عندما تشرق الشمس
يعدُّ الشحاذ عدته
يرتدي هيئته
التي تدعو للألم
ليعرض على المارَّة
في قارعة الطريق
أوجاعه

في مهب الريح

قصائد لويس ميجيل إيرويلا

ترجمة عن الإسبانية: إيمان خليفة وعلي عبد اللطيف

*

"في مهب الريح" ديوان شعري لمؤلفه الدكتور لويس ميجيل إيرويلا، المولود في مدينة جوادالاخارا (بالعربية "وادي الحجارة") الإسبانية في عام 1951. حصل إيرويلا على الدكتوراه في الطب والجراحة من واحدة من أهم جامعات إسبانيا، جامعة "كمبلوتنسي دي مدريد"، في تخصص الطب النفسي. عمل رئيسًا لقسم الطب النفسي بمستشفى "بويرتا دِيل أيررو" بمدريد وأستاذًا زائرًا بجامعة "أوتونوما دي مدريد". وهو عضو في جمعية العلوم بنيويورك.

بالإضافة إلى عمله في الطب النفسي والتدريس، فهو مشغول بالبحث في التاريخ، وله اهتمامات بمجال الأدب وفنون الشعر. شعره قائم بشكل رئيسي على تجاربه الشخصية في مجال الطب النفسي، وملاحظاته عن قرب لحالات مرضاه، ومن أهدافه تجديد اللغة الشعرية من خلال إدخال مصطلحات طبية متخصصة في كتاباته لتوعية القُرَّاء بموضوعات حياتية وإنسانية لم يتطرق إليها فن الشعر من قبل.

يعالج "في مهب الريح" موضوعات خاصة بالكائن البشري في مرضه وفي وحدته وفي معاناته، من وجهة نظر تعكس تعاطف الشاعر مع ذلك الكائن الهش. يغوص الديوان في المشاعر الإنسانية التي تختلج في قلوب وعقول المرض خلال فترة تواجدهم في المشفى، في حالة من العزلة التامة بعيدًا عن أقربائهم وأحبّائهم، محاولين في ذلك البحث عن معنى الكرامة وسط ضربات المرض الموجعة.

لإيرويلا أربع مؤلفات شعرية أخرى تعالج موضوعات المرض والألم والشعور الإنساني، صدرت في أعوام 2019، و2022 و2023. ويصدر له قريبًا بالتعاون مع الدكتور لويس كروز بيالوبوس، أستاذ علم النفس بجامعة "تالكا" بتشيلي، "معجم مصطلحات الطب النفسي الشعرية".

صدرت الترجمة العربية للديوان مؤخرًا عن دار "نقاط" للنشر والتوزيع، وننشر منه بعض القصائد باتفاق خاص مع الناشر.


لويس ميجيل إيرويلا

*

مريض في وضع الانتظار

يجلس المريض
على حافة الألم
منكس الرأس
في ظُلمةٍ حالكة
وحده
ينتظر دوره
صامتًا
في صالة الطوارئ.
في تلك الأثناء
ترحل
عن المستشفى
ترانيم الحياة.


رجل في مهب الريح

عندما تشرق الشمس
يعدُّ الشحاذ عدته
يرتدي هيئته
التي تدعو للألم
ليعرض على المارَّة
في قارعة الطريق
أوجاعه
مقابل ورقة نقدية بائسة
تُشبِع إحساسهم بالشفقة
وتحذِّرهم
في الوقت ذاته
من الظُلمة التي تسكن
كل أفعال السلوى.
كيف ومتى يتحوَّل البؤس
إلى مصير محتوم؟!


خطأ كتابيّ

ظلام الليل
يعكس أنوار غرفة العناية المركزة
تلك الأنوار التي تقتل
وجوهَ الأقربين
ملائكة الرحمة
تستقبل إشارة ما
من سيدة محشورة
في قلب جهاز طبي
تقترب منها..
ترى في يديها رسالة
تقرأ فيها:
"نــــــفــــصي أعيش".
في تلك اللحظة
تتوقف عقارب الساعة
ويصبح الليل سرمديًا.


هلاوس

ذلك اللهب
الذي يحجب عنا الرؤية
ويشوِّش الأماكن
يجعلنا نفتقد
المألوف
ونشعر بالاختناق.
تلك الرغبة
التي تدفعنا
لنختلق
عالمًا افتراضيًّا
عندما لا نستطيع الفرار
من ظلالنا.


فقدان الشهية

التطرّف في الزهد
حدّ بلوغ كيمياء الهواء.
أن تزن
أقلّ من وزن الدخان
في قانون الجاذبية العالمية
أن تعيش مُجرَّدًا
من تلك البنية التشريحية
التي طالما عشقها دافنشي
كعشقه للروح
أن تقاوم وأنت مجرد واجهة
أن لا تستطيع الموت
وإنما تتحرّر
من تلك البشرية الفظّة
إلى أن يأذن الله
وتنتهي تلك التضحيات.


يوميات مريض

حياة الأشخاص
عالم منفصل عن الآخرين.
يأتي المرض
ويُعمِّق هذه الفجوة
ويحاوطنا بالقسوة
في حين أننا
نتوق إلى البوح
بأسرارنا
حتى ولو لم نجد
من يرغب
في الإنصات إلينا.


صمت الابتسامات

أثناء الزيارة
تعلو الضحكات
وتختفي الآلام
تطغى النكات
على الأوجاع المكتومة
فالآهات المكبوتة
لا بُد أن تبقى حبيسة
خلف النظرات
وبعد الزيارة
ومع آخر الخطوات
يشعر المريض
بحرية
لم يتخيَّلها
من قبل.


سهول المطر

التشخيص
هو كلمة
لا حدود لها.
التشخيص
يظل عالقًا في الهواء
ما أن يعصف
بكل ما تبقى من قوة
كان يحتمي بها
أعزلَ من كل سلاح
ذلك المريض المسكين.
التشخيص
يضع الحياة
في وضع الانتظار
ويترك العقل
في المواجهة
مع صرخة مدوِّية
كسهول المطر التي
تغزو أجواء الحرِّية.


النهاية

يهيم بيننا
محاولاً دومًا تفادي الظلال
ذلك الذي فقَدَ
قدرته على الوجود.
فمصير المريض
هو العيش بكرامة
في مهب الريح.