرير واضحا عادة (وبشكل أكثر مكرا) يعمل من خلال اللعب على وتر الكفاءة الاقتصادية. المقايضة بين النمو الاقتصادي والمساواة هي سمة في معظم المراجع التمهيدية. ولو ارتكب مجتمعنا خطيئة الانحياز للمساواة بصورة زائدة (هكذا تسرد القصة) فسنفقد الحافز للعمل، وسينخفض الإنتاج، وربما سينحدر المستفيدون المؤقتون من المساواة المتزايدة في الدخل إلى وضع أسوأ من ذي قبل.

تظهر لنا أدبيات الصيادين جامع الثمار أن "الحكمة الاقتصادية" لا توجد إلا في رأسمالية السوق وأنها مجموعة من المعتقدات الثقافية المغروسة وليست قانونا موضوعيا عالميا للطبيعة. هناك العديد من السلوكيات الأخرى، تتساوى في منطقها، لا تتماشى مع قوانين سوق العمل. تفسر خرافة الإنسان الاقتصادي المبادئ المنظمة للرأسمالية الحديثة، لا أكثر ولا أقل (هيلبرونر 1993). وهي ليست أكثر منطقية من الأساطير التي تحرك مجتمعات الهادزا أو الأبورجين أو الكونج. مع ذلك، فإن أسطورة الإنسان الاقتصادي في بعض المجتمعات الاقتصادية تبرر استيلاء فئة قليلة على الثقافة الإنسانية المادية التي تطورت عبر الآف السنين، وتبرر كذلك الاستيلاء والدمار الذي لحق العالم المادي والموارد البيولوجية (جاودي1997).

الصيادون جامعي الثمار والعالم الحديث

كان الصيادون جامعي الثمار عرضة لذات النقائص مثل كل البشر: العدوانية والغيرة والبخل. وعلى نفس الشاكلة، كان للعديد من تلك المجتمعات تأثير عميق على البيئة الطبيعية مثلما يفعل أي جنس كبير (فلانري 1994، جامبل 1993). مع ذلك، عاشت تلك المجتمعات في تناغم إيكولوجي واجتماعي بدرجة لم تصل إليها المجتمعات الصناعية. يعد هذا في حد ذاته درسا مهما، إذ عاش البشر على الصيد وجمع الثمار تقريبا كل حياتهم منذ أن وجد جنسنا على هذا الكوكب. وما يعد درسا كذلك هو العلاقة بين المساواتية الاجتماعية والاستدامة البيئية. ذات الصفات التي دعمت البنية الاجتماعية المساواتية -التشارك واتخاذ القرار الجماعي والاقتصاد القائم على المعرفة- هي ما دعمت التناغم البيئي أيضا. لم ينمي مجتمع الصيادين جامعي الثمار عمدا وعيا أخلاقيا ساميا؛ كانت أنماط سلوكهم مغروسة في السمات المادية لاقتصادهم.

يقترب عدد سكان الأرض، وقت كتابة هذا المقال، من ستة مليارات نسمة، لذلك لا يمكننا العودة إلى أسلوب حياة الصيد وجمع الثمار، إلا إذا حدث انهيار كارثي في عدد السكان. مع ذلك، يمكننا العمل على دمج بعض خصائص مجتمعات الصيد وجمع الثمار التي نجحت في تعزيز التناغم الإيكولوجي والاجتماعي. تشمل هذه السمات ما يلي:

الأمان الاجتماعي
في مجتمعات المردود الفوري، يحصل كل فرد على نصيب من المنتج الاجتماعي بغض النظر على قدر مساهمته أو مساهمتها فيه. يمكن للأمان الاجتماعي كذلك أن يلعب دورا في استدامة المجتمعات الحديثة. ويجادل لاب وشيرمان أن الضمان الاجتماعي في الصين الحديثة يساهم في انخفاض المواليد بنفس القدر الذي ساهمت فيه سياسة الطفل الواحد (جوردن وسوزوكي 1990:104). كما يشير كالدويل (1984) إلى أن برامج الأمان الاجتماعي ورواتب التقاعد لكبار السن لعبت دورا حاسما في تخفيض النمو السكاني في كيرلا (الهند) وسيريلانكا. يحاجج بأن الناس عندما يعتقدون أن الحياة مؤمنة، فإنهم لا يحتاجون للأسر الكبيرة لضمان أنهم سيجري الاعتناء بهم عندما يتقدمون في العمر.

