تكبرني عزة بعام واحد، سمَّاها خالي وزوجته على اسم أمي، بكرية خالي هي وأنا بكرية أمي، لكنني كنت أشعر دائمًا عند مصاحبتها بالترتيب الثاني، تبدأ كل الرحلات قبلي، تستقل القطارات أولًا وتخرج لي لسانها غائظة، أستجيب وأظل ألهث حتى أصل المحطة قبلها.

طهارة

قصة قصيرة لسارة رأفت

نُشرت ضمن مجموعة "محبة تكفي ثمانية" الصادرة عن دار هن، 2023


لوحة لجاذبية سري

كنت في الثامنة، عندما خرجت من غرفة جدتي للحمام مرورًا بالصالة فوجدت أمي وزوجة خالي الصمَّاء البكماء تستندان على كرتونة الثلاجة الـ16 قدمًا التي لم تُستخدم بعد، تتواصلان ليس بالإشارة كعادتنا جميعًا معها ولكن بكلمات مكتومة بدت كَسِرٍّ. أمي وزوجة خالي صديقتان وجارتان منذ الطفولة، فقدت زوجة خالي النطق والسمع نتيجة إصابتها بحمى شوكية وهي في التاسعة وتعلَّمت أمي كيف تتواصل معها كما لم يستطع أحدٌ قط.

غرفة جدتي واسعة تضم دولابًا بنيَّ اللون بعرض الحائط المُلاصق للباب، لا يصل طوله للسقف ليس لقصره ولكن لارتفاع السقف، فوق الدولاب مروحة إستاند خضراء وبجانبها جهاز فيديو، الجهازان ماركة توشيبا اليابانية، بقية الأجهزة تم إخفاؤها داخل حقائب رُصَّت بعضُها فوق بعض ووضعت فوق الدولاب حتى يعود خالي الذي بعث بها من قطر وتنتظره مع الحقائب زوجته وابنتاه اللواتي يقمن بغرفة جانبية بمنزل جدتي.

في غرفة جدتي أقيم أنا في الإجازات الصيفية. أحتل السرير الكبير آخر شهر في الربيع وكل شهور الصيف، أقرأ نهارًا وأنام ليلًا ولا أسمح لعزة إذا أرادت الانضمام لنا من أجل النوم إلا على الكنبة التي لا يصلها هواء المروحة بطرف الغرفة الآخر.

تكبرني عزة بعام واحد، سمَّاها خالي وزوجته على اسم أمي، بكرية خالي هي وأنا بكرية أمي، لكنني كنت أشعر دائمًا عند مصاحبتها بالترتيب الثاني، تبدأ كل الرحلات قبلي، تستقل القطارات أولًا وتخرج لي لسانها غائظة، أستجيب وأظل ألهث حتى أصل المحطة قبلها.

كانت تكره اسمها لقدمه وتسأل أمها لماذا سارة اسمها فريد في العائلة، لِمَ لم تعطِها أمها اسمها بدلًا مني؟ لِمَ نسمعه كثيرًا في المسلسلات الأجنبية في القناة الثانية؟ وعندما يُنطق بتشديد الراء فيبدو أجمل؟ وعندما تصبغون شفتيها بالروج في المناسبات يبدو فمها ألمع؟

استوقفني مشهدهما خلف الثلاجة فوقفت أراقبهما بفضول، واستخلصت أن عزة الصغيرة ستتوجَّه غدًا بمصاحبة أمها وعمتها لمكان تخفيه المرأتان عني، قرَّرت الذهاب معهنَّ، كيف يتحدن ضدي لصالح عزة؟ قالت لي أمي بتردد، عزة ذاهبة للطبيب لإجراء فحص يجري للبنات في مثل عمرها حتى تكتمل مراحل نموهن، لا داعي أن تأتي معنا غدًا.

سألت ولمَ لا أذهب لإجراء الفحص نفسه، هي أطول مني بـ3 سم فقط، ومن الجائز أن يُحدث لي هذا الفحص طفرة نمو فأصبح أطول منها، فبدا على أمي التوتر ثم الاقتناع.

