لن نعرف أبدًا هل ماتَت الفتاة بسبب الحُبِّ أم الوحدة، لكن رجال الشُّرطة وقتها استخدَموا الجبس لصياغة قناعٍ للوجه الميت في محاولةٍ لتعرُّف هُويَّتها، وبعد عقودٍ طويلة أصبحَ هذا القناع ملكًا لصانع لعبٍ ما، استخدمَه لتشكيل وجه أوَّل دُمية تنفُّس من طراز بِتي.

خروج

قصة لتشاك پولانك

ترجمة: هشام فهمي

نُشرت القصة ضمن كتاب Haunted عام 2005


تشاك بولانيك، عن The Talks

أرجوك افهمني.

لا أحد هنا يُدافِع عمَّا فعلَته كورا.

لم يَحدُث شيء شبيه بهذا إلَّا مرَّةً قبل عاميْن. القصَّة أنه مع بداية كلِّ ربيعٍ وخريفٍ يتلقَّى طاقم قسم الشُّرطة درسًا للتَّذكير بإجراءات التَّنفُّس الصِّناعي، أو الإنعاش القلبي الرئوي، فتلتقي كلُّ مجموعةٍ في غُرفة الرِّعاية الصحِّيَّة لممارسة تدليك القلب على الدُّمية المخصَّصة. هناك ينقسمون إلى أزواج، وتتولَّى مديرة القسم تدليك الصَّدر، في حين يجثو الشَّخص الآخَر على رُكبتيْه ويُغلِق طاقتَي الأنف بأصابعه ويَنفُخ الهواء في الفم. الدُّمية من طراز "بِتي"، الذي يتكوَّن من جذعٍ ورأسٍ فقط، بلا ذراعيْن أو قدميْن، لها شفتان مطَّاطيَّتان زرقاوان، وعينان خضراوان مصمَّمتان بحيث تبقيان مفتوحتيْن محدِّقتيْن دومًا. على أنَّ صانعها -أيًّا كان- لصقَ رموشًا طويلةً فوق العينيْن وشعرًا مستعارًا على الرَّأس، شعرًا أحمر شديد النُّعومة حتى إنك لا تَشعُر بأصابعك وهي تُمشِّطه إلَّا عندما يلفت أحدهم انتباهك.

قالت سدلاك مديرة القسم إذ جثَت بجوار الدُّمية وفردَت أصابعها ذات الأظفار المطليَّة بالأحمر على صدرها، إنَّ وجوه دُمى التَّنفُّس بِتي جميعًا شُكِّلت على غرار وجه فتاةٍ فرنسيَّة معيَّنة بعد موتها. قالت لهم: "إنها قصَّة حقيقيَّة".

هذا الوجه على الأرض وجه فتاةٍ منتحرة انتشَلوا جثَّتها من الماء منذ أكثر من قرن، هاتان الشَّفتان الزَّرقاوان أنفُسهما، هاتان العينان الفاترتان المحدِّقتان أنفُسهما. جميع دُمى التَّنفُّس بِتي لها ملامح تلك الفرنسيَّة الشَّابَّة التي ألقَت بنفسها ذات يومٍ في الماضي في نهر السِّن.

لن نعرف أبدًا هل ماتَت الفتاة بسبب الحُبِّ أم الوحدة، لكن رجال الشُّرطة وقتها استخدَموا الجبس لصياغة قناعٍ للوجه الميت في محاولةٍ لتعرُّف هُويَّتها، وبعد عقودٍ طويلة أصبحَ هذا القناع ملكًا لصانع لعبٍ ما، استخدمَه لتشكيل وجه أوَّل دُمية تنفُّس من طراز بِتي.

وعلى الرغم من المخاطرة التي يتضمَّنها أن يميل أحدهم -في مدرسةٍ أو مصنعٍ أو الجيش- على واحدةٍ من هذه الدُّمى ذات يومٍ ليجد وجه أخته أو أمِّه أو ابنته أو زوجته، فإن ملايين يُقبِّلون هذه الفتاة الميتة ذاتها. طوال أجيالٍ يلصق ملايين شفاههم بشفتيْها، هاتيْن الشَّفتيْن الغارقتيْن أنفُسهما، وطوال التاريخ المتبقِّي، وفي كلِّ مكانٍ في العالم، سيستمرُّ الناس في محاولة إنقاذ الفتاة الغارقة ذاتها.

هذه الفتاة التي لم تُرِد إلَّا أن تموت.

هذه الفتاة التي حوَّلت نفسها إلى شيء.

لم يقل أحدٌ هذا الجزء الأخير جهرًا، لكن أحدًا لم يحتَج إلى قوله فعلًا.

طيِّب، العام الماضي كانت كورا رنولدز مع مجموعةٍ من الزُّملاء في غُرفة الرِّعاية الصحِّيَّة لتُخرِج دُمية التَّنفُّس بِتي من حقيبتها البلاستيكيَّة الزَّرقاء. هناك يُمدِّدون الدُّمية على الأرضيَّة المكسوَّة بالمشمَّع، ويمسحون فمها بماء الأكسجين اتِّباعًا لإجراءات النَّظافة الثَّابتة، وهي واحدة من سياسات قسم الشُّرطة كذلك. تنحني المديرة سدلاك لتضع راحتَي يديها على منتصف صدر الدُّمية، على عظمة القصِّ تحديدًا، فيما يجثو أحدهم ليُغلِق الأنف بأصابعه. تشرع المديرة في تدليك الصَّدر، أمَّا الرَّجل الجاثي على رُكبتيْه، وقد وضعَ فمه على فم بِتي المطَّاطي، فيبدأ في السُّعال.

يعتدل الرجل مرتكزًا على كعبيْه ويُواصِل السُّعال، ثم يَبصُق... تفو! يَبصُق على أرضيَّة غُرفة الرِّعاية الصحِّيَّة المغطَّاة بالمشمَّع، ثم يمسح شفتيْه بظهر يده ويقول: "ما هذه الرَّائحة النَّتنة؟".

يحتشد الموجودون حولهما، وكورا رنولدز بينهم، ويقترب الآخَرون، ويقول الرَّجل وهو لا يزال مقعيًا: "في داخلها شيء ما"، ثم يُغطِّي فمه وأنفه بكفِّه المضمومة مبتعدًا بوجهه عن الفم المطاَّطي، لكنه لا يزال يراه، ويقول للمديرة: "اضربيها مرَّةً أخرى، اضربيها بقوَّة".

