تحالف الزمن اللعوب مع المكان فلم أقدر سوى على تذكر تلك الليلة البعيدة والغريبة التي استمتعت بها بأفضل ممارسة جنسٍ في حياتي.

أشهى ليلة في حياتي

قصة لأوسكار مونتويا

ترجمة عن الأسبانية: أحمد عويضة

أوسكار مونتويا، كاتب إسباني من مواليد آليكانتي ويعيش في فيجو. درس القانون وعمل بقطاع الأعمال. بدأ مسيرته الأدبية بكتابة القصة القصيرة عن الأحوال المعاصرة والحياة اليومية، وكان ينشرها تحت اسم مستعار "مونتويا جاكسون". نشر روايته الأولى "آخر أيام الأمومة" إلكترونيًا على أمازون في 2017، ثم راهنت عليه دار adN ونشرت له روايتيّ "من مكانٍ آخر" المرشحة لجائزة سيلفيريو كانيادا في عام 2019 ورواية "ما يسعى إليك" في 2021.

نُشِرت على موقع زيندا في نوفمبر 2023


عيد الميلاد لمارك شاجال، عن archive

بينما أنا خارجٌ من ديكاتلون مع طليقتي وأولادي نتجادل كالعادة، رأيتُ كريستينا ماستاشى تترجل من سيارتها رفقة رجلٍ أكثر وسامة من أغلب الرجال، مبتسمة مُحملة بالآمال كما هي العادة قبل دخول أي متجر ملابس رياضية، أي قبل الشجار.

كانت زوجتي السابقة تعرف كريستينا ماستاشي أيضًا. أما أبنائي فلا يعرفونها. كان من الممكن أن تكون هي والدة أطفالي الآخرين.

عشرون عامًا مرت دون أن أراها، رائعة كالعادة، لم يترك الزمن آثارًا عليها كما ترك على طليقتي وعليَّ وعلى أطفالي السِمان.

الحقيقة أنني وقفتُ هناك، في مدخل ديكاتلون، راسخًا متماسكًا بفضل الحقيبتين الممتلئتين بأدوات الغطس واللتين كانتا تسحبان ذراعيّ للأسفل. تحالف الزمن اللعوب مع المكان فلم أقدر سوى على تذكر تلك الليلة البعيدة والغريبة التي استمتعت بها بأفضل ممارسة جنسٍ في حياتي.

***

في عام 1999 كنتُ شابًا صغيرًا وسعيدًا، بدأتُ بالكاد في الاستقلال بحياتي ودفع أقساط خطة تقاعدي منذ أسبوع، وقبل هذا الأسبوع تعرفت بزوجتي السابقة ورأيتُ الحياة تبتسم لي، رغم أننا لم نُمارس الجنس بعد، فهي متحفظة، رأت أن نتمهل ونأخذ الأمور بروية، وأنا لم أُطِق الانتظار لأفتتح شقتي الجديدة في وسط المدينة بالطريقة الأمثل.  

أدتْ حالة شد وإرخاء الحبل الأولية تلك إلى الكثير من سوء التفاهم والمواقف الغريبة، وتسبب ذلك في أن نقضي أسابيع دون أن نلتقي. شعرت باستياء كبير عندما لم تُرافقني لحضور جِنازة جدي، الذي مات بسرطان الحنجرة، ورغم أنني وذلك العجوز لم أتفق مطلقًا، إلا أنني أولي أهمية كبيرة للطقوس العائلية تلك، فأنا أنحدر من عائلة متوسطية.

تعرفتُ إلى كريستينا ماتشاستي في فترة ابتعادنا أنا وزوجتي السابقة، ذات ليلة حارة فوق حلبة رقصٍ في ملهى لموسيقى السيكوبيلي psychobilly. قدمني لها أحد أصدقائي. جمالها متفرد، تبدو كأفضل ما يمكن أن يبدو كائن بشري، ترتدي ملابس ترسم استدارات جسدها بدقة، استدارتها التي لا يمكن التغاضي عنها قط. قلتُ لها شيئًا عن Stray Cats، وقالت لي إنها تنتمي أكثر لـ Misfits[1]، أو بكلماتٍ أخرى أخبرتني أنها مشاكسة حقيقية. بعد ساعةٍ دلفنا إلى شقتي المستأجرة ونحن نتبادل القبل بنهمٍ كالذئاب.

لم أفكر للحظةٍ في إيفا، زوجتي المستقبلية ثم طليقتي بعد ذلك. ألقينا بنفسينا في الفراش الضخم فارتددنا عنه وسقطنا أرضًا حيث واصل كل منا أكل فم الآخر الذي تفوح منه رائحة الكحول والتبغ والمجد المبارك للشباب المجنون.

لن أخوض في التفاصيل، ليس لأن ذلك فعل غير أخلاقي، ولكن لأن ذكرياتي لا يجب أن تتجاوز 1500 كلمة (أوصي بقراءة ويلبيك لتكوين صورة).

الحقيقة أن تلك كانت أفضل ليلة جنسية في حياتي، رقم قياسي لم يتم تجاوزه حتى يومنا هذا. وبالطبع أكدت لها بعدما انتهينا أنني سأترك إيفا – كنتُ قد أخبرتها من قبل أنني مرتبط ولم تهتم- فضحكت وطلبت أن أتوقف عن حكي القصص فلا رغبة لها في النوم وتُريد زجاجة بيرة أخرى. نهضتْ إلى المطبخ لتُحضر البيرة وأنا أُدخن سيجارة في الفراش بينما أول ضوء للفجر يضرب الستائر. كنتُ غارقًا في السعادة، وبدا جليًا أنني سأنفصل عن إيفا.