في اليوم التالي ذهبت مع الثلاثة إلى دكتور سعيد وأنا أشعر بالانتصار، البيت والعيادة يقعان بنفس الحي، ونستطيع الذهاب إلى أي منهما مشيًا، لكن تم الاتفاق على أن تُجرى المقابلة في بيت أبيه الذي يقابل منزل جدتي، رغم ذلك تأنَّقنا، عزة وأنا، هي ارتدت فستانًا أصفر قصيرًا فإذا دارت حول نفسها دورة كاملة ظهرت ركبتاها، وارتديت أنا قميصًا أبيض بلا أكمام وتنورة مُزركشة يغلب عليها اللون الزهري وتظهر ركبتي وحتى ولو لم أدرِ، قالت أمي: "مفيش بنطلونات النهارده".

أعرف دكتور سعيد، فهو طالما قدَّم لي قطعتي حلوي كلما جاء لزيارة أبيه ووجدني أؤرجح قدمي من الفتحات الحديدية المُثبتة بشباك غرفة جدتي من الخارج، قائلًا: "دي لسرسورة الأمورة ودي لعزة"، وبغض النظر عن تخصيصه لقطعة معينة لي فكنت أختار الأكثر لمعانًا.

اليوم، عندما اختار أن يبدأ بفحص عزة أولًا، كنت أستطيع المزاحمة والقفز إلى الأريكة التي أشار لعزة أن تستلقي عليها؛ لولا أنني رأيتها تخلع الكيلوت الأصفر الذي بنفس درجة فستانها بحركة ميكانيكية سريعة وترفع الجيبون وتستلقي فيلمس دكتور سعيد فرجها عدة لمسات ثم يمسك بظرها ويشده فتضحك ضحكة مكتومة.

قرَّرت أن ألزم نفسي بأخذ شهيق عميق وكتمه وقبض عضلاتي حتى لا أضحك مثلها إذا شد بظري.

عندما أنهى فحصنا، وأنا ألبس الكيلوت لا أتذكَّر هل خلعته بنفسي أم بمساعدة، سمعت دكتور سعيد يتكلم مع أمي بطريقة مازحة قائلًا، عزة ستكون غير متعبة في الإزالة، أما سارة فتحمل نصف متر منتصبًا بين وركيها. وحدَّد معهما الثلاثاء القادم ميعادًا لعملية الطهارة. على السلم سألت: "عملية إيه، وإيه الطهارة دي، مش إنتِ قلتِ دا كشف عشان نطول؟" ردَّت أمي: "عملية بسيطة زي تبديل الأسنان، مش إحنا بنقول لما نخلع سنتنا، يا شمس يا شموسة خدي سنة الننوسة وهاتي سنة العروسة؟ وبعدها هتكبري وتبقي آنسة، وتاكلي كل اللي نفسك فيه: كبدة جملي وتفاح أمريكاني، مش مصري ولا حتى لبناني".

الأيام الثلاثة السابقة للعملية خصَّصتها لمشاكسة عزة حيث أحمل الطول الأكبر ولو بين فخذي ويحق لي إغاظتها، أمَّا أمي فقد تابعت بشغف توقعات الأرصاد الجوية وظلَّت تدعو من قلبها أن يكون جو الثلاثاء معتدلًا لا حارًا.

الثلاثاء صباحًا، أخذنا سيارة أبي وتوجهنا للعيادة أبي وأمي وزوجة خالي وعزة وأنا، العيادة عبارة عن صالة استقبال بها فوتيه وعدة كراسي مُنجدة بالجلد الصناعي الأسود، وغرفة مكتب موضوع بجانب مكاتبها عدة أرفف بها بعض الكتب الطبية وميزان لا أراه إلا في الصيدليات وغرفة كشف ليس بها سوى سونار وسرير كشف. خالية تمامًا إلا منَّا ومن دكتور سعيد، عندما صعدت عزة على الميزان سجل 42 كيلوجرامًا وعندما صعدت أنا سجل 32 كيلوجرامًا فقط، وزن كل منَّا حدَّد سعة حقنة البنج. قالت لنا أمي "ارخوا عضلاتكم عشان الحقنة ماتتكسرش تحت الجلد"، ادعاءً للشجاعة اقترحت حقني أولًا لكن للمرة الثانية اختار دكتور سعيد أن يبدأ بعزة وحقنها قبلي في غرفة مكتبه، عندما خرجت لحجرة الاستقبال وجلست على الفوتيه وبدأت تفقد الوعي وجدت أنا الفرصة لممارسة السخرية منها فظللت أحرك كفي أمام وجهها دائريًا وأقول: "نامي شدي اللحاف"، مقلدة زوزو نبيل وإسماعيل يس في فيلم "في الهوا سوا".