فتضع المديرة المنحنية كفَّيْها وأظفارها الحمراء القانية على صدر بِتي وتبدأ في الدَّقِّ.

وتَخرُج فُقَّاعة سميكة من بين شفتَي بِتي المطَّاطيَّتيْن الزَّرقاويْن، فُقَّاعة من سائلٍ رقيق القوام أبيض كالحليب تنتفخ لتُصبِح كحبَّةٍ من اللُّؤلؤ، ثم ككُرة تنس الطَّاولة، ثم ككُرة البيسبول، ثم تنفجر ملطِّخةً كلَّ شيءٍ ومطلقةً رائحةً شنيعةً في الغُرفة.

حتى ذلك اليوم أمكنَ لأيِّ أحدٍ استخدام غُرفة الرِّعاية الصحِّيَّة؛ يُوصِد الباب، ويفرد السَّرير النقَّال، ويغفو طوال فترة راحته. إذا أصيبَ أحدٌ بصداعٍ أو شدٍّ في العضلات فسيجد هناك عُدَّة الإسعاف كلَّها والضِّمادات والأسپرين. لم يلزم أحدًا إذنٌ من أحد، وكلُّ ما ستجده في المكان هو السَّرير النقَّال، وخزانة صغيرة مزوَّدة بحوضٍ معدنيٍّ لغسل الوجه، ومفتاح الإضاءة على الحائط، والحقيبة البلاستيكيَّة الزَّرقاء التي يحفظون بِتي فيها غير موصدة.

الآن تقلب المجموعة الدُّمية على جانبها، ومن رُكن فمها المطَّاطي تَخرُج قطرة أوَّلًا، ثم قطرة، ثم قطرة، ثم يتسرَّب خيطٌ رقيق من ذلك الشَّيء الأبيض لينسكِب قليلٌ منه على وجنتها الورديَّة ويحتبس قليلٌ منه بين شفتيْها وأسنانها، ويسيل معظمه على الأرضيَّة المغطَّاة بالمشمَّع.

الدُّمية وقد أصبحَت فتاةً فرنسيَّةً، فتاةً غرقَت، ضحيَّة نفسها.

الآن يقفون جميعًا وكلٌّ منهم يتنفَّس من وراء يدٍ مضمومة أو منديل، ويطرف بعينيْن دامعتيْن من شدَّة الرَّائحة الكريهة، تنزلق حناجرهم إلى أعلى وأسفل تحت جلد الرَّقبة وهم يبتلعون ريقهم ويبتلعونه في محاولةٍ للاحتفاظ بوجبة الفطور في أحشائهم.

يختطف الرَّجل الأوَّل زُجاجة ماء الأكسجين ويُلقي برأسه إلى الخلف، ويُلقي بجرعتيْن كبيرتيْن في فمه نافخًا بهما شدقيْه، ويرفع رأسه إلى السَّقف بعينيْن مغلقتيْن ويشرع في الغرغرة، ثم يقذف رأسه إلى الأمام ويَبصُق ما في فمه في الحوض المعدنيِّ الصَّغير.

ها هي ذي الغُرفة، والجميع يتنفَّسون رائحة مبيِّض الغسيل الفائحة من ماء الأكسجين، ومن تحتها تنبعث رائحة المراحيض من فم بِتي. تَطلُب المديرة أن يُحضِر أحدهم عُدَّة التَّحقيق في الجرائم الجنسيَّة، المماسح القطنيَّة والشَّرائح والقُفَّازات.

ضمَّت المجموعة كورا رنولدز، التي وقفَت في موضعٍ قريب للغاية أتاحَ لها أن تتتبَّع أثر الشَّيء الأبيض اللَّزج وقد طالَ قليلٌ منه مكتبها.

بعد ذلك اليوم وضعَت الإدارة قفلًا على الباب وأعطَت كورا المفتاح، ومنذ ذلك الحين عليك إذا أصابَك شدٌّ عضليٌّ مفاجئ أن تضع اسمك على قائمةٍ مع التَّاريخ والوقت قبل أن تَحصُل على المفتاح. إذا أُصبت بالصُّداع فعليك أن تطلب حبَّتَي أسپرين من كورا.

تساءلَ العاملون في معامل حكومة الولاية عندما أجروا تحليلًا لكلِّ شيء: أهذه دُعابة؟

نعم، أكَّد هؤلاء أنَّ المادَّة البيضاء اللَّزجة ما هي إلَّا سائل منوي، بعضه منذ ستَّة أشهُر، أي منذ آخِر درسٍ لإجراءات التَّنفُّس الصِّناعي، ولو أنَّ كمِّيَّته كبيرةٌ للغاية، ولكن بعد اختبارات الحمض النَّووي أشارَت أجهزة التَّحليل الوراثي إلى أنه ينتمي إلى نحو أحد عشر رجلًا مختلفًا، وربما خمسة عشر.

من ناحيتهم، قال عاملو القسم إنها دُعابة مريضة حقًّا، والآن فلننسَ أمرها.

هذا ما يفعله النَّاس دائمًا: يُحوِّلون الأشياء إلى بشر، والبشر إلى أشياء.

لا أحد يقول إنَّ عاملي قسم الشُّرطة هُم من أخطأوا، أو ارتكَبوا مصيبةً بالأحرى.

أمَّا دُمية التَّنفُّس بِتي فلا عجب أنَّ كورا أخذَتها معها إلى بيتها. هناك نظَّفت -بطريقةٍ ما- رئتيْها، وغسلَت شعرها الأحمر المستعار، كما اشترَت فُستانًا جديدًا لجذعها الخالي من الأقدام والأذرُع، بالإضافة إلى عُقدٍ من اللُّؤلؤ الزَّائف وضعَته حول العُنق. لم تستطِع كورا رمي شيءٍ بهذا العجز في القمامة بكلِّ بساطة. وضَعت طلاءً على الشَّفتيْن الزَّرقاويْن، وماسكارا على أهداب العينيْن الطويلة، وأحمر وجهٍ على الوجنتيْن، ثم رشَّت عطرًا (كثيرًا منه) ليُخفي الرائحة، وأضافَت قرطيْن جميليْن إلى الأُذنيْن. أيُّ أحدٍ سيندهش إذا عرفَ أنَّ كورا قضَت كلَّ ليلةٍ منذ ذلك الحين جالسةً على الأريكة في شقَّتها، تُشاهِد التلفزيون وتُوجِّه كلامها إلى بِتي.