وفي تلك اللحظة سمعتها في المطبخ تتحدث مع نفسها أو مع أحد.

رغم أن ذلك قد يبدو صعب التصديق، إلا أنه في عام 1999 لم يملك الجميع هواتف جوالة، ولم أكن أعرف أن كريستينا تمتلك واحدًا.

قلت لنفسي وقتها إنها لا تُمارس الجنس مثل الملائكة وحسب، بل هي لبؤة متطورة تُحب التكنولوجيا.

عندما عادت إلى الفراش حاملة زجاجة البيرة رأيتُ وجهها يحمل علامات المفاجأة. وقبل أن أسألها عن ماركة جوالها قالت "لم أكن أعرف أنك تعيش مع جدك".

وقفتْ شعيرات مؤخرة عنقي وأنا أرد "عفوًا؟!"

أخبرتني أن هناك عجوزًا في المطبخ، يرتدي كلسونًا وفانلة داخلية، وحنجرته مثقوبة. اشمئزّ منها وأخبرها ألا تأخذني على محمل الجد.

صرختُ وأنا أقفز من الفراش "ما الذي تقولينه يا كريستينا؟"

لم أكن قد قلت شيئًا عن وفاة جدي، أو عن سرطان الحنجرة، لم أحكِ شيئًا على الإطلاق. انطلقت كالبرق إلى المطبخ، لا أحد هناك. توترتْ كريستينا بشدة، أخبرتها عن الجنازة وبعد دقيقتين كّنا نُغادر شقتي الجديدة المستأجرة في وسط المدينة بأقصى سرعة ونحن نموت خوفًا. رغم ذلك شعرتُ بأن عضوي لا زال منتصبًا بعض الشيء، بينما هي تبكي وأنا أُحاول تذكُر إن كنت قد قلت لها شيئًا عندما التقينا في الملهى وربما هي تستخدمها الآن لتعبث معي، رغم أن طريقة ركضها وشهقاتها المتقطعة لا تبدوان لشخصٍ يريد المزاح في موضوع مثل هذا. توسلتُ إليها لتسمح لي بقضاء الليلة في شقتها عندما وصلنا إليها إلا أنها رفضت، فاضطُررت إلى الذهاب إلى منزل والديّ، أخبرتهما أنني أضعت مفاتيحي أو شيء من هذا القبيل. لا شيء في العالم يجعلني أرغب في العودة إلى حيث يحوم شبح جدي.

ومرت الأيام.

قضيت بعض الوقت في العيش مع والديّ، وفي نفس الأثناء كنتُ أدفع إيجار شقتي بانتظام. لم أحكِ ما حدث لأي فردٍ في عائلتي، ولا لإيفا التي سأتصالح معها لاحقًا. وذات ليلةٍ أثناء سيرنا سويًا تحليت بالشجاعة وسألتها إن رغبت في مرافقتي إلى شقتي.

دخلتُ إلى الشقة خائفًا، سألتني ماذا حدث لي فقلت لا شيء، ولكن يجب أن أخبرك بأمرٍ قبل أن نفعل أي شيء، وحدثتها عن الليلة الجامحة التي قضيتها مع كريستينا ماستاشي، التي أعرفها منذ أيام المدرسة الثانوية بالطبع، ولم أتفوه بشيء عن جدي.

ظنتْ هي أنني خائف من رد فعلها، لكني في الحقيقة كنت مرعوبًا من الشبح. وبدا أن إمارات الرعب الشديد قد طغت على وجهي فقررت مسامحتي وقالت: لا بأس.. لم يحدث شيء.. أنا أحبك.

مارسنا الجنس، لم يكن سيئًا، لكنه لم يتشابه ولو من بعيد مع المرة الأفضل في حياتي.

بعدما انتهينا طلبتُ منها الذهاب إلى المطبخ.

سألتني: لماذا؟

فاجأتها قائلًا: تركتُ لكِ شيئًا هناك.

عادت بعد عدة دقائق على وجهها ابتسامةٍ ممتنة وفي أذنيها قرط. قالت لي:

- إنه رائع وثمين.

- ألم تري أحدًا في الداخل؟

- ماذا؟

- في المطبخ....

- لا أفهم عمّ تتحدث؟

- لا عليكِ، إنها بعض حماقاتي – وابتسمتُ مكملًا- القرط يبدو رائعًا في أذنيك.

في نهاية المطاف لم تفعل إيفا في السرير ما كانت تفعل كريستينا ماستاشي بالطبع، لم تحملني إلى أماكن مجهولة، ولم تجعل عينيّ غائمتين من المتعة، لكنها أبقت كل أشباحي بعيدًا، ولم يكن ذلك سيئًا بعد كل شيء (فأنا لستُ ناتشو بيدال[2]). هكذا تزوجنا، أنجبنا، عشنا حياة عادية، ثم انفصلنا وقررنا التعايش سويًا من أجل أطفالنا الذين كانا مثل الكائنات الفضائية ويكلفوننا مبالغ باهظة، إلا أننا نحبهم.


[1]  فِرق موسيقية

[2]  ممثل أفلام إباحية أسباني.