ثم جاء دوري وآخر ما أتذكره هو الجهد الذي بذلته حتى لا أتأوه عندما تم وخز الإبرة بعروقي، واستيقظت فجأة على ألم حاد بفرجي على سرير جدتي وفي حضنها، لا أسمع إلا دوران موتور المروحة الخضراء. بدلًا من البكاء أخذت أغمض عينا وأفتح أخرى وأبدل بينهما وأعد ريشات المروحة التي تدور فتتكاثر لما لا نهاية. ذكرت لي أمي مرة أن أستاذ سامي عبد النور مدرس الألعاب بمدرستي قد رآنا بالسيارة في طريق العودة إلى منزل جدتي لكنهم أخبروه بأننا نائمتان مرهقتان من طريق العودة من المصيف للقاهرة، واستغربت جدًّا لمَ لم يخبروه بفخر بإجراء الطهارة لكلتينا، هل المسيحيون لا يأخذون بناتهن للطهارة، كيف يكبرن إذن؟!

تلخَّصت الإجازة الصيفية كلها بعد هذا اليوم في فعلين: أولهما، أن أجلس أنا وعزة كل في طست مملوء بماء فاتر حتى يذوب الخيط الطبي الذي يربط الجذرين الباقيين من بظرينا، وثانيهما، المحاولات المقصودة لقص هذا الخيط. لم يذوبا الخيطان أبدًا لكن أم عزة استطاعت قصِّه لها. عرفت عندما جاءت تزف لي الخبر فطلبت منها أن تقص خيطي أيضًا الذي لم يذب رغم مرور أربعين يومًا، في غرفتها المنعزلة عن كل البيت، استطعت للمرة الأولى أن أصرخ وأنا واثقة أن زوجة خالي لن تسمعني، لكن المرأة رأت علامات الهلع على وجهي وصرخاتي المُنطلقة اللاهثة فتوقفت.

لم تجد أمي للتخلص من الخيط اللعين بعد ذلك سوى الاستعانة بجميع أفراد العائلة دفعة واحدة، فالإجازة على وشك الانتهاء كيف أعود للمدرسة مربوطة به؟ على سرير جدتي مدَّدوني، خالة تمسك بذراع وخال جالس على كتف، رجلان منفرجتان لا أرى من يثبتهما، لكني أستطيع أن أتابع دوران ريشات المروحة الخضراء، وخالي الذي يعمل مُسعفًا، نسيت أو خجلت أمي من الاستعانة به منذ البداية، يفك الخيط غرزة غرزة ويصلني مع الفك صوت دقَّات مثل دقَّات عقرب الثواني، كانت تلك أكثر مرة سمعتني أذكر الله فيها وأحمده.

بعد أعوام، في ليلة خطوبة عزة شهدت عراكًا بينها وبين أمها تتحدَّث بالصراخ لا بالإشارة وتتساءل لِمَ لم تختني أختي؟

أمَّا أنا فلم يلمس أيٌّ من الطاقم الطبي فرجي مرةً أخرى سوى طبيبٍ واحدٍ فضَّ بكارتي بلا إخبار أو تمهيد، وفكَّر، ربما، أنِّي أتألَّم فقرر مداعبة قطعة الجلد الناتئة. لم أخبره قط بعدم زوال الألم، ولم أخبره أيضًا بأنَّني ما زلت أنتظرُ حبيبًا يفرك فرجي ثانيةً فينبت بظرًا ناضجًا للعروس.