لا يوجد حبٌ أصدقُ من حبِ الطعام
مقال كريستال كينج
ترجمة: فاطمة وليد رشيد
نشر في lithub بتاريخ فبراير 2019.
لطالما شغل تفكيري الدور الرئيسي الذي يلعبه الطعام في حياتنا حين نرتب الطعام المعمول من نسجِ الخيال على سُفرة الورق. الطعام هو الحُب. الطعام هو الأُلفة. الطعام هو السياسة. الطعام هو الدين. الطعام هو التاريخ. الطعام هو العزاء. الطعام هو الوقود. يُعرِّف الطعام عنّا وعن شخصياتنا، كما يساعدنا على فهم العالم الذي نعيش فيه. نعيش اليوم في زمنٍ يتصدر في وسم #فودبورن مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تلاقي هواية تجميع الطوابع نفس الشعبية التي تتمتع بها هواية البحث عن وصفات الرامن الجديدة أو توست الأفوكادو. ولا يكتفي "هواة الطهي" منّا من الكتب المتمحورة حول الطعام. لكن ماذا عن مؤلفي كُتب الطعام؟ ما الذي يدفعهم للكتابة عمّا نأكل وكيف نأكله؟
عن نفسي، وقعتُ بغرام كتب الطعام حين اقترح عليَّ أحد أصدقائي قراءة كتب م.ف.ك. فيشر منذ عقودٍ طِوال. وبكلِ شغفٍ قرأت كتاب «فن الأكل» وباقي مؤلفاتها. وجدت في كتبها الغريب والمألوف سويًا. لم أزر فرنسا قبلُ قط، ولم أتذوق طبق الحلزون، لكنني استمتعت بوصفها للطعام، وباستخدامها عباراتٍ بسيطة لاستحضار مشاعرٍ مخصوصة ففي كتابها «فن الأكل». تصفُ طعم الهواء "كنبيذِ العسلِ في حلوقنا". كُلي أملٌ أن أثير نفس الأحاسيس وأخلُقَ نفس المتع الحسية في الآخرين من خلال رواياتي عن شخصيات الطهاة الشهيرة في تاريخ إيطاليا. حين قرأت الفقرة الافتتاحية لكتاب «السمكة المفلطحة» للكاتب جونتر جراس -الحاصل على جائزة نوبل- قلت لنفسي "إن هذا لكتابٌ أودُ غَرس أسناني فيه".
أضافت إيلسيبيل المزيد من الملح. قبل التخصيب كان هنالك كتفُ خروفٍ مع فاصوليا خضراء وكمثرى، إذ كان الموسم في بداية أكتوبر. كانت جالسةً على الطاولة، سألت، والطعام ملء فيها: "هل نأوي إلى الفراش على الفور، أم تريد أن تخبرني أولاً كيف ومتى بدأت قصتنا؟".
لا تقلُ بقية الرواية، التي تحكي قصةَ سمكةٍ خالدةٍ تلتقي برجلٍ خالدٍ يقع في حب الطهاة عبر القرون بلا كللٍ أو ملل، لَذةً أو متعةً في وصفها للطعام. حتى يومنا هذا، لا تزال إحدى رواياتي المفضلة.
يحضرني عند قراءتي لرواية «السمكة المفلطحة»، وغيرها من الأعمال الروائية الفاخرة المتعلقة بالطعام، مقولة المسرحي جورج برنارد شو: "لا يوجد حبٌ أصدقُ من حبِ الطعام"، إنها عبارة تُرفع لها الكؤوس.
*
لويز ميلر، مؤلفة كتاب «نادي المتأخرين عن أحلامهم»
"الطعام يضع الجميع على قدم المساواة، فمن فينا لا يأكل؟ ويمكن أن يكون هنالك عاطفةٌ ودلالةٌ عميقةٌ تنطوي على ما نأكله وكيف نعدّه. يمكن أن يكشف لنا الطعام عن أمور نجهلها. أتذكر رسم كاريكاتير قديم من صحيفة النيويوركر يصور أمًا وابنتها الصغيرة جالستين في مطعمٍ تتصفحان قائمة الطعام. تجيب الأم عن سؤال ابنتها: 'بودنج الشوكولاتة؟ أعتقد أنه سينال إعجابك. إنه شبيهُ كثيرًا بكعكةِ موس الشوكولاتة.' يكشف لنا هذا السطر عن الكثير!"
