بهذه الطريقة، وبعد ارتدائك لمعطف أسود، يمكنك صعود أحد السلالم، أو النظر خلال نافذة ما، وحينها فلتصدر زئيرًا كالأسود، زئيرًا قصيرًا غليظًا ثقيلًا، كفيلًا بأن يجعل الناس يظنون فعلًا أن هناك روحًا تزأر، أو قلب إنسان يصرخ.

بناء على طلب سيادتكم

قصة قصيرة لروبرت فالسر

ترجمة: أحمد الصادق

عن ترجمة كريستوفر ميدلتون إلى الإنجليزية

نُشرت في الأصل عام 1907


روبرت فالسر عن newyorker

ربما تتساءل إن كانت لدي فكرة ما أقدمها لك، شخبطة مثلًا يمكنني كتابتها، مشهد مسرحي، رقصة، بانتومايم... أو أي شيء آخر يساعدك أن تجد خيطًا ما كي تتبعه. إليك فكرتي الاعتباطية: احصل على بعض الأقنعة، ستة أنوف، جباه، خصلات شعر، حواجب، عشرين صوتًا. لو أمكن اذهب إلى فنان ما، والذي ينبغي أن يكون خياطًا أيضًا، اجعله يصنع لك مجموعة من الأزياء، وتأكد من حصولك على حفنة من الديكورات الصماء لمناظر طبيعية خلابة. بهذه الطريقة، وبعد ارتدائك لمعطف أسود، يمكنك صعود أحد السلالم، أو النظر خلال نافذة ما، وحينها فلتصدر زئيرًا كالأسود، زئيرًا قصيرًا غليظًا ثقيلًا، كفيلًا بأن يجعل الناس يظنون فعلًا أن هناك روحًا تزأر، أو قلب إنسان يصرخ.

الآن أطلب منك الوقوف عند هذه الصرخة، اجعلها أكثر أناقة، ليصبح صوتها واضحًا نقيًا. بعدها الأمر يعود إليك، بإمكانك مثلًا التقاط إحدى خصلات شعرك وفردها قليلًا، رويدًا رويدًا، حتى تلامس الأرض. لو فعلت هذا الأمر بانسيابية ونعومة، سيكون له تأثير مرعب. سيظن الناس أن الألم قد أصابك بالبلاهة. ولكي تحصل على تأثير مأساوي، عليك استغلال جميع الوسائل الممكنة، أقربها وأبعدها. أقول ذلك لكي تفهم أنه سيكون من الأفضل الآن أن تدس إصبعك في أنفك وتنخر فيه بقوة. سيبكي بعض المشاهدين عندما يرون أن شخصية نبيلة وكئيبة مثلك، تتصرف بمثل هذه الوقاحة المقيتة. يعتمد ذلك أيضًا على تعبير وجهك حينها، كذلك زاوية الإضاءة المُسَلَّطة عليك، لذا تأكد من لكز فَنِّي الكهرباء في ضلوعه حتى يحصل على نصيبه الكافي من الأذى. لكن أهم من كل شيء، لا تنس أن تعمل تعبيرات وجهك بانسجام مع إيماءاتك، وحركة ذراعيك، وقدميك، وفمك.

تذكر ما أخبرتك به من قبل -وستظل تعلمه، آمل ذلك- أعني أنه بإمكان عين وحيدة، مفتوحة كانت أو مغلقة، أن تحقق تأثيرًا من الخوف، أو الجمال، أو الحزن، أو الحب، أو غيرها من التأثيرات. لا يستغرق الأمر الكثير لإظهار الحب، ولكن بشكل ما أو بآخر في حياتك الكارثية –والحمد لله على كل حال- لا بد أنك شعرت وعلمت ما هو الحب، وكيف يحلو له التصرف. الأمر نفسه يحدث بشكل طبيعي، مع قدر من الغضب أيضًا، ومشاعر من الحزن الواجم، باختصار، مع كل شعور إنساني. بالمناسبة، أنصحك أن تمارس التمارين الرياضية بشكل دوري في غرفتك، أو أن تتنزه في الغابة، لتستنشق هواءً نقيًا يملأ رئتيك، وأن تواظب على الرياضة، لكن انتق الرياضة المناسبة، كأن تذهب إلى السيرك وتراقب سلوك المهرجين، ومن ثم فكر بجدية في حركات جسدك السريعة حتى يصبح بإمكانك تقديم أفضل رعشة للروح. خشبة المسرح هي حنجرة حسية مفتوحة للشِّعر، وكذلك يا عزيزي، فإنهما قدماك اللتان بإمكانهما إظهار حالات الروح بشكل واضح تمامًا ولافت للنظر، ناهيك عن وجهك وما قد يصدره من آلاف التعبيرات. لا بد أن تملك زمام شَعرَك، لأنه في حال أردت إظهار الخوف مثلًا، فيجب عليك أن تجعله ينتصب واقفًا، ما يجعل المشاهدين، الذين هم خليط من المصرفيين والبقالين، يحدقون إليك في رعب.

حسنًا، الآن ستصبح واجمًا، مشدوهًا، تضع إصبعك في أنفك كطفل وقح أبله، وستبدأ الآن في التحدث. لكن بينما أنت على وشك ذلك، يزحف بأحشائك ثعبان ناري أخضر يشق طريقه لاعقًا، ويخرج من فمك الملتوي ألمًا، فتبدو أطرافك وكأنها ترتعد من الفزع. يسقط الثعبان على الأرض، ويلتف حول خصلة ساكنة من خصلات الشعر، فتدوي صرخة رعب في أرجاء القاعة كأنها تخرج من فم واحد، بينما تقدم شيئًا جديدًا في تلك اللحظة، إذ تطعن عينك بسكين مقوس طويل، حتى يبرز سنه أسفل رقبتك، بالقرب من الحنجرة، ويقطر دمًا. بعدها، تشعل سيجارة وتتصرف بارتياح غريب، كأنك تستمتع منفردًا بشيء ما. تتحول الدماء التي تلطخ بها جسدك إلى نجوم تتراقص حول خشبة المسرح بأكملها، تستعر وتتأجج نيرانها، فتلتقطها بفمك المفتوح واحدة تلو الأخرى حتى تختفي. هذا الأمر خاصة سوف يصل بفنك المسرحي إلى درجة الكمال، إذ ستنهار عليك ماكيتات البيوت المرسوم عليها مناظر طبيعية، مثل السكارى المرتعبين، وتدفنك. فقط يد واحدة لك ستكون ظاهرة، تحاول الوصول لأي شيء وسط غبار الحطام.. ستظل اليد تتحرك قليلًا.. ثم يُسدل الستار.