لا أحد هناك إلَّا كوري وبتي، تُثرثِران بالفرنسيَّة.

ومع ذلك لم يصِف أحدٌ كورا رنولدز بالعته. هي فقط صاحبة شخصيَّة حسَّاسة.

تقول سياسة القسم إنَّ الواجب أن يلفُّوا الدُّمية القديمة بالبلاستك الأسود ويُلقوا بها على رفٍّ علويٍّ بعيد في غُرفة الأدلَّة وينسوها هناك، لتظلَّ مهجورةً تتعفَّن بين أكياس وقوارير الكوكايين والهروين المرقَّمة، والمسدَّسات والسَّكاكين التي تنتظر الظهور في محكمةٍ ما. هناك تجد تلك الأكياس والقوارير تتقلَّص، يتضاءَل حجمها ويتضاءَل حتى يتبقَّى منها ما يكفي بالكاد للإدانة في جُنحة. كلُّ هذه الأشياء يُستعمَل طوال الوقت.

لكنهم كسروا القواعد على كلِّ حال، وسمحوا لكورا بأخذ الدُّمية معها.

لا أحد يُريد يشيخ وحيدًا.

كورا إنسانة طيِّبة حقًّا، لا تستطيع شراء دُمية حيوانٍ واحدةً فقط. جزء من عملها أن تشتري لُعبةً لكلِّ طفلٍ يأتي للإدلاء بشهادته، كلِّ طفلٍ مقبوض عليه، كلِّ طفلٍ هجرَه أهله لينشأ في دور الأيتام. في متجر الألعاب تلتقط كورا قردًا واحدًا من سلَّةٍ مليئة بدُمى الحيوانات، فقط لتراه بادي الوحدة في عربة التَّسوُّق، وهكذا تلتقط زرافةً لتضعها مع القرد، ثم فيلًا، ثم فرس نهر، ثم بومةً، إلى أن تكتظَّ عربتها بحيواناتٍ أكثر من التي في السلَّة. الحيوانات التي تبقى في السلَّة تَنقُصها عينٌ أو بليَت أُذنها أو فُتحَت فيه غُرزة فخرجَ قليلٌ من الحشو.

هذه هي الحيوانات التي لا يُريدها أحد.

لا أحد يَشعُر بقلب كورا وهو يهوي في تلك اللَّحظة كما لو أنه سقطَ من أعلى ناطحة سحابٍ في العالم. يَترُك هذا الشُّعور كورا جلدًا فقط، أنبوبًا من الجلد ذا فتحتيْن ضيِّقتيْن عند طرفيْه.

مجرَّد شيء.

تلك النُّمور الصَّغيرة المتَّسخة، وأيائل الرَّنة المحشوَّة التي تسطَّحت بالكامل، والپاندات الممزَّقة، والبوم المبقَّع، كلُّها ملأ شقَّة كورا مع الدُّمية بِتي.

إنه نوعٌ مختلف من غُرف الأدلَّة لا أكثر.

هذا ما يفعله النَّاس.

ولكن مسكينةٌ كورًا. إنها تُحاوِل الآن قطع ألسنة النَّاس وإصابتهم بالطُّفيليَّات، تُعيق العدالة، تسرق الممتلكات العامَّة، ولا أحد يتكلَّم عن سوء استخدام الأقلام والدَّبابيس وورق الطِّباعة.

كورا هي التي تَطلُب مستلزمات الكتابة، وتجمع بطاقات الدَّوام من الموظَّفين كافَّةً كلَّ جمعة، وتُسلِّم شيكات الأجور كلَّ خميس، وتقارير المصروفات إلى قسم الحسابات، وتردُّ على الهاتف: "خدمات قضايا الطِّفل والأسرة"، وتشتري كعكةً وبطاقة تهنئةٍ يُوقِّعون عليها جميعًا عندما يحين عيد ميلاد أحدهم. هذا هو عملها.

لم يعانِ أحدٌ أيَّ مشكلاتٍ مع كورا قبل وصول الولد والبنت الصَّغيريْن من روسيا. الحقُّ أنَّ كورا لم ترَ قَطُّ فتاةً صغيرةً ذات ضفيرةٍ ووجهٍ مليء بالنَّمش ما لم يكن أحدهم قد ناكَها.

كلُّ صبيٍّ مشاكس وكلُّ شيطانٍ صغير يرتدي أوڤرول ويدسُّ نبلةً في جيبه الخلفيِّ لم تلتقِه كورا إلَّا لأن أحدهم أجبرَه على مصِّ ذَكره. هنا، كلُّ ابتسامة طفلٍ تكشف صفَّيْن من الأسنان النَّاقصة ما هي إلَّا قناع. كلُّ رُكبةٍ متَّسخة بالغُبار قرينة. كلُّ كدمةٍ طرف خيط. كلُّ غمزةٍ أو صيحةٍ أو ضحكةٍ مكتومة لها خانة فارغة يجب أن تُملأ في استمارة الضَّحيَّة. وظيفة كورا أن تُتابِع هذه الاستمارات وتُتابِع الطِّفل نفسه وكلَّ ملفِّ قضيَّةٍ وكلَّ تحقيقٍ دائر.

حتى حدثَ ما حدثَ، عُدَّت كورا رنولدز أفضل مدير مكتبٍ على الإطلاق.

على أنَّ كلَّ شيءٍ يَحدُث هنا ما هو إلَّا محاولةٌ للحدِّ من الخسائر، فلا يُمكنك أن تمحو اغتصاب طفل، لا يُمكنك إعادة هذا الجنِّي إلى الزُّجاجة مرَّةً أخرى. لقد خربَت نفسيَّة هذا الطِّفل إلى الأبد.

لا، معظم الأطفال يأتون إلى هنا صامتين، تحمل أجسادهم علاماتٍ وعلامات، لا يبتسمون. لقد بلغوا منتصف العُمر بالفعل.

يأتي الأطفال إلى هنا، والخُطوة الأولى هي مقابلة التَّقييم الأولى التي تُجرى على دُميةٍ "مفصَّلة تشريحيًّا" تختلف عن الدُّمية "الصَّحيحة تشريحيًّا"، لكن كُثرًا يخلطون بينهما، وهو ما فعلَته كورا نفسها.

الدُّمية المفصَّلة التَّقليديَّة مصنوعةٌ من القُماش ومخيطةٌ كدُمى الحيوانات، ولها خيوط من الصُّوف بمثابة الشَّعر. الاختلاف الكبير بين هذه الدُّمية ودُمية "راجِدي آن" هو التَّفاصيل، إذ تضمُّ هذه عُضوًا ذكريًّا ليِّنًا محشوًّا وخصيتيْن، أو عُضوًا أنثويًّا من الدانتل، مع خيطٍ سميك مشدود من الخلف لعمل المؤخِّرة، وزرَّيْن مخيطيْن بالصَّدر على سبيل الحلمتيْن.

هذه الدُّمى يستخدمها الأطفال القادمون إلى القسم ليُمثِّلوا عليها جرائم الاعتداء عليهم، شارحين ما فعلَته ماما أو بابا أو صاحب ماما الجديد.

يغرز الأطفال أصابعهم في داخل الدُّمية، يجرُّونها من شعرها الصُّوف، يُطبِقون على رقبتها ويرجُّونها إلى أن يَسقُط الرأس المحشوُّ، يضربون الدُّمية ويلعقونها ويعضُّونها ويمصُّونها، ووظيفة كورا أن تُعيد خياطة الحلمتيْن بالصَّدر.

كلُّ ما يُفعَل بهؤلاء الأطفال يفعلونه بهذه الدُّمى.

وطبعًا لا أحد يَسلُك هذا المسار الوظيفي مصادفةً.

تنحلُّ خيوط الدُّمى من كثرة الأطفال المنتهَكين الذين ينتهِكونها بدورهم. صِبيةٌ كثيرون وضعوا القضيب الورديَّ نفسه في أفواههم، وفتيات صغيرات كثيرات دسَسن إصبعًا أو اثنتيْن أو ثلاثًا في الفرج الدانتل ليُمزِّقنه من أعلى وأسفل. تحت الثِّياب الدُّمى ملطَّخة متَّسخة ساءَت رائحتها، وصارَ القُماش زغِبًا وامتلأ بالنُّدوب حيثما انفتحَت الغُرز.

إنهما دُميتا الولد والبنت الصَّغيرتان اللتان يعتدي عليهما العالم كلُّه جسديًّا.

طبعًا بذلَت كورا جهدها كلَّه للحفاظ على الدُّميتيْن، فأعادَت خياطتهما وتنظيفهما، لكنها فتحَت الإنترنت في يومٍ لتَعثُر على زوجيْن جديديْن.

في مكانٍ ما في العالم نساء وظيفتهن خياطة خُصى صغيرة وأعضاءٍ أنثويَّة بشكل جيوب، ثم إلباس الدُّمى أوڤرولات من الصُّوف وفساتين عليها زهور. أرادَت كورا هذه المرَّة شيئًا قويَّ الاحتمال، فدخلَت الإنترنت وطلبَت زوجيْن جديديْن من الدُّمى من صانع لُعبٍ لم تسمع به من قبل. هذه المرَّة خلطَت بين المفصَّل تشريحيًّا والصَّحيح تشريحيًّا.

طلبَت كورا دُمية ولدٍ ودُمية بنتٍ صحيحتيْن تشريحيًّا، أقل سعر ممكن، قويتَي الاحتمال، سهلتَي التَّنظيف. أتاها محرِّك البحث بدُميتيْن مصنوعتيْن في الاتِّحاد السوڤييتي السَّابق، لهما أذرُع وأرجُل مرنة وصحيحتان تشريحيًّا، بأقل سعرٍ ممكن طبعًا لأنها سياسة القسم.

لم يسأل أحدٌ فيما بعدُ لِمَ اشترت هاتيْن الدُّميتيْن. حين وصلَ الصُّندوق البنِّي الكبير كخزانةٍ بأربعة أدراج، وحين رفعَه عامل التَّوصيل على عربةٍ ووضعَه بجوار مكتبها، وحين طلبَ منها أن تُوقِّع بالاستلام، بدأت كورا تشكُّ أنَّ شيئًا ما خطأ.

وحين فتحوا الصُّندوق ورأوا ما بداخله كان الأوان قد فاتَ.

فتحَت كورا الصُّندوق بمساعدة أحد محقِّقي القسم، ومن الدَّاخل أخرَجا قدمًا، قدم طفلٍ ذات لونٍ ورديٍّ وأصابع خمس كاملة.

لوى المحقِّق أحد الأصابع ونظرَ إلى كورا، فقالت: "هذه أرخص دُمى على الإطلاق. الخيارات ليست كثيرةً".

القدم من المطَّاط وذات أظفارٍ شفَّافة صُلبة. البشرة ناعمةٌ خاليةٌ من النَّمش والشَّامات والعروق. هنا وضعَ المحقِّق يده حول الكاحل ورفعَه لتظهر رُكبة ورديَّة ناعمة، ثم فخذ ورديَّة، ثم فتاة ورديَّة عارية معلَّقة من قبضة المحقِّق المرفوعة نحو السَّقف. انسدلَت خُصل الشَّعر الأشقر لتكنس الأرضيَّة، وتدلَّت الذِّراعان العاريتان على جانبَي الرَّأس، فيما انفتحَ الفم في لهاثٍ صامت مفصحًا عن أسنانٍ بيضاء صغيرة وسقف الفم الورديِّ الأملس. فتاةٌ صغيرة في سنِّ صيد بيض عيد الفصح والعشاء الربَّاني الأوَّل والجلوس على حجر سانتا كلوز.

قدم الفتاة معلَّقة من قبضة المحقِّق، والأخرى متدلِّية وملويَّة عند الرُّكبة، وبين ساقيْها (على نحوٍ ممتاز -لا صحيح- تشريحيًّا) العُضو الورديُّ الذي يزداد لونه دُكنةً من الدَّاخل.

وفي الصُّندوق، ناظرًا إليها، وإليهم كلِّهم، الولد الصَّغير العاري. على الأرض سقطَت نشرةٌ مطبوعة.

أحاطَت كورا الفتاة بذراعيْها تحتضنها كالوسادة، ومدَّت يدها لتقبض على فرخٍ من ورق التغَّليف لتضعه حول الجسد الصَّغير.

هزَّ المحقِّق رأسه مبتسمًا ومغلقًا عينيه، وقال: "أحسنتِ التَّدبير يا كورا!".

حملَت كورا الفتاة وقد ضمَّت يدها لتُخفي المؤخِّرة الورديَّة، وبيدها الأخرى أسندَت الرَّأس الأشقر إلى رأسها قائلةً: "هذا خطأ".