فيليب كازان، مؤلف كتاب «الشهية»
"للطعام، بالنسبة لي، ارتباطٌ وثيق بذكريات جدتي اليونانية، الذي كان مطبخها الصغير في لندن كنزًا من النكهات والروائح في ستينات وسبعينات إنجلترا الكامِدة والباهتة، حين كان الناس يبتاعون زيت الزيتون من الصيدلي لعلاج التهابات الأذن. لا شك بأن صيدلي قريتنا كان يعتقد أن أسرتنا تعاني من التهابات أذنٍ لا حل لها، إذ كانت والدتي تشتري منه المئات من زجاجات الزيت الصغيرة للطبخ. وجدت في كتبِ الطبخ منفذَ هروبٍ رائعٍ إلى أماكنً غريبةٍ ودافئةٍ وخصبةٍ. كان الأقارب يزوروننا من اليونان مُحمَّلِين بصفيحات كبيرة من الزيتون وأكياسٍ من اللوز المغلف بالسكر؛ أو الهند، حيث وُلِد والدي. الكتابة، بشكلٍ ما، هي امتداد لطبخي، والعكس صحيح. علَّمني الطبخ كيف أُبدِع، وأعلمني بحاجتي إلى الإبداع".
راندي سوزان ماير، مؤلفة كتاب «ويستد»
"نشأت في عائلةٍ كانوا يرون في الطعام شرٌ مُريح (أو راحةٌ فيها شر). كانت والدتي - التي كانت تعتبر مقاسات الفساتين الغاية المنشودة- تراقب كل لقمةٍ أتناولها. حين نجلس في المطعم، تمتنع والدتي عن طلب ما تشتهيه منذ البداية، لكنها ستسرق لُقم من طبقي. وفي حال اعتراضي، تقول: 'لو كنتِ تحبيني، لشاركتني طعامك'. يندر في بيتنا الطعام أغلب الأوقات وإن تواجدت الوجبات على المائدة فبصورةٍ عشوائية على أفضلِ تقدير. كانت أختي تتصبر على المعكرونة بالجبنة من كرافت. وكنت أتناول وجبة المتزو غير المطبوخة. كنا نقتات على الحبوب الباردة، التي لا تزال إلى يومنا هذا طعام الراحةِ المفضلّ لديّ. كانت والدتي تخبئ الكعك والبسكويت داخل طنجرة الضغط العملاقة ثم تضع الوعاء أعلى الخزائن المُرتفعةِ. لم نُتم أنا وأختي العاشرة من العمر حينها، لكن طنجرة الضغط لم تكن تشكل تحديًا بالنسبة لنا. يُفاجئني أننا لم نتخذ من تسلق الجبال مهنةً بعد تسلقنا لكل تلك القمم المُخبئةِ داخلها الحلوياتِ المدفونة"
رامين جانيشرام، مؤلف كتاب «طاهي الجنرال»
"نشأتُ في عائلةٍ مهاجرة. يرجع والديَّ إلى بلدين لم يكونا معروفين في الولايات المتحدة حينها، ولا حتى في مدينة نيويورك حيث ولدت وترعرعت. يعود أصل والدي إلى ترينيداد وتوباغو، أما والدتي فمن إيران. نشأت في زمنٍ لا يغرس الوالدان فيه ثقافتهم الأصلية بالكامل في أولادهم، بمحاولةٍ منهم للاندماج في المجتمع. ولم يتبقَ غير الطعام حلقةَ وصلٍ متينة مع ثقافتنا. أدركت صغيرًا أنني يمكنني حمل والديَّ على التحدث عن بلديهما وقت تناول الأطعمة التي يُعدانها من ثقافتهما الشعبية. كان والدي، على وجه الخصوص، راوِ قصصٍ بالفطرة، وإن تمكنت من الحديث معه أثناء إعداده الوجبات، فستستمع إلى قصصٍ لا مثيل لها".
ويتني شارير، مؤلفة كتاب «عصر النور»
"الشخصية الرئيسية في روايتي مستوحاة من لي ميلر، امرأة أعادت ابتكار نفسها عدة مرات في حياتها؛ بدأت عارضة، فمصورة، ثم أصبحت طاهية متخصصة تكتبُ لمجلة فوغ ومجلات نسائية أخرى في ذلك الوقت. خلال البحث الذي أجريته عنها، لم يُذكر أبدًا حبها للطعام قبل أن تصبح طاهية. لم يكن ذلك معقولًا بالنسبةِ لي. لا بد أنها كانت تحب الطعام؛ في عام 1929 انتقلت لي ميلر إلى باريس، حيث تذوقت هناك وجباتٍ غير مألوفةٍ أبدًا، وغالبًا ألذ مما كانت تأكله في طفولتها في بوكيبسي. أردت أن يكون حبها للطعام ملموسًا في الرواية، وذلك للتلميح لتحولها إلى الطبخ في وقتٍ لاحقٍ في حياتها، وأيضًا لأنني أعتقد أن الاستمتاع بالطعام - الاستمتاع الحسي- جزءٌ أساسي من شخصيتها. أرى لي ميلر كامرأةٍ بشهيةٍ نهِمة: كانت كبيرة الطموح والجموح، كما كانت شهوانيةً للغاية. لم يكن الطعام غير وسيلةٍ أخرى لفهم توقها".