الاستدامة البيئية
لأن صيادي وجامعي ثمار المردود الفوري عاشوا، أغلب الوقت، على ما يتدفق مباشرة من الطبيعة، عاجلا ما ظهر الخلل في تدفق خدمات الطبيعية عند حدوثه. وعنت الاستدامة، استدامة قدرة الطبيعة على توفير ضروريات الحياة. أظهر الصيادون جامعو الثمار قدرة على استبدال موارد طبيعية محددة بأخرى متعددة، لكن كان هناك عناية بالحفاظ على تدفق هبات الطبيعة (ودبرن 1980:101).

يعد الإحلال أيضا واحدا من القوى الدافعة لاقتصاديات السوق، لكنه يتخذ شكلا أكثر اختلافا وعدائية. في الأسواق الاقتصادية، مهما كانت الموارد، سيظهر لها بديل دائما إذا كان السعر مناسبا. مع ذلك، بما أن القياس النهائي للقيمة السوقية هو مالي، تختزل كافة الأشياء إلى عامل مشترك وحيد، المال. يبنى الإحلال على القيمة المالية التي قد تتجاهل السمات الأساسية التي لا ترتبط بمهام السوق المباشرة. وفقا للمعايير الاقتصادية، يكون الاقتصاد مستداما، إذا حوفظ على قدرته على توليد الدخل، أي، إذا كانت القيمة المالية لوسائل إنتاجه غير متناقصة (بيرسي وأتكينسون 1993). وفقا لهذا المعيار، فإنه من "الاستدامة"، على سبيل المثال، قطع الغابات المطيرة (شكل من أشكال "رأس المال الطبيعي" كما يسميه الاقتصاديون) إذا جرى استثمار الربح الصافي لقطع هذه الغابات للأجيال القادمة. لا يهم نوع الاستثمار. يمكن أن يكون غابة أخرى، مصنع للسيارات، أو استثمارا ماليا. يعتبر رأس المال الطبيعي والمصنّع بديلان، وبالتالي فكل شيء قابل للتحويل، ويمكن إحلاله بشيء آخر. هذه الطريقة في النظر إلى العالم تخفي حقيقة أننا نضحي من أجل ربح اقتصادي زائل باستمرارية الموارد التي يعتمد عليها وجود جنسنا.

اقترح الاقتصاديون الإيكولوجيون سياسات استدامة تقر بالفرق الجوهري بين الموارد الطبيعية ورأس المال المصنّع. واقترح جودلاند وديلي والصيرفي (1993) معايير شاملة لما أسموه "استدامة قوية": (1) الحفاظ على قدرة البيئة على هضم مخلفات المجتمع الصناعي، (2) الحفاظ على مخزون الموارد الطبيعية، مثل الأرض الزراعية، والهواء النظيف الضروريان للنشاط الاقتصادي.

المساواة الجندرية والاستدامة
بالرغم من أن الفرق بين المرأة جامعة الثمار والرجل الصياد من الجلي لم يعد صريحا كما اعتقد من قبل (انظر كي إل إدنكوت)، فإن النساء في مجتمعات الصيد وجمع الثمار في المناطق الاستوائية والمعتدلة وفرن الجزء الأكبر من الطعام عبر الجمع، بالرغم من وجود استثناءات لهذا النمط، خاصة في الثقافات التي تكيفت مع المرتفعات حيث يشح نسبيا الطعام النباتي. بلا شك ساهم الاعتماد على جمع الثمار في المساواة الجندرية الموجودة عامة في معظم مجتمعات الصيد وجمع الثمار. خُفضت مراتب النساء بحدة في العديد من الحالات في الماضي القريب. ويستشهد تكرارا بالمكانة الاجتماعية المتدنية للنساء في معظم البلدان بوصفها مساهما كبيرا في انفجار النمو السكاني (جاكوبسن 1987). حتى في المجتمعات الزراعية لعبت النساء الدور الأبرز في رعاية التنوع والاستدامة في النظام الإيكولوجي. قادت النساء بعضّا من أهم حركات الإيكولوجيا السياسية مثل حركة الشيباكو وحركة جارهول في الهملايا (نوربرج-هودج 1991، شيفا 1993).

التنوع الثقافي والإيكولوجي المبني على الإحيائية
احتل الصيادون جامعو الثمار كل المناطق التي يحتلها الإنسان الحديث وفعلوا هذا، لمعظم الوقت، باستخدام تكنولوجيات مستدامة. كانت شعوب الإنويت (الإسكيمو) في أمريكا الشمالية والأبورجينيز في صحراء أستراليا قادرة على العيش باستدامة في ظروف مناخية حيث لا يستطيع إنسان المجتمع الصناعي النجاة إلا بوجود مدد ثابت من الموارد من الخارج. مثّل أسلوب حياة الصيد وجمع الثمار ردود فعل رائعة ومتنوعة على ظروف بيئية مختلفة. لما يزيد على المليوني سنة من الوجود البشري، وجد طيف واسع من أنماط الحياة والقواعد الاقتصادية في نظم إيكولوجية بدأ من الصحراء إلى التندرا إلى الغابات المطيرة. هذا التنوع مهم جدا لحماية النظام الطبيعي. كتبت فاندا شيفا (1993:65):

التنوع هو سمة الطبيعة وأساس الاستقرار الإيكولوجي. يخلق النظام الإيكولوجي المتنوع أشكالا متنوعة من الحياة والثقافات. إن التطور المشترك للثقافات وأشكال الحياة والمواطن الطبيعية قد حافظ على التنوع البيولوجي على هذا الكوكب. التنوع الثقافي والتنوع البيولوجي أمران لا يفترقان.

مع وجود التنوع في أنماط الحياة، هناك أيضا فرص أفضل للجنس البشري للصمود في وجه الصدمات المناخية وغيرها. أشار داسجوبتا (1995)، هيرن (1990)، هومر-ديكسون وغيرهم. (1993)، إلى أن الاقتصاد العالمي الحديث المتناغم هو بخاصة عرضة للقلاقل البيئية والاجتماعية.

اتخاذ القرار المجتمعي
تشير الروايات عن مجتمعات الصيد وجمع الثمار إلى أهمية الإجماع وجماعية اتخاذ القرار على عكس فردية مجتمع السوق (لي 1979، مارشال 1976، ترنبول 1965، ودبورن 1982). كان لدى هذه المجتمعات آليات للاختيار الاجتماعي سمح لها باتخاذ أفضل القرارات لصالح المجموعة على المدى البعيد.

على النقيض، يتزايد بناء السياسات العامة في المجتمعات الصناعية على مقاربات الأسواق أو الأسواق الوهمية مثل تحليل التكلفة مقابل العائد. تبنى مخرجات السوق على قرارات اتخذها أفراد معزولون عن بقية المجتمع. لكن ما فيه مصلحة فرد معزول في سوق غير شخصي ربما لا يكون في صالح المجتمع كله. وفيما يتعلق بالقيمة البيولوجية أو الاجتماعية لنظام إيكولوجي، على سبيل المثال، فليس من المنطقي أن يختزل المجتمع كله في فرد يتصرف منفردا، أي، أن يدعي أنها تساوي قيمة أقل في المستقبل. من وجهة نظر المجتمع، ليس من المنطق افتراض أن قيمة الهواء الذي نتنفسه، أو ماء الشرب، أو المناخ المستقر تنخفض باستمرار وبحدة كلما سرنا نحو المستقبل. تعكس قرارات السوق مصالح أشخاص، وليس المجتمع بالضرورة، وبالتأكيد ليس سلامة باقي العالم الطبيعي. نحن نتخذ قرارات مختلفة بوصفنا أفرادا عما نفعله بوصفنا أعضاء في عائلات، مجتمعات، أو أمم أو حتى بوصفنا مواطنين عالميين.

ومجددا، هناك الكثير لنتعلمه من المجتمعات الأصلية. إن مؤسسات الملكية الفردية ليست الآلية الوحيدة لتعزيز الاستخدام الفعال للموارد. في الواقع، هناك دليل على أن أنظمة الملكية المشتركة ربما تكون أكفأ في إدارة الموارد مثل مصايد الأسماك، حتى في الاقتصادات الرأسمالية المعاصرة، من السياسات المبنية على حرمة حقوق الملكية الفردية. يدفع أكيسون وويلسون (1996)، على سبيل المثال، بأن المزارعين والمجتمعات القبلية يمارسون سياسات إدارية أكثر اتساقا مع الأنماط البيولوجية والطبيعية غير القابلة للتوقع لمخزون السمك. حتى بين الاقتصاديين الأكاديميين، بدأت نظريات إدارة الملكية المشتركة تؤخذ بجدية (بيركر 1989، هانا وغيرهم 1996).

الخاتمة

اليأس هو السمة المتزايدة الموصفة لعصرنا. تبدو المجتمعات الحديثة خارجة عن السيطرة وعلى شفا العديد من الكوارث التي يتعذر علاجها. تهدد المشاكل المترابطة لتغير المناخ العالمي، خسارة التنوع البيولوجي، الزيادة السكانية، القلاقل الاجتماعية، وجود الحضارات التي يعتبرها معظم الناس في الشمال الصناعي في منزلة أعلى من الثقافات ذات التكنولوجيا البسيطة.

ومن المطمئن أن ندرك أن مخطط النجاة محفوظ في تاريخنا الثقافي. بالحكم على الأخبار التاريخية لمجتمعات الصيد وجمع الثمار، فإن البشر عاشوا معظم الوقت على الكوكب في تناغم نسبي مع العالم الطبيعي ومع بعضهم البعض. تطورت عقولنا وثقافاتنا في ظل هذه الظروف. إن فهم الكيفية التي حلت بها مجتمعات الصيد وجمع الثمار المشاكل الاقتصادية البسيطة، بينما عاشوا في ظل قيود بيئية وحرية بشرية قصوى، ربما تعطينا مفتاحا لضمان البقاء على المدى البعيد لجنسنا.

لكن الصيادون جامعو الثمار أكثر من مجرد حطام مثير للاهتمام للماضي الذي قد يعطينا تاريخه معلومات قيمة عن طرق أخرى للعيش. ما زال الصيادين جامعي الثمار والمجتمعات الأصلية الأخرى موجودة بيننا وما زالت توفر لنا البدائل للفردية التملكية للعالم الرأسمالي. تقود المجتمعات الأصلية في أنحاء مختلفة من العالم النضال من أجل الكرامة الإنسانية وحماية البيئة (ناش 1994). وبالرغم من الهجمة العنيفة من الثقافة العالمية، تحافظ الشعوب الأصلية، وتوسع حتى، على البدائل للإنسان الاقتصادي (لي 1993، سالينز 1993). ربما تقودنا هذه البدائل يوما ما نحو اقتصاد جديد مستدام بيئيا وعادل اجتماعيا.


المراجع:

Acheson,). and J. Wilson (1996). Order out of chaos. American Anthropologist 98(3):579-94.

Barnard, A. and J. Woodburn (1988). Property, power and ideology in hunter-gatherer societies: an introduction. In T. Ingold, D. Riches, and J. Woodburn (eds.), Hunters and gatherers, vol. 11, Property, power and ideology, pp. 4-31. Oxford: Berg.

Berkes, F. (1989). Common property resources: ecology and community based sustainable development. London: Bellhaven

Caldwell, 1. ( 1984). Theory of fertility decline. New York: Academic Press. 

Dasgupta, 1. ( 1995). Population, poverty and the local environment. Scientific American 272 (February):40-5. 

Flannery,T (1994). The future eaters. New York: George

Frank, R. ( 1994). Microeconomics and behavior: New York: McGraw-Hill.

Gamble, C. (1993). Tune walkers: the prehistory of global colonization. Cambridge, MA: Harvard University Press.

Gent gescu-Roegen, N. ( 1977). Inequality, limits, and growth froth bioeconomic viewpoint. Review of social economy 37:361-5.

Goodland, R., H. Daly, and S. El Serafy (1993). The urgent need for rapid transition to global environmental sustainability. Environmental Conservation 20(4):297-309.

Gordon, A., and D. Suzuki ( 1990). A matter of survival. Sydney: Allen and Unwin.

Gowdy, J. (1997). The value of biodiversity: economy, society, and ecosystems. Land Economics 73:25-41,

Gowdy, J. and S. O'Hara (1995). Economic theory for environmentalists. Delray Beach, FL: St. Lucie Press.

Hanna, na, S., C. Folke and K.-G. Maler (1996). Rights to nature. Washington, DC: Island Press.

Heilbroner, R. (1993). 21st century capitalism. New York: W. W. Norton.

Hera, W. (1990). Why are there so many of us? Description and diagnosis of a planetary ecopathological process. Population and Environment 12:9-42.

Homer-Dixon, T., J. Boutwell, and G. Rathjens (1993). Environmental change and violent conflict. Scientific American 268 (February):38-45.

Jacobson, 1. (1987). Planning the global family. Worldwatch Paper 80, Washington, DC: Worldwatch Institute.

Lee, R. B. (1968). What hunters do for a living, or, how to make out scarce resources. In R. B. Lee and I. DeVore (eds.), Man the hunter, pp, 30-48. Chicago: Aldine.

Lee (1979). The !Kung San: men, women, and work in a foraging society. Cambridge: Cambridge University Press.

Lee (1993). The Dobe Ju/'hoansi. Orlando, FL: Harcourt Brace.

Marshall, L. ( 1976). Sharing, talking, and giving: relief of social tensions among the !Kung. in R. B. Lee and DeVore (eds.), Kalahari hunter-gatherers, pp. 349-71, Cambridge, MA: Harvard University Press,

Nash, L (1994). Global integration and subsistence insecurity. American Anthropologist 96(l):7-3().

Norberg-Hodge, H. (1991 ). Ancient futures: learning from Ladakh. San Francisco: Sierra Club Books.

Pearce, D. and G. Atkinson (1993). Capital theory and the measurement of sustainable development: an indicator of weak sustainability. Ecological Economics 8:103-8. Riches, D. (1995). Hunter-gatherer structural transformations. Journal of the Royal Anthropological Institute 1:679-701.

Sahlins, M. (1972). Stone age economics. Chicago: Aldine. 

Sahlins (1993). Goodbye to Tristes tropes: ethnography in the context of modern world history. Journal of Modern History 65:1-25.

Shiva, V. (1993). Monocultures of the mind. London: Zed Books.

Testart, A. (1.982). The significance of food storage among hunter-gatherers: residence patterns, population densities, and social inequalities. Current Anthropology 23(5):523-37.

Turnbull, C. (1965). The Mbuti Pygmies. New York: Simon and Schuster.

Veblen, T. (1907). Professor Clark's economics. Quarterly journal of Economics 22:147-95.

Woodburn, J. (1968). An introduction to Hadza ecology. In R. B. Lee and I. DeVore (eds.), Man the hunter, pp. 49-55. Chicago: Aldine.

Woodburn (1980). Hunter-gatherers today and reconstruction of the past. to E. Gellner (ed.), Soviet and Western anthropology, pp. 95-117. London: Duckworth.

Woodburn (1982). Egalitarian societies. Man 17(3):431-51.