قالت النَّشرة إنَّ الدُّميتين مصنوعتان من السليكون اللَّدن، النَّوع نفسه المستخدَم في عمليَّات تكبير الثَّدي، ويُمكن وضعهما تحت بطانيَّة كهربائيَّة لتمتصَّا الحرارة وتحتفظا بها من أجل ساعاتٍ من المُتعة. الجلد يُغطِّي هيكلًا من الألياف الزُّجاجيَّة المتَّصل بعضها ببعضٍ بمفاصل من الصُّلب، والشَّعر مزروعٌ خُصلةً خُصلةً داخل جلد فروة الرَّأس، ولكن لا شعر على العانة. دُمية الذَّكر معها قُلفة اختياريَّة، ودُمية الأنثى معها غشاء بكارة بلاستيكي يُمكن استبداله وطلبه عبر الإنترنت. قالت النَّشرة أيضًا إن كلتا الدُّميتين تتَّسم بحلقٍ ومستقيمٍ عميقيْن "من أجل الولوج القوي". السليكون مركَّب ذو ذاكرة، يعود دائمًا إلى شكله الأصليِّ مهما فعلت، بحيث يُمكنك شد حلمات الدُّميتيْن إلى خمسة أضعاف حجمها دون أن تتمزَّق، بالإضافة إلى عدَّة أعضاء أخرى مصمَّمة بحيث "تُلبِّي جميع الرغبات تقريبًا"، وأضافَت النَّشرة أنَّ الدُّميتين "قابلتان لاحتمال سنواتٍ من المُتعة العنيفة".

للتَّنظيف: استخدِم الماء والصَّابون.

وضعُ الدُّميتيْن في ضوء الشَّمس المباشر قد يتسبَّب في بهتان العينيْن والشفتيْن. هكذا ذكرَت النَّشرة بالإنجليزيَّة والفرنسيَّة والإسپانيَّة والإيطاليَّة، وما بدا أنه الصينيَّة.

مع الدُّميتيْن شهادةٌ أيضًا، تضمن أنهما بلا طعمٍ أو رائحة.

في فترة راحتها خرجَت كورا لشراء فُستان وجينز وتيشرت، وعندما عادَت إلى مكتبها وجدَت الصُّندوق خاليًا. حشو الصُّندوق وورق التَّغليف مبعثران في كلِّ مكانٍ على الأرض، والدُّميتان ليستا هناك.

سألَت كورا موظَّف الاتِّصالات في غُرفة الحراسة إن كان يعرف شيئًا، فهزَّ كتفيْه نفيًا، وفي الاستراحة قال أحد المحقِّقين إنَّ أحدًا احتاجَ إليهما لا بُدَّ في قضيَّةٍ ما، وهزَّ كتفيْه مضيفًا: "هذا هو الغرض منهما، أليس كذلك؟".

في البهو الخارجيِّ سألَت محقِّقًا آخَر هل رآهما. الآن تكزُّ على أسنانها بقوَّة، وبدأت المساحة الصَّغيرة بين عينيْها تُوجِعها من شدَّة ضغط حاجبيْها المعقوديْن عليها. تَشعُر كأن دمها كلَّه صعدَ إلى أُذنيْها ساخنًا متوهِّجًا كالحمم.

وجدَت الدُّميتيْن جالستيْن على الأريكة في غُرفة المديرة، مبتسمتيْن وعاريتيْن، بوجهيْن منمَّشيْن وشعورٍ بالحرج من لا شيء.

رأت المديرة سدلاك تعتصر إحدى حلمتَي دُمية الولد بأصابعها ذات الأظفار الحمراء القانية وتجذبها وتلويها، وبيدها الأخرى تُمرِّر أناملها من أعلى إلى أسفل بين ساقَي دُمية الفتاة قائلةً: "تبًّا، هذا الملمس حقيقي!".

قالت كورا للمديرة إنها آسفة، ثم مالَت لتمسح شعر الولد بأصابعها وقالت إنها لم تكن تعلم. ربَّعت ذراعَي الفتاة على صدرها لتُخفيه، ثم وضعَت ساقًا على ساقٍ عند الرُّكبة، وفردَت يدَي الولد في حجره، وجلسَت كلتا الدُّميتيْن محافظةً على الابتسامة، عيونهما زُجاجيَّة زرقاء، وشعرهما أشقر، وأسنانهما من الپورسلين اللَّامع.

قالت المديرة: "آسفة لماذا؟".

لتبديد موارد قسم الشُّرطة، قالت كورا، لشراء شيءٍ غالي الثَّمن كهذا دون معاينته أوَّلًا. لقد حسبَت أنها أجرَت عمليَّة شراءٍ موفَّقةً، لكن القسم سيضطرُّ الآن إلى استخدام الدُّميتيْن القديمتيْن الباليتيْن عامًا آخَر، ويجب طبعًا التَّخلُّص من الدُّميتيْن الجديدتيْن.

قالت المديرة ممشِّطةً شعر الفتاة الذَّهبي بأظفارها: "لا تكوني سخيفةً. سنستخدمهما. لا أرى مشكلةً".

قالت كورا: "لكن الدُّميتيْن حقيقيَّتان أكثر من اللَّازم".

-  "إنهما من المطَّاط".

-  "من السليكون".

-  "إذا أردتِ، يُمكنكِ أن تعتبري كلًّا منهما واقيًا ذكريًّا يزن 70 رطلًا".

بعد الظُّهر، فيما وضعَت كورا الملابس الجديدة على الولد والبنت، بدأ المحقِّقون يُقبِلون على مكتبها ليروا الدُّميتيْن، وتنوَّعت الأسباب بين استخدامهما في مقابلات القضايا الجديدة والتَّحقيقات، وطلب الاحتفاظ بهما لأجل تحقيقٍ سرِّي، واستعارتهما ليلةً للاستعانة بهما في باكر صباح اليوم التاَّلي، ولعُطلات نهاية الأسبوع طبعًا. تُفضَّل الفتاة في هذه الحالة، لكن لا بأس بالولد إذا لم تتوفَّر. انتهى اليوم الأوَّل والدُّميتان محجوزتان طوال الشَّهر التَّالي.

إذا أرادَ أحدهم الدُّميتيْن في الحال عرضَت عليه الزَّوجيْن القديميْن البالييْن، وفي معظم الحالات قال المحقِّق إنه سينتظر.

فيضان من القضايا الجديدة، ولم يُسلِّم إليها أيُّهم ملفًّا واحدًا.

طيلة معظم الشَّهر تقريبًا رأت كورا الولد والبنت لحظاتٍ خاطفةً، فقط الوقت الذي يُتيح لها تسليمهما إلى المحقِّق التالي. ثم التَّالي. ثم التَّالي. ولم يتَّضح قَطُّ مَن فعلَ ماذا، لكن الفتاة تذهب وتجيء، مرَّةً بثُقبين للأقراط في أُذنيْها، ومرَّةً في سُرَّتها، ثم بطلاءٍ أحمر على شفتيها، ثم معطَّرةً برائحةٍ نفَّاذة.

عادَ الولد في مرَّةٍ بوشمٍ لسلسلةٍ من الأشواك حول بطن ساقه، وفي مرَّةٍ أخرى بخواتم فضِّيَّة صغيرة معلَّقة من حلمتيْه، ثم من عُضوه، وفي مرَّةٍ عادَ برائحةٍ غريبة في شعره الأشقر.

لا فرق هنا عن أكياس الماريجوانا في غُرفة الأدلَّة، الغُرفة المليئة بالمسدَّسات والخناجر، وأكياس الماريجوانا والكوكايين التي لطالما خفَّ وزنها قليلًا عن المفترَض. دائمًا غُرفة الأدلَّة المحطَّة التَّالية التي يقصدها كلُّ محقِّقٍ يحين دور أخذه إحدى الدُّميتيْن؛ يدسُّ الفتاة تحت ذراعه، وبالذِّراع الأخرى يعبث بأحد أكياس الأدلَّة ويضع شيئًا في جيبه.

في غُرفة المديرة عرضَت كورا إيصالات المصروفات الرَّسميَّة التي يُسلِّمها المحقِّقون لتُصرَف لهم. هذا إيصالٌ بالنُّزول في غُرفة فندق لمُدَّة ليلة، اللَّيلة ذاتها التي أخذَ فيها هذا المحقِّق الفتاة من أجل مقابلةٍ في الصَّباح التَّالي. قال المحقِّق إنه استأجر غُرفة الفندق لمراقبة مشتبهٍ به. محقِّق آخَر، في اللَّيلة التَّالية ومع الفتاة أيضًا، في غُرفة فندقٍ حيث طلبَ وجبة عشاءٍ وفيلم پورنو، وقال إنه استأجرَ الغُرفة لمراقبة مشتبهٍ به آخَر.

لم تفعل المديرة سدلاك شيئًا إلَّا النَّظر إليها، وقد مالَت كورا على المكتب الخشبيِّ مرتجفةً بقوَّةٍ لتُصدِر الإيصالات حفيفًا في قبضتها المضمومة.

اكتفَت المديرة بالنَّظر إليها، وقالت: "ماذا تقصدين؟".

-  "ما أقصده واضح".

ضحكَت المديرة كثيرًا وهي جالسةٌ وراء مكتبها الخشبيِّ. "اعتبريها واحدة بواحدة". وأضافَت المديرة: "كلُّ النِّساء اللاتي يُولوِلن ويعترضن على مجلَّات الپورنو قائلاتٍ إنها تُحوِّل المرأة إلى مجرَّد شيء. ألا يفعل القضيب الصِّناعي الشَّيء نفسه؟ أو التَّبرُّع بالحيوانات المنويَّة في عيادةٍ ما؟".

بعض الرِّجال يُريد صُورًا لنساءٍ عارياتٍ فقط، لكن بعض النِّساء لا يُردن إلَّا عُضو الرَّجل، أو منيَّه، أو نقوده.

كلا الجنسين يُعاني المشكلة ذاتها مع الحميميَّة الحقيقيَّة.

-  "فكُفِّي عن الثَّرثرة الفارغة عن دُميتيْن مطاطيَّتيْن سخيفتيْن. اذهبي واشتري لنفسكِ ڤايبريتُر لو أنك تَشعُرين بالغيرة!".

مرَّة أخرى، هذا ما يفعله النَّاس.

ولم يتوقَّع أحد المسار الذي سيمضي فيه كلُّ هذا.

في اليوم نفسه ذهبَت كورا وابتاعَت غراءً قويًّا.

مع الدَّورة التَّالية، عندما عادَت إليها الدُّميتان قبل أن تُسلِّمهما إلى الرَّجل التَّالي، كانت كورا قد وضعَت الغراء داخل فرج البنت، وداخل فمها وفم الولد لتلصق اللِّسانيْن بسقفَي فميْهما وكلَّ شفتيْن معًا، ثم وضعَت الغراء داخل المؤخِّرتين لتسدَّهما تمامًا، لتحميهما.

ومع ذلك أتى أحد المحقِّقين في اليوم التَّالي ليسألها: "ألديك موسى يُمكنني استخدامها؟ سكِّين؟ مدية؟".

فتسأله: "ولِمَ؟".

فيُجيب: "لا شيء. لا عليكِ. سأجدُ شيئًا في غُرفة الأدلَّة".

وفي اليوم التَّالي يعود الولد والبنت وقد شُقَّ ما لُصِقَ من جديد، محتفظيْن بنعومتهما وإن امتلآ بالنُّدوب والشُّقوق، ما زالَت فيهما رائحة الغراء مع رائحةٍ أخرى كالتي انبعثَت من دُمية التَّنفُّس بِتي الجالسة الآن على أريكة كورا وقد خرجَت منها بقايا وخلَّفت بضع بُقع. هذه البُقع تتشمَّمها قطَّة كورا لساعاتٍ لكنها لا تلعقها أبدًا، تتشمَّمها كمَن يستنشقون الغراء أو الكوكايين في غُرفة الأدلَّة.

عند هذه النُّقطة ذهبَت كورا واشترَت موسًى، اثنتيْن، ثلاثًا، خمسًا.

مع الدَّورة التَّالية، حين عادَت الفتاة إلى كورا، تأخذها إلى الحمَّام وتُجلِسها على حافة الحوض. تستخدم منديلًا ورقيًّا لمسح أحمر الشِّفاه عن وجنتيْها الورديَّتيْن، ثم تغسل شعرها المتهدِّل وتُمشِّطه. المحقِّق التَّالي يَطرُق باب الحمام، وتقول كورا: "أنا آسفة، أنا آسفة، أنا آسفة. ستكونين بخير".

ثم تدسُّ الموسى في عُمق الفرج السليكوني، داخل الفتحة التي يبدو أنَّ رجلًا ما وسَّعها بسكينه. تُميِّل كورا رأس الفتاة إلى الخلف وتدسُّ الموسى الثَّانية داخل حلقها، ثم الثَّالثة داخل مؤخِّرة الفتاة البادي عليها الانتهاك.

عندما يعود الولد إلى مكتب كورًا (وتعود لتجده ملقى مقلوبًا على وجهه على ذراع الكُرسي)، تحمله إلى الحمَّام بدوره مع الموسييْن الأخيرتيْن.

واحدة بواحدة.

في اليوم التَّالي يَدخُل محقِّق جارًّا الفتاة من شعرها ويُسقِطها أرضًا بجوار مكتب كورا، ثم يُخرِج مفكِّرةً وقلمًا من جيب سُترته، ويسأل: "مع مَن كانت البارحة؟".

ترفع كورا الفتاة عن الأرض وتُسوِّي شعرها وهي تُخبِره بالاسم، اسم عشوائي، محقِّق آخَر، فيُضيِّق عينيْه ويهزُّ رأسه قائلًا: "ابن الوثخة!"، وتلمح كورا نصفَي لسانه موصوليْن بغُرزٍ جراحيَّة سوداء.

أمَّا المحقِّق الذي عاد بالولد فدخلَ يعرج.

ولا أثر لأيِّ من المواسي الخمس.

بعد ذلك لا أحد يعرف كيف حصلَت كورا على عيِّنة تلك المادَّة البيولوجيَّة الخطرة من المختبر الجنائي.

بعدها تجد كلَّ رجلٍ في القسم يَقرُص جلد خصيتيْه ويَهرُشه من فوق بنطاله، أو يرفع مرفقًا واحدًا كما تفعل القرود ليحكَّ الشَّعر تحت إبطه. في عقولهم يقولون إنهم لم يُمارِسوا الجنس مع أحدٍ حقيقي، وعليه لا يُمكن أنَّ هذه عدوى قمل العانة.

في ذلك الوقت تقريبًا تأتي زوجة أحد المحقِّقين إلى قسم الشُّرطة وقد عثرَت على قطرات الدَّم الصَّغيرة التي يُخلِّفها قمل العانة في ملابسك الدَّاخليَّة البيضاء أو تيشرتك الأبيض أو أيِّ ثيابٍ تحتكُّ بشعر الجسد. ربما وجدَتها الزَّوجة في ملابس زوجها الدَّاخليَّة أو في ملابسها هي. هؤلاء أناسٌ متعلِّمون ليست لديهم تجارب مع قمل العانة، لكن الآن يبدو لها كلُّ هذا الحكِّ منطقيًّا.

والآن هذه الزَّوجة غاضبةٌ إلى أقصى حد.

لم تعرف أيُّ زوجةٍ طبعًا أنَّ هذه هي نفسها عدوى قمل العانة التي يُسبِّبها استخدام المراحيض العامَّة، ولكن عن طريق دُمى مطَّاطيَّة، والمراحيض العامَّة هي الحُجَّة التي سيستخدمها لا شكَّ كلُّ محقِّقٍ مع زوجته. هذا على كلِّ حالٍ هو كلُّ ما تحصَّلت عليه كورا من المعمل، فبالطَّبع لن تجد هناك بكتيريا حلزونيَّةً تعيش في السليكون، ولا يُمكنك نقل الالتهاب الكبدي الوبائي دون دمٍ أو لُعاب. لا، الدُّميتان حقيقيَّتان، لكنهما ليستا حقيقيَّتيْن إلى تلك الدَّرجة.

قد تنسى أيُّ زوجةٍ الأمر، لكن زوجها سيعود إليها في الأسبوع التَّالي ليُصيبها وأولاده بالزُّهري، أو السَّيلان، أو الكلاميديا، أو الإيدز. لكنها الآن تُحاصِر كورا بأسئلةٍ عن العاهرة التي يُضاجِعها زوجها.

نظرةٌ واحدة تُلقيها أيُّ زوجةٍ على كورا، بشعرها ذي التَّصفيفة القديمة وقرطيْها الصَّغيريْن والجورب النيلون الذي يصل إلى الرُّكبة والسُّترة الرسميَّة، ولن ترتاب فيها أبدًا. كورا التي تظهر المناديل المستعملة من تحت كُمِّ سترتها، كورا التي تضع طبقًا مليئًا بالحلوى على مكتبها، وكارتون "السيرك العائلي" معلَّق خلفها.

ومع ذلك لا أحد قال إنَّ كورا رنولدز غير جذَّابة.

ثم ترى الزَّوجة المديرة سدلاك بأظفارها الحمراء.

لم يندهش أحدٌ عندما استُدعيَت كورا إلى مكتب المديرة.

لا أحد قال لكورا رنولدز إنَّ أيَّامها هنا أصبحَت معدودةً.

تجلس كورا على النَّاحية الأخرى من مكتب المديرة الخشبيِّ في الغُرفة ذات النَّوافذ المرتفعة، والمديرة جسدها حدَّده ضوء الشَّمس ومنظر الجراج الخارجي، وبأصابع يدٍ واحدة تُشير إلى كورا بأن تميل مقتربةً.

تقول المديرة: "صعبَ عليَّ أن أحدِّد إن كان فريقي كلُّه من المجانين، أم إنك تُبالِغين في ردِّ فعلك".

لم يَشعُر أحدٌ كيف هوى قلب كورا بين قدميْها في تلك اللَّحظة. جلسَت متخشِّبة في مكانها. هذا ما نفعله: نُحوِّل أنفُسنا إلى أشياء، ونُحوِّل الأشياء إلى أنفُسنا.

هؤلاء الملايين في جميع أنحاء العالم ما زالوا يُحاوِلون إنقاذ بِتي. لعلَّ الأحرى بهم أن يهتمُّوا بأنفُسهم فقط. ربَّما فاتَ الأوان.

تقول المديرة إنَّ الأطفال هُم مَن يمزِّقون الدُّمى كما هي الحال دائمًا. الأطفال المعتدى عليهم يعتدون على كلِّ شيءٍ تطوله أيديهم. كلُّ ضحيَّةٍ ستجد لها ضحيَّةً. إنها دائرة. وتُضيف: "أظنُّ أنَّ عليكِ أن ترتاحي بعض الوقت".

إذا أردت، يُمكنك اعتبار كورا رنولدز واقيًا ذكريًّا يزن 120 رطلًا.

لم يقل أحدٌ هذا الجزء الأخير جهرًا، لكن أحدًا لم يحتَج إلى قوله فعلًا.

لا أحد قال لها أن تعود إلى بيتها وتتوقَّع الأسوأ.

جزءٌ من الاحتفاظ بعملها أنَّ عليها إعادة دُمية التَّنفُّس بتي التي أبلغَت من قبل أنها أخذَتها، وعليها تسليم دُمى الحيوانات التي اشترَتها من ميزانيَّة القسم، وتسليم مفاتيح غُرفة الرِّعاية الصحِّيَّة في الحال، وأن تُتيح الغُرفة والدُّميتيْن الصَّحيحتيْن تشريحيًّا لجميع العاملين وتُقدِّم لهم الخدمة حسب دورهم.

ما شعرَت به كورا أشبه بتوقُّفك المفاجئ عند إشارةٍ حمراء بعد قطع مليون ميل بسرعةٍ خارقة. امتزجَت الاستقالة بنوعٍ من الرَّاحة. كورا، أنبوب من الجلد ذو فتحتيْن ضيِّقتيْن عند طرفيه. شعورٌ مقيت، لكنه أوحى لها بخُطَّة.

في اليوم التَّالي لم يرَها أحدٌ وهي تتسلَّل إلى غُرفة الأدلَّة، حيث السَّكاكين التي لا يزال بعضها يحمل رائحة الدَّم، والغراء الذي يُمكن لأيِّ أحدٍ استعماله.

أمام مكتبها طابورٌ بالفعل، وكلُّهم ينتظر عودة أحد الطِّفليْن.

كورا رنولدز ليست حمقاء، لا أحد يستغفلها.

يأتي مُحقِّق بالولد معلَّقًا تحت أحد ذراعيْه والبنت تحت الذِّراع الأخرى. يضعهما على المكتب، ويندفع المحتشدون نحوهما قابضين على السِّيقان السليكون الورديَّة.

لا أحد يعرف مَن المجانين الحقيقيُّون.

ترفع كورا مسدَّسًا تتدلَّى منه بطاقةٌ بخيط تحمل رقمه في سجلِّ الأدلَّة. تُلوِّح بالمسدَّس وتُشير نحو الدُّميتيْن قائلةً: "فليحملهما أحدكم ويأتي معي".

لا يلبس الولد إلَّا سرواله الدَّاخلي المبقَّع بشيءٍ يُشبِه الشَّحم، والفتاة ترتدي بلوزة بيضاء متَّسخةً. يرفع المحقِّق الاثنيْن بيدٍ واحدةٍ ويضمُّهما إلى صدره بما فيهما من خواتم ووشوم وقمل العانة، بما فيهما من رائحة دُخان الماريجوانا وذلك الشَّيء الذي خرجَ من بتي.

تُلوِّح كورا بالمسدَّس وتجعل الرَّجل يمشي نحو باب المكتب.

يحوم الرِّجال حولها، لكنها تدفع المحقِّق عبر الردهة، ثم مرورًا بمكتب المديرة وغُرفة الرعاية الصحِّيَّة، ثم إلى اللوبي فجراج السيَّارات. ينتظر المحقِّق حتى تفتح سيارتها.

يجلس الولد والبنت في المقعد الخلفي، وتنطلق كورا بالسيَّارة بعُنف، وقبل حتى أن تعبر البوَّابة المثبَّتة بالسُّور المعدني، يُمكنك أن تسمع سارينة السيَّارات القادمة في الطَّريق.

لم يعرف أحدٌ أنَّ كورا رنولدز ستكون على أهبة الاستعداد: بِتي جالسة على المقعد الأمامي وقد التفَّ وشاحٌ حول شعرها الأحمر ووُضعَت نظَّارة شمس على وجهها وتدلَّت سيجارة من شفتيْها الحمراويْن. لقد عادَت الفتاة الفرنسيَّة من الموت، بُعثَت، وها هي ذي جالسة مثبَّتة بحزام الأمان.

هذه البشريَّة التي تحوَّلت إلى شيءٍ عادَت بشريَّةً من جديد.

بقيَّة دُمى الحيوانات -النُّمور والدِّببة والبطاريق- مصفوفةٌ في نافذة السيَّارة الخلفيَّة، وقطَّة كورا بينها نائمةٌ تحت الشَّمس، وكلُّهم يُلوِّح وداعًا.

تَخرُج كورا إلى الطَّريق السَّريع وقد تركَت إطارات السيَّارة علاماتٍ على الأسفلت من السُّرعة المضاعفة للحدِّ الأقصى التي تنطلق بها، وفي أثرها حفنة من سيَّارات الشُّرطة تعوي بالأحمر والأزرق، وهليكوپتر، ومُحقِّقون غاضبون، وأطقُم محطَّات التلفزيون في سيَّاراتٍ بيضاء كبيرة.

لا سبيل لمنع كورا من الفوز الآن.

إنَّ معها الولد، ومعها البنت، ومعها المسدَّس.

حتى إن نفدَ منهم الوقود فلن ينيك أحدٌ طفليْها.

حتى إن أطلَقوا النَّار على الإطارات فستُطلِق النَّار على وجهيْهما وحلماتهما وأنفيْهما. ستَترُكهما شيئًا لا يرغب أيُّ رجلٍ في ولوجه، وستفعل الشَّيء نفسه مع بِتي.

ثم ستُطلِق النَّار على نفسها، لتُنقِذهم.

أرجوك افهمني، فلا أحد هنا يُدافِع عمَّا فعلته كورا.

لا أحد يقول إنها عاقلةٌ حتى، لكنها فازَت في النهاية.

هذا ما يفعله النَّاس: يُحوِّلون الأشياء إلى بشر، والبشر إلى أشياء، مرارًا وتكرارًا، واحدة بواحدة.

هذا هو ما سيجده رجال الشُّرطة إذا اقتربوا: الدُّمى وقد تشوهت جُثثها، جميعهم موتى، والحيوانات غارقة في دمها. جميعهم موتى معًا.

ولكن حتى اللَّحظة ما زالَ خزَّان الوقود مليئًا عن آخِره، ومعها كيس مليئ بالكوكايين من غُرفة الأدَّلة لتظلَّ مستيقظةً منتبهةً، وكيس من الساندوتشات وزُجاجات ماء، ومعها القطَّة تُخرخِر في نومها.

ليس بينها وبين كندا إلَّا ساعات قليلة على الطَّريق السَّريع.

إلَّا أنَّ الأهمَّ من كلِّ شيءٍ آخَر أنَّ كورا رنولدز مع عائلتها الآن.