تشارلي هولمبرغ، مؤلف كتاب «السحر المر، السحر الحلو»
"أجد الطعام، في الكتابة، وسيلةً ممتازة لنقل القارئ إلى عالمٍ آخر. فحين أكتب عن طاولة مُعدّة بطعام لم تسمع عنه من قبل، لكنني أصف القشرة الهشة، وكيف ينثني الجيلاتين تحت السكين، ورائحة السكر المحروق، فستنتقل تلقائيًا إلى هناك. تشم وتتذوق وترى تلك الوجبة. إنه يضفي على القصة، وحتى الحكايات السحرية القديمة، شعورًا بالواقعية".
ديفيد بيكر، مؤلف كتاب «ڤينتيج»
"الطبق هو قصة... إنه قصة الثقافة التي صنعته، والشخص الذي أعدّه، وقصة المكونات ومن أين أتت، وحكاية صنع الوجبة - سواء نجحت أو فشلت- وحكاية مشاركتها. العملية بأكملها هي شكل من أشكال السرد. الأمر نفسه ينطبق على النبيذ... إنها قصة ملايين السنين من الجيولوجيا التي أنشأت المنطقة التي تنمو فيها الكروم. إنها قصة تحكي عن ثقافة المنطقة، لتصبح فيما بعد كبسولةً زمنيةً تصف شكل المناخ في السنة التي نضج فيها العنب، وأخيرًا ما قام به صانع النبيذ خلال تلك السنة. هناك طبقات كثيرة من السرد في الطعام والنبيذ ويعتبر مجالًا غنيًا لاستكشاف الكتابة".
أيمي رايشرت، مؤلفة كتاب «صدفة كعكة جوز الهند»
"لم أدرك أنني كاتبة طعام حتى استجابة الناس لرواياتي، مما صيّرني ما أنا عليه اليوم. أصبحت مشاركة أشهر مأكولات منطقتي -ولاية ويسكونسن- مع الآخرين أحب كتاباتي إلى قلبي، مثل الكتابة عن سمك مقاطعة دور المغلي، أو مشروبات براندي الخاصة بنا، وهذه واحدة من الطرق التي أشارك فيها حبي لولاية ويسكونسن".
مرجان كمالي، مؤلفة كتاب «متجر القرطاسية»
"تركت الطبيعة تأخذ مجراها - اعذرني على اللعب بالكلمات. لكن من المستحيل بالنسبة لي أن أكتب عن إيران والإيرانيين دون التحدث عن الكثير من الأطعمة، فإعداد وجباتٍ ضخمة هو جزء لا يتجزأ من الثقافة الشعبية، ومشاركة تلك الوجبات في الحفلات التي يُقدَّم بها ما يشابه المأدبات شائعٌ في كل الطبقات الاجتماعية. أضاف الطعام أهمية لشخصياتي لأنهم مشرّدون عن مسقط رأسهم، باعتبارهم إيرانيين يعيشون في أمريكا. هنالك شوقٌ للأطعمة المألوفة التي يعرفونها وبحثٌ مستمر عن المكونات التي يحبونها. طهي الوجبات الفارسية يربط شخصياتي بماضيهم وتراثهم. مشاركة الطعام الفارسي مع الأمريكيين هو وسيلة لهم لخلق وتعميق العلاقات الجديدة".
جينا بلوم، مؤلفة كتاب «العائلة المفقودة»
"أثناء كتابتي لرواية «العائلة المفقودة»، كنت أطهو كثيرًا - لأتأمل في كتاباتي لليوم وأيضًا لاختبار كل الوصفات التي ضمنتها في قائمة طعام الكتاب. انبثقت أجمل عبارات الكتاب بهذه الطريقة، كما لو أن قارئة الفنجان قد أخبرتني بها، وكانت واحدة من تلك السطور هي "ليس للخضراوات لغة". قمت بتعديل هذه العبارةِ قليلًا لتناسب الرواية، لكن المقصد منها أن الطعام هو القاسم المشترك بين الجميع. قد تختلف المنتجات الزراعية والتوابل من بلدٍ إلى بلد ومن مطبخٍ إلى آخر، لكن إن كنت من محبي الطعام، فلديك عائلة كبيرة هناك. يمكننا جميعًا التحدث عن اختلاف أطباقنا المفضلة وتشابهها".
* الترجمة خاصة بـ Boring Books
** تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها